المكتب السِّياسي لطارق صالح في تعز.. الأهداف والسِّياق والتَّداعيات

Getting your Trinity Audio player ready...

تمهيد:

افتتح “المكتب السِّياسي” لـ”المقاومة الوطنية”، فرعًا له في مدينة تعز وسط البلاد، في 21يوليو 2022م، بعد عام ونيِّف مِن الأشهر مِن إشهار “المكتب السِّياسي” في مدينة المخاء، غربي محافظة تعز، في 25 مارس 2021م، كغطاء لألوية “حرَّاس الجمهورية”، وبقيَّة التَّشكيلات العسكرية التي أنشأتها دولة الإمارات العربية المتَّحدة، تحت اسم “القوَّات المشتركة”. وتنتشر هذه التَّشكيلات في السَّاحل الغربي الذي يمتدُّ على طول ساحل تعز، ابتداءً مِن مضيق “باب المندب” الإستراتيجي، التَّابع لمديرية “ذو باب”، مرورًا بمدينة وميناء المخاء، وحتَّى مدينة الخوخة (163كم) إلى الجنوب مِن مدينة الحديدة. ويتولَّى العميد ركن طارق محمد عبدالله صالح قيادة هذه القوَّات، متَّخذًا مِن مدينة المخاء التَّابعة لمحافظة تعز مقرًّا رئيسًا ومركزًا لوجستيًّا لتحرُّكاته السِّياسية والأمنية؛ وذلك منذ أن نقل “التَّحالف العربي” عمليَّاته وقوَّاته إليها، في أوائل عام 2018م، إثر هروبه مِن العاصمة صنعاء، بعد أن تصاعد الصِّراع داخل تحالف “الحوثي- صالح”، واندلعت اشتباكات مسلَّحة بين الطَّرفين، في مناطق جنوب العاصمة، في 1 ديسمبر 2017م، واستمرَّت نحو ثلاثة أيَّام، انتهت بمقتل الرَّئيس الأسبق، علي عبدالله صالح، في 4 ديسمبر 2017م، وفرار طارق صالح، الذي كان يتولَّى قيادة الحراسة الأمنية لصالح.

“التَّحالف” وصناعة البدائل:

بعد أكثر مِن عامين على تدخُّل المملكة العربية السُّعودية والإمارات العربية المتَّحدة في اليمن، وانطلاق عمليَّات “التَّحالف العربي” العسكرية، في 26 مارس 2015م، في اليمن، بدأ “التَّحالف” بإنتاج وتأهيل البدائل السِّياسية والعسكرية للسُّلطة “الشَّرعية” والجيش الوطني؛ خاصَّة بعد أن أظهرت قوَّات الجيش الوطني والمقاومة الشَّعبية (المدعومة مِن قوى سياسية واجتماعية يمنية مناهضة للانقلاب الذي قام به تحالف “الحوثي- صالح”، في 21 سبتمبر 2014م) قدرة عسكرية كبيرة على الأرض، وصلت إلى مديرية “نِهم” التَّابعة لمحافظة صنعاء، على بعد (40كم) مِن العاصمة صنعاء، خلال وقت وجيز؛ وهو ما يعني إمكانية الحسم وإنهاء التَّدخل السُّعودي الإماراتي في اليمن.

سرعان ما ظهرت التَّغيُّرات في إستراتيجية “التَّحالف العربي”، إذ برزت تحوُّلات على مستوى إدارته للعمليَّات العسكرية والسِّياسية، بالاتِّجاه الذي يمهِّد لإنتاج بديل سياسي وعسكري مِن خلال تبنِّي نهج يُضعِف ويُعطِّل القدرة السِّياسية والعسكرية للسُّلطة “الشَّرعية”، التي كانت قائمة بقيادة الرَّئيس “هادي” ونائبه، مسنودة بالقوى السِّياسية والاجتماعية المؤيِّدة لها، وفي مقدِّمتها حزب “التَّجمُّع اليمني للإصلاح”، الذي يشكِّل القضاء عليه أولوية لدى دولة الإمارات.

لإنجاز هذا التَّحوُّل باتِّجاه إنتاج وتأهيل البدائل، جرى تجميد العمليَّات العسكرية، ووقف تقدُّم الجيش الوطني والمقاومة الشَّعبية على الأرض بقرار سياسي مِن “التَّحالف”، وفق شواهد عديدة برزت في تطوُّرات الأحداث على الأرض، منذ عام 2017م. رافق ذلك، وضع عراقيل لوجستية لإضعاف الجيش الوطني، وتعطيل قدرته على مواصلة التَّقدُّم، حيث مُنِع مِن تسليح وحداته العسكرية القتالية، وأوقف “التَّحالف” دعمه بالأسلحة الثَّقيلة والمتوسِّطة والخفيفة؛ إضافة إلى تأخير صرف رواتب الجنود لفترات تتراوح مِن خمسة أشهر إلى (11) شهرًا، ومُورست ضغوط عدَّة على الرَّئيس “هادي” لإجراء تغييرات في قيادة الجيش، وبموجبها تمَّ انتزاع قرار وزارة الدِّفاع اليمنية لصالح قيادة القوَّات المشتركة، وقائدها الأمير فهد بن تركي؛ بالتَّوازي مع شروع “التَّحالف” -ابتداءً مِن أواخر عام 2017م- في إنشاء تشكيلات عسكرية، وميليشيَّات مسلَّحة خارج إطار الحكومة “الشَّرعية”، موازية للجيش. وكثَّف “التَّحالف” مِن تركيز دعمه لها في المحافظات اليمنية المـُحرَّرة.

أبرز تلك التَّشكيلات المسلَّحة غير القانونية: ألوية الدَّعم والإسناد، والأحزمة والنُّخب الأمنية، والعمالقة، وحرَّاس الجمهورية، إضافة إلى أكثر مِن (18) لواء عسكري في محافظة صعدة. كما دعم “التَّحالف” عبر الإمارات، ثاني أكثر دولة فاعلة داخل التَّحالف، إنشاء “المكتب السِّياسي” لـ”المقاومة الوطنية” الذي يرأسها طارق صالح، كغطاء سياسي للميليشيَّات المسلَّحة التَّابعة له والمدعومة مِن “التَّحالف” في منطقة السَّاحل الغربي. وقبل ذلك أنشأت الإمارات، “المجلس الانتقالي” الجنوبي، في 11 مايو 2017م، وهو كيان سياسي وعسكري ينادي بالانفصال؛ ولاحقًا نفَّذت التَّشكيلات العسكرية التَّابعة لـ”الانتقالي” الانقلاب الأوَّل على السُّلطة “الشَّرعية”، في يناير 2018م، بدعم وتمويل مِن دولة الإمارات، وقامت بطرد الرَّئيس “هادي” مِن العاصمة المؤقَّتة عدن، وقامت بالسَّيطرة على مؤسَّسات الحكومة “الشَّرعية” فيها.

وفي أغسطس 2019م، نفَّذت القوَّات التَّابعة للإمارات انقلابًا عسكريًّا، هو الثَّاني في مدينة عدن، فطردت ما تبقَّى مِن المسئولين والوزراء في الحكومة “الشَّرعية”، وتدخَّلت القوَّات الجوية الإماراتية بشكل مباشر لإسناد الميليشيَّات التَّابعة لـ”الانتقالي”، ونفَّذت سلسلة غارات جوية استهدفت قوَّات الجيش الوطني على مشارف عدن، ما أدَّى إلى مقتل وإصابة نحو 300 جندي، فيما أقرَّت الإمارات بمسئوليَّتها عن الضَّربات الجوية، وقالت: إنَّها استهدفت ما وصفتها “بتنظيمات إرهابية” شكَّلت تهديدًا لقوَّات “التَّحالف”، بينما كانت تستهدف قوَّات الحكومة “الشَّرعية” ضمن مسعى “التَّحالف” لإعداد بديل عنها.

وفي حين أهَّل التَّحالف “المجلس الانتقالي” الجنوبي في المحافظات الجنوبية كبديل عن “الشَّرعية”، جرى تأهيل “المقاومة الوطنية” برئاسة طارق صالح في السَّاحل الغربي ومنطقة المخاء لتكون البديل القادم عن “الشَّرعية”، في المحافظات الشَّمالية، وبذلك يكون الطَّرفان رأسين للقوَّة السِّياسية والعسكرية البديلة، والموالية لـ”التَّحالف” بشكل مطلق.

أمَّا في محافظة تعز، فقد نجحت قوَّات محور تعز في الجيش الوطني اليمني، والقوى السِّياسية والاجتماعية، ومكوِّنات المقاومة الشَّعبية والحراك الجماهيري الكبير، في إفشال كلِّ محاولات دولة الإمارات لتشكيل أحزمة أمنية وعسكرية موالية لها في مدينة تعز، وبقيَّة مناطق المحافظة (الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني). إذ تمكَّنت قوَّات الجيش مِن تفكيك “كتائب أبي العبَّاس”، المدعومة مباشرة مِن الإمارات، وطرد قيادة الكتائب مِن الأحياء القديمة التي كانت تسيطر عليها في مدينة تعز، في عام 2018م، ولاحقًا -في عام 2020م- نجح الجيش، بإسناد كبير مِن قيادة المقاومة الشَّعبية، في طرد ما تبقَّى مِن وحدات وكتائب عسكرية موالية للإمارات في منطقة المعافر بمنطقة “التُربة” جنوبي المحافظة.

الارتدادات السَّلبية:

منذ أواخر عام 2017م، كانت لجان دولية، وأممية تابعة لمجلس الأمن الدُّولي، قد بدأت بإلقاء اتِّهامات لـ”التَّحالف العربي” بتقويض السُّلطة “الشَّرعية” في اليمن، مِن خلال إنشاء وتمويل جماعات مسلَّحة مختلفة، في محافظات جنوب اليمن والسَّاحل الغربي، وعملت على تقويض سلطة الرَّئيس “هادي”، وأضافت التَّقارير الأممية أنَّ “سلطة الحكومة الشَّرعية قد تآكلت بشكل ملحوظ هذا العام”، نتيجة تشكيل سلطة موازية، ممثَّلة بـ”المجلس الانتقالي” و”الجماعات المسلَّحة” التي تتلقَّى تموليها مِن الإمارات.

لم ترتق الإستراتيجية التي انتهجها “التَّحالف” في إدارته للعمليَّات العسكرية والسِّياسية إلى مستوى التَّهديد الإستراتيجي الذي تتعرَّض له السُّعودية، قائدة “التَّحالف” في اليمن؛ بل أتى بنتائج عكسية عزَّزت مِن نفوذ جماعة “الحوثي” المدعومة إيرانيًّا، ووسَّعت مِن قدرات الجماعة العسكرية إلى المستوى الذي مكَّنها مِن استهداف المنشآت والحقول النَّفطية، والمطارات السُّعودية، منذ عام 2018م. كما تطوَّرت الهجمات التي تقوم بها الجماعة مِن خلال الصَّواريخ البالستية والمسيَّرات أكثر مِن ذي قبل، بلغت حدَّ استهداف منشأتي “بقيق” و”خريص” التَّابعتين لشركة “أرامكو”، شرقي السُّعودية. وقد دفعت تلك الهجمات حينها إلى توقُّف كمية مِن إمدادات الزَّيت الخام، بنحو (5.7) ملايين برميل يوميًّا، أو حوالي 50% مِن إنتاج “أرامكو”، إضافة إلى ملياري قدم مكعَّب مِن الغاز المصاحب.

تزايدت الهجمات -بالصَّواريخ البالستية والطَّائرات المسيَّرة- على البنى التَّحتية ومنشآت الطَّاقة السُّعودية والإماراتية، وتعرضت في الأشهر الثَّلاثة الأولى مِن العام 2022م لـ(13) هجومًا، استهدفت السُّعودية وحلفاءها المنتجين للنَّفط في الخليج العربي، ما دفع الرِّياض لإطلاق تحذير إلى أسواق النَّفط العالمية بإخلاء مسئوليَّتها عن نقص إمدادات الطَّاقة في مارس 2022م.

على ضوء ذلك، تغيَّرت إستراتيجية “التَّحالف” مِن التَّصعيد العسكري، نحو اتِّخاذ نهج أكثر دبلوماسية تجاه الحوثيِّين، في حين أنَّ سياسة السُّعودية والإمارات تجاه إضعاف سلطة الرَّئيس “هادي” والقوى السِّياسية والعسكرية الدَّاعمة لـ”الشَّرعية” لم تتغيَّر، وواصلتا دعم التَّشكيلات العسكرية غير المنضوية في إطار الحكومة “الشَّرعية”، وأبرزها القوَّات التي يقودها طارق صالح في السَّاحل الغربي، وقوَّات “المجلس الانتقالي” الجنوبي في مدينة عدن.

القضاء على “الشَّرعية” وشرعنة البدائل:

في 7 أبريل 2022م، توجَّت السُّعودية، وحليفتها الإمارات، جهودهما لإضعاف السُّلطة “الشَّرعية” في اليمن، بإزاحة الرَّئيس “هادي”، والمنتخب شعبيًّا والمعترف به دوليًّا، مِن السُّلطة، وتشكيل “مجلس القيادة الرِّئاسي”، برئاسة محمَّد رشاد العليمي، وسبعة نوَّاب، يمثِّل معظمهم التَّشكيلات والميليشيَّات المسلَّحة المدعومة مِن “التَّحالف”، وفي مقدِّمتهم عيدروس الزَّبيدي، رئيس “المجلس الانتقالي” الجنوبي، وطارق صالح، رئيس المكتب السِّياسي لـ”المقاومة الوطنية”. والمجلس صيغة نجح “التَّحالف” مِن خلالها في إدماج التَّشكيلات المسلَّحة المناهضة لـ”الشَّرعية” في كيان واحد يحمل صفة “الشَّرعية” ذاتها! فيما كان المتوقَّع أن يحدث العكس.

مِن هنا، بدأ العميد ركن طارق صالح، عضو مجلس الرِّئاسة، ورئيس “المكتب السِّياسي”، الغطاء السِّياسي لقوَّات “المقاومة الوطنية”، غير المنخرطة تحت قيادة وزارة الدِّفاع أو الدَّاخلية، بتوسيع دوائر حضوره السِّياسي، وكان الإنطلاق بافتتاح فرع “المكتب السِّياسي” في محافظة شبوة، في 27 فبراير 2022م، ما أثار حفيظة “الانتقالي” ودفعه لشنِّ هجوم واسع ضدَّ خطوة “المقاومة الوطنية”، فضلًا عن اتِّخاذ موقف رسمي أعلن بشكل قاطع رفض أيِّ كيانات سياسية شمالية على أراض جنوبية. (صورة لطارق صالح مع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي)

نتيجة لهذه المواقف، توجَّه طارق صالح للتَّمدُّد شمالًا حيث محافظة تعز المحرَّرة، والتي لم يشارك حتَّى الآن في إسنادها على إتمام عملية التَّحرير. وعلى مدى أشهر مضت، وقبل الإعلان عن إشهار فرع “المكتب السِّياسي” لـ”المقاومة الوطنية” بمحافظة تعز، حرص طارق صالح على التَّواصل مع قيادة محور تعز، التَّابع للجيش الوطني اليمني، للحصول على موافقة لإجراء سلسلة زيارات إلى مديريَّات “موزع” و”الوازعية”، إضافة إلى زيارة أجراها للمرَّة الأولى لمدينة التُّربة، جنوب مدينة تعز، في 10 يوليو 2022م، التقى خلالها باللِّواء خالد فاضل، قائد محور تعز، والعميد عبده فرحان سالم، مستشار قائد المحور، وقيادات في حزب الإصلاح.

جرت عملية افتتاح مقر “المكتب السِّياسي” لطارق صالح في مدينة تعز، بحضور مسئولين في السُّلطة المحلية بمحافظة تعز، ومشاركة قيادات وأعضاء مِن الأمانة العامة لـ”المكتب السِّياسي” لـ”المقاومة الوطنية”. ويتولَّى طارق صالح عملية اختيار وتكليف وتعيين الشَّخصيَّات في مراكز قيادية، هو مَن يحدِّد مسمَّياتها وصفاتها، وتتَّسم بعدم وجود هيكلة إدارية وقيادية واضحة، وافتقارها لآليَّات الانتخاب والتَّوافق، بحكم طبيعة ووظيفة المكتب وبنيته السِّياسية والعسكرية الـمُنحصرة في شخصية طارق صالح، بدعم مِن دولة الإمارات.

بناءً على ذلك، أُعلن خلال فعالية الافتتاح، في 21 يوليو 2022م، أسماء الشَّخصيَّات التي عيَّنها طارق في قيادة فرع تعز، برئاسة الشَّيخ عبدالسَّلام الدَّهبلي، عضو اللَّجنة الدَّائمة لحزب “المؤتمر الشَّعبي العام”، ومُمثِّل حزب المؤتمر في مجلس النُّوَّاب اليمني عن الدَّائرة الانتخابية (43)، وإلى جانبه خمسة نوَّاب، ينحدر ثلاثة مِنهم مِن مديرية شرعب، شمالي محافظة تعز، أبرزهم أحمد الشَّرعبي، ممثِّل حزب “المؤتمر” لدورتين في المجالس المحلِّية على مستوى المحافظة (2006م- 2022م)، وآدم عبده سعيد، وعبدالكريم حيدر، إضافة إلى عبدالحكيم سيف البكاري، وعبدالرَّزاق البركاني.

كما عيَّن محمَّد الجلال رئيسًا للدَّائرة التَّنظيمية للمكتب، وفضل الخامري رئيسًا للدَّائرة السِّياسية، والحسن عبدالجبار ربَّاش رئيسًا لدائرة الشَّباب، والدُّكتورة أيلان عبدالحق رئيسًا لدائرة المرأة، ومنير الكمالي رئيسًا لدائرة المنظَّمات الجماهيرية؛ وجميعهم ينتمون سياسيًّا وتنظيميًّا لحزب “المؤتمر”.

وليس لأيٍّ مِن الأسماء الـمُعلن عنها في قيادة فرع “المكتب السِّياسي” دور بارز في المقاومة الشَّعبية، ومعارك التَّحرير، في مدينة تعز، منذ عام 2015م، ولم يكن للكثير مِنهم أيُّ دور سياسي أو عسكري في مواجهة انقلاب جماعة الحوثي عمومًا؛ بينما كان معظمهم جزءًا مِن الانقلاب حتَّى عام 2019م، كما هو حال رئيس الفرع، الشَّيخ عبدالسَّلام الدَّهبلي، إذ احتفظ بموقف مساند لأحد طرفي الانقلاب، ألا وهو الرَّئيس “صالح”، حتَّى مقتله في 4 ديسمبر 2017م، وظلَّ في صنعاء نحو عامين بعد مقتل “صالح”، ولم يشارك في اجتماعات ولقاءات مجلس النُّوَّاب اليمني في العاصمة السُّعودية (الرِّياض)، خلال العام 2017م- 2018م، وكان أوَّل ظهور سياسي له هو مشاركته في اجتماع مجلس النُّوَّاب في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، في 13 أبريل 2019م، والذي جرى خلالها انتخاب هيئة جديدة لرئاسة المجلس.

رفض وتوجُّس مِن طارق ومكتبه السِّياسي:

لم تحتو قائمة الأسماء المعلن عنها لقيادة “المكتب السِّياسي” -في مدينة تعز- على أسماء شخصيَّات تقليدية مِن حزب “المؤتمر” في المحافظة، باستثناء رئيس الفرع؛ وفرغت القائمة مِن أيِّ شخصيَّات اجتماعية وسياسية وأكاديمية وعسكرية وتجارية بارزة في تعز، ما يشير إلى وجود رفض سياسي وشعبي واسع لافتتاح فرع المكتب في تعز.

ويقول مسئول في السُّلطة المحلية بمحافظة تعز: إنَّ طارق صالح، رئيس “المكتب السِّياسي” لـ”المقاومة الوطنية”، وعضو مجلس القيادة الرِّئاسي، أجرى خلال الشَّهرين الماضيين، وأثناء التَّرتيب لفتح فرع المكتب في مدينة تعز، اتِّصالات عديدة مع كثير مِن الشَّخصيات السِّياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية، ومع العديد مِن الأكاديميِّين والمشايخ ورجال الأعمال، بمَن فيهم أسماء بارزة مِن البيوت التَّجارية في محافظة تعز، لإقناعهم بالعمل مع “المكتب السِّياسي”، لكن الجميع رفضوا واعتذروا عن العمل معه.

ويبدو أنَّ العزوف والرَّفض الواسع للعمل مع “المكتب السِّياسي” في تعز يعكس طبيعة العلاقة بين عائلة “صالح” وتعز، ويعود إلى العديد مِن الدَّوافع والأسباب والعوامل التَّاريخية والاجتماعية والسِّياسية والأخلاقية والشَّعبية، أبرزها إعلان الرَّئيس “صالح” الحرب على تعز عام 2011م، ومشاركته الفاعلة إلى جانب جماعة الحوثي في قيادة الحرب الأكثر دموية على تعز منذ مارس 2015م، وقيام طارق صالح خلالها بدور بارز في قيادة الهجمات التي طالت مدينة وأرياف تعز، قبل فراره مِن صنعاء في ديسمبر 2017م. واتَّهم العديد مِن نشطاء حقوق الإنسان والمنظَّمات المدنية طارق صالح بمشاركة الحوثيِّين في ارتكاب جرائم حرب بحقِّ السُّكَّان المدنيِّين في مدينة تعز. ومنذ ذلك الحين لم يعتذر عن مشاركته تلك في الحرب الدَّموية على تعز.

وتتَّسم العلاقة بين طارق صالح وتعز بالتَّوتُّر والتَّوجُّس وانعدام الثِّقة، حتَّى بلغت حدَّ العداء طيلة سنوات مشاركته إلى جانب الحوثيِّين، في الحرب الدَّموية على محافظة تعز. واستمرَّت علاقة التَّوتُّر وانعدام الثِّقة بعد فراره مِن صنعاء عقب مقتل عمِّه “صالح”، وتسليمه مديريَّات ساحل تعز مِن قبل “التَّحالف” في عام 2018م، وسيطرته على موارد وإيرادات ميناء ومدينة المخاء، وإخلاء مناطق ساحل تعز مِن السُّكَّان، والعمل على عزل المديريَّات الغربية والجنوبية عن المحافظة، وتحويل مدينة المخاء إلى منطقة عسكرية وأمنية مُغلقة أمام أبناء تعز، وهي المحافظة التي تحتوي على أكبر كتلة سكانية في اليمن، في ظلِّ حصار حوثي خانق تواجهه المحافظة مِن الجهات الشَّرقية والشَّمالية والشَّمالية الغربية.

ناهيك عن تورُّط طارق صالح في دعم تمرُّد “كتائب أبي العباس”، وإيواء مطلوبين للأجهزة الأمنية والعسكرية في المحافظة، وتخصيص وسائل إعلام مقرَّبة مِنهم لشنِّ حملات إعلامية ودعائية تحرِّض باستمرار ضدَّ المقاومة والجيش الوطني والمكوِّنات السِّياسية والاجتماعية، وقادة المقاومة في تعز.

ردود الأفعال تجاه فرع المكتب بتعز:

ثمَّة مخاوف لدى رئيس مجلس القيادة الرِّئاسي، رشاد محمَّد العليمي، الذي قالت مصادر مطَّلعة إنَّه انزعج مِن لقاء قادة محور تعز بطارق صالح، في يونيو الماضي، في مدينة المخاء، دون أن يتمَّ إشعاره مِن جانب قيادة المحور. كما أنَّ مساعي جعل “المكتب السِّياسي” بديلًا سياسيًّا وتنظيميًّا عن “المؤتمر الشَّعبي العام”، تثير مخاوف لدى العليمي الذي يقود المؤتمر حاليًّا، ويخصم مِن أوراقه داخل مجلس القيادة الرِّئاسي لصالح تعزيز أوراق ونفوذ طارق صالح، وتزيد مِن حظوظه في أيِّ تسوية سياسية يمكن التَّوصُّل إليها.

على الميدان، تتفاوت طبيعة علاقة المكوِّنات والأحزاب السِّياسية والاجتماعية والمقاومة الشَّعبية في تعز مع طارق صالح، بين الخصومة والتَّنافس، وكثيرًا مِن الأحيان العداء؛ وتتَّسم بالتَّوجُّس والرِّيبة وانعدام الثِّقة، رغم وجود إجماع داخل تلك المكوِّنات ينظر لجماعة الحوثي باعتبارها التَّهديد الوجودي والخطر الأوَّل، ما يستلزم الوصول إلى تحقيق تقارب حقيقي يقوم على الموقف مِن الحوثيِّين، ويكون ناتجًا عن حاجة وطنية وشعبية، ونابعًا مِن إرادة محلِّية وطنية، ومِن استعداد لتقاسم المسئولية والمشاركة في تحمُّل أعباء معركة التَّحرير بأبعادها  السِّياسية والاجتماعية والعسكرية، وألَّا يكون مجرَّد تقارب تكتيكي مرحلي محكوم بحاجة إقليمية أو خارجية.

وحتَّى اللَّحظة، لم يصدُر عن قيادة محور تعز التَّابع للجيش الوطني، وعن القوى السِّياسية والشَّخصيات الاجتماعية البارزة، وعن جميع الأحزاب، بيانات رسمية ترحِّب أو تعارض خطوة افتتاح فرع “المكتب السِّياسي” لـطارق صالح في تعز، بما في ذلك حزب “المؤتمر”، وحزب “الإصلاح” و”الحزب الاشتراكي اليمني”؛ لكنَّ قادة فروع هذه الأحزاب استجابوا لدعوة مِن “المكتب السِّياسي”، وعقدوا لقاءات مع قيادته، وأبدوا خلالها ترحيبهم بافتتاح فرعه في مدينة تعز، والذي جاء بعد سلسلة اتِّصالات ولقاءات أجراها طارق صالح مع قيادة محور تعز وقادة فروع الأحزاب السِّياسية، خلال ثلاثة أشهر سابقة للافتتاح، حيث أبدى طارق صالح خلالها اهتمامًا متزايدًا بالتَّواصل مع قيادة تعز، خصوصًا بعد تعرُّضه خلال إقامته في مايو الماضي لمضايقات مِن “المجلس الانتقالي” الجنوبي في عدن، والتي عاد على إثرها للاعتكاف في مدينة المخاء، وعقد ثلاثة لقاءات مع قيادة محور تعز العسكري، اعتبرها البعض محاولة مِنه لإيصال رسالة لـ”الانتقالي”.

شكَّل حزب “الإصلاح” أحد أبرز الأحزاب التي باركت افتتاح فرع “المكتب السِّياسي” لطارق صالح في تعز، لكن ترحيب الحزب اشترط ضمنيًّا أن يكون وجود المكتب “رافدًا مهمًّا مِن روافد العمل السِّياسي، لتحشيد الجهود وتوحيدها في سياق المعركة الوطنية ضدَّ المشروع الإيراني”. أمَّا حزب “المؤتمر” في تعز، والذي يرأسه الشَّيخ عارف جامل، وكيل محافظة تعز، وأحد قادة المقاومة الشَّعبية منذ عام 2015م، فيبدو أنَّه يخشى مِن أن يكون افتتاح فرع “المكتب السِّياسي” لطارق صالح على حساب حزب “المؤتمر”. وهناك ترحيب حذر مِن قادة الأحزاب في تعز، نظرًا لوجود مخاوف لدى كثير مِن القوى الشَّعبية والاجتماعية والسِّياسية تجاه سياسة دولة الإمارات التي تملك قرار طارق صالح، كونها الدَّاعم له. ومع وجود قناعة واسعة لدى هذه المكوِّنات التي قادت المقاومة الشَّعبية ضدَّ الحوثيِّين بحاجة اليمن للحفاظ على علاقة غير تصادمية مع السُّعودية والإمارات في هذه المرحلة، وبأنَّ مخاطر وتبعات دخول الأطراف المناهضة لجماعة الحوثي في توتُّر مع الرِّياض وأبو ظبي ستكون أكبر مِن تبعات التَّماشي مرحليًّا مع توجُّهاتهما في المحافظات المـُحرَّرة.

كما أنَّ فروع الأحزاب والقوى السِّياسية اليمنية والمقاومة الشَّعبية ترى أنَّ وضع طارق صالح لا يسمح له باستفزاز تعز في ظلِّ افتقاره للقوَّة الذَّاتية وانعدام خياراته، وطبيعة علاقته المتوتَّرة والتَّنافسية مع “المجلس الانتقالي” الجنوبي، فضلًا عن هشاشة التَّشكيلات العسكرية التي يقودها، رغم تلقِّيها دعمًا عسكريًّا وماليًّا مِن “التَّحالف”، فضلًا عن أنَّ الدَّعم الإقليمي لا يكفي لحماية وجوده في المخاء ومديريَّات ساحل تعز، فيما لو ذهب نشاط مكتبه السِّياسي بالاتِّجاه الذي يستهدف إرباك تعز وإضعاف المقاومة.

استنتاجات:

  • شكَّل إعلان “مجلس القيادة الرِّئاسي” نقطة تحوُّل فارقة في مسار الأحداث والمعادلة العسكرية والسِّياسية في اليمن، ووسَّع المساحة التي يتحرَّك فيها طارق صالح، بوصفه عضو في المجلس الرِّئاسي، وصاحب “شرعية” افتقدها طيلة السَّنوات الماضية.

  • تشير المدخلات والمؤشِّرات السِّياسية والعسكرية والإقليمية، وإستراتيجية “التَّحالف العربي” وأسلوب إدارته للعمليَّات العسكرية والسِّياسية، وتصوُّرات السُّعودية والإمارات للمستقبل السِّياسي لليمن، إلى أنَّ توسُّع نشاط “المكتب السِّياسي” لطارق صالح، وفتح فرعه في مدينة تعز، ناتج عن إرادة إقليمية خارجية في المقام الأوَّل.

  • لم تكن مواقف الأطراف والأحزاب السِّياسية، المـُرحِّبة نظريًّا بتدشين نشاط فرع “المكتب السِّياسي” لطارق صالح في مدينة تعز، سوى استجابة لهذا العامل الخارجي، وعدم رغبة في الاصطدام مع “التَّحالف”، في ظلِّ موازين القوَّة في المرحلة الرَّاهنة، وما تفرضه جماعة الحوثي مِن تهديد خطير ومصيري، يستهدف تعز واليمن عمومًا، وما تنتهجه مِن إبادة سياسية واجتماعية ووطنية، تطال جميع القوى والمكوِّنات، وتستهدف هوية الدَّولة اليمنية ونظامها الجمهوري.

  • افتتاح “المكتب السِّياسي” أتى في ظلِّ وجود توجُّه عام يقوده “التَّحالف” باتِّجاه التَّسوية السِّياسية والسَّلام (حراك الهدنة، الضُّغوط الأمريكية، تحدِّيَّات الطَّاقة العالمية، وحرب أوكرانيا، إزاحة هادي، تشكيل مجلس رئاسي، نصُّ بنود التَّفاوض مع جماعة الحوثي في بيان الإعلان الرِّئاسي).

  • تصاعد الضُّغوط الدُّولية على “التَّحالف”، وتزايد الحراك الدُّبلوماسي والدُّولي لتمديد الهدنة في اليمن، تمهيدًا لاستئناف المفاوضات الشَّاملة، سرَّع كما يبدو مِن نشاط “المكتب السِّياسي” لطارق صالح، وفتح فرعه في تعز، لضمان حصَّته كوكيل للإمارات في أيِّ تسوية يجري التَّوصُّل لها.

  • وفق تبعيَّة قرار طارق صالح للإمارات فإنَّ افتتاح فرع “المكتب السِّياسي”، في مدينة تعز، لا يعكس وجود توجُّه حقيقي لتوحيد الجهود مع المكوِّنات السِّياسية والعسكرية المناهضة للحوثيِّين في تعز، بقدر ما تبدو خطوة في مسار السَّيطرة السِّياسية والعسكرية على المحافظات الـمُحرَّرة، بهدف تمثيلها في التَّسوية الشَّاملة مع الحوثيِّين.

  • يشكِّل دخول “المكتب السِّياسي” لطارق صالح إلى مدينة تعز تحدِّيًّا إضافيًّا، وسيزيد مِن حالة الاستقطاب داخل تعز الـمُحرَّرة، في حال استمرَّ الجمود العسكري في الجبهات.

  • وجود مكتب طارق صالح كمكوِّن سياسي جديد بذراع مسلَّح وقوَّة عسكرية قد يعمل على إفساد السَّاحة السِّياسية في تعز، خصوصًا في ظلِّ عدم دمج تشكيلاته العسكرية ضمن الجيش الوطني في إطار وزارة الدِّفاع.

  • افتتاح فرع “المكتب السِّياسي” لطارق صالح في تعز يعمِّق تشظِّي حزب “المؤتمر” في تعز، ويأخذ رصيد الحزب في التَّمثيل السِّياسي على المستوى الوطني العام.

  • وجود فرع “المكتب السِّياسي” لطارق صالح بتعز، وبحكم فقدانه للقرار وسيطرة الإمارات عليه، قد يعطِّل المقاومة الشَّعبية مِن إمكانية خوض معارك تحرير مستقبلية، ومستقلَّة عن الحسابات والإرادات الإقليمية، التي طالما تحكَّمت بقرار الحكومة “الشَّرعية” ومسرح العمليَّات العسكرية منذ عام 2015م.

    اضغط لتحميل المادة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى