مجلس القيادة الرئاسي دلالات التشكيل ومسارات التحوُّل

Getting your Trinity Audio player ready...

الحدث:

ظلّ إصلاح مؤسسة الرئاسة أحد الموضوعات المطروحة على مائدة الحوارات الخاصَّة بالقضية اليمنية منذ عام 2014. ومع ذلك، فإنّ إعلان رئيس الجمهورية، عبدربه منصور هادي، فجر يوم الخميس 7 أبريل 2022، عن قراره بإنشاء مجلس قيادة رئاسي كان مفاجئًا؛ بسبب التغيير الجذري في هذه المؤسسة، والسلاسة والمناخ التوافقي الذي تمّ فيه. ويقضي هذا التغيير بتفويض المجلس الجديد جميع صلاحيَّات الرئيس ونائبه، الفريق الركن علي محسن الأحمر، الذي تمت إقالته بقرار رئاسي. وقد جاء الإعلان عقب المشاورات التي جرت في الرّياض بدعوة مِن الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في الفترة 29 مارس – 7 أبريل. وفاق هذا الإعلان التوقعات التي كانت تحوم حول إقالة نائب الرئيس وتعيين بديل عنه أو تعيين نائب أو نائبين آخرين إلى جانبه، كما فاق المطالب التي كانت تدور حول شخصيتي هادي ونائبه. فالتغيير طال بنية مؤسسة الرئاسة على نحو شامل، ومن ثمّ السُّلطة الشرعية، وتجاوز تلك التوقعات والمطالب. 

فما طبيعة المجلس الرئاسي الجديد؟ وكيف جرت عملية اتخاذ القرار بشأنه؟ وما سياقات هذا الإعلان ودلالاته؟ وما أسباب تشكيله في الوقت الراهن؟ ومن يقف وراء هذا التغيير، وما أهدافه؟ وما الفرص والتحديات أمام المجلس؟ وما السيناريوهات المحتملة لنجاحه أو فشله في حل الصراع في اليمن؟

أولًا: إعلان هادي وطبيعة المجلس الرئاسي

أصدر الرَّئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، قرارين؛ أعفى بموجب القرار الأوَّل نائبه الفريق الرُّكن علي محسن الأحمر مِن منصبه، وتضمَّن الثاني إعلانًا رئاسيًّا ينصُّ على تشكيل مجلس قيادة رئاسي، لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، وتفويضه تفويضًا لا رجعة فيه صلاحيَّات الرَّئيس ونائبه كافة، وفق دستور الجمهورية اليمينة والمبادرة الخليجية وآليَّتها التَّنفيذية. وحدّد هذا القرار اختصاصات المجلس بإدارة الدَّولة، سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا، طوال المرحلة الانتقالية. ويتكون المجلس من ثمانية أعضاء، برئاسة رشاد محمَّد العليمي.

الجدول (1) أعضاء مجلس القيادة الرئاسي وانتماءاتهم ووظائفهم

الاسم

الانتماء الحزبي

الانتماء المناطقي

الطابع الوظيفي

المكوِّنات العسكرية التابعة له

رشاد محمد العليمي

المؤتمر

تعز

موظف مدني

سلطان علي العرادة

المؤتمر

مأرب

عسكري/ لواء

مقاومة مأرب

طارق محمَّد صالح

المؤتمر

صنعاء

عسكري/ عميد ركن

المقاومة الوطنية والقوات المشتركة

عبدالله العليمي باوزير

الإصلاح

شبوة

موظف مدني

عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي

مستقل

يافع

ألوية العمالقة

عثمان حسين مجلِّي

المؤتمر

صعدة

برلماني

مقاومة صعدة

عيدروس قاسم الزَّبيدي

المجلس الانتقالي

الضالع

عسكري/ لواء

الأحزمة والنُّخبة

فرج سالمين البحسني

مستقل

حضرموت

عسكري/ لواء

المنطقة العسكرية الأولى

وقد أثار قرار تشكيل المجلس وطبيعته والدوافع الكامنة خلفه تساؤلات عديدة، في ظل اتخاذه دون تشاور مع مجلس النواب، أو مجلس الشورى، أو قادة الأحزاب المنضوية تحت لواء الشَّرعيَّة، ودون أي مؤشِّرات سابقة أو تسريبات مِن دوائر صنع القرار. كما أنَّ طبيعة النِّقاشات والمشاورات التي دارت في المؤتمر، خاصَّة في المحور السياسي لم تتناول هذا الطَّرح. لكن هناك مِن يشير إلى ضغوط مارستها القيادة السعودية على الرئيس هادي، في ظل سعيها لإيجاد حل للملفِّ اليمني نتيجة الضُّغوط الدُّولية عليها، وخاصَّة مِن الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة. 

ثانيًا: مشاورات الرياض كغطاء لاتخاذ قرار التغيير

دون تمهيد سابق، صرَّح مسؤولان خليجيَّان، بأنَّ مجلس التَّعاون يدرس إمكانية دعوة جماعة الحوثي وأطراف يمنية أخرى، لإجراء مشاورات، في الرِّياض في الفترة مِن 29 مارس إلى 7 أبريل، في إطار مبادرة ترمي إلى تعزيز مساعي السَّلام التي تقودها الأمم المتَّحدة؛ وستتناول الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية، وأنَّ الحوثيِّين سيكونون “ضيوفًا” على الأمين العام لمجلس التَّعاون، في مقرِّ المجلس بضماناته الأمنية، إذا ما قبلت الجماعة الدَّعوة للمشاركة. وكما كان متوقَّعًا، رفضت الجماعة الدعوة، وغرَّد القيادي فيها، محمَّد علي الحوثي، بأنَّ “ما يثار في الإعلام عن دعوة المجلس الخليجي للحوار هي في الواقع دعوة الرِّياض”، وتابع: إنَّ “الرِّياض طرف في الحرب، وليست وسيطًا”. ولأنَّ مجلس التَّعاون كان يتوقَّع عدم حضور الحوثيِّين، فقد أعلن أنَّ المؤتمر سيعقد بمن حضر.

بموازاة ذلك، ردَّت السعودية بإيجابية على اقتراح المبعوث الخاص للأمم المتَّحدة، هانس جروندبرج، بشأن وقف إطلاق النَّار في اليمن، في إطار هدنة دعت إليها الأمم المتَّحدة. ففي 2 أبريل، أعلن جروندبرج أنَّ هدنة لمدَّة شهرين، قابلة للتَّمديد، دخلت حيِّز التَّنفيذ، وأنَّ كلَّ العمليات العسكرية الهجومية، برًا وجوًا وبحرًا، سوف تتوقَّف، وأنَّ طرفي الهدنة (جماعة الحوثي و”التَّحالف العربي”، بقيادة السعودية) توافقا بشأن شحنات الوقود ومطار صنعاء. وسبق أن أعلن “التحالف العربي” أنَّه سيوقف العمليات العسكرية في اليمن، خلال شهر رمضان، بهدف “إنجاح المشاورات” اليمنية. وقد رحَّب الرئيس الأمريكي، جو بايدن بالإعلان عن الهدنة، التي طال انتظارها مِن الشعب اليمني، حسب تعبيره، معتبرًا أنَّها خطوة مهمَّة، لكنَّها “ليست كافية”، وقال: “مِن الضروري أن ننهي هذه الحرب” .

في ضوء ذلك، توافدت شخصيَّات عدَّة مِن الدَّاخل اليمني، ومِن خارجه، للحضور في هذه المشاورات. فقد شارك فيها أعضاء الحكومة، وأعضاء في مجلس النُّواب، وأعضاء في مجلس الشُّورى، وممثِّلين عن الأحزاب والتَّنظيمات السياسية، وحضرها ممثِّلون عن “المجلس الانتقالي” الجنوبي، و”المكتب السياسي” للمقاومة الوطنية، ومكوِّنات أخرى مثل: “التَّحالف الوطني” للأحزاب، و”الحراك التَّهامي”، و”مؤتمر حضرموت الجامع”، و”الهبَّة الحضرمية”، وعدد كبير شيوخ القبائل، والنِّساء، والمنظَّمات، والأفراد! وجرى تقسيم المتشاورين على ستَّة محاور هي: العسكري، والسِّياسي، والإنساني، والاقتصادي، والإصلاح الإداري، والتَّعافي الاجتماعي.

وأظهرت النِّقاشات داخل لجان المؤتمر وجود قدر عال مِن التَّوافق بين مختلف المكوِّنات، وأنهت الفرق أعمالها، فيما اتَّجهت الأنظار نحو الفريق السياسي الذي كان يناقش القضايا الأكثر حساسيَّة، ومِنها إصلاح السُّلطة الشرعية، باعتباره مطلبًا للعديد مِن الأطراف، وإن اختلفت أجنداتهم مِن ورائه. وتحدَّثت بعض التسريبات عن إمكانية تغيير نائب الرئيس، أو تعيين نائب أو أكثر إلى جانبه، أو بديل عنه. ومع فجر يوم الخميس تفاجأ المشاركون بالإعلان الرئاسي؛ إذ لم يكن الكثير منهم على اطِّلاع عليه، ما يشير إلى أنَّها نسجت منذ وقت مبكِّر، وخارج أروقة المؤتمر.

ثالثًا: سياقات الإعلان الرئاسي ودلالاته

لم يأتِ قرار الرئيس هادي بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي كنتيجة لمشاورات الرياض بين الأطراف اليمينة، بل يبدو أنه جاء في ظل ظروف وسياقات محليَّة وإقليميَّة ودولية تدفع باتجاه تغيير مسار الصراع في اليمن، للإعتبارات التالية: أولًا: مراوحة حالة الصراع والحرب مكانها، إذ لم يتمكَّن أي طرف من تحقيق تقدُّم أو انتصار حاسم. ثانيًا: الانهيار الاقتصادي وتدهور الحياة المعيشية مما أدى إلى تزايد الانتقادات «للتحالف العربي»، والسعودية خصوصًا، والاتِّهامات بخلق مأساة إنسانية.  ثالثًا: تزايد هجمات على مصادر الطاقة في السعودية، وتهدِّد المنشآت الحيويَّة والمصالح الإستراتيجية، دون أن تجد موقفا صارمًا مِن الدُّول الغربية؛ ما يستدعي تغيير الاستراتيجية السعودية تجاه الحرب في اليمن. أما إقيليمًا، فهناك، أولًا، حراك دبلوماسي لحل بعض المشاكل العالقة إقليميًا، مثل البرنامج النووي الإيراني، والحرب في اليمن. ثانيًا، تخضع السعودية لضغوط متزايدة مِن الإدارة الأمريكية، والدول والمنظمات الغربية، والأمم المتحدة، بشأن حرب اليمن.  ثالثًا، تتحمَّل السعودية أعباءً أمنية واقتصادية كبيرة بسبب استمرار الحرب في اليمن ومشاركتها الرئيسية فيها.

وعلى المستوى الدُّولي، باتت، الحرب الروسية ضد أوكرانيا تلقي بظلالها على العالم عمومًا، والمنطقة خصوصًا، خاصة في ظلِّ البحث عن بدائل لإمدادات الطاقة بعد العقوبات على روسيا. ومع رفض دول منظمة “أوبك” رفع إنتاجها لتغطية احتياجات الأسواق العالمية، يستدعي الأمر تنشيط كلِّ موارد الطاقة الثانويَّة مهما كان مقدارها. تبدو السعودية تحديدًا حاضرة بقوة في المشاورات اليمنية، وفي هذه السياقات المحلية والإقليمية والدولية. ويظهر ذلك أن المملكة مهتمة للغاية في إحداث تغيير ما على الساحة اليمنية قد يساهم في التسوية في اليمن، مما يقلل من الانعكاسات السلبية عليها. ويبدو أنها تتطلع إلى تحقيق الأهداف التالية من التغيير الجديد المتمثل بمجلس القيادة الرئاسي في اليمن:   

  1. ضمان بقاء القرار اليمني مهيمنًا عليه ومتحكَّمًا به، ما يفسر إقالة نائب الرئيس، وتفويض المجلس بصلاحيات الرئيس ونائبه.

  2. وضع القوى الموالية للسعودية والإمارات على رأس هرم السلطة، وذلك باستعادة زخم المؤتمر الشعبي العام صدارة المشهد السياسي، وتمكين رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في هذه السلطة.

  3. محاولة إنهاء الحرب، والدخول في مفاوضات سياسية مع الحوثيين للبدء بعمليَّة السلام، والتي قد تعيد تشكيل اليمن في اتحاد فيدرالي مِن إقليمين، وهو ما يفسِّر النَّصَّ على إدراج “قضية شعب الجنوب”، في أجندة مفاوضات وقف الحرب، لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السَّلام الشَّاملة.

  4. تهميش القوى الوطنية والإسلامية، وتعزيز نفوذ التشكيلات العسكريَّة التي تشكَّلت خارج إطار الشَّرعية، وتوطينها ضمن مؤسَّسات الأجهزة الأمنية والعسكريَّة، دون غيرها مِن القوى.

أما دلالات الإعلان الرئاسي، فيبدو أن هذه التغيير الجذري يراد منه تحقيق الآتي:

  1. طي صفحة الرَّئيس هادي بشكل عملي، وإبقائه رمزًا للشرعية، فقد ظلَّ هادي -بعد انطلاق “عاصفة الحزم”- في حالة اشتباك مع دولة الإمارات، والتي دعمت انقلابًا عليه قام به “المجلس الانتقالي” الجنوبي، عام 2019.

  2. تغييب علي محسن الأحمر عن المشهد العسكري والسياسي بشكل نهائي، وهو الرَّجل الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في اليمن.

  3. تقاسم النُّفوذ في مجلس القيادة الرئاسي بين السعودية والإمارات، كما أشرنا أعلاه.

  4. رغم أخذ الإعلان بمبدأ القيادة الجماعية في المجمل، فإنه زاوج بين القيادة الفردية والقيادة الجماعية، منعًا لإمكانية عرقلة سير عمل المجلس مِن خلال أمرين: منح رئيس مجلس القيادة صلاحيات منفردة على سبيل الحصر، بالشَّكل الذي يمكِّنه مِن تسيير شؤون البلاد في كلِّ الظُّروف؛ والنَّص على أنَّه لا يجوز لأيِّ عضو مِن أعضاء مجلس القيادة الرِّئاسي رفض المشاركة في اجتماعات المجلس، إلَّا لأسباب الوفاة أو العجز أو المرض العضال أو لضرورة ملَّحة تمنعه مِن الحضور.

رابعًا: ردود الأفعال على الإعلان الرئاسي

رحبَّت السعودية بإعلان الرئيس هادي، وأكَّدت دعمها الكامل لمجلس القيادة الرِّئاسي والكيانات المساندة له، وتقديم دعم عاجل للاقتصاد اليمني بمبلغ (3) مليارات دولار. كما رحبت الإمارات بالقرار، وأعلنت هي الأخرى عن دعم مالي للاقتصاد اليمني. وتوالى الترحيب بالقرار مِن قبل دول خليجيَّة وعربية أخرى، في مقدِّمتها مصر والأردن. وحظي القرار -أيضًا- بترحيب مجلس تعاون دول الخليج العربية، وجامعة الدُّول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة. ورحبت بالقرار كل من الولايات المتَّحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا.

يمنيًّا، رحَّب كلٌّ مِن الفريق الركن علي محسن الأحمر، ورئيس مجلس الوزراء، معين عبدالملك، بتشكيل المجلس. كما رحَّب حزب “التجمع اليمني للإصلاح” بالقرار وتشكيل المجلس معبِّرًا عن أمله في أن يكون مدخلًا لتوحيد الجهود العسكرية والأمنية والسياسية، بما يؤدي إلى استعادة أمن واستقرار اليمن وينعكس إيجابًا على حياة المواطنين.

مِن جهتها، عبَّرت جماعة الحوثي عن رفضها إعلان مجلس القيادة الرئاسي، واعتبر محمد عبدالسلام، الناطق الرسمي باسم الجماعة أن القرار “إجراءات غير شرعية”، صادرة خارج حدود الوطن، عن “جهة غير شرعية”. ووصف تشكيل المجلس بأنَّه “محاولة يائسة، لإعادة ترتيب صفوف المرتزقة، للدَّفع بهم نحو مزيد مِن التَّصعيد”.

خامسًا: الفرص والتحديات أمام المجلس الرئاسي

من الواضح أن أداء مجلس القيادة الرئاسي ونجاحه أو فشله سوف يعتمد على عدد من العوامل والمحددات التي تعد أساسية في الوضع اليمني المعقد حاليًا. فالأطراف المحلية والإقليمية ستكون مؤثرة بصورة كبيرة في المستقبل القريب وفقًا لمصالحها وأجنداتها. كما أن العامل الدولي، المتمثل بالأمم المتحدة والولايات المتحدة، سيكون لهما دور في نجاح هذا المجلس أو فشله تبعًا لمدى المساهمة في تعزيز السلام أو الضغط على الأطراف لحل الصراع. ويمكن إجمال هذه الفرص والتحديات في الجدول التالي. 

الجدول (2): الفرص والتَّحدِّيات التي يواجهها مجلس القيادة الرئاسي

الفرص

التحديات

إمكانية توحيد التشكيلات المسلحة والعمل العسكري في جبهة واحدة وصف واحد.

ضعف الانسجام بين مكونات المجلس.

وقوف السعودية والإمارات خلف المجلس ودعمهما له.

احتمال حدوث استقطاب سعودي إماراتي لمكوِّنات المجلس.

التَّوجُّه الدُّولي، والأمريكي خاصَّة، الضَّاغط لإنهاء الحرب.

عوائق عودة سلطات الشرعية والحكومة للعمل مِن داخل اليمن.

أما محدِّدات أداء مجلس القيادة الرئاسي، فعلى الأرجح أنَّ هذا التَّغيير جاء في إطار صفقة شاملة، يتمُّ بموجبها ضمُّ كل المكوِّنات العسكرية إلى جسم السُّلطة الشَّرعية في مقابل تغيير الرَّئيس ونائبه، وضمِّ مسؤولي الكيانات العسكرية في المجلس. وعليه، فإنَّ تحقيق غايات هذا التَّغيير وأهدافه تعتمد إلى حدٍّ كبير على دمج التَّشكيلات العسكرية المختلفة في بُنية الجيش الوطني، تحت قيادة كلٍّ مِن وزارة الدِّفاع والدَّاخلية. وسوف يتأثر وضع وأداء المجلس بالعوامل التالية:

    1. موقف السعودية من استمرار الحرب: فاتِّجاه الرياض نحو السَّلام مع جماعة الحوثي، وممارستهما للضُّغوط على السُّلطة الشَّرعية للمضي نحوه، يرسم مسارًا لمجلس القيادة، ويكون العكس إذا ما استمرَّتا في دعم الحرب. 

    2. نهج الإمارات: وهل ستستمرُّ في تغليب مصالحها الخاصَّة وإعاقة السُّلطة الشرعية أم أنَّها ستغيِّر هذه السياسات.

    3. سلوك المجلس الانتقالي: إن كان سيتخلَّى عن معارضته عودة السُّلطة الشَّرعية إلى عدن والمناطق المحرَّرة، ويمتنع عن إعاقتها، ويسلِّم بتنفيذ الشِّقِّ العسكري والأمني مِن “اتِّفاق الرِّياض” لعام 2019، والذي نصُّ على دمج تشكيلاته العسكرية التابعة للانتقالي في إطار وزارتي الدِّفاع والدَّاخليَّة. وهو ما سيفسح المجال لمجلس القيادة لإنجاز مهامه العسكرية والسِّياسية، وحتَّى الاقتصادية. وعكس ذلك إذا ما رفض تنفيذ الشِّق العسكري والأمني مِن “اتِّفاق الرِّياض”.

  • موقف جماعة الحوثي مِن مباحثات السلام: فقبولها بالحوار وانخراطها فيه سيضع مجلس القيادة في حالة مِن الضَّعف، وعدم التَّماسك، بسبب احتمال بروز المطالب الخاصَّة لكلِّ مكوِّن في المجلس.

سادسًا: السيناريوهات المحتملة

بالتفاعل بين العوامل التي ستؤثر على وضع وأداء مجلس القيادة الرئاسي، وفي ضوء المحدِّدات أعلاه، يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات على النحو التالي:

السِّيناريو الأوَّل: أداء متماسك وتحوُّل عسكري

يفترض السِّيناريو أنَّ هناك رغبة سعودية تقف وراء التغيير في رئاسة الدُّولة اليمنية لإحداث تحوُّل عسكري لصالح حلفائها على الأرض، ما ينتج عنها:

– ضغوط على “المجلس الانتقالي” لتغيير سلوكه، وعدم إعاقة عودة السُّلطة الشَّرعية، وممارسة أعمالها في المناطق المحرَّرة.

– دمج التشكيلات المسلحة في بنية الجيش الوطني، وتوحيد جهودها وأدائها، تحت سلطة المجلس.

ويفترض هذا السيناريو أيضًا استمرار الحوثيِّين في رفض الحوار مع القيادة الجديدة، بما يوفِّر الذَّرائع لعودة المعارك العسكرية، وهو ما سوف يساعد المجلس لتحقيق وضع مثالي يتمكَّن معه مِن خلق تحوُّل عسكري لصالح حسم الصراع عسكريًا.

ثمَّة عوامل تدعم هذا السيناريو وأخرى تعيقه، وهي على النحو التالي:

عوامل تدعم تحقق السيناريو

عوامل تمنع تحقق السيناريو

1- تضرُّر سمعة ومصالح السعودية على نحو كبير بسبب هجمات الحوثيين على المصالح والمنشآت النفطية.

2-إبعاد العوائق التي كان يتم التَّعذُّر بها لعدم تقديم دعم كاف للعملية العسكرية (ما كان يقال عن فساد هادي، وعدم التَّوافق على شخص علي محسن، وهيمنة الإصلاح).

1-خطاب مجلس التعاون وخطاب السعودية اللَّذين تحدَّثا عن أنَّ غايات التغيير هي السَّلام مع الحوثيين.

2- الضغوط الأمريكية والدولية التي تريد إيقاف الحرب. 

السيناريو الثاني: أداء متوسط وبقاء الوضع الراهن

يستند هذا السِّيناريو إلى حدوث تحوُّل نسبي في موقف السُّعودية مِن الحرب، نتيجة اعتبارات داخلية وضغوط خارجية؛ ما يُرجِح تراجع مستوى دعم الرِّياض للعمل العسكري ضدَّ جماعة الحوثي، ويدفع بمجلس القيادة الجديد للانخراط في مفاوضات مع الحوثيين لوقف الحرب. سيكون تعنُّت الحوثيِّين عامل إفشال للمفاوضات، وبالتَّالي ستعود الأمور إلى الحرب مِن جديد، ولكن بقوَّة وحماس ودعم أقل. وهو ما يعني بقاء الأمور في حالة مراوحة، فلا يحدث سلام كامل، ولا حرب مفضية إلى حسم.

بهذا، مِن المرجَّح أن تبرز التَّناقضات بين الأطراف المكوِّنة له، فيقدِّم المجلس أداءً متواضعًا، لكن ضغوط الرِّياض تمنع تفكُّكه.

وهناك عوامل تدعم هذا السيناريو وأخرى تعيقه، وهي على النحو التالي:

عوامل تدعم تحقُّق السيناريو

عوامل تمنع تحقُّق السيناريو

1-الوضع الراهن للعلاقات السعودية – الأمريكية التي تمثِّل قيدًا على سلوك السعودية، وتحدُّ مِن هامش تحركاتها. 

2- الضغوط الأمريكية والدولية لإيقاف الحرب.

1-حالة الضَّعف التي تعاني مِنها جماعة الحوثي، والتي تجعل مِن تغيير الموازين العسكرية أمرًا سهلًا وقليل الكلفة.

2-تعالي جماعة الحوثي وإمكانية رفضها الانخراط في مفاوضات مع خصومها.

السيناريو الثالث: أداء ضعيف وتفكُّك مبكر وهذا السيناريو الأكثر تشاؤمًا، إذ يستند إلى أنَّ السُّعودية والإمارات تستبطنان رفع اليد عن التَّطوُّرات في اليمن، وأنَّ تشكيل المجلس هو خطوة في هذا المسار. ففي بيان السعودية الصادر، في 7 أبريل، أعلنت دعمها للمجلس، وحثَّته بالبدء في التَّفاوض مع جماعة الحوثي، تحت إشراف الأمم المتَّحدة، للتَّوصُّل إلى حلٍّ سياسي نهائي وشامل. بالتَّالي، فإنَّ المجلس مضطر للدُّخول في مفاوضات مع الحوثيِّين لترتيب مرحلة انتقالية جديدة.

ومع توقُّف العمل العسكري والتَّركيز على المفاوضات، ستتصاعد التَّناقضات بين المكوِّنات المختلفة داخل المجلس، وفي مثل هذه الظُّروف يتوقَّع استمرار “المجلس الانتقالي” في رفض دمج مكوِّناته العسكرية في مؤسَّسات الدَّولة، وفي إعاقة السُّلطة الشَّرعية من العودة إلى المناطق المحرَّرة؛ ومعه يتَّجه كلُّ طرف إلى تثبيت وجوده في المناطق الواقعة تحت سيطرته، وهو ما يحيل تشكيل مجلس القيادة الرِّئاسي إلى خطوة في طريق شرعنة التَّفكُّك وتجذير التَّمزُّق.

وثمة عوامل تدعم هذا السيناريو وأخرى تعيقه، وهي على النحو التالي:

عوامل تدعم تحقق السيناريو:

عوامل تمنع تحقق السيناريو

1- طلب الرياض مِن المجلس البدء بالتَّفاوض مع جماعة الحوثي، للتَّوصُّل إلى حلٍّ سياسي نهائي وشامل.

2-حالة عدم التجانس في الأهداف والغايات بين مكوِّنات المجلس.

3-جهود المبعوث الأممي في الترتيب لمفاوضات في دولة محايدة وإمكانية قبول الحوثيين بذلك. 

4- الضغوط الأمريكية والدولية التي تريد إيقاف الحرب.

1-ترجيح أن تكون مطالب الرياض بالبدء في مفاوضات في إطار مناورات تجنبًا للضغوط دولية.

2-المفاوضات لا يمكن أن ينتج عنها سلام دائم، ما لم يحدث انكسار عسكري لأحد طرفي الصِّراع.

3-كلفة إنهاء الخطر الحوثي على الرياض عسكريًّا أقلُّ بكثير مِن كلفة بقاء الأمور تراوح مكانها. 

اضغط لتحميل المادة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى