المعالجة بالمزيد من التشكيلات العسكرية: ما الذي يقف خلف تشكيل قوات درع الوطن؟

مقدمة:

أصدر رئيس مجلس القيادة الرِّئاسي، د. رشاد العليمي، يوم الخميس الموافق 29 يناير 2023م، قرارًا قضى بإنشاء وحدات عسكرية تُسمَّى (قوَّات درع الوطن)، وتكون احتياطي القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة؛ ونصَّت المادَّة الثَّانية مِن القرار أن يحدِّد القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة عدد هذه القوَّات، ومهامها، ومسرح عمليَّاتها، في أمر عمليَّاتي يصدر عنه، كما قضت أن تلزم هذه القوَّات بقانون الخدمة في القوَّات المسلَّحة، والقوانين ذات الصِّلة، وبتوجيهات القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة[1]. وصدر قرار رئيس مجلس القيادة الرِّئاسي بتعيين العميد بشير سيف قائد غُبَيْر الصُّبيحي قائدًا لـ(قوَّات درع الوطن).

وخلال ذات الفترة، تواترت الأخبار عن وصول معدَّات عسكرية لهذه القوَّات في مدينة عدن، واستمرار عملية التَّجنيد لصالح ألوية جديدة تابعة لها في عدد مِن المحافظات الجنوبية. وقد أثار تشكيل هذه القوَّات الكثير مِن التَّساؤلات عن الأسباب التي استدعت تشكيلها في هذا التَّوقيت، والغايات التي تقف خلفها، وما يمكن أن تحدثه مِن تداعيات على المشهدين السِّياسي والأمني في اليمن، خلال الفترة القادمة، وهو ما يسعى هذا التَّقرير للإجابة عليه.

السيـــــــــاق:

تعرَّض الجيش اليمني إلى حالة عالية مِن التَّشظِّي بفعل انقلاب الحوثيين، في سبتمبر 2014م، ومع بداية التَّدخُّل العسكري لدول “التَّحالف العربي”، بقيادة المملكة العربية السُّعودية، جرى إعادة تشكيل الجيش، والذي بات يُطلق عليه “الجيش الوطني”. وبالتَّوازي مع ذلك، رعت دولتي “التَّحالف العربي”، لدعم “الشَّرعية” في اليمن، تشكيل عدد مِن الجماعات والتَّشكيلات المسلَّحة؛ فقد دعمت الإمارات العربية المتَّحدة التي تعدُّ الطَّرف الثَّاني في “التَّحالف” تشكيلات عسكرية (كالأحزمة الأمنية، وقوَّات النُّخبة والدَّعم والإسناد) في عدن والمحافظات الجنوبية، وخلال فترة ما في محافظة تعز، وذلك انطلاقًا مِن مصالحها الجيوسياسية، ومواقفها المناوئة للحكومة “الشَّرعية”، وأطراف رئيسة فيها. وقد رفضت الإمارات دمج تلك التَّشكيلات في إطار الجيش الوطني. وقد تمكَّنت تلك التَّشكيلات العسكرية التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي” الجنوبي مِن فرض سيطرتها على مدينة عدن، بعد جولتين مِن الاقتتال مع القوَّات التَّابعة للسُّلطة “الشَّرعية”؛ جرت الأولى في أواخر شهر يناير 2018م، وجرت الثَّانية في شهر أغسطس مِن العام التَّالي (2019م)، اضطرَّت معها ألوية الحماية الرِّئاسية وقوَّات الجيش الوطني للانسحاب إلى منطقة شُقرة بمحافظة أبين، والتي باتت خطَّ تماس بين القوَّات “الشَّرعية” والتَّشكيلات العسكرية التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي”.

وقد رعت السُّعودية حوارًا بين السُّلطة “الشَّرعية” و”المجلس الانتقالي” تمخَّض عنه “اتِّفاق الرِّياض” الذي تمَّ التَّوقيع عليه في 5 نوفمبر2019م، وقضى بعودة ألوية الحماية الرِّئاسية إلى العاصمة المؤقَّتة عدن، وسحب التَّشكيلات العسكرية التَّابعة لـ”الانتقالي” إلى خارج المدينة، ودمجها في إطار وزارتي الدِّفاع والدَّاخلية، وفي مقابل ذلك يتمُّ إدماج “المجلس الانتقالي” في السُّلطة “الشَّرعية”. وفي حين تمَّ تنفيذ الشِّقِّ السِّياسي مِن الاتِّفاق أعاق “المجلس الانتقالي” تنفيذ الشِّقِّ العسكري والأمني.

انتقلت التَّجاذبات بخصوص وضع التَّشكيلات العسكرية إلى طور جديد بعد تشكيل مجلس القيادة الرِّئاسي، في 7 أبريل 2022م. وتمثَّلت فلسفة بناء مجلس القيادة في ضمِّ مختلف التَّشكيلات العسكرية في إطاره؛ وبالفعل فقد تشكَّل المجلس مِن ثمانية أشخاص، يقود كلُّ واحد مِنهم (أو هو على علاقة بـ) تشكيل عسكري، وكان الاستثناء مِن ذلك رئيس المجلس، د. رشاد العليمي. ونصَّ إعلان نقل السُّلطة على تشكيل لجنة عسكرية وأمنية “لتحقيق الأمن والاستقرار، مِن خلال اعتماد السِّياسات التي تعمل على.. تهيئة الظُّروف واتِّخاذ الخطوات اللَّازمة لتحقيق تكامل القوَّات تحت هيكل قيادة وطنية موحَّدة، في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوَّات المسلَّحة”[2].

وقد توافق مجلس القيادة الرِّئاسي، في 30 مايو 2022م، على تشكيل هذه اللَّجنة مِن (61) عضوًا، برئاسة اللِّواء الرُّكن هيثم قاسم طاهر، وذلك لدمج التَّشكيلات العسكرية؛ كما توافق على تشكيل لجنة لتقييم وإعادة هيكلة الأجهزة الاستخباراتية[3]. وقد دشَّنت هذه اللَّجنة اجتماعها في عدن، بتاريخ 25 يونيو 2022م، غير أنَّ آثار جهودها لم تُلمس حتَّى الآن. وعوضًا عن ذلك، فقد تلاشى مناخ التَّوافق الذي كان حاضرًا خلال الشُّهور الأولى مِن عُمر مجلس القيادة الرِّئاسي، بعد المعارك العسكرية التي دارت في شبوة وأبين، بفعل مساعي “المجلس الانتقالي” في فرض سيطرته العسكرية على بقيَّة المحافظات الجنوبية، بما فيها محافظة حضرموت، التي ظلَّ طوال الفترة السَّابقة يهدِّد باجتياحها، وهو ما يعني اقترابه (ومِن خلفه الإمارات) مِن حدود السُّعودية ومناطق أمنها الحيوية، وهو ما قُوبل برفض مِن قبل الرِّياض.

طبيعة قوَّات درع الوطن وقوامها:

نصَّ قرار إنشاء قوَّات “درع الوطن” على أن تكون هذه القوَّات احتياطي القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة، وأن يحدِّد القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة عددها، ومهامها، ومسرح عمليَّاتها، في أمر عمليَّاتي يصدر عنه، وهو ما يعني أنَّ تكون هذه القوَّات في حالة تبعية مباشرة لرئيس مجلس القيادة، وأن تحلَّ محلَّ ألوية الحماية الرِّئاسية في عهد الرَّئيس المنقولة صلاحيَّاته، عبدربِّه منصور هادي، مع المرونة في تحديد مسرح عمليَّاتها، بعدم ربطها بمنطقة عسكرية محدَّدة، وبما يسمح باستخدامها في مهام متعدِّدة، في كامل مسرح العمليَّات الذي يقع تحت يد القوَّات المسلَّحة التَّابعة لـ”الشَّرعية”.

يعود تشكيل هذه القوَّات إلى فترات سابقة أثناء تشكيل قوَّات “العمالقة”، وقد تمَّ الإعلان عنها في منتصف عام 2022م، وأُطلق عليها في ذلك الوقت “قوَّات اليمن السَّعيد”، ثمَّ جرى تغيير الاسم إلى “قوَّات العمالقة الجديدة”، غير أنَّ أطرافًا عسكرية أخرى اعترضت على هذا الاسم، فتمَّ تغييره مرَّة أخرى إلى قوَّات “درع الوطن”. وبحسب مصادر مطَّلعة يصل قوام هذه القوَّات إلى (15000) جندي، تتوزَّع في المرحلة الحالية على (7) ألوية، تنتشر في عدد مِن المحافظات الجنوبية، على النَّحو التَّالي:

ماللواءمكان التواجدالقائد العسكري
1اللواء الأوللحجمجدي مناضل الصبيحي
2اللواء الثانيأبينتوفيق عبود المشولي
3اللواء الثالثأبين/ البيضاءعبدربه ناصر الرقابي
4اللواء الرابعلحجعبدالخالق علي الكعلولي
5اللواء الخامسحضرموتفهد سالم عيسى بامؤمن
6اللواء السادسأبين/ عدنمحمد أبو بكر الكازمي
7اللواء السابعالضالععلي الشوتري

ويجري التَّجنيد -حاليًّا- في عدد مِن المحافظات لتشكيل عدد (7) ألوية في المرحلة الثَّانية، ومثلها في المرحلة الثَّالثة. ووفقًا لمصدر مطِّلع فقد وعدت السُّعودية بتوفير مستوى كبير مِن الدَّعم لهذه القوَّات، بما يحيلها إلى قوَّة ضاربة. ومع هذا فإنَّ الوفاء بهذه الوعود يبقى موضع شكٍّ، كما أنَّ أسلوب السُّعودية في إنشاء التَّشكيلات العسكرية غالبًا ما يهتمُّ بكثافة القوام البشري، وليس بالتَّدريب والتَّسليح والانضباطية، خلافًا للتَّشكيلات التي تشرف عليها الإمارات، والتي تحصل على مستوى عالٍ مِن التَّدريب والتَّأهيل والتَّسليح والانضباطية العالية.

وقد اُسندت قيادة هذه القوَّات إلى العميد بشير سيف قائد غُبَيْر الصُّبيحي، وهو شخصية سلفية تلقَّت تعليمها الدِّيني في معهد “دمَّاج”، والذي أسَّسه مطلع الثَّمانينيَّات، بمنطقة صعدة، مقبل بن هادي الوادعي، أحد رموز التَّيَّار السَّلفي. وقد شارك الصُّبيحي ضدَّ مليشيا جماعة الحوثي في مدينة عدن، وكان له دور في طردهم مِن قاعدة “العند” عام 2016م. وبحسب مصادر موثوقة فإنَّ قيادات هذه القوَّات، بمَن فيهم قادة الألوية، وعددًا كبيرًا مِن الأفراد والجنود، ينتمون إلى التَّيَّار السَّلفي “المدخلي”، والمعروف بولائه للسُّعودية. وهذا التَّيَّار على خصومة كبيرة مع التَّيَّار السَّلفي التَّابع لنائب “المجلس الانتقالي”، هاني بن بريك، والذي تمَّ إزاحته عن المشهد مؤخَّرًا؛ وكذلك مع التَّيَّار السَّلفي “المدخلي” التَّابع لعضو مجلس القيادة الرِّئاسي، أبو زرعة المحرمي. وتمتدُّ خصومة هذا الفصيل مِن التَّيَّار السَّلفي المدخلي الموالي للسُّعودية إلى الإمارات كذلك.

الدوافــــــــــــــــــــــع:

يحيط الغموض بالدَّوافع التي اضطرَّت السُّعودية إلى تشكيل قوَّات “درع الوطن”، ومع هذا فإنَّ تحليل السِّياق، وطبيعة الاشتباك الحاصلة في المحافظات الجنوبية والشَّرقية، والتَّطوُّرات الحاصلة في علاقات السُّعودية بجماعة الحوثي، يساعد كثيرًا في تحديد الغايات التي تقف خلف تشكيل تلك القوَّات، ومِنها:

  • تقويض نفوذ “المجلس الانتقالي”:

مِن الواضح أنَّ السُّعودية باتت أكثر اقتناعًا بضرورة تحجيم قوَّة “المجلس الانتقالي” الجنوبي، فقد تسبَّب لها في حرج كبير بسبب إعاقته تنفيذ “اتِّفاق الرِّياض” الذي رعته الرِّياض وكانت الضَّامن على تنفيذه. كما أنَّ “المجلس الانتقالي” تسبَّب مؤخَّرًا في شلِّ حركة مجلس القيادة الرِّئاسي، وأجبر أعضاءه على مغادرة مدينة عدن، وظلَّ يُعيق عمل اللَّجنة العسكرية والأمنية الخاصَّة بدمج المكوِّنات العسكرية والأمنية، وافتعل معارك في محافظتي شبوة وأبين، وأثار الاضطرابات والتَّوتُّر في كلٍّ مِن: حضرموت والمهرة، وسعى للسَّيطرة العسكرية عليهما، بما يمثِّله ذلك مِن تهديد مباشر لأمن السُّعودية، وعبث في مجالها الحيوي المباشر.

وبالجملة، فإنَّ “المجلس الانتقالي” بات يُمثِّل تحدِّيًّا أمام السِّياسية السُّعودية في المحافظات الجنوبية والشَّرقية، ما يتطلَّب تحجيم قوَّته. وقد جاء تشكيل قوَّات “درع الوطن” في سياق جملة مِن السِّياسات التي تبنَّتها الرِّياض لإضعاف “المجلس الانتقالي”، وتقويض نفوذه، ومِن ذلك:

أ.  منع رئيس “المجلس الانتقالي”، عيدروس الزَّبيدي، مِن العودة إلى عدن.

ب.  توحيد جهة صرف مرتَّبات التَّشكيلات العسكرية مِن قبل دولتي “التَّحالف”، بحيث تتولَّى السُّعودية منفردة صرف رواتب الجيش والتَّشكيلات العسكرية الأخرى. وفي هذا الصَّدد باتت الأحزمة الأمنية وقوَّات الإسناد والدَّعم، التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي” تعاني مِن تأخُّر المرتَّبات، وعدم انتظامها، مثلها مثل بقيَّة وحدات الجيش الوطني، وهو أمرٌ أضرَّ بمعنويات أفرادها، وقد يضطر بعضهم إلى الانتقال إلى قوَّات “العمالقة” أو “درع الوطن”.

ج. الإيعاز لبعض الإعلاميين السُّعوديين للاشتباك مع أنصار “المجلس الانتقالي” ومهاجمته.

ولكلِّ ذلك كان “المجلس الانتقالي” هو أكثر الأطراف توجُّسًا مِن تشكيل هذه القوَّات؛ وكانت أصوات النَّاشطين التَّابعين للمجلس هي الأكثر اعتراضًا على تشكيل هذه القوَّات إلى الحدِّ الذي هاجمت فيه ولي العهد السُّعودي.

  • تدعيم النُّفوذ السُّعودي في مواجهة الامارات:

تسعى السُّعودية إلى تعزيز نفوذها في جنوب اليمن، في ظلِّ تنافسها مع الإمارات، إذ تمكَّنت هذه الأخيرة مِن فرض حضورها في عدن، والسَّواحل والجزر اليمنية، وملتقى خطوط الملاحة البحرية الدُّولية في مضيق باب المندب، وباتت تطمح في الاقتراب مِن حدود السُّعودية مِن خلال دفع حلفائها للسَّيطرة على حضرموت، بعد أن قام بالأمر نفسه في شبوة وأبين، وهو ما مثَّل تهديدًا لأمن السُّعودية، ودفعها لتشكيل هذه القوَّات، والتي يمكن أن تكون بديلًا مأمونًا في المنطقة العسكرية الأولى، حيث مِن المحتمل أن يحلَّ بعضها محلَّ معسكرات هذه المنطقة.

  • تأمين حضور رئيس مجلس القيادة الرِّئاسي في عدن:

رغم أنَّ السُّعودية دعمت تشكيل هذه القوَّات قبل نقل السُّلطة مِن الرَّئيس “هادي” إلَّا أنَّها رأت ربطها برئيس مجلس القيادة الرِّئاسي، د. رشاد العليمي، بصفته القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة، بهدف تمكينه مِن قوَّة ضاربة، توفِّر له الحماية في عدن. وعلى الأرجح أنَّ هذا المسار سيمضي بالتَّوازي مع إجراءات أخرى تضعف “المجلس الانتقالي” عسكريًّا وسياسيًّا، وهو ما يحدُّ مِن هيمنته على مجلس القيادة الرِّئاسي.

  • التَّحوُّط للتَّسوية السِّياسية أو الحرب مع الحوثيين:

تتواتر المؤشِّرات على اقتراب حدوث تسوية سياسية بين السُّعودية وجماعة الحوثي، قد تفضي إلى إيقاف الحرب الدَّائرة في اليمن منذ أكثر مِن ثمان سنوات؛ وفي هذه الحالة فإنَّ السُّعودية تعمل على تأمين المناطق الحيوية في جنوب اليمن ضدَّ أيِّ اختراقات مِن قبل جماعة الحوثي، ونظرًا لضعف ثقتها في المكوِّنات العسكرية التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي”، والتي بإمكان جماعة الحوثي اختراقها، تحوَّطت السُّعودية لهذا -بحسب ما تفيد مصادر مقرَّبة، وشكَّلت قوَّات “درع الوطن”، وتعمَّدت اختيار مواقعها بما يشكِّل حزامًا يتموضع في مناطق شديدة الأهمية، تتمثَّل في “راس العارة” بمنطقة الصُّبيحة، وقاعدة العند، التي تمثِّل منطقة إستراتيجية شديدة الأهمية لمدينة عدن.

كما أنَّ تشكيل هذه القوَّات يمثل خطوة احتياطية لإمكانية فشل جهود السَّلام مع جماعة الحوثي، إذ بإمكان هذه القوَّة الضَّاربة أن تغيِّر في التَّوازن العسكري مع قوَّات الحوثيين؛ لهذا فإنَّ الخطاب المعلن عن هذه القوَّات غالبًا ما يؤكِّد على أنَّ الغاية التي جاءت مِن أجلها هي “الدِّفاع عن الدِّين والعروبة والوطن مِن مخطَّطات الفرس (إيران واذنابها)”، في إشارة إلى الحوثيين.

التداعيــــــــــــــــــــــــات:

تعتمد التَّداعيات المحتملة لتشكيل هذه القوَّات على عدد مِن المسارات، بما فيها تطوُّر الأوضاع في المحافظات الجنوبية، والعلاقات بين كلٍّ مِن السُّعودية ومجلس القيادة الرِّئاسي، سواء مجتمعين أو منفردين، مِن جهة، ومع الحوثيين مِن جهة أخرى. ومع هذا تبرز مجموعة مِن التَّداعيات المرجَّحة، على النَّحو التَّالي:

  • اضعاف “المجلس الانتقالي”:

حيث مِن المرجَّح أن يتَّجه منحنى “المجلس الانتقالي” نحو الهبوط، وأن تتعمَّد السُّعودية -مِن خلال ما تملكه مِن أدوات ناعمة أو خشنة- مِن التَّقويض التَّدريجي لنفوذ “المجلس الانتقالي”؛ حيث مِن المتوقَّع أن تحلَّ قوَّات “درع الوطن” محلَّ التَّشكيلات التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي” في عدد مِن المواقع الحيوية، في بعض مناطق عدن وغيرها، وأن تتحلَّل -نسبيًّا- القوَّة المعنوية لأفراد تلك التَّشكيلات التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي” بفعل التَّحكُّم في مرتَّباتها، وحجم الدَّعم المادي المقدَّم لها، وأن تنحصر القوَّة العسكرية الضَّاربة في المحافظات الجنوبية في نهاية الأمر في كلٍّ مِن: قوَّات “العمالقة” وقوَّات “درع الوطن”.

كما أنَّ وجود هذه القوَّات، وانتشارها في عدد مِن المناطق الحيوية في عدن، مِن شأنه أن يضعف تأثير عيدروس الزَّبيدي و”المجلس الانتقالي” الجنوبي سياسيًّا لحساب رئيس مجلس القيادة “العليمي”. وقد كان هذا واضحًا في قرار إنشاء هذه القوَّات، إذ رُبِطت بـ”رئيس مجلس القيادة” مباشرة، وليس بمجلس القيادة، حيث أنَّ “العليمي” هو المعبِّر عن السِّياسة السُّعودية في هذه المرحلة على الأقل.

  • إضافة المزيد مِن التَّعقيد للمشهد اليمني:

مما لا شكَّ فيه أنَّ تشكيل فصيل عسكري جديد يمثِّل إضافة لتعقيد المشهد العسكري والسِّياسي في البلاد، فقد تمَّ إضافة طرف آخر إلى الأطراف السِّياسية التي تمتلك السِّلاح وتتحكَّم فيه، لا سيَّما وأنَّه طرف شبه مغلق على تيَّار فكري واحد، ومنطقة جغرافية بعينها، كما أنَّه في حقيقة الأمر يتبع -صوريًّا- رئيس مجلس القيادة، وإلَّا فإنَّه يرتبط بطرف خارجي ويتلقَّى التَّوجيهات مِنه. كما أنَّه يمكن أن تنتج مخاطر عدَّة عن تسيس وتوظيف التَّيَّار السَّلفي “المدخلي”، فتشكيل هذه القوَّات وإن حقَّق توازنًا في المحافظات الجنوبية في المرحلة الحالية إلَّا أنَّه قد يخلق الكثير مِن التَّحدِّيات على المدى البعيد، فالحدِّية التي يتعامل بها هذا التَّيَّار قد تسهم في خلق كثير مِن المصاعب في المستقبل.

  • عسكرة المحافظات الجنوبية:

أسفرت الحرب القائمة عن عسكرة واسعة في المحافظات الجنوبية؛ فقد قامت الإمارات بإنشاء عدد واسع مِن التَّشكيلات العسكرية (الأحزمة الأمنية، وقوَّات النُّخبة، وقوَّات الدَّعم والإسناد)، وصلت بحسب مسئول إماراتي إلى قرابة (200) ألف[4]، وتستهدف السُّعودية أن تصل بنصاب قوَّات “درع الوطن” إلى أكثر مِن (20) ألف، في ظلِّ الحرص على أن تكون غالبية هذه القوَّات مِن المحافظات الجنوبية، حتَّى لا تترك فرصة لأنصار “المجلس الانتقالي” للادِّعاء بأنَّها قوَّات شمالية جاءت لفرض سيطرتها على عدن والجنوب.

ومِن الملاحظ ارتكاز عملية التَّجييش تلك على منطقة الصُّبيحة بيافع، والتي تعدُّ مخزونًا بشريًّا لمعظم التَّشكيلات العسكرية، وخاصَّة ذات الاتِّجاه السَّلفي.

  • التَّأسيس لصراعات جديدة:

إنَّ عسكرة المحافظات الجنوبية، وتعدُّد التَّشكيلات العسكرية وولاءاتها، وتوزُّع السِّلاح بين عدد مِن الأطراف، يوفِّر الظُّروف المثالية لإمكانية اندلاع جولات جديدة مِن الصِّراع في تلك المحافظات. ومع أنَّ قوَّات “درع الوطن” تتشارك مع التَّشكيلات العسكرية التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي” في بعض الجوانب، ومِنها الانتماء للمحافظات الجنوبية، والحضور السَّلفي الكثيف في معظمها، إلَّا أنَّ إمكانية تصاعد الخلاف والتَّعبئة المتبادلة بينهما، وربَّما الصِّدام، تظلُّ واردة، خاصَّة في حال تهميش ألوية الأحزمة والإسناد التَّابعة لـ”الانتقالي”، وإحلال قوَّات “درع الوطن” محلَّها في المناطق الحيوية في عدن، وهو الأمر المتوقَّع؛ وفي حال جدِّية الخلاف بين السُّعودية والإمارات، وانتقاله إلى مرحلة كسر العظم والصِّدام بين الحلفاء على الأرض.

الخلاصة:

يشير العرض السابق إلى أن إنشاء قوات درع الوطن هو قرار سعودي في المقام الأول وإن تم إخراجه من خلال قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وأن تشكيل هذه القوات يرنو إلى التعامل مع التحديات التي يواجها النفوذ السعودية في المحافظات الجنوبية في مواجهة النفوذ الاماراتي المتجذر على الأرض، ومنها إعاقة المجلس الانتقالي لعمل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، كما إن اعتماده على التيار السلفي المدخلي يمثل شكل من أشكال التحوط لمسارات العلاقات مع الحوثيين سلما أو حربا، ويتوقع – اذا ما مضت السعودية في دعم هذه القوات- أن تُحدث تغييرًا في موازين القوة العسكرية والسياسية في المشهد الجنوبي وربما اليمني،

غير أنه يلزم التأكيد على أن الاستمرار في إنشاء تشكيلات عسكرية محمولة على تيار فكري أو جغرافي محدد، دون أن تكون مدمجة بشكل كامل في بٌنية الجيش الوطني، ولا تعكس في قوامها التنوع المجتمعي تضع اليمن – دون شك – على مسارات دورات عنف جديدة محتملة.

اضغط لتحميل المادة

[1]  قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي بإنشاء قوات درع الوطن، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التَّابعة للسلطة الشرعية، في: 29/1/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.sabanew.net/story/ar/94441

[2]  صدور إعلان رئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، في: 7/4/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.sabanew.net/story/ar/85336

[3]  مجلس القيادة الرئاسي يقر تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، في: 30/5/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.sabanew.net/story/ar/86717

[4]  شاركت بـ18 ألف عسكري وجنَّدت 200 ألف يمني.. الإمارات تعلن عودة قواتها وتكشف حصيلتها باليمن، الجزيرة نت، في: 9/2/2020م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/hbQu

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى