تشكيل “المجلس الأعلى” تحول جديد في مسار “المقاومة الشعبية” في اليمن

Getting your Trinity Audio player ready...

 

أعلنت مجالس “المقاومة الشعبية” في المحافظات اليمنية عن تشكيل مجلس قيادي أعلى لها، برئاسة الشيخ حمود سعيد المخلافي؛ وجاء الإعلان خلال مؤتمر عُقد لمدَّة يومين، في محافظة مأرب، بهدف “توحيد جهود مجالس المقاومة الشعبية في المحافظات، وتطوير أدائها وتنسيق جهودها، بما يخدم معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي”، ووفقًا لبيان -صدر في ختام المؤتمر- اتَّفق المشاركون في المؤتمر على “توحيد جميع مجالس المقاومة الشعبية في المحافظات، ضمن كيان واحد اسمه (المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية)”[1].

في هذا التقرير نتناول مراحل نشوء وتطور “المقاومة الشعبية”، ومكوِّناتها، والسياق الذي اقتضى تشكيل “المجلس الأعلى” لها.

نشوء “المقاومة الشَّعبية”:

انطلقت “المقاومة الشعبية” اليمنية كردِّ فعل اجتماعي تجاه انقلاب الحوثيين على الدولة، واقتحامهم للعاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر 2014م، وتعطيل العملية الديمقراطية والتحول السياسي عقب الإجماع الوطني على مخرجات “مؤتمر الحوار الوطني الشَّامل”، الذي عُقِد خلال عامي 2013م/2014م. فقد عمدت جماعة الحوثي، مدعومة بقوَّات الرَّئيس السَّابق، علي عبدالله صالح، الموالية له مِن الجيش والقوَّات المسلَّحة المختلفة، إلى اقتحام المحافظات الأخرى، وصولًا إلى تعز ومأرب وعدن. هذا المسار الانقلابي فرض على أبناء المجتمع حمل السِّلاح والدِّفاع عن الدولة والوطن، والمكتسبات السِّياسية التي تحقَّقت منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م، وقيام الوحدة في 22 مايو 1990م.

مراحل تطور “المقاومة الشَّعبية”:

مرَّت “المقاومة الشَّعبية” بعدَّة مراحل، هي:

  • مرحلة التشكُّل في العاصمة اليمنية (صنعاء)، منذ سبتمبر 2014م، وذلك لإيقاف عملية اقتحام صنعاء؛ لكن سرعة انهيار منظومة الدِّفاع العسكرية للجيش والقوات المسلحة أدَّت إلى عدم تمكُّن “المقاومة الشَّعبية” مِن صد مقاتلي جماعة الحوثي.
  • مع توجُّه مقاتلي جماعة الحوثي، مدعومين بقوَّات “صالح”، للسيطرة على محافظة تعز ومأرب والبيضاء تشكَّلت فروع للمقاومة الشعبية في تلك المحافظات.
  • وبعد زحف جماعة الحوثي باتِّجاه الضَّالع ولحج وعدن تأسَّست “المقاومة الشعبية” في تلك المحافظات، في يونيو 2015م؛ وازداد زخمها عقب خروج الرَّئيس “هادي” مِن عدن، وانطلاق “عاصفة الحزم”، بقيادة المملكة العربية السُّعودية. وقد كان لها دور كبير في التَّصدِّي لزحف جماعة الحوثي وقوَّات “صالح” على تلك المحافظات، خصوصًا عدن.
  • عقب تحرير مدينة عدن، لقيت “المقاومة الشَّعبية” ترحيبًا ودعمًا وإسنادًا مِن الرَّئيس “هادي”، و”التَّحالف العربي”، وذلك لمواجهة ما وصفه “التَّحالف العربي” بالتَّغلغل الإيراني في اليمن.
  • في 28 يوليو 2015م، قرَّرت الحكومة اليمنية استيعاب أفراد مِن “المقاومة الشَّعبية” في وحدات الجيش والأمن؛ عقب اجتماع الرَّئيس “هادي” بمجلس الدِّفاع الوطني، وذلك نظير إسهاماتهم الشُّجاعة المتمثِّلة في الدِّفاع عن الوطن ومكتسباته العظيمة، حسب الوكالة الرَّسمية. فيما قال وزير الدَّاخلية اليمني، اللِّواء عبده الحذيفي، في تصريحات صحفية: إنَّ قرار ضمِّ “المقاومة الشَّعبية” إلى الجيش والأمن جاء نظير ما قدَّمه هؤلاء الأبطال في الميدان، وتصدُّرهم للمواقف في جميع المحافظات التي تتعرَّض لحرب المليشيات[2].

مكوِّنات “المقاومة الشَّعبية”:

تكوَّنت “المقاومة الشَّعبية” مِن مختلف أطياف الشَّعب والمناطق والقبائل والأحزاب، باعتبار أنَّ التَّهديد الذي يمسُّ دولتهم ووطنهم بات قاسمًا مشتركًا يفرض عليهم موقفًا وطنيًّا موحَّدًا. لذلك ضمَّت المقاومة:

  • مشائخ قبائل ووجاهات اجتماعية.
  • نخبًا مثقَّفة وأكاديميين.
  • شبابًا وطلَّابًا جامعيين.
  • تجَّارًا ورجال أعمال.
  • عسكريين وضبَّاطًا اختاروا الانخراط في المقاومة، بعد ذوبان الجيش وتمزقه.
  • علماء ودعاة وخطباء.
  • موظَّفين وعمَّالًا.

ما الذي دفع “المقاومة الشَّعبية” لحمل السِّلاح؟

توافرت دوافع وطنية وذاتية عدَّة اضطرَّت “المقاومة الشَّعبية” إلى حمل السِّلاح، مِنها:

  • انقلاب جماعة الحوثي، والقوات الموالية لـ”صالح”، على الدولة والإجماع الوطني، وسعيهم لفرض منظورهم الكهنوتي في الحكم وإدارة الدولة.
  • تقويض الانقلابيين للمكتسبات التي حقَّقها الشعب اليمني في الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية والتعددية السياسية وحرية التعبير والإعلام.
  • الدفاع عن النفس والممتلكات: في ظل استهداف جماعة الحوثي للشعب اليمني بالقتل والتنكيل والتهجير وتدمير المنازل، وذلك منذ حروبهم السابقة مع الدولة، وبقاء هذا منهجًا وسلوكًا متَّبعًا منذ عام 2013م.
  • خروج الرَّئيس “هادي” وحكومته مِن مدينة عدن، ومغادرتهم اليمن.
  • انهيار الجيش وانحياز بعض وحداته للرئيس السابق “صالح”، واعتقال وزير الدفاع اللِّواء الرُّكن محمود الصُّبيحي، وبعض القيادات العليا في الجيش.

أهداف “المقاومة الشَّعبية”:

هدفت “المقاومة الشَّعبية”، بحسب ما صدر عنها مِن بيانات وخطابات خلال المرحلة الماضية، لعدَّة أمور، مِنها:

  • الدفاع عن مؤسسات الدولة، والوقوف إلى جانب “الشَّرعية” وإسنادها في مواجهة الانقلاب.
  • إفشال الانقلاب واستعادة العملية السياسية والنظام الديمقراطي والحكم الجمهوري.
  • استئناف المرحلة الانتقالية، وحماية مكتسبات ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر و11 فبراير.
  • حماية وحدة وسيادة واستقلال اليمن والتماسك الاجتماعي.

محاور “المقاومة الشَّعبية”:

بعد مرور سنوات مِن الحرب، باتت “المقاومة الشَّعبية” تتوزَّع بحسب المحافظات اليمنية إلى عدَّة محاور:

  • تشكَّل جهود للمقاومة الشعبية في كلٍّ مِن صنعاء، وعمران، وصعدة، وذمار، وذلك في عام 2014م، لكنَّها ومع سيطرة جماعة الحوثي على هذه المحافظات كاملة انتقلت للعمل مِن خلال المحافظات الأخرى الواقعة خارج سيطرة الجماعة.
  • تشكَّلت مقاومة مأرب، بدءًا مِن أبريل 2015م، وسارعت إلى تأسيس المطارح القبلية التي كان لها دور كبير في صدِّ هجمات الحوثيين على المحافظة، وتحصين مأرب ضدَّ زحفهم، وتحويل مأرب إلى قلعة وطنية في مواجهة الانقلاب الحوثي. وفي نفس العام تشكَّلت المقاومة في كل مِن الجوف والبيضاء.
  • في تعز، تشكَّلت المقاومة في 30 أبريل 2015م، بقيادة حمود المخلافي؛ ومثَّلت خطَّ الدِّفاع الأول تجاه تمدُّد جماعة الحوثي نحو المحافظة الأكثر كثافة في السُّكَّان، وذلك للحؤول دون وصولها إلى باب المندب ومدينة عدن.
  • وعلى نحو ما سبق، تشكَّلت في عدن مقاومة شعبية في 26 أبريل 2015م، وتمكَّنت بعد عامين مِن دحر الانقلابيين.
  • وفي إقليم تهامة، تشكَّلت المقاومة في 17 مايو 2015م، وتمكَّنت بإسناد مِن الجيش الوطني وقوات “التحالف” مِن دحر جماعة الحوثي عام 2018م، وصولًا إلى إمكانية تحرير مدينة الحديدة كاملًا، لولا اعتراض بعض الأطراف الدولية.

تشكيل “المجلس الأعلى للمقاومة الشَّعبية”:

في 29 يوليو 2023م؛ أعلنت مجالس “المقاومة الشَّعبية” في محافظات اليمن عن تأسيس “مجلس أعلى” لها، برئاسة الشِّيخ حمود المخلافي. وقد جاء الإعلان خلال مؤتمر عُقِد في محافظة مأرب، بهدف توحيد جهود “المقاومة الشَّعبية” في عموم محافظات الجمهورية اليمنية، وتطوير أدائها وتنسيق جهودها، بما يخدم معركة استعادة الدولة وانهاء الانقلاب.

وفي البيان الختامي للمؤتمر الذي تلاه نائب رئيس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية الدكتور عبدالحميد عامر، أعلن عن اتفاق المشاركين في المؤتمر على توحيد جميع مجالس المقاومة الشعبية في المحافظات اليمنية، ضمن كيان واحد اسمه “المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية”.

وقد ذكر بيان الإشهار[3] أنَّ “المجلس الأعلى” يتكوَّن مِن ممثِّلي الأقاليم، وممثِّلي مجالس المقاومة في المحافظات، بالإضافة إلى اللَّجنة الاستشارية؛ وأنَّه سوف يستكمل تشكيل هيئاته ولجانه التنفيذية والمكاتب المتخصصة في أوَّل اجتماعاته المقررة، وأنَّه يمثِّل أعلى سلطة في المقاومة، وممثِّلًا شرعيًّا للمقاومة، ويُناط به انتخاب القيادة العليا، وإقرار النظام الأساسي ولوائح المقاومة، واتجاهاتها وسياساتها وإستراتيجياتها.

وفي المؤتمر الصَّحفي جرى الإعلان عن أسماء القيادة العليا للمجلس الأعلى للمقاومة الشَّعبية، والتي جرى الاتفاق والمصادقة عليها، وضمَّت شخصيَّات مِن عدَّة محافظات يمنية، وهم:

الشيخ/ حمود سعيد المخلافي (تعز) رئيسًا.

الدكتور/ عبدالحميد محمد عامر (الجوف) نائب الرئيس لشئون المحافظات والمقاومة.

الشيخ/ محمد أحمد ورق (الحديدة) نائب الرئيس للشئون الإنسانية والحقوق.

الشيخ/ عبدالرقيب الصبيحي (لحج) نائب الرئيس لشئون الإعلام.

الأستاذ/ رمزي محروس (سقطرى) نائب الرئيس لشئون الخدمات والموارد.

الشيخ/ شوقي محمد السنحاني (عمران) نائب الرئيس للشئون السياسية والعلاقات.

كما جرى في المؤتمر قراءة وثيقة البرنامج السياسي والمبادئ والالتزامات التي حدَّدت أبرز أهداف وسياسات المجلس.

أسباب تشكيل “المجلس الأعلى” للمقاومة:

يأتي الإعلان عن “المجلس الأعلى” للمقاومة في سياقات عدَّة، مِنها تهميش الجيش الوطني وإضعافه، وبناء تشكيلات عسكرية وأمنية خارج هيكل الدَّولة؛ وتمييع السلطة الشرعية وتعطيل مؤسساتها الدستورية، وفي مقدمتها السلطة التشريعية؛ والانسداد العام في المشهد السياسي والعسكري في اليمن واستمرار المعاناة الشعبية واتِّساعها؛ وعدم استجابة جماعة الحوثي لدعوات التهدئة ومساعي السلام التي يبذلها الوسطاء الدوليين؛ والانفتاح السعودي مؤخَّرًا على جماعة الحوثي وتقديم الكثير مِن التنازلات لها.

وقد أشار بيان الإشهار إلى الأسباب التي دفعت لتشكيل المجلس، ملخِّصًا إيَّها فيما يلي:

  • استمرار الانقلاب الحوثي كتهديد وجودي للدولة والهوية اليمنية، والنتائج الكارثية المترتبة على بقاء هذا الانقلاب، والتي تضرب وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه.
  • المتغيرات المستمرة في المشهد السياسي والعسكري، والتحولات الكبيرة على الأرض، والتسهيلات التي حصلت عليها المليشيات الانقلابية مِن إعادة تشغيل ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي ورفع القيود عن حركة قيادات وكوادر الميليشيات.
  • ما تواجهه السلطة الشرعية مِن تحديات.
  • تراجع معركة استعادة الدولة عن قائمة الأولويات، وما يعنيه ذلك من مخاطر تحدق بمستقبل اليمن دولة وأرضًا وإنسانًا.

أبرز الخطوط العامة في بيان إشهار “المجلس الأعلى” للمقاومة:

‏نصَّ بيان إشهار على مبادئ والتزامات عامَّة للمجلس، توزَّعت على (18) نقطة، مِن أبرزها:

  • “الالتزام بمبدأ النِّضال الوطني”: ‏وأن يكون حركة نضال وطني، تضمُّ جميع القوى السياسية والاجتماعية، مبتعدًا عن التَّجاذبات السياسية والصراعات الحزبية.
  • “احترام المرجعيات الثلاث، المتعلقة بالأزمة اليمنية (المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني، القرار الأممي 2216)”، داعيًا إلى تنفيذها والاحتكام إليها، وعدم تجاوزها بأيِّ حال مِن الأحوال.
  • “التمسك بالنظام الجمهوري للحكم، والشكل الاتحادي للدولة، والتعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة”.
  • النِّضال مِن أجل “الحفاظ على استقلال اليمن، ووحدته، وسلامة أراضيه”.
  • “إسناد الجيش الوطني، ودعمه بالوسائل والإمكانيات المتاحة، في معركة استعادة الدولة”.
  • دعم المجلس “جهود تعزيز حضور مؤسسات الدولة الشرعية، وفرض هيبتها، وتطوير أداءها، وتمكينها من أداء واجباتها على كل شبر مِن الأراضي اليمنية، وعلى رأس تلك الواجبات قيادة معركة التحرير، والرعاية الكاملة لأسر الشهداء والجرحى”.
  • “حقُّ الدولة اليمنية في استعادة جميع مواردها السيادية”، وقد دعا في هذا الإطار إلى مضاعفة الجهود مِن أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية، ورفع المعاناة عن الشعب اليمني.
  • دعم المجلس “جهود الدولة الشرعية في تأمين الممرات المائية اليمنية، بما يحقِّق أمن البحر الأحمر والبحر العربي”.
  • التزام المجلس بـ“علاقات جيدة مع دول التحالف العربي، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، والدول الشقيقة والصديقة الداعمة لحق الشعب اليمني في استعادة دولته، والحفاظ على وحدته وسيادته الوطنية، وإقامة علاقات أساسها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل”.
  • رفض كل “أشكال التطرف والإرهاب، وكل المشاريع السلالية والطائفية، والمناطقية والجهوية، والعمل على تعزيز التماسك المجتمعي والتسامح الديني والسلم الاجتماعي”.
  • “الالتزام بتعزيز قيم المواطنة المتساوية وسيادة القانون”.
  • “احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية”.

    المصادر

    [1]  انظر: تدشين مجلس قيادة أعلى للمقاومة الشعبية في اليمن، وكالة الأناضول، في: 30/7/2023م، متوفر على الرابط التالي:

    https://cutt.us/Bd7VX

    [2]  انظر: السلطات اليمنية تقر ضم المقاومة الشعبية إلى وحدات الجيش والأمن، موقع (شينخوا) الصين، في: 29/7/2015م، متوفر على الرابط التالي:

    http://arabic.news.cn/2015-07/29/c_134456551.htm

    [3]  انظر: ‏بيان إشهار المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية اليمنية، أخبار اليوم، في: 29/7/2023م، متوفر على الرابط التالي:

    https://akhbaralyom.net/news_details.php?sid=163344

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى