هل تعيد إدارة بايدن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية؟

Getting your Trinity Audio player ready...

مقدمة:

هناك تعريفات متعدِّدة للفعل “الإرهابي” تتداخل فيها الأبعاد السِّياسيَّة والحقوقيَّة والقانونيَّة بشكل جعل كلَّ دولة أو تكتُّل دولي ينظر للإرهاب مِن زاوية تراعي المصالح الإستراتيجيَّة والأمن القومي للدَّولة أو التكتُّل المعني، وليس مِن زاوية حقوقيَّة أو قانونيَّة خالصة. ومع ذلك، فإنَّ أشهر ما عرِّف به “الإرهاب” أنَّه “استهداف المدنيِّين أو الأعيان المدنيَّة لتحقيق أغراض سياسيَّة”.

وإذا أخذنا بهذا التَّعريف المتداول فإنَّ الكثير مِن الجرائم الَّتي ارتكبتها جماعة الحوثي يمكن أن يدخل ضمن نطاق الجرائم الإرهابيَّة؛ حيث استهدف الحوثيُّون بأشكال ووسائل مختلفة الأحياء السَّكنيَّة، وقتلوا مدنيِّين بطائرات مسيَّرة وصواريخ بالستيَّة، ناهيك عن زراعة الألغام، وأعمال القنص، والاستهداف بالأسلحة الثَّقيلة والمتوسِّطة؛ كما يتفاخر الحوثيُّون بشكل علني باستهداف مطارات مدنيَّة في كلٍّ مِن: اليمن، والمملكة العربيَّة السُّعوديَّة، والإمارات العربيَّة المتَّحدة، ناهيك عن استهداف منشآت طاقة مدنيَّة مختلفة، لا علاقة لها بالأهداف العسكريَّة، وهو ما يندرج ضمن الجرائم الإرهابيَّة -حسب التَّعريف أعلاه.

لكن لعبة “التَّصنيف الإرهابي” لا تخضع لمعايير قانونيَّة بحتة -كما أسلفنا، بل تتَّسق مع لعبة أخرى مِن التَّوازنات المحلِّيَّة والإقليميَّة والدُّوليَّة؛ لذا فإنَّ التَّصنيف قد يطال جماعة دون غيرها، حسب تقديرات دوائر صنع القرار المستندة إلى تقارير استخباراتيَّة وعسكريَّة وسياسيَّة وأكاديميَّة تراعي المصالح القوميَّة والأهداف الإستراتيجيَّة.

موقف إدارة ترامب:

في 11 يناير 2021م، أي قبل أيَّام مِن مغادرة الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب، للبيت الأبيض، أعلن وزير الخارجيَّة الأمريكي السَّابق، مايك بومبيو، نيَّة وزارته إخطار الكونغرس بتصنيف الحوثيِّين “منظَّمة إرهابيَّة أجنبيَّة”؛ وفي 19 مِن الشَّهر ذاته، أي قبل يوم واحد مِن مغادرة ترامب، دخل القرار حيِّز التَّنفيذ. وجاء في حيثيَّات التَّصنيف أنَّه “يوفِّر أدوات إضافيَّة لمواجهة النَّشاط الإرهابي والإرهاب الَّذي تمارسه جماعة (أنصار الله)”، ويهدف إلى “تحميل جماعة (أنصار الله) المسئوليَّة عن أعمالها الإرهابيَّة، بما في ذلك الهجمات العابرة للحدود الَّتي تهدِّد السُّكَّان المدنيِّين والبنية التَّحتيَّة والنَّقل البحري التِّجاري“. ويعدُّ ذلك ضمن المبرِّرات الحقوقيَّة والقانونيَّة للتَّصنيف. وقد أشار بيان الخارجيَّة الأمريكيَّة إلى بعض الأهداف الَّتي تشير إلى الأبعاد السِّياسيَّة للتَّصنيف، حيث ذكر أنَّ التَّصنيف يهدف إلى “تعزيز الجهود للوصول إلى يمن موحَّد، وذي سيادة، بعيدًا عن التَّدخُّل الإيراني، وفي سلام مع جيرانه”.

في 16 فبراير 2021م، رفعت إدارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، جماعة الحوثي مِن قائمة الإرهاب، “خشية مِن أن تعرقل الإجراءات الَّتي فرضتها إدارة ترامب عمليَّات الإغاثة”؛ وهو ما يشير إلى الأبعاد الإنسانيَّة الظَّاهرة للقرار، والَّتي تغطِّي في حقيقتها الأهداف السِّياسيَّة المتوخَّاة، والَّتي تمثَّلت في إلقاء جزرة لكلٍّ مِن الحوثيِّين وطهران، لتشجيعهما على الانخراط في مفاوضات الحلِّ السِّياسي في اليمن بالنِّسبة للحوثيِّين، وفي مفاوضات العودة للالتزام بالاتِّفاق النَّووي بالنِّسبة لإيران. كما أتت الخطوة للضَّغط على التَّحالف الَّذي تقوده السُّعوديَّة في اليمن، خاصَّة وأنَّها جاءت متَّسقة مع خطوات أخرى مثل منع صفقات أسلحة، والتَّلويح بملفَّات حقوقيَّة لغرض الضَّغط السِّياسي، دون أن نغفل حقيقة أنَّ إدارة بايدن اندفعت كذلك بدوافع انتخابيَّة سياسيَّة داخليَّة تهدف إلى حسم السِّباق مع المرشَّح الجمهوري، دونالد ترامب.

اليوم، ومع تزايد التَّعنُّت الحوثي والإيراني إزاء ملفَّات مختلفة رأت الإدارة الحاليَّة -أو فريق مِنها- أنَّ الأهداف السِّياسيَّة المتوخَّاة مِن رفع الحوثيِّين مِن التَّصنيف الإرهابي أدَّى إلى نتائج عكسيَّة، حيث بدأ الحوثيُّون بحملتهم العسكريَّة الأعنف ضدَّ محافظة مأرب في اليوم التَّالي لرفعهم مِن التَّصنيف، واستمرَّت عمليَّاتهم الصَّاروخيَّة بدعم مِن خبراء طهران باتِّجاه السُّعوديَّة؛ وزاد تعنُّتهم فيما يخصُّ وقف إطلاق النَّار، والاستمرار في رفض كلِّ المبادرات الهادفة للحلِّ السِّلمي في اليمن، وآخرها “مبادرة الرِّياض” الَّتي حملها العمانيُّون إلى قيادة جماعة الحوثي، والَّتي رفضتها رغم التَّأييد الدُّولي الَّذي لقيته المبادرة.

كلُّ ذلك كان قبل استهداف السَّفارة الأمريكيَّة المغلقة في صنعاء، واحتجاز عددٍ مِن موظَّفيها السَّابقين، بالإضافة إلى عدد مِن الموظَّفين الدُّوليِّين، قبل أن يستهدف الحوثيُّون -حسب إعلانهم- أهدافًا مدنيَّة في مطار “أبو ظبي”، ومراكز الطَّاقة، بصواريخ بالستيَّة وطائرات مسيَّرة، وهو الأمر الَّذي جعل “أبو ظبي” تقود حملة دبلوماسيَّة مكثَّفة للضَّغط مِن أجل إعادة تصنيف الحوثيِّين منظَّمة إرهابيَّة.

قيد الدراسة:

في 19 يناير 2022م، قال الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، إنَّ إدارته تدرس إعادة تصنيف الحوثيِّين منظَّمة إرهابيَّة، وقال -في ردِّه على سؤال حول ما إذا كانت إدارته ستعيد تصنيف الحوثيِّين منظَّمة إرهابيَّة: إنَّ “الإجابة هي أنَّها قيد الدِّراسة”.

وعلى الرَّغم مِن الجهود الَّتي يبذلها بعض المشرِّعين الأمريكيِّين، ومِن “الجرائم الإرهابيَّة” الَّتي قامت بها جماعة الحوثي، ومِن جهود الإماراتيِّين والسُّعوديِّين الحثيثة في هذا الخصوص، إلَّا أنَّه لا يبدو أنَّ الإدارة الأمريكيَّة الحاليَّة في وارد إعادة التَّصنيف، لا للمحاذير الإنسانيَّة المعلنة، ولكن لأهداف سياسيَّة لا تُعلِن عنها هذه الإدارة؛ حيث لم تقنع التَّبريرات الإنسانيَّة لهذه الإدارة الكثيرين ممَّن فصَّلوا في الأهداف السِّياسيَّة وراء رفعها الحوثيِّين مِن قوائم الإرهاب. وقد سبق لواشنطن أن صنَّفت حركة “حماس” الَّتي تسيطر على قطاع غزَّة حركة “إرهابيَّة”، دون أن تتذرَّع بالذَّرائع الإنسانيَّة الَّتي تتذرَّع بها إزاء تصنيف الحوثيِّين، رغم أنَّ “حماس” تسيطر بشكل تامٍّ على القطاع فيما لا يسيطر الحوثيُّون على أغلب المنافذ البرِّيَّة والبحريَّة والجويَّة في اليمن، والَّتي يمكن عبرها استمرار تدفُّق المعونات الإغاثيَّة الَّتي يخشى البعض مِن تأثُّرها حال إعادة التَّصنيف.

حسابات سياسية:

الحسابات السِّياسيَّة -لا الدَّواعي الإنسانيَّة- كان لها الحظُّ الأوفر في دفع الإدارة الأمريكيَّة لرفع جماعة الحوثي مِن قوائم الإرهاب، وهي الَّتي تدفع بهذه الإدارة للاستمرار في سياسة عدم التَّصنيف، رغم النَّتائج العكسيَّة لإزالة الجماعة مِن تلك القوائم. أمَّا بالنِّسبة للحديث عن دراسة تلك الإدارة إعادة تصنيف جماعة الحوثي في القائمة فلا أحد يعتقد أنَّه حديث جادٌّ، لأنَّ المبرِّرات السِّياسيَّة الَّتي دفعت بالإدارة لاتِّخاذ خطوة شطب جماعة الحوثي مِن قوائم الإرهاب لا تزال قائمة عند الكثير مِن قيادات هذه الإدارة، سواء في البيت الأبيض أو في الكونغرس.

إنَّ إعادة تصنيف جماعة الحوثي سيرسل -حسب الكثير مِن الدِّيمقراطيِّين- رسائل سلبيَّة إلى الإيرانيِّين الَّذين تسعى واشنطن لإبرام صفقة جديدة معهم حول الاتِّفاق النَّووي؛ كما أنَّ هؤلاء الرَّافضين لعودة التَّصنيف يتعلَّلون بأنَّ التَّصنيف سيعيق عمل المبعوثَين، الأمريكي “تيم ليندركينغ” والدُّولي “هانس غروندبيرغ”، في التَّواصل مع الحوثيِّين، رغم أنَّ واشنطن تتفاوض مع طهران الَّتي صنَّفتها “دولة راعية للإرهاب”، حيث يوجد مبعوث أمريكي خاصٌّ بإيران هو “روبرت مالي”، والَّذي يبدو أنَّ له ضلعًا في إقناع إدارة بايدن بتعيين مبعوث أمريكي خاصٍّ باليمن.

إنَّ إعادة تصنيف الحوثيِّين بالنِّسبة لهذه الإدارة يرتبط بجملة مِن المعطيات والتَّوجُّهات العامَّة لدى إدارة الرَّئيس بايدن، ولا يبدو أنَّ أيًّا مِن هذه المعطيات أو التَّوجُّهات العامَّة قد طرأ عليه شيء مِن التَّغيير. فالإدارة الحاليَّة لا تزال تنتظر “بفارغ الصَّبر” التَّوقيع على اتِّفاق للعودة للاتِّفاق النَّووي مع طهران. وهذه الإدارة مدفوعة بجملة مِن التَّصوُّرات حول طبيعة الصِّراع في اليمن؛ وهي تصوُّرات غير دقيقة في كثير مِنها، وهو ما أدَّى إلى انتهاج جملة مِن السِّياسات الخاطئة الَّتي انتهجتها هذه الإدارة في الملفِّ اليمني الَّذي أدَّى التَّشخيص غير الدَّقيق له إلى معالجة غير ناجعة.

ومِن أهمِّ التَّصوُّرات الخاطئة عن الحرب في اليمن أنَّها حرب يشنُّها “التَّحالف العربي” على اليمن، وأنَّ الحكومة والتَّحالف هما مَن يرفض الحلول السِّلميَّة. وهذه التَّصوُّرات هي الَّتي تجعل معظم الضُّغوط الأمريكيَّة والغربيَّة والأمميَّة تتَّجه نحو الحكومة اليمنيَّة والتَّحالف العربي، على أساس أنَّ هذه الضُّغوط ستسهم في الحل. والواقع أنَّ الحرب في اليمن بدأها الحوثيُّون في 2004م ضدَّ قوَّات الأمن والجيش في صعدة، إبَّان حكم الرَّئيس السَّابق، علي عبدالله صالح؛ ولا تزال مستمرَّة إلى هذه اللَّحظة بشعارات مختلفة لكلِّ مرحلة مِن مراحل تلك الحرب. ثمَّ إنَّ جماعة الحوثي ترفض بشكل قاطع أيَّة عمليَّة لوقف إطلاق النَّار في البلاد؛ وهو ما أكَّده الأمريكيُّون -أخيرًا- في بيانات متتالية للمبعوث الأمريكي ولوزارة الخارجيَّة وللبيت الأبيض -نفسه.

ومِن التَّصوُّرات الخاطئة عن الحرب في اليمن أنَّ الحوثيِّين يستمرُّون في هذه الحرب لأنَّهم جماعة مهمَّشة تدافع عن نفسها، وتريد أن يكون لها نصيب مِن السُّلطة والثَّروة؛ وهو تصور خاطئ تمامًا، وقاد إلى نوع مِن التَّعاطف مع الحوثيِّين لدى دوائر كثيرة، في حين أنَّ الحوثيِّين لم يكونوا مهمَّشين، فقد كان حسين الحوثي وأخوه يحيى أعضاء في مجلس النُّوَّاب اليمني، وكانت لوالدهم وأسرتهم سلطة دينيَّة وماليَّة على كثير مِن المواطنين في محافظة صعدة وغيرها، ولم تكن دوافعهم للحرب دفع الظُّلم والتَّهميش، ولكنَّها دوافع سياسيَّة تتمثَّل في السَّيطرة على اليمن الَّذي يعتبرون أنَّ لهم حقًّا مقدَّسًا وتاريخيًّا في حكمه، كما أنَّه لا يجب إغفال حقيقة أنَّ الحوثيِّين جزء مِن مشروع إقليمي إيراني يهدف إلى السَّيطرة الإقليميَّة.

لا ينبغي في هذا السِّياق إغفال حقيقة أنَّ هناك دوائر أمريكيَّة ترى في إيران والحوثيِّين فوائد جمَّة لواشنطن رغم شعارات العداء المعلنة، إذ أنَّ وجود إيران قويَّة مفيد، ولكن بالقدر الَّذي يجعل المنطقة في حاجَّة لواشنطن، لا بالقدر الَّذي يهدِّد مصالحها أو مصالح تل أبيب؛ والأمر ذاته بالنِّسبة للحوثيِّين الَّذين يراد لهم أن يكونوا أقوياء إلى حدٍّ يخدم المصالح الأمريكيَّة، ويعطي المبرِّر للوجود الأمريكي ويبقي على لعبة التَّوازنات الهشَّة في المنطقة، وهي اللُّعبة الَّتي ترى دوائر بعينها أنَّها مفيدة لاعتبارات كثيرة.

مع كلُّ ما ذكر يصعب تصوُّر أن تعيد الإدارة الأمريكيَّة الحاليَّة تصنيف جماعة الحوثي منظَّمة إرهابيَّة أجنبيَّة، حيث إنَّ مصالح واشنطن في هذا الخصوص لا تتطابق مع المصالح اليمنيَّة ومتطلَّبات الأمن القومي الخليجي والعربي. وأمَّا ما ينشر حول دراسة إعادة التَّصنيف فإنَّه لا يعدو كونه ضربًا مِن الضُّغوط النَّاعمة الَّتي تحاول واشنطن مِن خلالها التَّلويح بالخطوة لا القيام بها فعليًّا، وذلك لسحب جماعة الحوثي إلى مربَّع الحلِّ التَّفاوضي الَّذي تريد مِن خلاله واشنطن أن تبقي على الحوثيِّين قوَّة داخليَّة مفيدة رغم شعاراتها العدائيَّة.

اضغط لتحميل المادة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى