في ظل توعدها:ما هي احتمالات توجيه ضربة إسرائيلية إضافية إلى الحوثيين؟
Getting your Trinity Audio player ready... |
مقدِّمة:
بعد مضي عام على الحرب الإسرائيلية ضدَّ غزَّة، وفي ظلِّ فشل تحقيق أهدافها المعلنة، اتَّجهت إسرائيل بالحرب شمالًا نحو لبنان؛ فقد أعلن الجيش الإسرائيلي، في 30 سبتمبر الماضي (2024م) عن بدء عملية عسكرية برِّية في لبنان، و”أنَّها تأتي بالتزامن مع عملية متواصلة في قطاع غزَّة وساحات أخرى”[1]. وجاء هذا الإعلان عقب ضربات موجعة ومتتابعة وجَّهتها إسرائيل لـ”حزب الله”، بلغت ذروتها في 27 سبتمبر الماضي عندما استهدفت بصواريخ وقنابل نوعية المركز الرئيس لـ”حزب الله”، في الضاحية الجنوبية مِن بيروت، وأدَّت إلى مقتل أمين عام الحزب، حسن نصر الله، وقادة آخرين في الحزب، ومسئول فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في لبنان. كلُّ ذلك فتح المجال للتصعيد بشكل أكبر في المنطقة، في ظلِّ حالة الإرباك الذي ظلَّ يعاني مِنه “حزب الله” لأيَّام، وتحسُّبٍ إيراني لمواقفها قبل أن تُقرِّر شنَّ هجوم واسع على إسرائيل، وعدم جدوى الضغوط الأمريكية في الحدِّ مِن تهوُّر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” وحكومته المتطرِّفة.
أحدثت هذه الضربات في بداية الأمر حالة إرباك كبيرة في معسكر حلفاء إيران، بمَن فيهم جماعة الحوثي، قبل أن يتراجع هذا الإرباك بعد الهجمات الصاروخية التي شنَّتها إيران على إسرائيل عشيَّة الثاني مِن أكتوبر الجاري، ومقتل ما يزيد على (8) جنود إسرائيليين وجرح ما يقرب مِن (30) آخرين، أثناء محاولتهم التقدُّم في الأراضي اللبنانية، في اليوم التالي للهجوم الإيراني على إسرائيل. وبعد يومين مِن مقتل “حسن نصر الله” أطلق الحوثيون صاروخًا باتِّجاه مطار “بن غوريون” في مدينة “تل أبيب”، بالتزامن مع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي مِن الولايات المتَّحدة الأمريكية، حيث ألقى هناك خطابًا في الجمعية العامَّة للأمم المتَّحدة. وتعليقًا على ذلك قال الجيش الإسرائيلي -السبت 28 سبتمبر: إنَّ وقت جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) سيأتي، لكن التركيز الآن على مواصلة الهجوم على “حزب الله” اللبناني[2].
وكانت الطائرات الإسرائيلية شنَّت -في 29 سبتمبر- غارات جوِّية استهدفت محطَّات توليد الكهرباء في منطقة الحالي وميناء الحديدة، كما استهدفت الغارات خزَّانات النفط في ميناء رأس عيسى، ما أسفر عن تدمير في المنشآت وسقوط قتلى وجرحى[3].
فهل ستقوم إسرائيل بشنِّ ضربات إضافية أخرى على الحوثيين وما هو السياق الذي يحكم ذلك؟ وهو ما تحاول هذه الورقة تحاول أن تجيب عنه.
تصاعد الاشتباك:
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزَّة، منذ السابع مِن أكتوبر 2023م، أعلنت جماعة الحوثي مشاركتها في الحرب في إطار ما يُعرف بوحدة الساحات، وتعني بذلك الجماعات المسلَّحة المنتشرة في المنطقة والتابعة أو المدعومة مِن إيران. ويتمثَّل دور جماعة الحوثي في شنِّ هجمات على سفن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وإرسال عدد مِن المسيَّرات والصواريخ باتِّجاه الأراضي المحتلَّة. وبحجَّة مواجهة هذه الهجمات حشدت الولايات المتَّحدة الأمريكية عددًا مِن الدول، في إطار تحالف بحري أطلق عليه “حارس الازدهار”؛ غير أنَّ هذه التحالف فشل في منع هجمات الحوثيين، في ظلِّ رفض دول المنطقة الانضمام إلى هذا التحالف، وربط ما يحدث في البحر الأحمر بالحرب الإسرائيلية على غزَّة، وأن توقُّف الحرب الإسرائيلية على غزَّة سيوقف الاشتباكات في المنطقة، بما فيها جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. غير أنَّ هذا التحالف لم يمنع هجمات الحوثيين.
أمام استمرار هجمات الحوثيين على السفن التجارية، شنَّت القوَّات الأمريكية والبريطانية عددًا مِن الضربات على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وأعلنت أنَّها تستهدف أماكن تخزين الأسلحة والطائرات المسيَّرة والرادارات ومنصَّات إطلاق الصواريخ، دون أن تمتدَّ تلك الضربات إلى قيادات جماعة الحوثي، أو مقاتليها، وكان آخر تلك الضربات التي شنَّتها القوَّات الأمريكية والبريطانية، عصر يوم الجمعة، الرابع مِن أكتوبر الجاري، والتي شملت (15) غارة جوِّية على أهداف في الحديدة وصنعاء وذمار والبيضاء قيل أنَّها مرتبطة بقدرات عسكرية هجومية للحوثيين[4]. ولم يكن لكل تلك الضربات تأثير كبير على قدرات الحوثيين الهجومية.
وخلافًا للاشتباك الذي كان يتمُّ بين “حزب الله” وإسرائيل، منذ 8 أكتوبر، والذي انضبط بقواعد اشتباك محدَّدة، اتَّجه هذا الاشتباك إلى تجاوز تلك القواعد، فقد عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى اغتيال “فؤاد شكر”، قائد كتائب الرضوان التابعة لـ”حزب الله”، وتطوَّر الوضع -يوم الثلاثاء، 17 سبتمبر الماضي- بتفجير آلاف أجهزة النداء الآلي “البيجر- pager”، والتي كانت تحملها عناصر “حزب الله”، في وقت واحد، في لبنان. وفي اليوم التالي تمَّ تفجير أجهزة اتِّصالات “ووكي توكي- walkie talkie”، مِن نوع “إيكوم ف82- Icom F82″، واغتيال عدد كبير مِن قيادات الصفِّ الأوَّل والثاني، مِن المستويين السياسي والعسكري، بما فيهم أمين عام الحزب “حسن نصر الله”.
أعلنت جماعة الحوثي أنَّ “العدو الصهيوني لن يحقِّق أمنه واستقراره باغتيال قادة المقاومة”، وأنَّها “لن تخذل الشعبين العزيزين”، ومَن أسمتهم “رفاق الدرب المجاهدين في لبنان وفلسطين”؛ وبالفعل أطلقت الجماعة في 28 سبتمبر، صاروخًا بالستيًّا على مطار “بن غوريون” الإسرائيلي، وذلك بالتزامن مع وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتانياهو” إلى “تل أبيب” عبر المطار ذاته. وأعلنت قياماها بشنِّ عدد مِن الهجمات على سفن في البحر الأحمر والمحيط الهندي. وفي المقابل أعلنت هيئة البث العبرية، في 28 سبتمبر، أنَّ الجيش الإسرائيلي يقول: إنَّ وقت جماعة “أنصار الله” اليمنية سيأتي، لكن التركيز الآن على مواصلة الهجوم على “حزب الله” اللبناني. وفي اليوم الذي يليه شنَّ الجيش الإسرائيلي غارات جوِّية استهدفت محطَّات توليد الكهرباء في منطقة الحالي وميناء الحديدة، كما استهدفت الغارات خزَّانات النفط في ميناء رأس عيسى، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
وساد لأيَّام، ما بدا أنَّه تدشين لمرحلة الهيمنة الإسرائيلية، وأنَّ إسرائيل ستتفرَّغ للتنكيل بالأطراف التي اشتبكت معها خلال المرحلة السابقة؛ إلَّا أنَّ الهجوم الإيراني وتعثُّر الهجوم البرِّي الإسرائيلي على جنوب لبنان والخسائر في عناصر الجيش الإسرائيلي غيَّر مِن تلك الأجواء، وأعاد المنطقة إلى مناخ الاشتباك بين إسرائيل ومعها الولايات المتَّحدة وإيران وأذرعها.
ما الذي يمكن أن يحدِّد إمكانية توجيه ضربات ضدَّ قيادات الحوثيين:
يُوحي توعُّد إسرائيل للحوثيين بأنَّ هناك احتمالية لشنِّ ضربات تجاه قيادات جماعة الحوثي، غير أنَّ مثل هذا الأمر يعتمد على عدد مِن المتغيِّرات، يأتي في مقدِّمتها مسار العمليَّات البرِّية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، ومدى استمرار هجمات الحوثيين على إسرائيل، ونوع هذه الهجمات إن تمَّت، وطبيعة وحدود الاشتباك بين إيران وإسرائيل، والموقف الأمريكي مِن كلِّ ذلك. ويمكن تفسير ذلك على النحو التالي:
- مسار العمليات العسكرية البرية في جنوب لبنان:
فقد أعلن الجيش الإسرائيلي -في 30 سبتمبر- بدء عملية برِّية “محدَّدة الهدف والدقَّة”، ضدَّ أهداف لـ”حزب الله” في المنطقة القريبة مِن الحدود في جنوب لبنان؛ وقالت الإذاعة الإسرائيلية: إنَّ وحدات “كوماندوز” خاصَّة مِن الجيش توغَّلت في الجانب اللبناني، وعلى الأرجح ألَّا تكون هذه العملية محدودة، وأنَّ الجيش الإسرائيلي يعلن أنَّها كذلك تحسُّبًا لعدم نجاحها. ويعدُّ النجاح في هذه العملية أمرًا حاسمًا بالنسبة لإمكانية شنِّ ضربات موجعة ضدَّ الحوثيين في اليمن، لأنَّها ستخلق التفافًا شعبيًّا حول “نتنياهو” وحكومته في الداخل الإسرائيلي، وستفتح شهيَّتهما لشنِّ المزيد مِن العمليَّات ضدَّ أطراف في المنطقة، بما فيهم الحوثيين، الذي سبق أن توعَّدهم بذلك. وبخلاف ذلك فإنَّ تعثُّر عملية الاجتياح البرِّي، وانتكاستها، ستحدُّ مِن فرص قيام إسرائيل بهجمات موجعة على الحوثيين.
وقد بدا واضحًا أنَّ فرص نجاح هذه العملية في تراجع في ظلِّ الخسائر التي مُني بها الجيش الإسرائيلي منذ اليوم الأوَّل مِن التدخُّل، حيث فَقَدَ (8) مِن جنوده وجُرِح ما يقرب مِن (30) مِنهم. وفي نفس الوقت بات الجيش مشغولًا بالردِّ على الهجوم الذي شنَّته إيران عليه، وما يمكن أن يترتَّب عليها مِن تداعيات ومآلات.
- حجم الاختراق الأمني لإيران وحزب الله:
أظهرت عمليَّات جرت خلال السنتين الأخيرتين في إيران، وعمليَّات تفجير آلاف أجهزة النداء الآلي (البيجر) التي كانت تحملها عناصر “حزب الله” في وقت واحد في لبنان، يوم الثلاثاء 17 سبتمبر، وأجهزة اتِّصالات “ووكي توكي” مِن نوع “أيكوم ف82″، واغتيال عدد كبير مِن قيادات الصفِّ الأوَّل والثاني، مِن المستويين السياسي والعسكري في “حزب الله”، وجود اختراق أمني واسع في كلٍّ مِن إيران و”حزب الله”.
وكان لهذا العامل تأثير كبير في النجاحات التي حقَّقتها إسرائيل، ومِنها الاغتيالات التي تمَّت داخل إيران، وتفجير المصانع، وشلِّ الاتِّصالات داخل “حزب الله”، وإرباكه، واغتيال عدد كبير مِن قيادته. ولا يُعرف حجم الاختراق الإسرائيلي في “حزب الله” على وجه التحديد.
وتُعدُّ عملية الاختراق مِن العوامل المؤثِّرة في مسار العملية البرية، فإذا ما كان اختراق الموساد الإسرائيلي لـ”حزب الله” واسعًا إلى حدِّ معرفة أمكان مرابض الصواريخ، ومخطَّطات الأنفاق، ومواقع التجُّمعات العسكرية، فهذا سيجعل استهدافها سهلًا، وحجم التكلفة بالنسبة للجيش الإسرائيلي أقل؛ وبالتالي فرص نجاح العملية أكبر، وهو ما يعني فتح شهية إسرائيل للقيام بعمليَّات انتقامية تجاه أطراف آخرين في المنطقة، بمَن فيهم الحوثيون.
ويحدث العكس إذا ما اقتصر الاختراق على رصد تحرُّكات القيادات العليا دون أن يصل إلى المستويات العسكرية الأدنى، إذ أنَّ حجم المجهول بالنسبة للجيش الإسرائيلي سيكون أكبر، وإمكانية أن يتعرَّض لكمائن أعلى وبالتالي تكون خسائره ضخمة، ومعه تكون فرص فشل العملية العسكرية أكبر مِن فرص نجاحها، وبالتالي تقلُّ معه فرص توجيه ضربات للحوثيين.
- نطاق الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل:
بعد الهجوم الإيراني -عشيَّة اليوم الثاني مِن أكتوبر الجاري، قال الجيش الإسرائيلي -يوم الثلاثاء: إنَّه سيختار وقتًا مناسبًا كي “نثبت قدراتنا الهجومية الدقيقة والمباغتة”[5]، في إشارة إلى أنَّ إسرائيل ستقوم بالردِّ على هجمات إيران، وبات هذا الردُّ في حكم اليقين، كما أنَّه حظي بموافقة أمريكية، وعلى الأرجح أنَّ المؤسَّسات الإسرائيلية والنقاشات التي تتمُّ بين إسرائيل والولايات المتَّحدة تتَّصل بحدود هذا الردِّ وأهدافه، ويبد أنَّ القيادة الإسرائيلية تميل إلى توسيع هذا الردِّ بما يُعزِّز مِن نظرية الردع، في حين يرفض الرئيس الأمريكي أن يكون موجَّهًا نحو المفاعل النووي الإيراني، ويُطالب الرئيس الأمريكي أن يكون الردُّ متناسبًا[6] مع الهجوم الإيراني، الذي وُصِف مِن قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي بأنَّه غير فاعل[7]. وبدوره شدَّد الرئيس الإيراني، “مسعود بيزشكيان”، ومسئولون إيرانيون آخرون، على أنَّ أيَّ ردٍّ مِن قبل إسرائيل سيواجه بردٍّ مدمِّر[8]، ما يعني أنَّ الطرفين قد ينزلقا إلى هجمات متبادلة، قد تتَّسع بما ينذر بحرب إقليمية شاملة.
الاشتباك مع إيران قد يشغل إسرائيل عن توجيه ضربات إلى الحوثيين، بحكم اهتمامها بالأطراف الأكثر تأثيرًا مِن جهة، ولهامشية الدور الذي يقوم به الحوثيون في هذا الاشتباك مِن جهة أخرى، لكنَّه قد يوفِّر مسوغِّات لتوجيه ضربات للحوثيين ليس مِن قبل إسرائيل، وإنَّما مِن قبل البوارج والسفن الحربية الأمريكية والغربية، إذ مِن المرجَّح أن يهاجم الحوثيون -بإيعاز مِن قبل إيران، وربَّما مِن دون ذلك- البوارج الأمريكية، وهو ما سيجبر “واشنطن” على التعامل الخشن معها بما في ذلك استهداف قيادات فيها، خلافًا لما كانت تتحاشاه في السابق.
- هجمات الحوثيين ودورهم في الاشتباك الإقليمي:
تمثِّل الهجمات التي يقوم بها الحوثيون ضدَّ إسرائيل والملاحة الدولية في البحر الأحمر السبب الرئيس لإمكانية قيام إسرائيل بضربات انتقامية تجاههم، كما أنَّ الهدف مِن أيِّ ضربات محتملة هو منع الحوثيين مِن الاستمرار في الهجمات، إضافة إلى ترميم صورة الردع التي تعرَّضت للكثير مِن الضرر، وإظهار أن لإسرائيل اليد الطولى في المنطقة.
ويبدو أنَّ الضربات الإسرائيلية المحتملة ستكون بمستوى الهجمات التي يقوم بها الحوثيون، أي أنَّ استمرار هجمات الحوثيين يستلزم بالضرورة عمليَّات عسكرية انتقامية مِن قبل إسرائيل؛ وأنَّ توقُّف هجمات الحوثيين قد يؤدِّي إلى امتناع إسرائيل عن القيام بعمليَّات انتقامية. كما أنَّ العمليات الانتقامية الإسرائيلية تتأثَّر أيضًا بنوعية هجمات الحوثيين، فإذا ما أضرَّت الهجمات بالمصالح الإسرائيلية كانت إمكانية الردِّ أكبر وأكثر عنفًا، أمَّا إذا كان تأثير تلك الهجمات هامشيًّا وغير مؤثِّر فستكون فرص الردِّ ومستواه في حدود أقل، وقد تكون منعدمة.
ويبدو أنَّ الحوثيين سيوازنون بين استمرار ما يطلقونه مِن صواريخ وطائرات مسيَّرة باتِّجاه إسرائيل بما يُبقيهم حاضرين في المشهد، وبين ألَّا تضرُّ تلك الهجمات بمصالح حيوية لإسرائيل، تجنُّبًا لانتقامها.
- الموقف الإيراني:
يؤثِّر الموقف الإيراني في أيِّ عملية انتقامية ستقوم بها إسرائيل ضدَّ الحوثيين، فهو مِن المحدِّدات الإقليمية لسلوك إسرائيل وحربها في المنطقة بشكل عام. فإيران تتحسَّب لأيِّ ردِّ فعل مِن قبلها حفاظًا على نظامها ومشروعها السياسي نظرًا للمخاطر التي تحيط به، ولاستشعارها برغبة أطراف لجرِّها إلى حرب واسعة مع إسرائيل والولايات المتَّحدة. وقد حاولت إيران التملُّص مِن الردِّ العسكري على اغتيال رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس، إسماعيل هنية، والذي تمَّ على أراضيها وهو في ضيافتها أثناء مشاركته بمراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الحالي “مسعود بزشكيان”، في 31 يوليو الماضي، ولم تُظهر موقفًا حاسمًا مِن اغتيال “حسن نصر الله”، ومعه “عباس نيلفروشان”، قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” في لبنان، في 27 سبتمبر الماضي، وقد بدا عدم الردِّ الإيراني هذا وكأنَّه إذعان لإسرائيل. وقد تغيَّر الأمر بشكل كبير مع الهجوم الذي قامت به إيران في ليلة الثاني مِن أكتوبر الحالي.
وبشكل عام يمكن القول: إنَّ ردَّ إيران قد يحدُّ مِن العمليَّات العسكرية التي يمكن أن تقوم بها إسرائيل تجاه أطراف إقليمية، ومِنها جماعة الحوثي، وعلى العكس مِن ذلك فإنَّ تراخي الموقف الإيراني سيشجِّع إسرائيل على القيام بالكثير مِن العمليَّات؛ مع ملاحظة أنَّ الموقف الإيراني مِن أيِّ ضربات إسرائيلية ضدَّ الحوثيين قد لا يكون كبيرًا بفعل تواضع مكانة الحوثيين في المليشيات التابعة لإيران، وربَّما قد يختلف ذلك في حالة واحدة وهي أن توجِّه إسرائيل ضربة نحو زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، لما في ذلك مِن أثر إعلامي ونفسي على ما يُسمَّى محور المقاومة الذي تقوده إيران.
- الموقف الأمريكي:
يظلُّ دعم إسرائيل وتوفير الحماية لها نهجًا أمريكيًّا ثابتًا بالنسبة للمؤسَّسات الأمريكية العميقة، بما في ذلك الجيش والمخابرات، والكونجرس بمجلسيه (النوَّاب ومجلس الشيوخ)، وهو كذلك نهج مطَّرد في الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع اختلاف في مستويات ذلك الدعم؛ وغالبًا ما يكون هذا الدعم في أعلى مستوياته في مواسم الانتخابات الرئاسية، بفعل الحرص على استمالة التيَّار الصهيوني في الداخل الأمريكي لما له مِن تأثير كبير على نتائج الانتخابات.
وقد أظهرت إدارة الرئيس الحالي “جو بايدن” دعمًا عسكريًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا هائلًا لإسرائيل في مواجهة عمليَّة طوفان الأقصى، وحشدت إلى المنطقة قوَّة عسكرية رادعة لمنع أيِّ طرف في المنطقة مِن التدخُّل في الحرب إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ومع هذا فقد تبنَّت سياسة تقوم على الاحتواء ومنع التصعيد في المنطقة، ومارست ضغوطًا على إسرائيل لمحاولة إيقاف الحرب، وبشكل أكبر لعدم توسيع دائرة الصراع في المنطقة، ومع هذا قاومت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة “نتنياهو” وأحزاب اليمين المتطرِّفة، مطالب الإدارة الأمريكية، ورفضت الانصياع لضغوطها، وعمدت إلى إحراجها، والإصرار على استمرار الحرب، مع إدراكها أنَّ استمرار الحرب وتوسُّعها يصبُّ في مصلحة المرشَّح الجمهوري “دونالد ترامب”. وعلى الأرجح أنَّ شنَّ حرب على “حزب الله”، في جنوب لبنان، تمَّ خلافًا لإرادة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” وفريقه؛ ومع هذا اضطرَّت الإدارة الأمريكية إلى مجاراة إسرائيل. ويبدو أنَّ الحكومة الإسرائيلية تجرجر الإدارة الأمريكية إلى مواقف خلاف إرادتها، بما في ذلك الاشتباك المحتمل مع إيران.
وفيما عدا محاذير مِن إمكانية تدخُّل إيران، وانزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة، فإنَّ توجيه إسرائيل لضربة انتقامية للحوثيين قد تكون مقبولة مِن قبل الأمريكيين، دون أن تصل إلى إضعاف جماعة الحوثي بشكل كبير؛ وهذا يعني أنَّ الإدارة الأمريكية الحالية قد لا تقبل بضربة تودي بحياة زعيم الجماعة، لكنَّها قد تتغاضى عن أيِّ ضربة توجَّه إلى قيادات عسكرية أو سياسية حوثيَّة أخرى، كونها ستكون انتقامًا إسرائيليًّا، نظرًا للقيود التي تكبِّل الولايات المتَّحدة بفعل حرصها على إتمام تسوية سياسية في البلاد.
- صعوبة توفُّر بنك أهداف:
لن يكون الأمر متيسِّرًا لإسرائيل للقيام بعمليَّات عسكرية ناجحة تجاه الحوثيين، ومِن الصعب أن يتوفَّر لها بنك أهداف مهمَّة للاعتبارات التالية:
- بُعد المسافة الجغرافية: فاليمن ليست بالقرب مِن إسرائيل كما هو حال غزَّة وجنوب لبنان، وتفصلها عنها مسافة تزيد عن (2,000) كم، وبالتالي فإنَّ عملية الهجوم ستكون أكثر تعقيدًا، لأنَّ الطائرات المهاجمة بحاجة إلى طائرات أخرى مصاحبة لتزويدها بالوقود، وهي بحاجة كذلك إلى إشعار البوارج الأمريكية والغربية أثناء عبورها مِن البحر الأحمر لمنع حدوث اشتباك خاطئ؛ فضلًا عن ذلك بالإمكان رصدها قبل أن تصل إلى اليمن.
- طبيعة الجغرافيا: باستثناء سهل تهامة، تتميَّز الجغرافيا في مناطق سيطرة الحوثيين بالمرتفعات والشعاب والوديان، ما يجعل إخفاء منصَّات إطلاق الصواريخ والطائرات والرادارات أمرًا متيسِّرًا، كما أنَّ عملية الرصد ستكون مكلفة، وغالبًا ما تكون الطائرات المسيَّرة المكلَّفة بالرصد عرضة للاستهداف وإمكانية الإسقاط.
- التركيبة العسكرية للحوثيين: فالتركيبة العسكرية لجماعة الحوثي أقرب إلى الميلشيا مِنها إلى الجيش النظامي، وهي لذلك تتحرَّك عبر مجموعات صغيرة، كما أنَّ القيادات الحوثية التي نشأت بين أشكال مختلفة مِن الحروب تمتلك حسًّا أمنيًّا عاليًا.
- سبع سنوات مِن القصف: فسبع سنوات مِن الحرب لم تبق الكثير مِن الأهداف التي يمكن تدميرها، فقد تعرَّضت المعسكرات والكثير مِن الأهداف العسكرية لقصف كثيف استمرَّ لما يقرب مِن سبع سنوات، إلى جانب القصف الذي قامت به الولايات المتَّحدة وبريطانيا، والذي يمكن أن يكون بديلًا عن القصف الإسرائيلي المباشر.
- التحوُّط الحوثي: حيث تشير التقارير إلى أنَّ قيادة الحوثيين أصبحت -بعد مقتل حسن نصر الله- أكثر تحوُّطًا، وباتت تتَّبع إجراءات أمنية أكثر تشدُّدًا، خاصَّة القيادات التي يظنُّ أنَّها ستكون هدفًا لضربات إسرائيلية، وفي مقدِّمتها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي.
لكلِّ ذلك لاحظنا أنَّ إسرائيل اقتصرت في الضربتين التي وجَّهتهما لمناطق سيطرة جماعة الحوثي على مهاجمة منشآت اقتصادية في ميناء الحديدة، وبالقرب مِنه، نظرًا لسهولة هذه الأهداف، ولما يترتَّب على ضربها مِن أثر إعلامي ونفسي، فمعظمها منشآت لتخزين النفط، وغالبًا ما يؤدِّي ضربها إلى اشتعال نيران كثيفة تستمرُّ لوقت طويل، وهو يتوافق مع رغبة إسرائيل لمثل هكذا مشهد يظهرها وكأنَّها قامت بانتقام مدمِّر ورادع.
الخلاصة:
في ضوء ما سبق، فإنَّ إمكانية توجيه ضربات انتقامية مِن قبل إسرائيل تجاه الحوثيين ستكون في أدنى حدودها، في حال: حدوث تعافي نسبي لـ”حزب الله” وانغماس إسرائيل في حرب استنزاف جنوبي لبنان، إضافة إلى الحرب الدائرة في غزَّة، وفي حال تصعيد جدِّي مِن قبل إيران وانخراطها في ضربات متبادلة مع إسرائيل، وتراجع الهجمات التي يقوم بها الحوثيون، ومحدودية الأضرار التي يمكن أن تنجم عنها.
وتزداد فرص العمليَّات التي يمكن أن تقوم بها إسرائيل تجاه الحوثيين في حال: حقَّقت إسرائيل نجاحًا عسكريًّا على “حزب الله”، وفي ظلِّ تراجع إمكانية الاشتباك العسكري المباشر مع إيران، أو في حال حدوث اشتباك واسع في المنطقة وتعرَّضت البوارج الأمريكية لضرر مِن قبل الحوثيين.
وإذا ما حدثت ضربات فإنَّها ستبقى في مستوى المصالح الاقتصادية التي تحدث صدى إعلاميًّا، على غرار الضربتين السابقتين اللتين تعرَّضت لهما مدينة الحديدة؛ وقد تمتدُّ إلى محاولة اغتيال قيادات عسكرية أو سياسية مِن الصفِّ الأوَّل أو الثاني لدى الحوثيين، وقد تصل إلى محاولة اغتيال زعيم الجماعة، خاصة إذا تعرَّضت مصالح إسرائيل لأضرار جسيمة نتيجة هجمات الحوثيين.
المصادر
[1] الجيش الإسرائيلي يعلن بدء التوغل في لبنان وحزب الله ينفي وقوات “اليونيفيل” تعلق، المصدر أونلاين، في: 3/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:
https://almasdaronline.com/articles/303052
[2] يش الإسرائيلي: وقت الحوثيين سيأتي لكن التركيز الآن على مواصلة الهجوم على حزب الله، صحيفة الأيام (البحرينية)، في: 3/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:
https://www.alayam.com/online/international/1069588/News.html
[3] الحكومة تدين العدوان الإسرائيلي المتجدِّد على الحديدة وتحمِّل الكيان وإيران وميليشياتها مسئولية تعميق الأزمة في اليمن، المصدر أونلاين، في: 3/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:
https://almasdaronline.com/articles/303016
[4] ا لجيش الأمريكي يضرب 15 هدفا للحوثيين في اليمن، سويس إنفو، في: 5/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:
[5] الجيش الإسرائيلي: سنختار وقتًا نثبت فيه قدراتنا الهجومية المباغتة، سويس إنفو، في: 3/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:
[6] بايدن: لا ندعم هجومًا إسرائيليًّا على منشآت إيران النووية، وكالة الأناضول، في: 3/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:
[7] واشنطن: هجوم إيران على إسرائيل “لم يكن فعَّالا” لهذه الأسباب، سكاي نيوز عربية، في: 3/10/2024م، متوفر على الرابط التالي:
[8] الرئيس الإيراني يهدِّد مِن الدوحة بـ”ردٍّ أقسى” في حال هاجمت إسرائيل بلاده، فرانس24، في: 3/10/2024م، متوفر على الرابط التالي: