تشكيل قوة المهام البحرية المشتركة (153) وانعكاساتها على الصراع في اليمن

Getting your Trinity Audio player ready...

مقدمة:

أطلق الأسطول الأمريكي الخامس، الذي يربض على المياه الإقليمية في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، بالشراكة مع عدد مِن دول المنطقة ودول حليفة، في شهر أبريل الماضي، قوة بحرية مشتركة، أُطلِق عليها “قوة المهام المشتركة (153)”، تتولى القيام بمهام وأنشطة عسكرية تتعامل مع التهديدات التي تعترض الأمن البحري، والملاحة الدولية في المياه البحرية بخليج عدن، باب المندب، والبحر الأحمر، وعلى الأرجح فإن نشاط هذه القوة سيترك تأثيرًا بشكل أو بأخر على الصراع في اليمن، وهو ما يقتضي التعرف على طبيعة قوة المهام المشتركة، ومهامها، وتأثيراتها المحتملة على الحرب الدائرة في اليمن.

أولا: معلومات عامة عن البحرية الأمريكية

تعتبر القوات البحرية الأمريكية أكبر القوات البحرية في العالم، وهي تحتفظ بوجود عسكري لها في مختلف مناطق العالم، وتدار من قبل الإدارة البحرية المركزية الأمريكية التي تتبع وزارة الدفاع؛ وهي تمتلك عددًا مِن القواعد العسكرية في مناطق مختلفة من المعمورة: اليابان (وتُعد أكبر قاعدة بحرية في العالم)، وإيطاليا، واليونان، وإسبانيا، والبحرين، وقطر، وخليج جوانتانامو، وكوبا؛ كما تمتلك عددًا مِن الأساطيل البحرية التي تنتشر في المياه الدولية، ومواقع ذات أهمية استراتيجية في العالم، كما يوضحه الجدول التالي:

الأسطول

التأسيس

مقر القيادة

المنطقة التي يتولى حمايتها

الثاني

1943، وتوقف عام 2011م وأُعيد تأسيسه عام 2018 لمواجهة روسيا.

نورفولك بولاية فيرجينيا.

شمال المحيط الأطلسي والساحل الشرقي للولايات المتحدة.

الثالث

1943م حتَّى الآن.

سان دييغيو بولاية كاليفورنيا.

شرق وشمال شرق المحيط الهادي، والساحل الغربي الأمريكي حتى ألاسكا شمالًا.

الرابع

1943م- 1950م، وأعيد تأسيسه عام 2008م.

مايبورت بولاية فلوريدا.

جنوبي الأطلسي والبحر الكاريبي وكل ما يحيط بأمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى.

الخامس

1944م، وتوقَّف عام 1949م، ثم أعيد تأسيسه عام 1995م.

المنامة.

الخليج العربي وأجزاء مِن المحيط الهندي وبحر العرب والبحر الأحمر.

السادس

1946م، حتَّى الآن.

نابولي بإيطاليا.

أوروبا والبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.

السابع

1943م، حتَّى الآن.

يوكوسوكا باليابان.

غرب وشمال المحيط الهادئ والمحيط الهندي وجنوب شرق وشرق آسيا.

العاشر

1943م، حتَّى 1947م، ثم أعيد تأسيسه عام 2010م.

فورت ميد بولاية ماريلاند الأمريكية.

مزود القوة للقيادة السيبرانية لأساطيل البحرية الأمريكية، والمسئولة بدورها عن برامج الحرب السيبرانية (حرب الشبكات) البحرية.

ثانيا: مسرح عمليات الأسطول الخامس

تشكَّل الأسطول الخامس عام 1944م، ثمَّ توقَّف عام 1949م، بعد أن شارك في الحرب العالمية الثانية، وأعيد تأسيسه مجدَّدًا بعد حرب الخليج الثانية، وتحديدًا عام 1995م، ويُعدُّ قوة بحرية عسكرية تحمي المصالح الأمريكية الإستراتيجية في منطقة الخليج، من خلال القوة البحرية أو الإسناد الجوي، حيث يضطلع هذا الأسطول بمهام تأمين إمدادات النفط مِن منطقة الخليج إلى الأسواق العالمية، والإشراف على العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة، ومِنها العمليات الحربية في أفغانستان والعراق، والتعامل مع القرصنة البحرية، وخاصة قبالة السواحل الصومالية في خليج عدن والبحر الأحمر، ومراقبة ورصد الأنشطة العسكرية والبحرية لإيران، والمشاركة فيما يُعرف بـ”الحرب على الإرهاب” في اليمن والصومال والقرن الأفريقي.

ويمتد مسرح عمليات هذا الأسطول مِن الخليج العربي إلى بحر العرب، وأجزاء مِن المحيط الهندي، وحتى الطرف الشمالي للبحر الأحمر، ويدخل في نطاق اختصاصه ثلاث ممرَّات مائية شديدة الأهمية، هي: مضيق هرمز، مضيق باب المندب، وقناة السويس، ولتنفيذ مهامه الإستراتيجية، يمتلك الأسطول قاعدة بحرية كبيرة في المنامة عاصمة دولة البحرين، وقوة بشرية (قرابة 3500 جندي) وعتاد عسكري يشمل: حاملة طائرات، وعددًا مِن الغوَّاصات الهجومية، ومدمِّرات بحرية، وأكثر مِن سبعين مقاتلة، وقرابة (17) مِن الزوارق المقاتلة التكتيكية، وقاذفات القنابل، وطائرات بدون طيار، وطائرات التَّزوُّد بالوقود، .. إلخ.

شراكات وتحالفات:

إلى جانب العتاد العسكري، والقوام البشري الذي يتكوَّن مِنه الأسطول، فإنَّه يعمل على تحقيق أهدافه مِن خلال تأسيس وقيادة قوات عسكرية مشتركة مع دول المنطقة ودول أخرى في العالم، وحاليا فإن الأسطول الخامس يقود تحالفين عسكريين كبيرين في المنطقة، هما:

  1. التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية: الذي يشكِّل قوة رادعة لحماية الملاحة في الممرات المائية، ويضم في عضويته دول الخليج (ما عدا عُمان)، بريطانيا، أستراليا، ألبانيا، ومؤخرًا رومانيا، فضلًا عن الولايات المتحدة.

  2. القوة البحرية المشتركة: وهي أكبر شراكة بحرية في العالم، وتضمُّ في الوقت الحالي (34) دولة، بعد أن انضمَّت إليها مصر في العام الماضي، وفي إطار هذه الشراكة جرى تأسيس عدد مِن الفرق العسكرية البحرية المشتركة، والتي تنهض بمهام مخصَّصة في المياه البحرية في المنطقة، على النحو التالي:

1- قوات المهام المشتركة (150): وتختص بتسيير دوريات في منطقة بحر العرب وخليج عُمان.

2- قوات المهام المشتركة (151): وتختص بمواجهة القرصنة الصومالية على السفن التجارية.

3- قوت المهام المشتركة (152): وتشكَّلت عام 2004م، وتُعنى بالأمن البحري في الخليج العربي.

4- قوة المهام المشتركة (59): وهي قوة تشكَّلت، في سبتمبر 2021م، كجزء مِن مهمة الأسطول الأوسع نطاقًا؛ وهي أوَّل قوة مِن نوعها تابعة للبحرية الأمريكية، وتهدف إلى دمج الأنظمة غير المأهولة (الغواصات والطائرات) والذكاء الاصطناعي في نطاق العمليات البحرية في مياه الخليج العربي، وذلك كوسيلة لتعزيز المتابعة والمراقبة.

كما ينفذ الأسطول الخامس عددًا مِن التدريبات والمناورات البحرية مع دول المنطقة، كان أخرها مناورة ضخمة نظمتها البحرية الأمريكية في مياه البحر الأحمر، في شهر فبراير 2022م، شارك فيها (60) دولة، واستمرَّت (18) يومًا.

ثالثا: قوة المهام المشتركة (153) التشكيل والمهام

أطلق الأسطول الخامس الأمريكي، في شهر أبريل 2022م، وحدة بحرية جديدة، هي وحدة القوات المشتركة (153)، لتأمين الملاحة في منطقة البحر الأحمر، وذلك بالتعاون مع القوات البحرية المشتركة (دول المنطقة والدول الحليفة). والمهمة الأساسية لهذه الوحدة هي المساعدة في ضمان الأمن البحري، واستقرار الملاحة في البحر الأحمر، عبر “باب المندب” وخليج عدن.

وتتشكَّل القوَّة في هذه الوحدة مِن سفينتين إلى ثمان سفن، وسفينة قيادة برمائية. ويُتوقَّع أن تُضاف إليها قطع بحرية جديدة، مِن قبل الدول الإقليمية المشاركة فيها. وهي تستهدف منع تهريب الفحم والمخدرات والأسلحة والأشخاص، في الدول وعبر الممرات المائية في منطقة عملها؛ وهي منطقة تبدأ مِن مضيق هرمز وبحر العرب، وأجزاء مِن المحيط الهندي، وخليج عدن، وصولًا إلى قناة السويس في الطَّرف الشمالي مِن البحر الأحمر.

ومثلما سبق، فإنَّ هذه الوحدة تركِّز على البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، لـتحقيق الأهداف المعلنة التالية:

1- ضمان التَّدفُّق الحر للتجارة الدولية.

2- ردع النشاطات غير الطبيعية أو العدائية، وبالتالي الاستجابة لها بشكل أسرع. 

3- تعزيز التعاون بين الشركاء البحريين الإقليميين، لضمان الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.

4- استكشاف المياه البحرية والسواحل، خاصَّة بعد أن جرى دمج المسيَّرات البحرية والجوية بالذكاء الاصطناعي، وهو ما ييسِّر استكشاف مسافات أبعد ممَّا كان عليه في السابق.

السياق:

جاء تشكيل هذه القوة في خضمِّ عدد مِن المعطيات المرتبطة بالمنطقة والعالم، ومِنها:

1- الأهمية الكبرى للمنطقة، فهي بحسب “براد كوبر”، قائد الأسطول الخامس، تغذِّي العالم -بالمعنى الحرفي والمجازي- بمصادر الطاقة، فضلًا عن كونها منطقة مهمة للتجارة العالمية، ومِن شأن أي نشاط مزعزع للاستقرار فيها أن يكون له تأثير سلبي على الإقليم والعالم.

2- اتساع مسرح العمليات العسكرية التي يشرف عليها الأسطول الخامس، وعجزه عن القيام بالدوريات البحرية بمفرده، وهو ما ولد الحاجة لتشكيل قوة خاصة بمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن، تشارك فيها الدول الإقليمية.

3- الهجمات التي يشنَّها الحوثيون على السفن التجارية، والتي مثَّلت تهديدًا عاليًا لأمن الملاحة الدولية،.. وفيما يوحي الإعلام التابع لدول التحالف بأن التهديدات التي يمثلها الحوثيون هي السبب الرئيس لتشكيل هذه القوة، إلا أنَّ قائد الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية رفض، خلال مؤتمر صحفي، عقده بتاريخ 13 أبريل 2022م، لأربع مرات، تسمية الحوثيين كأحد الأسباب التي تقف خلف تشكيل هذه القوة.

وبغض النظر عن الجانب المُعلن، فإن السياق يُرجح أن التعامل مع التهديدات التي يُمكن أن يقوم بها الحوثيون تجاه الملاحة في المياه والممرات الدولية تعد من المهام الرئيسية لهذه القوة. 

4- كما أن تأسيس هذه القوة يؤشر إلى حدوث تحوُّل طفيف في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، يقوم على عدم الانسحاب منها أو تأجيله على الأقل، وهو تحوُّل نتج عن الحرب الروسية على أوكرانيا، وما نتج عنها مِن أزمة الطاقة، وارتفاع مستوى التَّضخُّم، وهو ما ثقَّل مِن وزن المنطقة وتأثيرها في الأوضاع والسياسات العالمية.

5-حاجة دول المنطقة، وخاصة حلفاء واشنطن، لمثل هذه القوة، في ظلِّ فشل الصيغ الأمنية المطروحة مِن قبلها تجاه الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، فعلى الرغم من تأسيس كيان جديد للدول المطلة على البحر الأحمر أُطلق عليه “مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن“، والذي وقع وزراء خارجية: السعودية ومصر والسودان والأردن وأرتيريا واليمن وجيبوتي والصومال على ميثاقه بالرياض، في 6 يناير الماضي، إلا أنَّ قمَّة دول المجلس التي دعت إليها السعودية، والتي كان مِن المقرر عقدها يوم 7 سبتمبر (الحالي) فشلت، فقد تأجَّلت قبل ساعات مِن انعقادها لأسباب غير معروفة. 

6- رغبة واشنطن في تعزيز وجودها في منطقة البحر الأحمر، وهي المنطقة التي تشهد أكبر وجود عسكري دولي في العالم، فإلى جانب القواعد والعتاد البحري التابع لدول المنطقة، تمتلك الصين واليابان وتركيا وفرنسا وأمريكا قواعد عسكرية كبيرة لها في السواحل المطلة على هذا البحر وخاصة في جيبوتي والصومال وإرتيريا، وتبذل روسيا مساعي لبناء قاعدة لها في السودان.

7- النشاط العسكري الإيراني في مياه البحر الأحمر وخليج عدن، والتحوُّط الأمريكي من إمكانية اتساع الحرب الروسية الأوكرانية.

رابعا: التداعيات على الحرب في اليمن

يترك تشكيل الوحدة المشتركة (153) تداعيات مباشرة على الحرب في اليمن، وفي مقدِّمتها إمكانية الحدِّ مِن تهريب السلاح إلى مناطق سيطرت الحوثيِّين، وأخرى غير مباشرة، يمكن الإشارة إليها في التالي:

1- من المتوقع أن يُسهم تشكيل الفرقة المشتركة (153) بدور أكبر في الحد مِن تهريب السلاح إلى الحوثيين، لا سيَّما وأنَّ مسرح عملها هي البحار التي تحيط باليمن: منطقة البحر الأحمر، وامتداداتها في خليج عدن، وبحر العرب، وأن هذه القوة ستعزز من الدور الذي كان يقوم به الأسطول الأمريكي الخامس في الحد من تهريب السلاح للحوثيين، وهو الدور الذي كان في تصاعد، فبحسب تصريح مُعلن لقائده، فإنَّ الأسطول الخامس تمكَّن مِن ضبط (9.000) قطعة سلاح خلال العام الماضي (2021م)، جميعها كانت قادمة مِن إيران إلى اليمن؛ لافتًا إلى أنَّ هذه الكميَّات مِن الأسلحة المهرَّبة تشكِّل ثلاثة أضعاف كميَّات السلاح التي جرى ضبطها عام 2020م

ومع ذلك فإنَّ تشكيل هذه الوحدة لا يعني القضاء نهائيًّا على تهريب السلاح، نظرًا لوجود ثغرات أمنية تقع على سواحل محافظتي المهرة وحضرموت على بحر العرب، وهي سواحل طويلة وممتدَّة تجعل مِن عملية التَّهريب أمرًا ممكنًا.

2- في المقابل، فإنَّ تشكيل هذه الفرقة، ونطاق نشاطها، يُوفِّر للحوثيِّين ذرائع للادِّعاء بأنَّ الولايات المتحدة تشارك في الحرب عليهم، وتسويق هذا الأمر في الأوساط الشعبية، والادِّعاء بالقيام بأدوار بطولية في مواجهة القوَّات الأمريكية؛ وهو ما يضمن لهم الحصول على عدد جديد مِن المقاتلين، في ظلِّ حالة العداء الشعبية للولايات المتحدة.

3- كما أن تشكيل هذا القوة يضمن انخراط أمريكي أكبر في المنطقة وقضاياها، وهو انخراط مهم لخلق توازن نسبي مع القوة العسكرية الإيرانية المتصاعدة، كما أن تشكيل هذه القوة من شأنه أن يُسهم في التضييِّق على الوجود العسكري الإيراني في مياه وسواحل البحر الأحمر، فهو يجعل هذا الوجود أكثر انكشافًا مِن خلال تكثيف عمليات الرصد الاستخباراتي والتَّتبُّع، لا سيَّما وأنَّه يستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد على مسيَّارات بحرية وجوية، تستكشف مساحات واسعة مِن مياه البحر والسواحل المحيطة به.

4- ومِن زاوية ثانية، فإن تشكيل هذه القوة يعطي القدرة على الوصول إلى المعلومات مِن خلال الدَّوريات وأجهزة الرصد، ما يجعل السفن الإيرانية أكثر عرضة لضربات مِن قبل أطراف معادية، وخاصَّة إسرائيل على غرار ما حدث لسفينة التجسُّس الإيرانية (سافيز)، التي كانت موجودة في البحر الأحمر، في أبريل 2021م، فقد تعرَّضت لهجوم بلغم لاصق؛ وتُتَّهم إسرائيل بأنَّها مَن قام بذلك. كما أنَّه يجعل سفن الشَّحن الإيرانية عُرضة أيضًا للضربات مِن قبل إسرائيل، في إطار ما يُعرف بحرب السُّفن التي تصاعدت بين أيران وإسرائيل، منذ عام 2019م.

اضغط لتحميل المادة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى