حرب الموارد الاقتصادية في اليمن: السياق والمخاطر

Getting your Trinity Audio player ready...

مقدمة:

تتابعت خلال الشهور القليلة الماضية جملة من التطورات الاقتصادية والسياسية التي أدت إلى تآكل الموارد الاقتصادية التي تقع تحت يد السلطة الشرعية في اليمن، ومعها تعاظمت التحديات الاقتصادية التي تواجه  هذه السلطة، وتحولت إلى مهددات حقيقية لوجودها، في ظل تغيير واضح في سياسات دولتي التحالف (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، واللتان يفترض أن تكونا داعمتين لها، وانتقال البلاد إلى ما يمكن أن نطلق عليه “حرب  الموارد الاقتصادية”، وهو طور جديد مِن الصراع، حيث يتبادل الحوثيون والحكومة الشرعية مِن جهة، والحكومة الشرعية و”المجلس الانتقالي” الجنوبي الذي يفترض أن يكون جزءًا مِنها مِن جهة أخرى، تدابير وإجراءات إما للسيطرة على الموارد المتاحة، أو لمنع وحرمان الآخرين مِنها. ويقينًا فإن هذا النوع من الحرب له كلفته وتبعاته؛ فما هي طبيعة هذه الحرب؟ وما هي مخاطرها؟

الموارد الاقتصادية في سياق الحرب:

ترافقت وتيرة الحرب الاقتصادية مع الحرب العسكرية المستعرة في البلاد، فقد استمات الحوثيون في السيطرة على موارد البلاد الاقتصادية وتحويلها إلى موارد خاصة تعزز قوتهم، وبدوره تبنى “التحالف” والحكومة الشرعية عددًا مِن التدابير التي تهدف إلى إضعاف الحوثيين اقتصاديًا، وعزلهم شعبيًا، ومنها قرار نقل مقر البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر 2016[1].

وقد تركت الحرب تداعيات مدمِرة على الموارد الاقتصادية، فقد أدت إلى “توقف إنتاج النفط والغاز، فانخفضت كمية إنتاج النفط الخام وصادرات الغاز الطبيعي المسال بـنسبة 67.8% و80.3% على التوالي عام 2015م، مقارنة بعام 2014م، وتوقفت مصفاة عدن عن تكرير النفط، وانخفض إنتاج مصفاة مأرب بـ4.8%، كما انخفضت كمِيات واردات المشتقات النفطية في بداية الحرب بنسبة 65.3%، ما أدى إلى شحة عرض الوقود في السوق المحلِي”[2]. وقد عانى المواطنون مِن أزمة طاحنة في المشتقات النفطية والغاز المنزلي. وتاليًا، انزلقت البلاد إلى انقسام في المنظومة النقدية والمالية؛ واتخذ كل طرف إجراءات ضد الآخر اتسعت معه مساحة البؤس بشكل كبير، فقد حرِم عشرات الآلاف مِن الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين حتى اليوم مِن رواتبهم، وعانى المواطنون في بقية المناطق مِن البطالة والتضخم وارتفاع الأسعار بشكل فاحش.

وأدت الحرب -وما رافقها مِن تشكل كيانات خارج سلطة الدولة- إلى تعدد الأطراف التي تقوم بجباية الموارد المالية، فقد سيطر الحوثيون على جميع الموارد الواقعة في مناطق سيطرتهم، ومنها إيرادات الجمارك والضرائب وخاصة على واردات النفط والغاز، واستحدثوا نقاطا لجمع الجمارك والضرائب، وأضافوا عددا كبيرا من الإتاوات والجبايات والرسوم، وغالوا في تحصيلها مما اثقل كاهل المواطنين وضيق على معيشتهم ومصادر أرزاقهم، وانفرد الحوثيون حتى اليوم في تحصيل عائدات كبيرة منها ضرائب الاتصالات ورسوم عبور الاجواء اليمنية، وغيرها.

وفي عدن والمناطق التابعة نظريًا لسلطة الحكومة الشرعية عمد “المجلس الانتقالي”، والقوى التي تقف خلفه إلى تقويض السلطة الشرعية، واغتصاب وظائفها، وفي مقدمتها جباية الموارد المالية، التي كانت أحد مجالات الاشتباك بينه وبين الحكومة الشرعية. ففي إطار الفوضى التي تعيشها تلك المناطق بفعل الكيانات الخارجة عن سلطة الدولة، عمدت قيادات عسكرية وسِياسية تابعة للمجلس الانتقالي إلى جباية الضرائب وتحصيل بعضها دون سندات قانونية، واستحداث الكثير من الإتاوات والرسوم، مع الاستمرار في ممارسة التحريض ضد الحكومات الشرعية المتعاقبة بحجة الفساد والفشل في تقديم الخدمات العامة، وعلى رأسها توفير الكهرباء، وتحت هذه العناوين خاض معارك مع القوات الشرعية، وتمكن مِن إخراجها مِن عدن، في أغسطس 2019م.

وبعد توقيع “اتِفاق الرياض بين الحكومة الشرعية و”الانتقالي”، في 5 نوفمبر 2019م، ودمج الأخير في بنية الحكومة، استمر “الانتقالي” في إعاقة أعمال الحكومة، وأعلن ما أسماه الإدارة الذاتية للجنوب في 26 أبريل 2020م، وسيطر على ميناء ومطار عدن والبنك المركزي، وصادر الأموال مِن النِقاط الجمركية، وفتح حساب جديد خاصٍ به لتوريد عائدات الجمارك والضرائب وغيرها إليها[3].

وعقب تشكيل “مجلس القيادة الرِئاسي”، كان موضوع توحيد الإيرادات، وإيصالها إلى الحساب الحكومي في البنك المركزي أحد الأولويات التي يجب أن يتعامل معها. وبهذا الصدد شكل مجلس القيادة لجنة عليا للإيرادات، برئاسة عضو المجلس ورئيس “المجلس الانتقالي”، عيدروس الزبيدي، وفوضها بشكل كامل للتعامل مع ملفِ الإيرادات، وإبداء المقترحات لتحصيل الإيرادات المحلِية والمركزية وتنمية تحصيلها، والرفع بأسماء أيِ قيادات مدنية أو عسكرية تعرقِل ذلك لاتِخاذ الإجراءات المناسبة بحقِهم[4]. وعلى الأرجح فإن مجلس القيادة اختار “الزبيدي” لرئاسة اللجنة لأن معظم من يقوم بجباية الموارد هم مِن القيادات العسكرية والسِياسية التابعة لـ”الانتقالي”، وأن رئاسته للجنة قد تجنِب مجلس القيادة التصادم معهم. وقد قررت اللجنة في اجتماعها الأول، برئاسة “الزبيدي”، وربما الوحيد، والذي عقِد بتاريخ 19 سبتمبر 2022م، تكليف وزارة المالية بإصدار مذكِرات إلى الجهات المعنية لإلزامها بتحصيل الإيرادات، وتوريدها إلى البنك المركزي في عدن، وإعداد كشف بالمخالفين لاتِخاذ الإجراءات القانونية[5].

ولتعزيز مواردها، اتجهت الحكومة الشرعية إلى التوسع في إنتاج وتصدير النفط، بعد أن كانت قد عاودت إنتاجه وتصديره منذ أغسطس 2016م، مِن حقول المسيلة بمحافظة حضرموت، حيث تم تصديره عبر ميناء الشِحر ومحطة رودوم- نشيمة؛ لكن الإنتاج ظل متوقِفًا في حقول النفط في محافظة شبوة، وحقول “صافر” في محافظة مأرب، بسبب وقوع خطِ الأنابيب الذي ينقل النفط إلى ميناء الحديدة على ساحل البحر الأحمر في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وتوقف العمل في تصدير الغاز المسال مِن حقول “صافر” عبر ميناء بلحاف بمحافظة شبوة، نتيجة عدم توفر الحماية الأمنية، وتحول الميناء إلى ثكنة عسكرية للقوات الإماراتية، التي رفضت الانسحاب مِنه.

وبالفعل ارتفعت عائدات اليمن مِن صادرات النفط الخام عام 2021م، حيث بلغت (1.418) مليار دولار، مقارنة مع (710.5) مليون دولار في العام السابق له، بزيادة (707) ملايين دولار أي 99.4%. بحسب تقرير صادر عن البنك المركزي اليمني، ويرجع ذلك إلى زيادة حصة الحكومة اليمنية مِن إجمالي قيمة الصادرات النفطية إلى 75.1% في 2021م، صعودًا مِن 60.3% في 2020م، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية في النِصف الثاني مِن العام الماضي[6].

تحول في موازين القوة الاقتصادية:

بخلاف الزِيادة في إنتاج وتصدير النفط التي تحققت عام 2021 وثلثي عام 2022م، جرت تطورات سالبة أثرت على الوضع المالي للحكومة الشرعية، فقد تراجع مستوى الدعم المقدم لها مِن قبل دولتي “التحالف”، وأصبح الدعم المقدم أكثر تقنينًا ومشروطية. وفي ذات الوقت، استمرت نفقات الحكومة الشرعية في أعلى مستوياتها مع غياب أي جهود حقيقية للحد من الفساد، والوصول إلى موارد متاحة جديدة وتحسين إدارتها، بما في ذلك تشغيل بعض الموانئ والمطارات.. وغيرها، إما بسبب عدم قدرتها، أو بسبب الفساد والفوضى اللذان تعاني مِنها. وقد يكون بفعل موقف دولتي “التحالف”، اللتين -ربما- ترغبان في إبقاء الحكومة الشرعية تحت ضغط الحاجة لتكون أكثر استجابة لسياساتهما. وأكثر مِن ذلك تعرضت الحكومة الشرعية لضربة اقتصادية موجعة فقد تمكن الحوثيون مِن منعها مِن تصدير النفط في أواخر شهر أكتوبر، وتفاقمت مشاكلها بشكل أكبر بعد انتهاء المنحة النفطية السعودية لدعم توليد الطاقة الكهربائية، واضطرارها لصرف الملايين مِن الدولارات يوميًا لتشغيل المحطات الكهربائية في مناطق سيطرتها، واستمرار إعاقة “الانتقالي” -بشكل أو بآخر- لقدرتها على جمع الموارد وإدارتها.

تراجع دعم “التحالف”:

خلافًا للسنوات الأولى للحرب، تراجع الدعم الذي تقدمه دولتا “التحالف” للسلطة الشرعية، ولم يكن ذلك مقتصرًا على الجانب المالي، وإنما تعداه إلى الجوانب السياسية والعسكرية، في ظلِ حرصهما على تجنب التصعيد تجاه جماعة الحوثي، ومِن مظاهر تراجع الدعم الاقتصادي:

1- التباطء الشديد في التجاوب مع التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة اليمنية، اذ لم تتجاوب الرِياض وأبوظبي مع المطالبات المتكررة بالتدخل لدعم الاقتصاد اليمني إلا بعد مضي عشرة أشهر، وفضلًا عن ذلك لم يودعا في البنك المركزي بعدن سوى مليار وثلاثمائة مليون دولار (مليار أودعته السعودية، و300 مليون أودعته الإمارات) [7]،[8]، وهذا خلافاً لالتزامهما بتقديم “دعم عاجل” للاقتصاد اليمني، قيمته (3) مليار دولار، غداة تشكيل مجلس القيادة[9].

2- أصبحت الحكومة تغطِي المبالغ الخاصة بتوفر المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل الطاقة الكهربائية، مِن الموارد التي تتحصل عليها، بعد أن انتهت في شهر مارس الماضي المنحة الثانية مِن المشتقات النفطية التي تقدِمها السعودية لدعم توليد الكهرباء، والتي لم يتم تجديدها، وقد تحول هذا الأمر -بحسب محافظ البنك المركزي- إلى “ثقب أسود يلتهم كل الموارد”. فتوفير المشتقات النفطية لتشغيل الطاقة الكهربائية يكلِف الحكومة بحسب بيان لها (55) مليون دولار شهريًا. وقد أنفقت الحكومة منذ مارس الماضي وحتى منتصف يونيو الحالي (150) مليون دولار[10]، وهو مبلغ كبير يلتهم معظم الإيرادات التي يتم تحصيلها بعد توقف تصدير النفط. وكان إجمالي ما قدمته الرياض مِن منح لدعم المشتقات النفطية قد بلغ (610) مليون دولار، وكان له دور كبير في التخفيف على الموازنة العامة للحكومة الشرعية.

ضربة موجعة:

تمكن الحوثيون -أواخر شهر أكتوبر الماضي (2022م)- مِن منع السلطة الشرعية مِن تصدير النفط، بعد تهديدهم للسفن الناقلة له، – وإن كانت السرديات التي تم تقديمها في إيقاف التصدير متناقضة وغير مقنعة- إلا أنه في كل الأحوال تم حرمان السلطة الشرعية مِن المصدر الرئيس للموارد؛ فقد فقدت الحكومة منذ ذلك التاريخ وحتى منتصف يونيو الحالي مصدرا رئيسا للعملة الصعبة بلغ قرابة مليار دولار[11]. وأكثر مِن ذلك، فقد أتاحت السياسات المتراخية لدولتي “التحالف” للحوثيين تبني عدد مِن التدابير التي أضرت كثيرًا بالوضع المالي للحكومة الشرعية. فالسماح للسفن التجارية بالوصول إلى ميناء الحديدة، دون تفتيش، خلافًا لما كان عليه الأمر في السابق؛ حرم الحكومة الشرعية مِن (700) مليار ريال مِن الضرائب والجمارك خلال الأشهر الأخيرة[12]، ورفد خزينة الحوثيين بذات المبلغ، وربما أكثر. وهذه السِياسات مكنت جماعة الحوثي مِن ممارسة الضغوط على التجار لتفريغ بضائعهم عبر ميناء الحديدة وليس عدن؛ مع العلم بأن الاستيراد عبر ميناء الحديدة ينطوي على امتيازات إضافية للتجار لجهة قرب ميناء الحديدة مِن العاصمة صنعاء، والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وللفارق الكبير في سعر البيان الجمركي، فقد اتخذت الحكومة الشرعية قرارا برفع قيمة الدولار الجمركي للسلع المستوردة -باستثناء السلع الأساسية- إلى (750) ريال للدولار الواحد بدلا عن (500) ريال[13]، فيما أبقاه الحوثيون عند سعر 250 ريال. ويتوقع حال استمرت سياسات “التحالف” على هذا النحو أن يقوم عدد كبير مِن التجار بنقل خطِ استيراد بضائعهم عن طريق ميناء الحديدة، بالرغم مِن توعد الحكومة الشرعية باتِخاذ إجراءات عقابية نحوهم.

ويرتبط بفتح ميناء الحديدة أمام مختلف السلع، السماح للحوثيين باستيراد الغاز المنزلي مِن الخارج، وهو ما وفر لهم بديلًا يجنون مِن ورائه مبالغ كبيرة، ومكنهم مِن منع نقل غاز مأرب إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، في سلوك متعمد مِنهم لحرمان الحكومة الشرعية مِن مئات الملايين مِن الرِيالات.

إعاقة “الانتقالي”:

تشير تقارير إلى استمرار شخصيات نافذة تنتمي إلى “الانتقالي” في فرض سطوتها على عدد مِن الأوعية الإيرادية في عدن وعدد آخر من المناطق، وفوق هذا فإن الانتقالي مستمر في إعاقة الحكومة، ويمارس الابتزاز نحوها بالرغم أنه مشارك فيها، فعلى سبيل المثال تبنى في الأسابيع الأخيرة حملة ضد الحكومة، مستغلًا الغضب الشعبي مِن تردِي خدمة الكهرباء، في فصل الصيف، مع ارتفاع درجة الحرارة. وفي اعتداء واضح على الموارد الاقتصادية قرر محافظ عدن التابع لـ”الانتقالي”، أحمد لملس، منع توريد الإيرادات إلى البنك المركزي. وأيدت الجمعية الوطنية التابعة لـ”الانتقالي” قرارات “لملس”، ودعت إلى تشكيل إدارة ذاتية لقيادة محافظات جنوب البلاد، وقيادة جنوبية للبنك المركزي اليمني في عدن، وفي كل الأحوال فإن منازعة الانتقالي للحكومة غالبا ما تنعكس سلبا على أداء الحكومة والمؤشرات الاقتصادية بما فيها أسعار صرف العملة وما يتبعها من تضخم.

التداعيات والمخاطر:

لا شك في أن هذه الجولة مِن الصِراع، التي تتركز حول الموارد، سيكون لها تداعيات عالية الخطورة، لا سيما أنها تتم في بلد أنهكته ثمان سنوات مِن الحرب، ويعاني أصلًا مِن محدودية الموارد، وكثافة سكانية عالية. ومِن التداعيات المحتملة لهذه الحرب الاقتصادية التالي:

1- اتِساع دائرة البؤس والحرمان:

الجانب الأكثر قساوة في هذه الحرب أن رحاها تدور حول معيشة المواطنين، ومصادر دخلهم، ومستوى ما يحصلون عليه من خدمات، فمن المتوقع أن يستمر الحوثيون في رفضهم عدم تسليم المرتبات لغالبية الموظفين في مناطق حكمهم، مع تراجع فرص الحصول على مصادر دخل إضافية، وشحة في العملة الوطنية، وارتفاع في الأسعار، وبنفس الوقت فإن تراجع الموارد قد يجعل الحكومة الشرعية عاجزة عن الانتظام في دفع المرتبات؛ وقد تضطر إلى تغطيت ذلك مِن مصادر تضخمية وهو ما سيؤدِي إلى انهيار كبير في قيمة الريال، وارتفاع فاحش في الأسعار، وكل ذلك سيوسع على نحو كبير من حالة المعاناة والبؤس.

ومِن المتوقع كذلك أن تستمر الصعوبات التي تعترض تقديم الحكومة للخدمات العامة، وخاصة الكهرباء، ومعه تستمر معاناة الناس في عدن وبقية المدن الساحلية، خاصة في شهور الصيف القائضة.

2- إمكانية استنزاف الاحتياطات النقدية والودائع:

فاستمرار الأوضاع على ما هي عليه، قد يجبر الحكومة الشرعية على استخدام الاحتياطيات والأرصدة السائلة مِن العملات التي يمتلكها البنك المركزي في البنوك العالمية كسويسرا، وسبائك ذهب في الفيدرالي الأمريكي، كما ألمح إلى ذلك محافظ البنك المركزي، وهو وضع ينطوي على مخاطرة كبيرة، فالمساس بها واستنزافها أمر شديد الخطورة ويلحق الضرر بشكل بالغ بحقِ الأجيال القادمة.

3- العجز عن تأمين استيراد السلع الاستراتيجية:

فإذا استمرت الأوضاع كما هي قد يعجز النبك المركزي عن تأمين العملة الصعبة لاستيراد السِلع الضرورية، كالقمح والدقيق، والأرز وحليب الأطفال والزيوت، والتي تبلغ فاتورة استيرادها (3.23) مليار دولار[14]، يوجه ثلثها تقريبا (أي ما يزيد على المليار دولار) لتأمين استيراد القمح، وكانت فاتورة استيراد القمح في ارتفاع مستمر، فقد ارتفعت من (700) مليون دولار عام 2019، إلى (858) مليون دولار عام 2020، وصولاً إلى (مليار) دولار عام 2021م[15] وفي حال عجز البنك المركزي عن تأمين استيراد هذه السلع الاستراتيجية فإن اليمن قد تشهد مخاطر مجاعة، وقد تزلق إلى فوضى شاملة، وبالفعل فإن البنك المركزي في عدن كان قد عجز عن توفير النقد الأجنبي للتجار لتأمين رسوم استيراد البضائع والمستلزمات الضرورية، وظهر ذلك جليًا مِن خلال تصريح البنك عن تأجيل موعد مزاد بيع العملة الأجنبية الأسبوعي.

4- اختلال توازن غير مفض إلى استقرار أو سلام:

لقد أدت التطورات السابقة إلى اختلال التوازن مِن الناحية الاقتصادية لصالح جماعة الحوثي- على الأقل من الناحية العلنية – لكن هذا الاختلال في الغالب لن يخفِف مِن معاناة المواطنين، بمن فيهم القاطنين في مناطق سيطرة الجماعة، فالحوثيين يحيِدون الموارد التي يحصلون عليها مِن أن تصل إلى المواطنين في شكل مرتبات وغيره. فبرغم الموارد الكبيرة التي بين أيديهم فإنهم يرفضون تسليم المرتبات وغيرها، كما أن هذا الاختلال لن يفضي إلى سلام نظرًا للرفض الشعبي الواسع لسلطة جماعة الحوثي، وما تقوم عليه مِن أفكار وممارسات.

توصيات لصناع السياسات:

مع أن هامش التحرك يبدو محدودا أمام السلطة الشرعية إلا أن بالإمكان القيام بالكثير من الأمور، ومنها:

1– الضغط لعقد لقاء يجمع مجلس القيادة بولي العهد السعودي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والدفع للخروج بتشكيل حكومة مصغرة: تتولى إدارة الملف الاقتصادي، ومنحها الصلاحيات والاختصاصات والظروف التي تمكنها من الوصول الى كل الموارد المتاحة وحسن استغلالها.

2– ترشيد الانفاق وجعل كلفة الحكم وأعباء النزوح في اضيق الحدود: إذا يقع على السلطة الشرعية تقليل الرواتب والمخصصات والمكافآت المحددة لرئيس وأعضاء مجلس القيادة، ورئيس وأعضاء الحكومة ونواب ووكلاء الوزراء ورؤساء المصالح والهيئات وغيرهم، وجعلها في أضيق الحدود الممكنة، ونفس الأمر فيما يتعلق بمرتبات الإعاشة الشهرية التي تقدمها الحكومة لعدد من المسئولين النازحين خارج اليمن حيث يتقاضى الكثير منهم رواتب مبالغ فيها وبالعملة الصعبة ولا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

3- إشراك الأطراف الدولية في مواجهة التحديات الاقتصادية، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية.

4- تنشيط المؤسسات الرقابية، وفي مقدمتها هيئة رئاسة مجلس النواب، ولجانه، أو عدد منها على الأقل، ومجلس الشورى، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتفعيل دورها الرقابي.

المصادر

[1] المصدر اونلاين، قرار بنقل البنك المركزي إلى عدن وتعيين محافظاً جديداً له وإعادة تشكيل مجلس ادارته، متوفر على الرابط https://almasdaronline.com/article/84644

[2]  وزارة التخطيط والتعاون الدولي، قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية، نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، العدد (14)، متوفر على الرابط التالي: https://shortest.link/6aML

[3]  د. ناصر محمد علي الطويل، تحولات القضية الجنوبية بعد التدخل العسكري لدول التحالف العربي، المؤسسة العربية للدراسات الإستراتيجية، إسطنبول- تركيا، 2022م: ص184. [4]

لجنة عليا للإيرادات برئاسة الزبيدي.. معركة مفتوحة ضد مافيا الحرب، موقع نيوز يمن، في: 16/8/2022م، متوفر على الرابط التالي: https://newsyemen.net/new/86780

[5]  برئاسة الزبيدي.. لجنة الموارد تبدأ ضبط منظومة الإيرادات، موقع عدن سيتي، في: 19/9/2022م، متوفر على الرابط التالي: https://www.aden-city.net/news/10356

[6]  تقرير حكومي: ارتفاع عائدات اليمن النفطية إلى 1.4 مليار دولار في 2021، المصدر اولاين في: 2/5/2022م، متوفر على الرابط التالي: https://almasdaronline.com/articles/251067

[7]  الإمارات تودع 300 مليون دولار في حساب المركزي اليمني، متوفر على الرابط: https://thenewkhalij.news/article/282899

[8] المملكة تودع مليار دولار وديعة في حساب البنك المركزي اليمني، وكالة الانباء السعودية، متوفر على الرابط: https://www.spa.gov.sa/w1857611

[9] السعودية والإمارات تقدمان 3 مليارات دولار دعماً عاجلاً لاقتصاد اليمن، العربية نت، متوفر على الرابط: https://cutt.us/y8nC2

[10]  مصدر حكومي يوضح بالتفصيل إنفاق الحكومة على قطاع الكهرباء ويستغرب حديث محافظ عدن، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، في: 18/6/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://www.sabanew.net/story/ar/98798

[11]  محافظ المركزي اليمني يفند الشائعات: احتياطيات البنك في الخارج “أكبر مما تتخيلوه” هي للأجيال ولا يمكن التفريط فيها، المصدر أونلاين، في: 13/6/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://almasdaronline.com/articles/275852

[12]  نفس المصدر. [13]

– اليمن.. الحكومة تدافع عن قرارها زيادة سعر الدولار الجمركي، وكالة الاناضول، على الرابط: https://cutt.us/E8ejk

[14]  الجمهورية اليمنية، وزارة الصناعة والتجارة، التقرير السنوي 2022م، ص: 39. [15] – نفس المصدر


مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى