وصف الحوثيين جماعة إرهابية وتأثير قرار مجلس الأمن 2624 على الحرب في اليمن

Getting your Trinity Audio player ready...

أصدر مجلس الأمن الدُّولي، يوم الاثنين، 28 فبراير 2022م، القرار رقم “2624”، والذي يوسِّع الحظر على إيصال الأسلحة إلى اليمن ليشمل جميع مليشيَّا جماعة الحوثي، بعدما كان مقتصرًا على أفراد وشركات محدَّدة. وجاء القرار -الَّذي تقدَّمت به الإمارات العربيَّة المتَّحدة، وصاغته بريطانيا- ليصف جماعة الحوثي لأوَّل مرَّة بـأنَّها “إرهابيَّة”، وفي إطار الفصل السَّابع.

حظي القرار بتأييد (11) دولة، بما فيها جميع الدُّول دائمة العضويَّة؛ فيما امتنعت أربع دول، هي أيرلندا والنَّرويج والمكسيك والبرازيل، عن التَّصويت.

ويمدِّد القرار ولاية فريق الخبراء الدُّولي المعني باليمن حتَّى 28 مارس 2023م، ويطلب إلى الأمين العام للأمم المتَّحدة أن يتَّخذ التَّدابير الإدارية اللَّازمة بأسرع ما يمكن لإعادة إنشاء فريق الخبراء.

القرار أثار جدلًا واسعًا حال صدوره بين مَن عدَّه تصنيفًا، ومَن عدَّه توصيفًا، قبل اضطرار موقع الأمم المتَّحدة إلى التَّعديل والحذف في صياغة الخبر. فقد حمل الخبر في موقع الأمم المتحدة العنوان التَّالي: “مجلس الأمن يتبنَّى قرارًا يصنِّف الحوثيِّين جماعة إرهابيَّة”، تخضع لحظر الأسلحة المستهدف، لكنَّه عاد وعدَّله بعد نحو ساعتين، وألغى كلمة “تصنيف”.

خلفيَّة القرار:

يعدُّ القرار ثمرة حشد دولي أعدَّته الإمارات بعد تعرُّضها لهجمات متتالية مِن قبل الحوثيِّين، منذ يناير الماضي؛ حيث تعرَّضت لثلاث هجمات بارزة بصواريخ بالستيَّة وطائرات مسيَّرة. وكانت طائرات دون طيَّار قد استهدفت -في 17 يناير الماضي- ثلاث مركبات للتَّزوُّد بالوقود، في مصفاة نفط تابعة لشركة بترول أبو ظبي في منطقة المصفّح. وقد أعلنت شرطة أبو ظبي عن مقتل ثلاثة أشخاص مِن الجنسيَّة الهنديَّة والباكستانيَّة، وإصابة ستَّة أشخاص آخرين؛ ليكون هؤلاء الضَّحايا أوَّل مَن يُقتل على يد الحوثيِّين في الإمارات.

أدانت الحكومة الإماراتيَّة الهجمات، وتعهَّدت بعدم ترك المسئولين عنها وملاحقتهم؛ كما طالبت واشنطن بضمِّ الحوثيِّين إلى قائمة الكيانات الإرهابيَّة.

وفي 24 يناير2022م، اعترضت القوَّات المسلَّحة الإماراتية صاروخين بالستيَّين آخرين، أطلقهما الحوثيُّون نحو قاعدة الظَّفرة الجويَّة في أبو ظبي. ونهاية يناير الماضي أيضًا، أعلنت الإمارات إسقاط صاروخ بالستي أثناء زيارة قام بها الرَّئيس الإسرائيلي، إسحاق هيرتزوغ، إلى أبو ظبي. وقالت وزارة الدِّفاع الإماراتيَّة إنَّ الهجوم لم يسفر عن وقوع إصابات، كما أنَّه لم يؤثِّر على حركة الملاحة الجويَّة في البلاد.

مِن ناحية أخرى، أعلن “التَّحالف العربي”، الذي تقوده المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في اليمن، في 3 يناير 2022م، أنَّ مليشيا جماعة الحوثي اختطفت سفينة شحن تحمل العلم الإماراتي، قبالة سواحل مدينة الحديدة، على البحر الأحمر. وقال التحالف: إنَّ سفينة الشَّحن “روابي” تعرَّضت للقرصنة الحوثيَّة، وكانت تقوم بمهمَّة بحرية مِن جزيرة سقطرى إلى ميناء جازان.

ومنذ أشهر، اعتادت مليشيا جماعة الحوثي على شنِّ هجمات بطائرات مسيَّرة وصواريخ بالستيَّة على مدن السعودية، فيما كانت المملكة تعلن عن اعتراض وتدمير أغلبها. لكنَّ الجماعة صعَّدت مؤخَّرًا هجماتها على مصالح ومواقع إماراتية؛ الأمر الذي عدَّ تطوُّرًا لافتًا في سياق الحرب اليمنية، خاصَّة مع إعلان قوَّات مدعومة مِن الإمارات تحرير مديريَّات في محافظة شبوة وجنوب محافظة مأرب.

مقايضة الموقف الروسي:

كان لافتًا -هذه المرَّة- اختفاء الفيتو الرُّوسي في القرار؛ لكن مِن السَّهل تفسير ذلك على أنَّه جاء ثمرة “اتِّفاق” بين موسكو وأبو ظبي، إذ هدفت موسكو عبره إلى ضمان امتناع الإمارات عن التَّصويت في مجلس الأمن ضدَّ غزوها لأوكرانيا. وجاء قرار مجلس الأمن بشأن اليمن عقب تعرقل قرار آخر قدَّمته الولايات المتحدة الأمريكيَّة ضدَّ روسيا، وامتنعت فيه الإمارات عن التصويت. وبالتَّالي، بدت الصَّفقة بين أبو ظبي وموسكو واضحة. وهي صفقة تعبِّر عن تبادل مصالح آنيَّة بعد ممانعة موسكو طوال الفترة الماضية لكلِّ القرارات الصَّادرة ضدَّ الحوثيِّين.

السيناريوهات المحتملة:

شهدت الفترة الماضية، تحرُّكات عديدة، قادها مبعوثو الأمم المتحدة، مِن أجل مسار الحلِّ السياسي في اليمن، إلى جانب التَّلويح بالعقوبات ضدَّ أطراف النِّزاع المختلفة، لكنَّها جميعًا لم تجد النَّفاذ إلى الواقع اليمني، مع مراوحة المعارك في الجبهات بين كرٍّ وفرِّ. وأقلُّ ما يمكن قوله في هذه الجهود أنَّها لا تمتلك أيَّة أدوات حقيقيَّة للضَّغط والإلزام بعمليَّة السلام؛ وقد اختبرتها جماعة الحوثي جيِّدًا بمزيد مِن التَّصعيد، وعلى ذلك ثمة سيناريوهين محتملين لتأثير القرار على الحرب في اليمن:

سيناريو يرجح الجوانب الإيجابية للقرار:

ينطلق هذا السيناريو من آمال وتوقُّعات كبيرة في أن يسهم هذا القرار الدُّولي في تحييد قدرات الحوثيِّين العسكرية، وفي حلحلة الأوضاع المتأزِّمة في اليمن نحو الحلول السياسيَّة التي عطَّلتها الجماعة في محطَّات كثيرة، مستندة على القوَّة العسكريَّة والشَّحن العصبوي لدى أنصارها.

كما يعدُّ القرار مهمًّا مِن ناحية توصيف المعركة الجارية في اليمن بين “شرعيَّة” معترف بها دوليًّا، وبين مليشيا انقلابيَّة، بعد حالة التَّشتُّت وعدم التَّوحُّد في الجهود الدُّوليَّة لوصف ما يجري. وهو يعدُّ فرصة جديدة أيضًا للحكومة اليمنية لترتيب أجندتها وممارسة ضغوط دبلوماسيَّة لمتابعة تصنيف الجماعة على قائمة الإرهاب، نظير جرائمها، وانتهاكاتها العديدة لحقوق الانسان. كما أنَّه مبرِّر مفيد لتوسيع قوَّات الجيش عمليَّاتها العسكريَّة نحو مناطق إستراتيجيَّة لتضييق الخناق على الجماعة، ودفعها إلى الاستسلام أو السلام، وفق مخرجات الحوار الوطني وقرارات الشَّرعيَّة الدُّوليَّة.

ومِن المهمِّ أن ينعكس القرار على الجانب الدَّاخلي، بحيث يكون هناك توجُّه سياسي وعسكري وإستراتيجي مختلف عن الإستراتيجية والطَّريقة التي أُديرت بها الحرب خلال المرحلة السَّابقة.

وفي سياق التَّرحيب الإقليمي والدُّولي بالقرار، يمكن رصد إيجابيَّات كثيرة للقرار مِنها أنَّه سيحدُّ مِن القدرات العسكرية للمليشيا، ويدفعها نحو وقف التَّصعيد للعمليَّات العسكرية في اليمن والمنطقة، كما سيعمل على تقليل حجم أنشطتها العدائيَّة ضدَّ السُّفن المدنيَّة، والتَّهديد لخطوط الملاحة البحريَّة والتِّجارة الدُّوليَّة.

وإذا كان توسيع نطاق الحظر مهمًّا مِن النَّاحية السياسيَّة، فمِن المحتمل أن يدفع القرار جماعة الحوثيين إلى المرونة وإدراك أنَّها أصبحت جماعة منبوذة دوليًّا، أو على وشك دخول دائرة التَّصنيف في قوائم الإرهاب. كما أنَّه يشكِّل رسالة لداعمي المليشيا بالتَّوقُّف عن تزويدها بالصَّواريخ، والطَّائرات دون طيار، والأسلحة النَّوعيَّة، والتي أدَّت إلى إطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانيَّة. فقد شهدت الفترة الأخيرة وتيرة متصاعدة في عمليَّات تهريب الأسلحة إلى الحوثيِّين عن طريق البحر؛ وكشف تحقيق صحفي، لموقع “المصدر أونلاين”، عن طرق وشبكة واسعة مِن الخبراء والأسلحة والمعدِّات العسكرية التي تسلكها طهران لتوصيل شحنات السِّلاح إلى الحوثيِّين. (صورة سلاح يهرب للحوثيين)

سيناريو متشائم:

ينطلق هذا السيناريو من أن القرار السابق قد يُضيف المزيد من التعقيد إلى عمليَّة السَّلام، مِن خلال دفع جماعة الحوثي إلى التَّشدُّد، وعدم المرونة في الاستجابة إلى أيَّة دعوات أمميَّة وغربيَّة أخرى للجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة الشرعية. ولدى جماعة الحوثي أيديولوجيا حربيَّة معروفة بشعاراتها وتحدِّيها لكلِّ دعوات السلام السابقة، رغم المغريات وحالات ما يوصف بـ”الدَّلال الأممي” معها، إلَّا أنَّها قابلت ذلك كلِّه بمزيد مِن الاستفزاز وشنِّ هجمات خارج الحدود بشكل متكرِّر.

فالقرار يُنظر إليه على أنَّه غير مجدي كثيرًا في الواقع مع جماعة تؤمن بشعارات الموت، وتسيطر على مناطق ذات كثافة سكانيَّة عالية، بينها العاصمة صنعاء، وتستخدم فائض البشر وقودًا لحروبها وتوسُّعاتها الميدانية.

كما قد يشكِّل القرار فرصة مناسبة للإمارات للتَّدخُّل أكثر عسكريًّا، ودعم أطماعها في الثَّروات والمواقع الإستراتيجية في البلد، مستغلَّة انشغال الجهود الدُّوليَّة عن اليمن بأزمة الحرب في أوكرانيا، وتحت مبرِّرات الهجمات على أراضيها.

كما لا يستبعد حضور روسيا في ملف اليمن بشكل أكبر، مِن خلال ضخِّ مزيد مِن الدَّعم لجماعة الحوثي، واعتبارها أحد أوراق التَّفاوض المهمَّة في المنطقة.

وبناء على هذا السيناريو سوف تواصل جماعة الحوثي معاركها العسكرية داخل اليمن ضدَّ قوَّات الجيش، خاصَّة محاولات اختراق مناطق تعدُّها إستراتيجيَّة، وبالذَّات في جبهة مأرب. وهي تتَّكئ في ذلك على غياب الضُّغوط الدُّوليَّة الحقيقية لمنع اعتداءاتها في الدَّاخل اليمني، ومقايضة ملفِّ الحرب في اليمن ضمن قضايا إقليميَّة ودوليَّة أكبر. وتجد الجماعة أنَّ الفرص العسكرية لا تزال مثاليَّة، مع وجود خزَّان بشري قادر على إمدادها في جبهات القتال، وبالتَّالي الاستمرار في المعارك الدَّاخليَّة لفرض وقائع ميدانيَّة جديدة.

خارجيًّا، مِن المتوقَّع أن تحيِّد الجماعة هجماتها بالصَّواريخ البالستية، والطَّائرات المسيَّرة، ضدَّ الإمارات، ولو مؤقَّتًا، لتجنُّب ردَّات تصعيدها العسكري والدُّبلوماسي في الأروقة الدُّوليَّة.

وفي حين لا تزال كلُّ إجراءات المجتمع الدُّولي بصدد التلويح بعقوبات أشدَّ ضدَّ الحوثيِّين لدفعهم إلى عمليَّة السلام، مع تأكيد متواصل على أنَّه ما مِن حلٍّ عسكري في اليمن، تعدُّ جماعة الحوثي هذه الأمور بمثابة محفِّزات مغرية لها لمواصلة العمليَّات العسكريَّة؛ وهي لا ترى في القرار الجديد أيَّ تهديد حقيقي بإجراءات عقابيَّة شديدة.

وإذا كانت جماعة الحوثي تتَّخذ مِن الدَّعوات الإنسانيَّة الدُّولية مبرِّرًا لتضييق الخناق على الكتلة السُّكانيَّة الخاضعة لسيطرتها، فإنَّ الأمر يستدعي التَّسريع بأيِّ إجراءات حقيقيَّة لوقف الحرب، بدلًا مِن ترك المواطنين اليمنيِّين تحت رحمة الابتزاز بالمواقف الإنسانيَّة؛ ويتعيَّن على المجتمع الدولي، وكذلك الإقليمي، الإدراك جيِّدًا بأنَّ معاناة الشَّعب اليمني، كما التَّهديدات على دول الجوار والملاحة الدُّولية، ستتوقَّف حال دعم الدَّولة اليمنيَّة كطرف وحيد لاحتكار قوَّة السِّلاح والسَّيطرة عليه، دون الجماعات المنفلتة، ودعمها في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بدون تأخير.

اضغط لتحميل المادة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى