آلية جماعة الحوثي لدفع مرتبات القطاع العام.. الأهداف والمخاطر!

Getting your Trinity Audio player ready...

أصدر الحوثيون في ديسمبر 2024 م ما أسموه بـ”قانون بشأن الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين” والذي يستهدف وفقا لهم معالجة مشكلة انقطاع مرتبات الموظفين العموميين وتحقيق العدالة في توزيع الدخل الشهري بين موظفي وحدات الخدمة العامة.

فكرة الآلية ومراميها:

تقوم فكرة الآلية على إنشاء حساب خاص طرف فرع البنك المركزي في صنعاء الذي يقع تحت سيطرة الحوثيين ليمثل وعاء لجمع إيرادات مالية تحت تصرف وزارة المالية (التابعة لسلطة الحوثيين) على أن يتم توريد إيرادات من حساب الحكومة العام بعد تغطية الالتزامات الحتمية الشهرية، وكذلك نسبة مساهمة يتم فرضها على جهات حكومية مختلفة بقرار من وزير المالية بالإضافة إلى تحويل موارد صندوق المعلم الذي أنشأه الحوثيون سابقا إلى حساب الآلية الاستثنائية، وكذلك نسبة لا تتجاوز 20% من النفقات والتعزيزات الشهرية التي تصرفها الحكومة لوحدات الخدمة العامة، ونسبة لا تتجاوز 10% من تكلفة البرامج الاستثمارية لوحدات القطاع العام بالإضافة إلى المبالغ  المرتجعة من حساب الآلية نفسها.

 ونص القرار على أن:

  1.  يتم صرف مرتب كامل لبعض الوحدات الهامة مثل البرلمان والقضاء الخاضعين لسيطرة الحوثيين، 
  2. ونصف مرتب شهريا على الأقل للوحدات التي ليس لديها موارد ذاتية تغطي مرتبات وأجور العاملين فيها، 
  3. ونصف مرتب كل ثلاثة أشهر لموظفي الجهات التي لديها موارد ذاتية تغطي مرتبات موظفيها ولديها نفقات تشغيلية تفوق مواردها.

وينص القانون أيضا على صرف المرتبات وفقا للكشوفات المقرة من قبل وزارة الخدمة المدنية، ووفقا لكشوفات الانضباط الوظيفي وتبرأ ذمة الحكومة بعد ذلك ولا تمثل المبالغ الموردة من الجهات والوحدات الحكومية قروضا على الحكومة، ويلغي القانون أية قوانين أو تشريعات تعارضه. 

وتعيد هذه الآلية إلى الأذهان قرار الحوثيين بخصوص صرف المرتبات على هيئة بطائق سلعية عام 2017م والتي فشلت فشلا ذريعا. 

تبعات الآلية ومخاطرها:

تعد هذه الآلية ارتجالية وغير قانونية ولها العديد من المخاطر والتبعات، ومنها:

  1. أنها تستهدف بدرجة رئيسة التلاعب بحقوق الموظفين العموميين واستبدال حقهم في المرتبات بقوائم جديدة أعدتها الجماعة وتخضع لمزاجها وشروطها، حيث تنص على تبرئة ذمة الحكومة من أية مرتبات خارج هذه القوائم. 
  2. هذه الآلية على الرغم من نص القانون على أنها تستهدف تحقيق العدالة إلا أنها تقسم الموظفين العموميين إلى ثلاث فئات، وتحدد صرف المرتبات بناء على ذلك في مخالفة واضحة لمبادئ العدالة، وتربط الأجور بطبيعة المهمة التي يقدمها الموظف بدلا عن كونها حقا للموظف نظير خدماته في أجهزة ووحدات القطاع العام المختلفة بغض النظر عن طبيعة القطاع الذي يعمل فيه. 
  3. أن سلطة الحوثيين غير المعترف بها تريد من خلال هذه الآلية مد يدها إلى كافة الشركات ووحدات القطاع الحكومي والاستيلاء على مواردها تحت ذريعة سداد المرتبات لعامة الموظفين دون الالتزام بتقييد المبالغ كديون على الحكومة، الأمر الذي يقود إلى الاستيلاء على موارد مؤسسات القطاع العام والشركات المملوكة للدولة.
  4. أن الجماعة لم تعر اهتماما خاصا للمعلمين والمعلمات والذين يمثلون واحدة من أعلى نسب الحرمان من المرتبات والأجور وبما يمثل تحايلا جديدا على المعلمين والمعلمات، على الرغم من نص الآلية على تحويل موارد صندوق المعلم الذي سبق وأنشأته الجماعة لصالح آلية دفع المرتبات الجديدة. 
  5. أن الآلية تعطي لوزير المالية الحق المطلق في تحديد المساهمات على الوحدات الحكومية والتصرف المباشر في الموارد دون الرجوع إلى الجهات التشريعية. 
  6. أن الجماعة استغلت الآلية لتمرير ضريبة مقطوعة جديدة على السلع الكمالية والسلع التي ليس لها مثيل ينتج محليا، وكذلك فرض ضريبة الدخل على المرتبات التي تفوق 25 ألف ريال يمني أي ما يعادل 47 دولارا. 
  7. أن الحوثيين يحاولون فرض واقع جديد فيما يخص مرتبات الموظفين العموميين يقوم بالأساس على القوائم التي يقدمونها والتي تشمل الكثير من عناصرهم الذين تم إحلالهم محل الموظفين العمومين سواء المهجرين منهم أو النازحين أو المنقطعين عن العمل نتيجة سوء الوضع المعيشي استعدادا لأية مفاوضات جديدة تأخذ بالاعتبار مشكلة انقطاع مرتبات الموظفين العموميين. 
  8. أن الجماعة تحاول بهذه الآلية إسدال الستار على المطالبات بصرف المرتبات وفقا لقوائم الخدمة المدنية لعام 2014م. 
  9. أن الجماعة حددت -فيما يخص المودعين- سقفا يبلغ 100,000 ريال للمودعين المستثمرة أموالهم في أذون الخزانة شريطة ألا يتجاوز مبلغ الوديعة 20 مليون ريال وفقا لوثيقة مسربة ومنسوبة لفرع البنك المركزي في صنعاء الذي يديره الحوثيون، وبذلك يحتاج المودع قرابة 16 عاما ونصفا لاسترداد أصل مبلغ الوديعة.

الخلاصة:

 هذه الآلية تتعارض مع نصوص الدستور والقانون، وقواعد صرف المرتبات التي تقوم على العدالة والعمومية، وعلى الأرجح أنها جاءت في سياق مخاوف جماعة الحوثي من تبعات سقوط نظام بشار الأسد وانحسار النفوذ الإيراني من سوريا، وكمحاولة لامتصاص الاحتقان الشعبي الذي من المتوقع أن يتصاعد ويتحول إلى حراك جماهيري بعد انتهاء الحرب في غزة.

 والآلية تستهدف التلاعب بحقوق الموظفين الحكوميين، والتمييز بينهم بناء على أهمية المؤسسات التي يعملون فيها بالنسبة لمشروع الحوثيين وتدعيم بقاءهم في السلطة، وخطط لها كذلك أن تكون غطاء لمد يد الجماعة إلى كافة الشركات ووحدات القطاع الحكومي والاستيلاء على مواردها، ولكن من المحتمل أن تفشل الآلية كما فشلت آليات أخرى سابقة.


مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى