دور الأحزاب والمكونات في دعم الإصلاحات الاقتصادية للحكومة الحالية

Getting your Trinity Audio player ready...

مقدِّمة

عقد رئيس مجلس الوزراء، أحمد عوض بن مبارك، يوم 27 أبريل الماضي (2024م)، اجتماعًا بالعاصمة المؤقَّتة عدن، مع ممثِّلي عدد مِن الأحزاب والقوى والمكوِّنات السياسية؛ ووضع رئيس الوزراء المشاركين في الاجتماع “أمام صورة شاملة عن مجمل الأوضاع في الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والخدمية، والحرب الاقتصادية التي تشنُّها جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية، وجهود هذه الأخيرة في التعامل مع التحدِّيات، وبطبيعة الحال فإنَّ الهدف مِن الاجتماع هو مناقشة الدعم المطلوب مِن القوى السياسية لجهود الحكومة في الإصلاحات الاقتصادية والإدارية. وكان رئيس الوزراء قد طالب -في تصريحات سابقة- بضرورة مساندته مِن قبل مجلس القيادة الرئاسي والقوى السياسية لتنفيذ الإصلاحات التي يستهدفها.

هذه الورقة تبحث في الدور الذي يمكن أن تقوم به المكوِّنات والأحزاب السياسية لدعم الإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي تتبنَّاها الحكومة الحالية.

توجُّهات إصلاحية

صدر قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بتاريخ 5 فبراير 2024م، بتعيين أحمد عوض بن مبارك رئيسًا جديدًا للحكومة اليمنية؛ وقضت المادَّة الثانية مِن القرار باستمرار أعضاء الحكومة في أداء مهامهم وفقًا لقرارات تعيينهم. وقد جاء تشكيل الحكومة في ظلِّ أوضاع اقتصادية وسياسية معقَّدة وشديدة الصعوبة، خاصَّة بعد أن تمكَّن الحوثيُّون مِن منع تصدير النفط والغاز، وسماح “التحالف العربي” باستيراد السلع والبضائع عبر ميناء الحديدة دون الحاجة إلى التفتيش. ونتيجة الضغوط التي مارسها الحوثيون نقل كثير مِن التجَّار استيراد بضائعهم عن طريق ميناء الحديدة، ومعه فقدت الحكومة الشرعية قدرًا كبيرًا مِن الموارد؛ وترافق ذلك مع تدهور كبير في قيمة العملة الوطنية، وتراجع في قدرتها على تقديم الخدمات العامَّة، خاصَّة خدمة الكهرباء.

وفي مواجهة هذه التحدِّيات تعهَّد “بن مبارك” بإحداث جملة مِن الإصلاحات المالية والإدارية والخدمية، تستهدف تعزيز المساءلة والشفافية ومكافحة الفساد، وترشيد النفقات، وتنفيذ إصلاحات في قطاع الإيرادات، بما فيها: الجمارك والضرائب والاتِّصالات وقطاع النفط، وتستهدف كذلك تقديم الخدمات ورفع المعاناة عن الشعب اليمني، وتطوير البناء المؤسَّسي.

وبطبيعة الحال فإنَّ تحقيق تلك الإصلاحات يتطلَّب إسنادًا قويًّا مِن قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتَّحدة (صاحبة الكلمة النافذة على المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر فعليًّا على معظم المحافظات الجنوبية والشرقية، بما فيها العاصمة المؤقَّتة عدن)، ومجلس القيادة الرئاسي؛ كما يتطلَّب دعمًا مِن مجلس النوَّاب، وبشكل أكبر مِن القوى والمكوِّنات والأحزاب المنضوية تحت مجلس القيادة الرئاسي والداعمة له. وتحقيقًا لذلك، قام “بن مبارك”، في 22 مارس الماضي، بزيارة إلى السعودية التقى خلالها بوزير الدفاع السعودي والمشرف على الملفِّ اليمني، الأمير خالد بن سلمان، وعلى الأرجح فإنَّ رئيس الوزراء اليمني عرض على المسئول السعودي التحدِّيات التي تواجهها السلطة الشرعية، وتوجُّهات الحكومة الجديدة للتعامل معها ومتطلَّبات نجاحها. وعقب اللقاء صرَّح “بن مبارك” أنَّه وجد تفهُّمًا سعوديًّا لمتطلَّبات وتوجُّهات الحكومة اليمنية، وأنَّه “بشراكتنا مع السعودية لن نكون وحيدين في مواجهة التحدِّيات”. ويبدو أنَّ هذا التفاؤل غير متَّسق مع الواقع، إذ ليس له ما يسنده على الأرض، فلم يصدر عن الرياض -على الأقلِّ- حتَّى الآن ما يشي إلى أيِّ دعم إضافي للحكومة الحالية.

 

“وعقب اللقاء صرَّح “بن مبارك” أنَّه وجد تفهُّمًا سعوديًّا لمتطلَّبات وتوجُّهات الحكومة اليمنية، وأنَّه “بشراكتنا مع السعودية لن نكون وحيدين في مواجهة التحدِّيات”.”

 

وفيما يخصُّ مجلس القيادة الرئاسي، أعلن رئيس المجلس، د. رشاد العليمي، عن إدراك المجلس لحجم التحدِّيات والصعوبات التي تواجه الحكومة، خصوصًا مع استمرار وقف تصدير النفط، وما خلَّفه مِن تداعيات إنسانية كارثية، وعبَّر عن ثقته بإرادة المجلس والحكومة في التغلُّب على تلك التحدِّيات مِن خلال العمل معًا، بروح الفريق الواحد؛ وأكَّد على التزام المجلس والحكومة بالعمل على وحدة الصفِّ، وحماية التوافق الوطني العريض بين كلِّ المكوِّنات حول هدف استعادة مؤسَّسات الدولة وإسقاط الانقلاب كأولوية قصوى. وبدوره أكَّد عيدروس الزبيدي، عضو مجلس القيادة، والذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ضرورة وقوف الجميع إلى جانب الحكومة للقيام بالمهام المنوطة بها في إنعاش الوضع الاقتصادي المتردِّي، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وفي مقدِّمتها الكهرباء، وانتظام دفع المرتَّبات، مشدِّدًا “على أن تظلَّ الحكومة تحت المتابعة والتقييم خلال الفترة القادمة”. وبغضِّ النظر عن المضمون الإيجابي لتلك التصريحات إلَّا أنَّ دعم مجلس القيادة الرئاسي للحكومة لن يكون عبر التصريحات الإنشائية، وإنَّما بواسطة الممارسات العملية، مِن خلال العمل على حشد الدعم والتمويل مِن الدول والمنظَّمات المانحة، وتوفير المظلَّة والدعم السياسي داخليًّا، وبالامتناع عن إرباكها بالكثير مِن التدخُّلات والتوجيهات التي قد تُجهِض توجُّهاتها في التعامل مع القضايا الاقتصادية والمالية والخدمية.

ولتوسيع دائرة الأطراف المساندة للحكومة، عقد “بن مبارك”، يوم السبت 27 أبريل الماضي، اجتماعًا مع ممثِّلي الأحزاب والقوى والمكوِّنات السياسية، عرض خلاله التحدِّيات التي تواجه الحكومة، وأولويَّات المرحلة الحالية، والدور المطلوب مِن الأحزاب والمكوِّنات لدعم توجُّهاتها. وخلال اللقاء عبَّر عدد مِن ممثِّلي الأحزاب والقوى والمكوِّنات السياسية عن دعمهم الكامل للأولويَّات التي تعمل عليها الحكومة، وخاصَّة تعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد والإصلاح المالي والإداري؛ وأكَّدوا دعمهم الكامل لها في معالجة الاختلالات وإعادة الاعتبار للوظيفة العامَّة ولمؤسَّسات الدولة، وضرورة التفاف كلِّ القوى السياسية والاجتماعية في تحمُّل مسئوليَّتها في هذه المرحلة الحرجة التي يمرُّ بها الوطن.

 

ما الذي يمكن أن تقدِّمه المكوِّنات والأحزاب لإسناد الحكومة

يمكن أن تنهض المكوِّنات والأحزاب السياسية والاجتماعية بدور كبير في إسناد الحكومة، ويعود ذلك إلى أنَّ المكوِّنات في المرحلة الراهنة أقوى مِن الحكومة، فالكثير مِن مناطق السلطة الشرعية تخضع لسيطرة وتحكُّم بعض تلك المكوِّنات بالشكل الذي يجعل مِن الصعوبة أن تمارس الحكومة مهامَّها دون تعاون تلك المكوِّنات.

فكما أشرنا، فالمجلس الانتقالي الجنوبي -على سبيل المثال- يفرض سيطرته العسكرية والأمنية والإدارية على العاصمة المؤقَّتة عدن وعدد مِن المحافظات في جنوب وشرق البلاد، وتعمَّد طيلة المرحلة الماضية إعاقة الحكومات السابقة ومضايقتها إذا لم تتماهى مع أجندته السياسية، ويحدث نفس الأمر -وإن بقدر أقل بكثير- مِن قبل مكوِّنات أخرى في بقيَّة المناطق.

كما أنَّ العلاقة بين المكوِّنات تترك تأثيرًا مباشرًا على الحكومة وأدائها، فالانسجام بين المكوِّنات والأحزاب يتيح للحكومة قدرًا يسيرًا للعمل وممارسة المهام، وبخلاف ذلك فإنَّ التوتُّر والصراع فيما بينها يشلُّ الحكومة ويُعيقها عن القيام بواجباتها، بل وفي كثير مِن الأحيان يجبرها على ترك مقرِّ أعمالها في العاصمة المؤقَّتة عدن، والانتقال إلى العاصمة السعودية (الرياض)؛ وقد حدث هذا الأمر كثيرًا خلال الفترة الماضية.

وبشكل عام فإنَّ بمقدور المكوِّنات والأحزاب السياسية إسناد الحكومة مِن خلال التالي:


التماسك السياسي

مع أنَّ العلاقة بين المكوِّنات والقوى المناهضة للحوثيين تتَّسم بالتناقض، وربَّما الصدام، فكلٌّ مِنها له مشروعه الخاص، ويتحرَّك وفق دوافع خاصَّة، ومتضاربة مع الآخرين، غير أنَّ تصاعد خطر الحوثيين وتمكُّنهم مِن منع تصدير النفط، منذ أكتوبر 2022م، دفعها إلى إظهار قدر مِن التقارب خلف مجلس القيادة الرئاسي. وقد انخرطت -خلال الفترة الأخيرة- في حوارات فيما بينها؛ وكان آخرها حوار عقد لمدَّة يومين في العاصمة المؤقَّتة عدن، إذ اجتمعت المكوِّنات والأحزاب المناهضة للحوثيين، وصدر عنها إعلان يشير إلى اتِّجاهها لتشكيل تكتُّل سياسي وطني واسع يعمل على إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، قبل أن يتراجع المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل صادم ومثير، وبما يُهدِّد مسار تماسك هذا التكتُّل.

وحيث أنَّ المخاوف مِن الخطر الحوثي تمثِّل القاسم الأهم الذي يجمع تلك المكوِّنات في المرحلة الحالية، فقد تعمَّد “بن مبارك” إلى تذكير ممثِّلي المكوِّنات والأحزاب السياسية أثناء اجتماعه بهم، بـ”أهميَّة عدم إغفال الخطر الحوثي الذي لن يستثني أحدًا؛ ما يحتِّم على الجميع العمل على مواجهته واعتبار ذلك هدفًا رئيسًا في معركتنا الوطنية، وأنَّ أيَّ خلافات داخل القوى المقاومة لهذه المليشيَّا الإرهابية خطأ إستراتيجي”.

وبالمجمل، فإنَّ التقارب بين المكوِّنات وتماسك مواقفها يتيح للحكومة العمل بقدر مِن الأريحية، خاصَّة إذا ما انعكس ذلك التقارب على الخطاب الإعلامي لتلك المكوِّنات؛ ويحدث العكس إذا ما بقيت تلك العلاقة في حالة مِن التوجُّس والتوتُّر، والسجال السياسي والتجاذب الإعلامي.

دعم الإصلاحات الاقتصادية

يقع على عاتق المكوِّنات والأحزاب السياسية مسئولية دعم جهود الحكومة في الإصلاحات الإدارية والمالية ومحاربة الفساد، وتوحيد الوعاء الضريبي، وفرض رقابة على عمليَّة التحصيل والإشراف الحكومي المباشر، وغيرها مِن الإجراءات. وتتزايد هذه المسئولية نظرًا لأنَّ عددًا مِن تلك المكوِّنات تغتصب سلطات الدولة في تحصيل الضرائب والجمارك وفرض رسوم وجبايات غير قانونية. فعلى عاتق تلك المكوِّنات أن تسمح لسلطات الدولة القيام بوظائفها التقليدية في تحصيل الموارد المالية، وأن تمنع أنصارها والمحسوبين عليها مِن التدخُّل في اختصاصات جباية الأموال وصرفها.

ويتوجَّب على تلك المكوِّنات الامتناع عن توفير مظلَّات حماية للفاسدين، إذ غالبًا ما يعمد الفاسدون إلى الاحتماء بالمكوِّنات

والأحزاب السياسية تحت دعاوى أنَّ الإصلاحات تستهدف إقصاء الطرف الذي ينتمون إليه واجتثاث أنصاره.

 

قيادات الأحزاب والمكونات اليمنية خلال اجتماعات في العاصمة المؤقتة عدن (اعلام محلى)

 

دعم جهود إصلاح منظومة الكهرباء

تعدُّ الكهرباء المعضلة الأكبر في الأداء الحكومي، وقد تسبَّبت الإدارة الخاطئة والفساد والمعالجات الآنيَّة لهذا الملفِّ طيلة المراحل السابقة في تحويل تكاليف وقود الكهرباء إلى ثقب أسود يستنزف الخزينة العامَّة بحسب توصيف مدير البنك المركزي في عدن، فهي تلتهم ما يزيد على 31% مِن إيرادات الدولة، فقد أنفقت الحكومة العام الماضي فقط أكثر مِن ترليون و10 مليار ريال لتوفير خدمة الكهرباء، 75% مِنها -أي ما يُعادل 755 مليار ريال- لشراء مشتقَّات نفطية، والجزء اليسير المتبقِّي خُصِّص للصيانة والاستثمار. وبصيغة أخرى فإنَّه يُصرف يوميًّا مليونا دولار على كهرباء مدينة عدن فقط؛ ومع هذا يتمُّ تأمين خدمة الكهرباء بعدن لساعات محدودة، ويصل الانقطاع في فصل الصيف إلى ما يزيد على (8) ساعات يوميًّا.

وقد تبنَّى رئيس الوزراء الحالي معالجات مستدامة لهذا الملفِّ، إذ جرى تفعيل لجنة المناقصات لشراء المشتقَّات النفطية الخاصَّة بمحطَّات التوليد الكهربائي، وبحسب تصريحاته فقد وفَّر هذا الإجراء ما مقداره (35- 40%) مِن المبلغ الذي كان يجري صرفه مِن قبل؛ فقد كانت الحكومة “تشتري طن الوقود بـ(1,200) دولار، وهي اليوم تشتريه بـ(763) دولار”. وقد ترتَّب على السياسات الجديدة انقطاع للكهرباء لساعات طويلة، ما جعل رئيس الوزراء يتعرَّض لضغوط شديدة مِن قبل الكثير مِن الأطراف للعودة إلى الطريقة السابقة في شراء المحروقات الخاصَّة بالمحطَّات الكهربائية مِن خلال الشراء بالأمر المباشر، والتي تمثِّل مصدرًا كبيرًا للفساد.

ويتوجَّب على المكوِّنات والأحزاب السياسية أن تتحمَّل مسئوليَّاتها في التعامل مع هذا الملفِّ المرهق، وأن توفِّر للحكومة أكبر قدر مِن الإسناد الإعلامي والسياسي والشعبي، وألَّا تتحوَّل إلى جهة ضغط للعودة إلى الآليَّة القديمة في شراء المشتقَّات النفطية. كما تقع على مجلس القيادة الرئاسي، وخاصَّة رئيس المجلس، مسئولية أكبر، إذ يلزمه مشاركة الحكومة في تحمُّل المسئولية، والبحث عن البدائل الممكنة، وألَّا يتحوَّل هو الآخر إلى جهة ضغط على رئيس الوزراء بما يؤدِّي إلى إجهاض المعالجات التي يتبنَّاها، وهي معالجات مؤلمة لكنَّها ضرورية.

إصلاح ما يُسمَّى كشف الإعاشة

تتبنَّى حكومة “بن مبارك” أولوية ترشيد الإنفاق؛ ولا شكَّ أنَّها ستتَّجه إلى إصلاح ما يُسمَّى “كشف الإعاشة”، ويُنتظر أن تقوم الأحزاب والمكوِّنات بدور فاعل لدعم جهود الحكومة في هذا الإطار. فمع إعادة تشكيل مؤسَّسات الدولة بعد خروج الرئيس، عبدربِّه منصور هادي، إلى السعودية عام 2015م، تمَّ إلحاق المسئولين الذين غادروا اليمن في كشف عُرِف فيما بعد إعلاميًّا بـ”كشف الإعاشة”، وهو عبارة عن كشف يضمُّ منسوبي السلطة الشرعية الموجودين في الخارج (مِن غير الجهاز الدبلوماسي)، ويتضمَّن مبالغ مالية شهرية منتظمة تصرف لهم بالعملات الصعبة (الدولار الأمريكي والريال السعودي)، إلى جانب المرتَّبات التي تدفع لهم مِن عدن، وليس معلومًا عدد مَن يستلمون مرتَّبات الإعاشة نظرًا للتكتُّم الشديد الذي يُحاط به، وتواطُؤ جميع الأطراف على عدم تسريبه إلى وسائل الإعلام.

ومِن الواضح أنَّ عدد المسئولين المستفيدين مِن كشف الإعاشة يصل إلى الآلاف، فهو يضمُّ فيمَن يضمُّ: أعضاء مجالس القيادة الرئاسي، وأعضاء مجلس الوزراء، وأعضاء مجلسي النوَّاب والشورى، ونوَّاب ووكلاء الوزراء، والمحافظين، ومدراء العموم، وعددًا كبيرًا ممَّن تمَّ إلحاقهم تباعًا بالكشف، بمَن فيهم بعض المغتربين والأشخاص الذين لم يكن لهم سابق عمل في القطاع الحكومي بشقَّيه المدني والعسكري.

وتتراوح المبالغ المدفوعة للأعضاء المسجَّلين بكشف الإعاشة بين (2.000- 7,500) دولار غالبًا، أو ما يُعادلها بالريال السعودي. وهذا الكشف والمبالغ التي يتضمَّنها ربَّما كان مقبولًا في السنة الأولى أو الثانية مِن الحرب، لكنَّه لم يعد كذلك اليوم للأسباب التالية:

  1. عدم التناسب بين ما يستلمه المسئولون الحكوميُّون مِن مبالغ مالية وبين الضائقة الواسعة التي يُعاني مِنها عموم أفراد الشعب: فالمبالغ التي تدفع للمسئولين كبيرة ومبالغ فيها، ولا تتلاءم مع ظروف اليمن الاقتصادية وأوضاعها المالية في ظلِّ الحرب التي بدَّدت الموارد وأكلت الأخضر واليابس؛ فما يتقاضاه الفرد المدرج في كشف الإعاشة يفوق مئات الأضعاف المرتَّب الشهري الذي يتقاضاه الموظَّف العادي، فوزارة الدفاع -مثلًا- تحدِّد المرتَّب الشهري للجندي العادي بـ(60,000) ألف ريال يمني، في حين يُعادل المبلغ الشهري الذي يحصل عليه أقلُّ شخص في كشف الإعاشة ما يزيد على هذا الأجر (57) ضعفًا! والجدول التالي يوضِّح الفرق بين المبالغ المدرجة في كشف الإعاشة ومتوسِّط المرتَّب الذي يستلمه جندي في الجيش الوطني.

جدول يوضِّح حجم المبالغ الشهرية الممنوحة للمسئولين الحكوميين وما يعادلها مِن متوسِّط مرتَّب الجندي العادي:

م

الراتب في كشف الإعاشة لفرد واحد

ما يعادله بالريال اليمني

متوسِّط راتب الجندي بالريال اليمني

كم يوازي مبلغ الإعاشة مقارنة بمرتَّب الجندي

1

7.500 دولار

12.517.500

60.000

209 ضعفًا

2

3.000 دولار

5.007.000

60.000

83 ضعفًا

3

2.000 دولار

3.338.000

60.000

57 ضعفًا

ويتَّضح مِن الجدول أعلاه أنَّ الشخص الذي يستلم إعاشة شهرية بواقع (7,500) دولار فإنَّه يتقاضى مبلغًا يساوي بالعملة الوطنية (12.517.500) ريال يمني بسعر صرف الريال اليمني الحالي في مناطق السلطة الشرعية (1,669 ريال للدولار الواحد)، وهو يعادل (209) ضعفًا للراتب الذي يستلمه الجندي المرابط في جبهات القتال؛ وأنَّ مَن يستلم إعاشة شهرية بواقع (3.000) دولار فإنَّه يتقاضى مبلغًا يساوي بالعملة الوطنية (5.007.000) ريال يمني، وهو يُعادل (83) ضعفًا لراتب الجندي؛ وأنَّ مَن يستلم إعاشة شهرية بواقع (2.000) دولار فإنَّه يتقاضى مبلغًا يساوي بالعملة الوطنية (3.338.000) ريال يمني، وهو يُعادل (57) ضعفًا لراتب الجندي. وهذا وضع فاحش في الظلم وعدم التوازن.

    1. تراجع الموارد المالية للحكومة الشرعية، وضعف قدرتها على الحصول على عملة صعبة، بفعل منعها مِن تصدير النفط والغاز، وتحوُّل جانب كبير مِن استيراد البضائع مِن ميناء عدن إلى ميناء الحديدة.

    2. تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين بشكل مروِّع، في ظلِّ انهيار قيمة العملة الوطنية، وانقطاع أو تأخُّر دفع المرتَّبات، بما في ذلك منتسبي الجيش الوطني.

    3. تراجع الحاجة لبقاء معظم المسئولين الحكوميين خارج أرض الوطن، في ظلِّ الاستقرار النسبي في مدينة عدن وبقيَّة المحافظات المحرَّرة، وهو ما يسمح بممارسة العمل فيها.

    4. تبنِّي الحكومة الحالية لإصلاحات مالية واقتصادية، ومعه ليس مِن العدالة ألَّا تمتدَّ تلك الإصلاحات إلى المبالغ الكبيرة التي تستأثر بها الطبقة السياسية تحت مسمَّى كشف الإعاشة.

    5. أنَّ استمرار حصول الطبقة السياسية على تلك المبالغ يهزُّ ثقة المواطنين بمجلس القيادة، ويضرب مشروعيَّته السياسية، ويُهدِّد مستقبل المجلس والبلاد بشكل عام.

  • أنَّ بقاء كشوفات الإعاشة على النحو الحالي يساهم بشكل أو بآخر في تطويل الحرب، فمَن يعيش في الخارج ويتقاضى مرتَّبات خيالية قد لا يرغب في أن تُحسم الأمور أو تعود السلطة الشرعية إلى البلاد لأنَّ ذلك سيحرمه مِن المبالغ المالية الكبيرة التي يتحصَّل عليها تحت مبرِّر الاضطرار للعيش في الخارج.

    ثناء زيارة ميدانية لرئيس الحكومة لمحطة الرئيس الكهربائية بالبريقة/ عدن


توصيات لصنَّاع السياسات

تتحمَّل المكوِّنات والأحزاب السياسية مسئولية كبيرة لجهة دعم توجُّهات الحكومة الحالية للإصلاحات الاقتصادية والإدارية والخدمية، وعليها أن تدرك أنَّ الأحوال المعيشية المتردِّية وانهيار الخدمات، بما فيها خدمة الكهرباء، تتطلَّب تكاملًا أكبر بينها وبين الحكومة، ويتحمَّل المجلس الانتقالي الجنوبي القدر الأكبر مِن المسئولية، إذ عليه الامتناع عن إعاقة الحكومة أو تنازع الاختصاصات معها، كما أنَّ عليه دعم إجراءاتها لإصلاح ماليَّة الدولة وعودة حضور الدولة وقيامها بمهامها الأساسيَّة، وعليه -كما على غيره- رفع الغطاء عن الفاسدين، وعدم الدفاع عنهم في مواجهة أيِّ إجراءات قانونية تتَّخذها الحكومة إزاءهم.

ولضبط سلوك المجلس الانتقالي على الولايات المتَّحدة الأمريكية ودول الاتِّحاد الأوربِّي والمنظَّمات الدولية توجيه ضغوطها نحو دولة الإمارات باعتبارها الطرف الذي لديه القدرة على ضبط إيقاع المجلس الانتقالي ورسم مواقفه.

وفيما يتَّصل بملفِّ “كشف الإعاشة” فإنَّه يتطلَّب تعاملًا حازمًا مِن قبل مجلس القيادة والحكومة، والتعامل معه باعتباره مهدِّدًا جوهريًّا لشرعيَّته، وأن يتمَّ معالجته بالتدرُّج مِن خلال الخطوات التالية:

    1. اتِّخاذ قرار في مجلس القيادة بإدراج تصحيح “كشف الإعاشة” ضمن مصفوفة الإصلاحات المالية والاقتصادية التي تتبنَّاها الحكومة.

    2. اتِّخاذ قرار مِن قبل مجلس الوزراء بتخفيض المبالغ الشهرية التي يستلمها المسئولون الحكوميُّون الموجودون خارج اليمن ضمن كشف الإعاشة بواقع 50%، خلال شهر مايو الحالي، وعلى أن يخفَّض في شهر سبتمبر بواقع 25%، وأن يتمَّ الانتهاء مِن هذا الكشف مع بداية العام القادم. اتِّخاذ قرار مِن مجلس القيادة بانتقال المسئولين الحكوميين للدوام داخل اليمن.

المصدر

رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي الأحزاب والقوى والمكونات السياسية لاستعراض المستجدات الراهنة، وكالة الأنباء اليمنية- سبأ (التابعة للحكومة الشرعية)، في: 29/4/2024م، متوفر على الرابط التالي: https://www.sabanew.net/story/ar/110017

  بن مبارك: العلاقة مع “دعم الشرعية” إستراتيجية ومصيرية.. رئيس الحكومة اليمنية حذر من التصعيد البحري على مساعي السلام، جريدة الشرق الأوسط، في: 29/4/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://n9.cl/bkt3g

  بن مبارك لــ”الشرق الأوسط”: تفهم سعودي لتوجهات الحكومة اليمنية، جريدة الشرق الأوسط، في: 2/5/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://n9.cl/kmozi

  الزبيدي: سنقف إلى جانب رئيس الحكومة لإحداث تغييرات حقيقية، الوطن نت، في: 2/5/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://al-awal.net/4700

  في اجتماعات على مدى يومين بعدن.. الأحزاب والمكونات السياسية تقر بدء الإعداد لتشكيل تكتل سياسي وطني واسع، الإصلاح نت، في: 1/5/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=11123

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى