تحليلاتتقدير موقف

لماذا غابت اليمن عن أولويات زيارة “ترامب” إلى المنطقة؟

Getting your Trinity Audio player ready...

تمهيد:

أثار تجاهل الملف اليمني في الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى المملكة العربية السعودية، يومي 13 و14 مِن الشهر الجاري (مايو 2025م)، استغراب وحنق كثير مِن اليمنيين، إذ لم يُشر إلى الأزمة اليمنية إلا لمامًا، في الوقت الذي تطلع اليمنيون إلى أن تحظى أزمتهم بحضور كبير، كون اليمن أضحى بؤرة للصراع الإقليمي، وحتى الدولي، بفعل الاشتباك الجاري في البحر الأحمر، وحملة الضربات الواسعة وغير المسبوقة التي نفذتها الولايات المتحدة على مناطق سيطرة جماعة الحوثي، منذ منتصف شهر مارس الماضي، والضربات الإسرائيلية التي أحدثت دمارًا واسعًا بالمقدرات والبنى التحتية في اليمن، وبشكل أكبر بسبب التطلع إلى أن تكون هذه الزيارة منطلقًا لتحفيز السعودية لدعم عمل عسكري ضد الحوثيين، تشترك فيه دول المنطقة مع السلطة الشرعية.

وأكثر مِن ذلك، فقد بدا الأمر مخجلًا، وينطوي على إهانة، في ظل الاهتمام الذي حظي به الملف السوري مقارنة بالملف اليمني، فقد تمكنت السعودية مِن تنظيم لقاء بين الرئيس الأمريكي ونظيره السوري، أحمد الشرع، وهو لقاء لم يكن مدرجًا في برنامج الزيارة؛ وعلى إثره أعلن الرئيس “ترامب” رفع العقوبات المفروضة على سوريا. في المقابل، لم يتح لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، أي دور معلن في الزيارة، بالرغم مِن وجوده وبعض أعضاء المجلس في العاصمة السعودية (الرياض).

هذه الورقة تبحث في الأسباب التي أدت إلى تدني حضور الملف اليمني خلال الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس الأمريكي إلى المنطقة.

السياق:

أسهمت العديد مِن المتغيرات، خلال العام الماضي، في رفع تطلع الكثير مِن اليمنيين إلى عملية عسكرية ضد الحوثيين مِن ناحية، وإلى موقف أمريكي داعم لهذه العملية مِن ناحية أخرى.

فقد شهدت المنطقة تحولات عميقة ومحفزة، مِنها تعرض “حزب الله” في لبنان، والذي يُعد أحد الأطراف الرئيسة الداعمة للحوثيين، لضربات موجعة، الأمر الذي أفسح المجال للمضي في إنفاذ ترتيبات لبنانية داخلية كانت معطلة، بما فيها انتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة ببرنامج وأولويات تُعزز مِن مكانة الدولة، وتعمل على احتكار كل مِن السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة.

تلاها تطورات دراماتيكية في سوريا، إذ زحفت قوات الفصائل الثورية، وتمكنت مِن إسقاط المحافظات الواحدة تلو الأخرى، وصولًا إلى السيطرة على العاصمة السورية (دمشق)، وفرار الرئيس السوري، بشار الأسد، وانهيار نظامه.

وحدثت هجمات متبادلة بين إسرائيل وإيران، وكان أداء هذه الأخيرة ضعيفًا، في ظل تهديدات إسرائيلية بتدمير المنشآت النووية الإيرانية؛ ومعه تعرض النفوذ الإيراني في المنطقة لمستويات عالية مِن الضغط والتراجع، وتولد معه مزاج شعبي عام متحفز لإنهاء الانقلاب الحوثي، قياسًا على التجربة السورية التي قدمت نموذجًا ملهمًا.

تحول في الموقف الأمريكي:

شن الحوثيون هجمات على سفن الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، في إطار تنسيق مشترك مع ما يُسمى “محور المقاومة”، الذي تقوده إيران، وأدت تلك الهجمات إلى تحول نسبي ومتدرج في الموقف الأمريكي مِن النزاع في اليمن. وللتعامل مع تلك الهجمات، سارعت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف عسكري بحري، أُطلق عليه “تحالف حارس الازدهار”، تم الإعلان عنه في 18 ديسمبر 2023، إلا أنه وُلِد ميتًا، وفشل بسبب إحجام الدول العربية (باستثناء البحرين)، ودول المنطقة عن الانضمام إليه.

وقد أدى الدور الاعتراضي الذي تقوم به البوارج والقطع البحرية الأمريكية للهجمات التي يقوم بها الحوثيون ضد إسرائيل إلى دفع الأخيرين لتوجيه جزء مِن هجماتهم نحوها، ومعه اضطرت الولايات المتحدة لشن هجمات على مناطق سيطرة الحوثيين، تستهدف الرادارات ومعدات تجهيز إطلاق الصواريخ، ومخازن الأسلحة، وغيرها، كل ذلك في سياق احتواء هجمات الحوثيين والحد مِنها، وليس أكثر مِن ذلك.

“بعد وصوله إلى البيت الأبيض بيومين، وتحديدا في 22 يناير 2023، أصدر الرئيس “ترامب” أمرًا تنفيذيًّا أدرج بموجبه الحوثيين “جماعة إرهابية أجنبية”، واتَّخذ مجموعة مِن الإجراءات التي تهدف إلى الضغط عليهم، اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا”

شهدت الهجمات المتبادلة بين الطرفين بعض التصعيد، وتمكن الحوثيون خلالها مِن إسقاط عدد مِن الطائرات المسيرة الأمريكية، وإغراق سفينتين تجاريتين، في ظل استمرار هجماتهم على سفن الملاحة الدولية، والقطع البحرية الأمريكية وإسرائيل، وهو ما مثل حرجًا للطرف الأمريكي، اضطرت معه إدارة الرئيس الأمريكي السابق، “جو بايدن”، إلى تصنيف الحوثيين على أنهم كيان “إرهابي دولي مصنف تصنيفًا خاصًا”، وهو مستوى مِن التصنيف أخف مِن حيث التكييف والتبعات مِن التصنيف كجماعة إرهابية أجنبية. وبشكل عام بدا الموقف الأمريكي ضعيفًا، ويفتقد إلى الردع، وكان محل نقد مِن قبل مرشح الحزب الجمهوري، “دونالد ترامب”، والذي هاجم ضعف إدارة “بايدن”، وأعلن أنه سيكون أكثر حزمًا في التعامل مع هذا الملف. وبعد وصوله إلى البيت الأبيض بيومين، وتحديدا في 22 يناير 2023، أصدر الرئيس “ترامب” أمرًا تنفيذيا أدرج بموجبه الحوثيين “جماعة إرهابية أجنبية”، واتخذ مجموعة مِن الإجراءات التي تهدف إلى الضغط عليهم، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.

في مسار آخر، شهدت مناطق السلطة الشرعية، منذ شهر أكتوبر 2024م، تحركات عسكرية سعودية مكثفة، هدفت -على ما يبدو- إلى إعادة ترتيب الملف العسكري في اليمن. وشملت التحركات سلسلة مِن اللقاءات والزيارات، وجملة مِن التغييرات والتعيينات العسكرية. وانتظم قائد قوات الدعم والإسناد في القوات السعودية في عقد سلسلة مِن اللقاءات المنفردة مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس الحكومة، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة، وعدد آخر مِن القيادات، الحكومية والحزبية، الأمر الذي أوحى بقرب العملية العسكرية ضد الحوثيين. وتوازت تلك اللقاءات مع نشاط ملحوظ لكل مِن السفير والمبعوث الأمريكيين لليمن.

وخلال شهر نوفمبر (2024م)، شاعت تسريبات تشي بأن إدارة الرئيس الأمريكي، “جو بايدن”، تدفع باتجاه عملية عسكرية، خلال شهر ديسمبر (الشهر الأخير مِن ولاية “بايدن”)، تستهدف تحرير الساحل الغربي، ومدينة الحديدة، مِن يد الحوثيين، بدعم مِن الولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ غير أن فرصتها تراجعت إلى حد ما بسبب نفي الرياض وأبو ظبي نيتهما في المشاركة في أي ترتيبات لعملية عسكرية محتملة.

استمرَّت اللقاءات المنفردة بين رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ورئيس الحكومة وبعض الوزراء مع السفير والمسئولين الأمريكيين، بوتيرة عالية، حتَّى أيَّام قليلة مِن زيارة “ترامب” للمنطقة؛ وكان يُنظر إليها على أنَّها في سياق ترتيبات لعملية عسكرية ضدَّ الحوثيين”

وبخلاف تراجع التحركات واللقاءات العسكرية المعلنة بين الجانبين اليمني والسعودي، استمرت اللقاءات المنفردة بين رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ورئيس الحكومة وبعض الوزراء مع السفير والمسئولين الأمريكيين، بوتيرة عالية، حتى أيام قليلة مِن زيارة “ترامب” للمنطقة؛ وكان يُنظر إليها على أنها في سياق ترتيبات لعملية عسكرية ضد الحوثيين، وكان يُشاع بأن توقيت العملية العسكرية سيتحدد على نحو كبير خلال الزيارة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي “ترامب” إلى السعودية.

وفيما كانت الأوساط اليمنية تتطلع إلى زيارة “ترامب”، وما سيسفر عنها مِن نتائج، إلا أن الكثير صدموا بتجاهل الملف اليمني مِن الناحية العلنية على الأقل، وغياب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عن أي اجتماع مع الرئيس الأمريكي، أو أي مسئول أمريكي آخر، بالرغم مِن وجوده في الرياض.

ما الذي جرى في الزيارة؟

أعلن الرئيس “ترامب” أن زيارته الخارجية الأولى ربما تكون إلى السعودية، وذلك قياسًا على ما قام به في ولايته الأولى، وبالفعل فقد تمت الزيارة خلال يومي 13 و14 مِن شهر مايو الحالي. والفارق بينها وبين الزيارة الأولى أن الأخيرة توسعت لتشمل كلا مِن: دولة قطر والإمارات العربية المتحدة. وتتسم الدول الثلاث بأن لديها فائض أموال، وأنشطة استثمارية واسعة، وتطلعًا للعب دور سياسي في المنطقة والعالم.

شمل برنامج زيارة الرئيس “ترامب” إلى السعودية مباحثات خاصة مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والمشاركة في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي. وقد ألقى فيه “ترامب” خطابًا رئيسًا، أعلن فيه عن خطط لرفع العقوبات المفروضة عن سوريا، وفي صباح اليوم التالي التقى “ترامب” بالرئيس السوري، وعقد مع قادة مجلس التعاون الخليجي قمة خليجية أمريكية.

ورغم أن “ترامب” ألقى كلمتين، إحداهما استمرت لما يقرب مِن ساعة، وتبادل الأحاديث مع الصحفيين، إلا أن الحديث عن اليمن كان مقتضبًا للغاية، ولم يتضمن ما يؤشر إلى جديد؛ فقد أشار إلى أن البحرية الأمريكية “وجهت أكثر مِن (1,100) ضربة على الحوثيين، وأن الأخيرين مقاتلون أشداء، ولكنهم وافقوا على وقف استهداف السفن الأمريكية، وأن الولايات المتحدة لم تكن تود ضربهم، لكنهم كانوا يستهدفون السفن، وكانوا سابقًا يستهدفون السعودية”.

وفي قطر، قال “ترامب”: “إن بلاده قد تستأنف العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، في حال شنوا هجومًا”، وأضاف: “نحن نتعامل مع الحوثيين، وأعتقد أن ذلك كان ناجحًا جدا، ولكن ربما يتم شن هجوم غدًا، وفي هذه الحالة نعود إلى الهجوم”.

ولم يتضمن حديث ولي العهد السعودي، هو الآخر، شيئًا جديدًا، فقد شدد في كلمته أثناء القمة الخليجية الأمريكية على “أهمية تعزيز الحوار اليمني- اليمني، وتهيئة الظروف المناسبة لعملية سياسية حقيقية تشمل مختلف المكونات والأطراف اليمنية، برعاية الأمم المتحدة، بما يضمن الوصول إلى تسوية عادلة تلبي تطلعات الشعب اليمني في الأمن والاستقرار والتنمية”.

وكان الأمر اللافت في القمة، التصويب الذي أدخله أمير دولة الكويت على الكلمة التي كان قد انتهى مِن إلقائها، بعد أن نبهه ولي العهد السعودي، والذي أكد فيه أن الحوثيين سلطة “غير شرعية”.

أسباب غياب الملف اليمني في الزيارة:

على الأرجح، أن الملف اليمني كان حاضرًا في القمة، خاصة في اللقاءات الثنائية بين القيادة السعودية والخليجية و”ترامب”، إذ لا يمكن تجاهل الملف تمامًا، فهو يمثل بؤرة صراع ملتهبة، يُعد الأمريكيون أحد أطرافها؛ كما أنه بؤرة صراع حاضرة، ففي الوقت الذي كانت الاجتماعات قائمة كانت جماعة الحوثي ترسل صواريخها نحو إسرائيل. ومع هذا، فإن حضورها المعلن كان محدودًا للغاية، والواقع أنه يمكن تفسير ذلك بالتالي:

رغبة السعودة في بقاء الملف اليمني في حالة جمود ومراوحة: 

ولا تُعرف الأسباب التي تدعو السعودية لذلك على وجه اليقين. وحيث أن الملف في حالة جمود، فمِن الطبيعي ألا يتم استدعاء رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ولا النقاش المستفيض حوله علنيا مِن قبل القيادتين السعودية والأمريكية.

غلبة الطابع الاقتصادي للزيارة:

“يتَّضح مِن مسار الزيارة وبرنامجها أنَّها ذات طابع اقتصادي، تركِّز على القضايا والمصالح الاقتصادية، خاصَّة الاستثمارية”

يتضح مِن مسار الزيارة وبرنامجها أنها ذات طابع اقتصادي، تركز على القضايا والمصالح الاقتصادية، خاصة الاستثمارية، فـ”ترامب” أتى مهتما بالوصول إلى عقد صفقات، لذا ركزت الزيارة بشكل كبير على تعزيز العلاقات الاقتصادية، والجوانب الاستثمارية، حيث أعلنت السعودية عن التزامها باستثمار (600) مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، وتم التوقيع في قطر على اتفاقية تُسهم في تعزيز التبادل الاقتصادي بينهما بقيمة لا تقل عن (1.2) تريليون دولار، وأعلن “ترامب” عن صفقات اقتصادية تجاوز مجموعها (243.5) مليار دولار بين بلاده وقطر، بما في ذلك صفقة تاريخية لبيع طائرات “بوينغ” ومحركات “جنرال إلكتريك” للطيران إلى الخطوط الجوية القطرية. وتم توقيع صفقة أسلحة بقيمة (142) مليار دولار. وأعلنت الامارات خطة استثمارية بقيمة (1.4) تريليون دولار. هذا التركيز على الاقتصاد جعل الملفات ذات الطابع الأمني والإنساني، كما هو حال الملف اليمني، يتراجع في سلم الأولويات.

نهج ترامب الذي يقوم على التبادلية:

 أظهرت الزيارة أن الرئيس “ترامب”، وإدارته، يميلون نحو سياسات أكثر “تبادلية” وواقعية، حيث جرى التركيز على المصالح الاقتصادية والأمنية المباشرة، مثل رفع العقوبات عن سوريا، والتفاوض مع حركة “حماس” لإطلاق سراح رهائن أمريكيين؛ وهذا التوجه أدى -هو الآخر- إلى تهميش ملفات مثل اليمن، والتي تتطلب التزامًا طويل الأمد ومعقدًا.

أولوية القضايا الأخرى:

 فالأطراف الأمريكية والخليجية لديها أولويات أكثر إلحاحًا، مِن قبيل الاعتراف بالنظام السوري ورفع العقوبات عنه، والتهديدات الإيرانية، والأوضاع في غزة، ما جعل الملف اليمني يتراجع في سلم الأولويات في ظل رغبة السعودية أن يبقى في حال جمود حتى حين.

الطبيعة الأمنية للملف اليمني:

 الملف اليمني ذو طابع أمني، فمهما كان له حضور في الجلسات الخاصة إلا أنه يتطلب أن تكون المناقشة العلنية له في أضيق الحدود؛ وهو ما ينطبق على ملف حرب الإبادة على غزة أيضًا، فقد حرصت مختلف الأطراف الخليجية على الحد مِن مناقشته علنًا قدر الإمكان، حتى لا يتم استفزاز التيار الصهيوني، الذي يتمتع بحضور كبير في فريق “ترامب” والحزب الجمهوري. هذا العامل رغم بعده قليلًا بالنسبة للملف اليمني إلا أنه ليس مستبعدًا بالكلية.


مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى