الحاجة إلى تدخل دولي لمنع استهداف البنية التحتية في اليمن

Getting your Trinity Audio player ready...

 

مقدمة:

هاجمت إسرائيل، يوم الخميس 26 ديسمبر (2024م)، عدة أهداف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، بما في ذلك مطار صنعاء الدولي، وقد ادعى الجيش الإسرائيلي أنه بالإضافة إلى استهداف المطار، فإنه هاجم بنى تحتية عسكرية في موانئ كل مِن: الحديدة والصليف ورأس كثيب، على الساحل الغربي لليمن، وأضاف أنه قصف محطتي الكهرباء في منطقة حزيز بصنعاء ورأس كثيب بالحديدة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو”، عقب الهجمات: إن إسرائيل ستواصل مهمتها حتى اكتمالها. وفي مقابلة مع “القناة 14 الإسرائيلية”، في وقت لاحق، أضاف: “نحن لا نزال في البداية معهم”.

وقياسًا على الهجمات السابقة التي شنتها اسرائيل، وعوامل أخرى، مِن المتوقع أن تكون المقدرات الاقتصادية العامة والأعيان المدنية والبنى التحتية هدفًا رئيسًا للهجمات الإسرائيلية القادمة المحتملة، وهو ما يعني وجود مخاطر حقيقية لإمكانية تدمير ما تبقى مِن البنى التحتية اليمنية، التي تُعاني بالأساس مِن الهشاشة والتدمير، مع ما يمكن أن يترتب على هذا الأمر مِن مهددات وجودية لحياة اليمنيين وضرورات معيشتهم.

هذه الورقة تقدم تنبيها سياسيا للجهات المختصة بالمخاطر المحتملة التي يمكن أن تتعرض لها البنى التحتية في اليمن، بفعل الهجمات الإسرائيلية، وما يمكن أن ينتج عن ذلك مِن تحديات اقتصادية ومخاطر أمنية بعيدة المدى.

بُنى تحتية محدودة:

تمتلك اليمن في الأساس بنى تحتية ضعيفة ومحدودة للغاية، ويعود ذلك إلى محدودية ما تملكه مِن موارد اقتصادية، وضعف الدعم والتمويل الخارجي، وبفعل ما تعانيه السياسات الحكومية الموجهة نحو التنمية خلال العقود السابقة مِن عشوائية وفساد وسوء إدارة، وبشكل أكبر بفعل التدمير الواسع الذي تتعرض له بين فينة وأخرى بفعل دورات الصراع والعنف المتتالية في اليمن.

فالموارد الاقتصادية الشحيحة التي تمتلكها اليمن لا تمكنها مِن التوسع في تشييد منشآت وبُنى تحتية واسعة، كما أن السياسات الحكومية الموجهة نحو التنمية في مرحلتي التشطير والوحدة ظلت تعاني مِن الكثير مِن مظاهر العشوائية وسوء الإدارة والفساد وغياب معايير الحوكمة. وبقي الدعم الدولي الموجه نحو البنى التحتية في اليمن محدودًا للغاية، وأكثر مِن ذلك فإن جانبًا كبيرًا مِن أي تمويل يمكن أن تحصل عليه اليمن يذهب للجوانب الإدارية والتشغيلية. وغالبًا ما تؤدي الأزمات والحروب إلى تدمير جانب غير قليل مِن البنى التحتية في اليمن، فقد تسببت حرب صيف عام 1994م في تدمير قطاع مِن المقدرات الاقتصادية والبنى التحتية، في العديد مِن القطاعات، وتشير مصادر إلى أن اليمن خسرت نحو (11) مليار دولار في تلك الحرب، والتي استمرت زهاء شهرين وعشرة أيام فقط. وتشمل هذه الخسائر تكاليف المعدات العسكرية المدمرة، والبنى التحتية المتضررة، والمباني الحكومية والمدنية التي دمرت، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الناتجة عن توقف الإنتاج، وتدهور الخدمات، وارتفاع معدلات البطالة والفقر.

وأسهمت حروب صعدة الستة، التي اندلعت بسبب تمرد جماعة الحوثي وخوضها مواجهات مسلحة ضد سلطات الدولة، خلال الفترة (2004م- 2010م)، في تدمير قطاع واسع مِن المقدرات المحدودة في محافظة صعدة، والمحافظات المجاورة لها، والتي امتدت إليها الاشتباكات.

أما الضرر الأكبر الذي لحق بالبنى التحتية في اليمن فقد كان مع الانقلاب الذي قام به الحوثيون في 21 سبتمبر 2014، وما تبعه من حرب لازالت قائمة حتى اليوم، والتي ألحقت الكثير مِن الأضرار بالبنى التحتية في مختلف القطاعات، حيث دمرت العديد مِن المستشفيات والمراكز الصحية، وتضررت المدارس والجامعات، وتدهورت شبكات المياه والصرف الصحي، وتعرضت مولدات الكهرباء وشبكات توصيلها للكثير مِن الأضرار، ما جعل اليمن تعاني مِن انقطاع متكرر للكهرباء، وهذا بدوره يؤثر على جميع مناحي الحياة. ودُمرت الطرق والجسور والموانئ والمطارات، ما يُعيق حركة التجارة والبضائع والأشخاص. ويشير تقرير صدر عن المركز العربي للأبحاث إلى أن حجم خسارة الاقتصاد اليمني بسبب الحرب الدائرة فيه بلغت ما بين (170- 200) مليار دولار، مِن ناتجه المحلي الإجمالي، في الفترة بين (2015م- 2022م).

ولم تكد الحرب الدائرة تتوقف، نتيجة الهدنة الإنسانية التي تم التوافق عليها في أبريل 2022م، حتى حدثت اشتباكات البحر الأحمر، وتعرضت مناطق سيطرة جماعة الحوثي لهجمات مِن جديد، ولكن هذه المرة عبر طائرات وصواريخ أمريكية وبريطانية، ثم تاليًا عبر الطائرات الإسرائيلية.

استهداف إسرائيلي متعمد للبنى التحتية:

على عكس ضربات الولايات المتحدة وبريطانيا المتواصلة على اليمن منذ أشهر، والتي ركزت -وفق إعلانات البلدين- على أهداف عسكرية لجماعة الحوثي، غالبًا ما يستهدف القصف الإسرائيلي أهدافًا حيوية مرتبطة بالمقدرات الاقتصادية للشعب اليمني، وبمعيشة المواطنين اليمنيين؛ فقد استهدف الطيران الإسرائيلي، في غارات له يوم 20 يوليو الماضي (2024م)، خزانات الوقود بميناء الحديدة، غربي اليمن، إضافة إلى منشأة حيوية ضخمة لتوليد الكهرباء هي محطة رأس الكثيب، والتي تزود مدينة الحديدة بالطاقة الكهربائية، إضافة إلى مقر المؤسسة الاقتصادية اليمنية. وظل الحريق في الميناء يتواصل ويزداد توسعًا لمدة طويلة، وسط غياب الدفاع المدني، وانقطاع الكهرباء بشكل تام في جميع أحياء مدينة الحديدة، عقب القصف مباشرة، فيما لا تزال شبكة الاتصالات تتقطع بشكل متكرر.

وبحسب مصادر إعلامية، بلغت خسائر ميناء الحديدة، جراء الهجوم الإسرائيلي عليه، ما يزيد على (20) مليون دولار أمريكي، فضلًا عن مقتل ما بين (6- 9) أشخاص، وجرح أكثر مِن (80) شخصًا آخرين؛ وهو ما بدا وكأنه عمل انتقامي مِن مقدرات اليمن، وليس مجرد رد على هجمات الحوثيين.

وفي 19 ديسمبر، شنت طائرات إسرائيلية غارات على مواقع حيوية شملت موانئ وبنى تحتية ومحطات توليد كهرباء. ومِن بين المواقع محطتا كهرباء حزيز وذهبان المركزيتين، جنوب وشمال العاصمة صنعاء. هذا فيما استهدفت غارات أخرى في محافظة الحديدة الساحلية ميناء الحديدة ومنشأة رأس عيسى النفطية، ما أسفر عن مقتل وإصابة تسعة أشخاص.

وتعرض مطار صنعاء الدولي ومحطة كهرباء حزيز بصنعاء، يوم الخميس 27 ديسمبر (2024م)، لضربات مدمرة، فقد استهدف قصف صاروخي صالة مطار صنعاء الدولي ومدرج المطار، ودمر أجزاء واسعة مِنهما، واشتعلت النيران في المدرج، وسط أنباء عن سقوط إصابات في صفوف المدنيين. وأشارت المصادر إلى تعرض محطة كهرباء حزيز للقصف، وهو الثاني مِن نوعه خلال أيام. كما جرى استهدف محطة كهرباء رأس كثيب في محافظة الحديدة. وقالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي: إن طيران الكيان شن غارات على مطار صنعاء وميناء الحديدة ومنشآت نفطية.

وفي ظل استمرار الاشتباك وتصاعد التهديدات مِن قبل الكيان الإسرائيلي مِن المرجح أن تتعرض البنى التحتية والمقدرات العامة لمزيد مِن الضربات المدمرة، الأمر الذي سوف تترتب عليه خسائر إضافية في تلك المقدرات والبنى التي بالكاد تم تشييدها، ومثلت أحد المكتسبات الأساسية لجهود اليمنيين عبر العقود السابقة.

ضرورة التدخل الدولي:

تقع على المجتمع الدولي مسئوليات كبيرة، لجهة تدخله لحماية البنى التحتية في اليمن، وتحييدها عن الاشتباك القائم. وتتحمل الولايات المتحدة القدر الأكبر مِن المسئولية بحكم أنها قائد النظام الدولي، ولها علاقاتها الخاصة بإسرائيل، وهي قادرة على التأثير على صناع القرار فيها، ولكل ذلك هي ملزمة بممارسة أكبر قدر مِن الضغط على إسرائيل، لمنعها مِن التدمير المتعمد والواسع لما تبقى مِن البنى التحتية في اليمن، وأن يتجاوز موقفها الدعوة التي وردت على لسان منسق الاتصالات في الأمن القومي بالبيت الأبيض، “جون كيربي”، والذي دعا الإسرائيليين إلى شن عملياتهم في اليمن بشكل يحد مِن الأضرار على البنى التحتية المدنية، وأن تتعدى ذلك إلى ممارسة ضغوط حقيقية وفعالة.

وتقع المسئولية ذاتها على المنظمات الدولية والإنسانية ووسائل الإعلام الدولية، فهي مطالبة بالتصعيد السياسي والإعلامي والحقوقي لمنع أن تكون المقدرات المحدودة للشعب اليمني هدفًا سهلًا لضربات الطيران الإسرائيلي، وأن توجه ضغوطها لتحييد تلك المقدرات وحمايتها.

المصادر

  إسرائيل تقصف أهدافا للحوثيين في اليمن ومقتل ستة، سويس إنفو، (بتصرف)، في: 26/12/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://n9.cl/ucz5o9

  انظر: كتاب المؤتمر الاقتصادي اليمني، اليمن، الاقتصاد المستقبل، أعمال المؤتمر الاقتصادي اليمني الذي نظمه المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية بصنعاء في الفترة (٢٥- ٢٧) أكتوبر ٢٠١٠م، متوفر على الرابط التالي:

https://drive.google.com/file/d/0B8nKvRRuhI3TSEZOcHI5eGlGaTg/view?resourcekey=0–_eX9emM_zYcKb5IevazSw

 مئتا مليار دولار خسائر الحرب اليمنية.. ما انعكاسات انهيار الهدنة اقتصاديا؟، موقع تلفزيون العربي، في: 31/12/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://n9.cl/7qjsg

  ما الأهداف التي ضربتها إسرائيل باليمن.. ولماذا؟، وكالة الأناضول، في: 31/12/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://n9.cl/2u4lk8

إسرائيل تقصف مخازن الوقود ومواقع حوثية بالحديدة، صحيفة عكاظ السعودية، في: 31/12/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.okaz.com.sa/news/politics/2166260

  هل تراجع “طوفان” البحر الأحمر بعد الهجوم الإسرائيلي على الحديدة؟، بي. بي. سي. عربية، في: 31/12/2024، متوفر على الرابط:

https://www.bbc.com/arabic/articles/c5y33wxgvd9o

 إسرائيل تقصف أهدافا للحوثيين في اليمن.. فأي المواقع الحيوية استهدفت؟، بي. بي. سي. عربية، في: 31/12/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.bbc.com/arabic/articles/ckg1zvvgxevo

  شملت منشآت في الحديدة وكهرباء حزيز.. غارات إسرائيلية تدمر صالة وبرج المراقبة في مطار صنعاء وأجزاء واسعة من المدرج، المصدر أونلاين، في: 31/12/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://almasdaronline.com/articles/308030

  واشنطن: الحوثيون يشكلون تهديدا لإسرائيل وهجماتهم ستستمر ضد قواتنا، الجزيرة نت، في: 27/12/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://n9.cl/n1ddg


مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى