في ظل ما يعانيه من انقسام وعجز: ما البدائل الممكنة لإصلاح أو استبدال مجلس القيادة الرئاسي

Getting your Trinity Audio player ready... |
مقدمة:
حلت الذكرى الثالثة لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل الجاري، وهي ذكرى تأتي في ظل شبه إجماع على فشل المجلس في إدارة البلاد، وعجزه عن تحقيق المهام التي جاء مِن أجلها، وبات الحديث اليوم يدور عن الحاجة إلى إصلاحه أو تغييره.
هذه الورقة تتناول الاتجاهات المطروحة والبدائل الممكنة لإصلاح مجلس القيادة الرئاسي أو تغييره، بما يُمكن السلطة الشرعية مِن تجاوز التحديات التي تواجهها والمهددات التي تعترضها.
خلفية عامة:
مثل تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، في 7 أبريل 2022م، التحول الأبرز في بنية السلطة الشرعية، حيث اتخذ رئيس الجمهورية، عبدربه منصور هادي، قرارًا أقال بموجبه نائب رئيس الجمهورية، الفريق الركن علي محسن الأحمر، وقرارًا آخر تضمن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، والإعلان عن نقل السلطة إليه. وجاء هذا التحول بتخطيط مِن دولتي “التحالف العربي”، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبرعاية كاملة مِن قبلهما، وتولى الإعلام التابع لهما التسويق له. وتم اخراج ذلك تحت مظلة مؤتمر التشاور اليمني.
وقد حدد إعلان نقل السلطة مهام مجلس القيادة بـ”إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا، وتيسير ممارسة الحكومة لاختصاصاتها بكامل صلاحياتها، واعتماد السياسات اللازمة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار مِن خلال تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة التي تتولى إنهاء الانقسام بين القوات المسلحة، وتحقيق التكامل بينها، تحت هيكل قيادة وطنية موحدة، في إطار سيادة القانون، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وتعزيز المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات وتحقيق الشراكة الواسعة”.
وبعد مضي ثلاث سنوات مِن تشكيله فشل مجلس القيادة الرئاسي في القيام بمعظم المهام والمسئوليات المناطة به؛ فقد تعثرت جهوده في دمج التشكيلات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع، وأكثر مِن ذلك استغل “المجلس الانتقالي الجنوبي” وجوده تحت مظلة مجلس القيادة ليتمدد عسكريا في محافظات شبوة وأبين وسقطرى، ويُعزز وجوده في محافظة حضرموت، مهددًا بشكل مستمر باجتياحها.
وفشل مجلس القيادة في إدارة الملف الاقتصادي، إذ عجز عن تجميع الموارد المالية، ومنع السطو عليها والعبث بها، وفقد معظم الموارد التي كانت بحوزته، خصوصًا بعد نجاح الحوثيين في منعه مِن تصدير النفط، منذ أكتوبر 2022م، ومعه انهارت وبشكل كبير قيمة الريال، وفقد ما يزيد على 60% مِنها، وتدهورت الأوضاع المعيشية بشكل مروع.
وبالتوازي مع الانهيار الاقتصادي، اتسع نطاق الفساد، وتسابق رئيس ومعظم أعضاء مجلس القيادة في الاستحواذ على المزيد مِن الموارد المالية، واتسعت الفجوة بين قيادات الدولة التي تقيم في الخارج وتحصُل على مدفوعات مالية شهرية مِن خلال ما يُعرف بـ”كشف الإعاشة”، وبين بقية أفراد الشعب.
وأكثر مِن ذلك، فقد وفرت التحولات في الأوضاع الإقليمية والسياسات الدولية فرصًا كبيرة لإمكانية إحداث تحول في الوضع العسكري مع الحوثيين، إذ تعرض “حزب الله” اللبناني لضربات موجعة مِن قبل الكيان الإسرائيلي، وتمكن الثوار السوريون مِن إسقاط نظام الأسد الموالي لطهران، والسيطرة على السلطة في سوريا، وتزعزعت قدرات إيران، وتراجع نفوذها في المنطقة، وحدث تحول إيجابي في الموقف الأمريكي تجاه الحوثيين، وبشكل أقل في مواقف الأوربيين، وترافق ذلك مع ارتفاع كبير في تطلعات الموطنين للخلاص مِن انقلاب جماعة الحوثي، ورغم هذا كله كان تعامل مجلس القيادة الرئاسي مخيبًا للآمال، فعوضًا عن استغلال الظروف لإحداث تحول في الوضع العسكري والسياسي مع الحوثيين انزلق بعض أعضاء المجلس إلى مناكفات بينية واهتمامات غير وطنية.
ولسوء حظ مجلس القيادة الرئاسي، ساهمت التطورات الخارجية في تعقيد الظروف التي يعمل فيها المجلس، إذ تراجع دعم دولتي “التحالف العربي”، واهتمامهما بالملف اليمني لحساب أزمات أخرى في المنطقة، ونفس الأمر بالنسبة للدعم الدولي، خاصة الإنساني مِنه، وأدت هجمات البحر الأحمر إلى زيادة الزخم للحوثيين، شعبيا ودوليا، وقدمتهم على أنهم طرف فاعل. كل ذلك أدى إلى مزيد مِن تهميش مجلس القيادة، وتقليص المساحة التي يتحرك فيها.
ما الذي يحدد حدوث تغيير في مجلس القيادة؟
تتأثر مسارات إصلاح أو تغيير مجلس القيادة الرئاسي بعدد مِن المحددات، في مقدمتها سياسات دولتي “التحالف العربي”، السعودية والإمارات، وإمكانية حدوث تفاهم حول الأوضاع في المحافظات الجنوبية، والمآلات التي سينتهي إليها كل مِن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق السلطة الشرعية، ومسار تطور العلاقات مع الحوثيين، وبطبيعة الحال موقف قيادات الجيش الوطني.
- سياسات دولتي “التحالف”:
يتأثر أي مسار لإصلاح مجلس القيادة الرئاسي، أو تغييره، إلى حد كبير، على سياسات دولتي “التحالف العربي”، وموقفهما تجاهه، فهما من أوجدا المجلس ووقفا خلف تشكيله، خلافًا لرغبة الكثير مِن القوى اليمنية، وهما من يوفرا له الرعاية السياسية والدعم المالي، وسيكون دورهما حاسمًا في بقائه أو إدخال تعديلات في بنيته أو سياساته أو حتى تغييره بالكلية.
وليس للرياض وأبوظبي -حتى الآن- موقف معلن مِن المطالب بإصلاح المجلس أو تغييره، لكن تراجع الدعم له يؤشر إلى أن الدولتين لن تكونا شديدتا التمسك به، خاصة إذا ما حدثت احتجاجات شعبية واسعة وأعمال فوضى نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية، إذ مِن الوراد حينها أن تدعما حدوث إصلاح فيه أو استبداله، تلافيا لحالة الغضب الشعبي. ويظل خيار التعديل في بنية المجلس حسبما يطرحه “المجلس الانتقالي” (وسيتم عرضه لاحقًا) مستبعدًا، على الأقل مِن قبل السعودية، لأنه يدعم مصالح “المجلس الانتقالي” والإمارات، ويثير مخاوف وغضب بقية القوى اليمنية.
- مدى نجاح بناء تفاهم حول أولوية استعادة صنعاء:
تمثل توجهات “المجلس الانتقالي” المعلنة تجاه القضية الجنوبية العقبة الكؤود أمام مجلس القيادة الرئاسي، فقد تسببت سياسات “الانتقالي” إلى حد كبير في شل مجلس القيادة، وحالت دون أن تتحول مدينة عدن إلى عاصمة مؤقتة لليمن، وأن تكون قاعدة انطلاق لتحقيق الأهداف التي تشكل مجلس القيادة لأجلها.
وقد بُذِلت جهود في ترتيب أولويات مجلس القيادة الرئاسي، بحيث يجري التفاهم على تأجيل النظر في القضية الجنوبية إلى أن يتم استعادة صنعاء، غير أن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، تراجع عن ذلك، وهو ما أدى إلى شل مجلس القيادة، خاصة بعد انضمام اثنين مِن أعضاء مجلس القيادة إلى المجلس الانتقالي؛ فقد أصدر “الزبيدي”، في 9 مايو 2023م، بصفته رئيسًا للمجلس الانتقالي الجنوبي، قرارًا قضى بتعيين زميليه في مجلس القيادة الرئاسي، عبدالرحمن المحرمي وفرج البحسني، نائبين له في قيادة المجلس الانتقالي، في ختام ما عُرِف باللقاء التشاوري الذي عقده المجلس الانتقالي في عدن، ووقع المشاركون في ختامه على ما سُمي بـ”الميثاق الوطني الجنوبي”.
ويُمكن القول إن تحولًا إيجابيا قد يحدث في وضع مجلس القيادة الرئاسي، وربما في أدائه، حال تم التفاهم بين جميع أعضائه على تأجيل النظر في القضية الجنوبية إلى حين إنهاء الانقلاب الحوثي ودحره مِن كل المناطق التي يسيطر عليها، وسيستمر المجلس في حالة مِن الانقسام والعجز حال استمرت سياسات ومواقف “المجلس الانتقالي” على النحو الذي هي عليه الآن.
- تطور الأوضاع الاقتصادية:
يُعد الانهيار الاقتصادي، وما يمكن أن يترتب عليه مِن تداعيات، أحد المحددات الرئيسة لمستقبل مجلس القيادة الرئاسي، وما يمكن أن يطاله مِن تعديل في بُنيته أو سياساته، أو في الأمرين معًا، فاستمرار انهيار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سيوسع مِن دائرة الغضب الشعبي، وقد يدفع لاحتجاجات واسعة، وربما لأعمال عنف، ما قد يُجبر الرياض وأبوظبي على إعادة النظر في بنية مجلس القيادة، والضغط لتغيير سياساته، وقد تمضيا في مسار استبداله بأحد البدائل التي سيتم عرضها تاليًا.
- مسار العلاقة مع الحوثيين:
يتحدد مستقبل مجلس القيادة الرئاسي باتجاهات تعامله مع الحوثيين، فاستمرار تعامله الضعيف معهم سيُعزز حالة الفشل، وسيُسهم -إلى حد كبير- في تقويض أسس شرعيته، والبحث عن بدائل له؛ وبخلاف ذلك، فإن تبنيه لعمل عسكري ضدهم سيُخفف مِن مستوى الإحباط تجاهه، ويدفع لالتفاف شعبي واسع حوله.
- موقف الجيش الوطني:
برغم الكثير مِن القيود التي تحيط بها، فإن قيادات الجيش الوطني تمتلك العديد مِن الخيارات في حال استمر فشل مجلس القيادة، وقد تفرضها التطورات بديلا عمليا عنه، خاصة في حال انزلقت البلاد إلى الفوضى، أو رغبت السعودية في تجاوز شلل المجلس وانقسامه، واتجهت إلى بديل لديه القدرة على خوض عمل عسكري ناجح ضد الحوثيين.
اتجاهات التغيير المحتملة في مجلس القيادة:
الاتجاه الأول: الإصلاح والترشيد:
ويقتضي ذلك الحفاظ على تركيبة المجلس الحالية، مع التركيز على رؤية موحدة تضبط عمل المجلس تتضمن التوافق حول أولوية إنهاء انقلاب الحوثي، وتأجيل ما سواها مِن قضايا، وهذا يقتضي أن يضبط “المجلس الانتقالي”، وبقية المكونات التابعة لمجلس القيادة، سلوكهم وفق هذه الرؤية، وأن ينعكس ذلك على سياسات مجلس القيادة، بما في ذلك استكمال توحيد التشكيلات العسكرية والأمنية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، واتخاذ سياسات واضحة وحازمة لاستعادة الدولة، سلمًا أو حربًا، كما نص عليه قرار نقل السلطة إلى مجلس القيادة.
الاتجاه الثاني: إعادة النظر في بُنية المجلس:
يقوم هذا الخيار على تقليص عدد أعضاء مجلس القيادة إلى ثلاثة أفراد، رئيس وعضوين، أحدهما مِن المحافظات الشمالية والآخر مِن المحافظات الجنوبية، ويقف “المجلس الانتقالي” خلف هذا المقترح، ويُقدمه تحت غطاء إصلاح مجلس القيادة، فيما هدفه الحقيقي هو التهيئة للتمكين له وتحقيق المزيد من المكاسب الداعمة لتوجهاته الانفصالية، تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي.
الاتجاه الثالث: استبدال المجلس بمكون آخر:
يتبنى هذا الاتجاه تيار شعبي يتسع يومًا بعد آخر، كما يظهر ذلك في تطبيقات التواصل الاجتماعي. وهو تيار بات يتبرم مِن أداء مجلس القيادة، إلا أنه لم يبلور تصورات واضحة حول البدائل الممكنة عن مجلس القيادة، وما هو مطروح مِن قبل هذا التيار يدور حول سحب التفويض الممنوح للمجلس مِن قبل الرئيس “هادي”، وعودة الفريق الركن علي محسن الأحمر إلى صدارة المشهد السياسي والعسكري، وتولي القيادات العسكرية الميدانية زمام القيادة، وبالإمكان التفصيل في البدائل التي ينطوي عليها هذا الاتجاه فيما يلي:
- عودة هادي ومحسن:
يطرح كثير مِن اليمنيين، في وسائل التواصل الاجتماعي، ضرورة سحب الرئيس “هادي” التفويض الذي منحه لمجلس القيادة الرئاسي. ويحن كثيرون إلى عودة نائب رئيس الجمهورية السابق، علي محسن الأحمر، صاحب الدور الفعلي في العمل العسكري ضد الحوثيين، والذي يمتلك موقفًا صارمًا وواضحًا تجاه انقلابهم، ويحظى بالاحترام والتقدير في الأوساط الاجتماعية والسياسية والعسكرية.
وعودة “هادي” لإدارة البلاد لا تمثل بديلًا عمليا ممكنًا، لضعف قدراته القيادية وكبر سنه أيضًا، لكنه يمكن أن يقوم بدور محوري في حال أريد تغيير مجلس القيادة واستبداله بمكون قيادي جديد، إذ يمكن لـ”هادي” سحب تفويضه لمجلس القيادة نظرًا لفشله في القيام بمهامه، ومنح تفويض جديد إلى مكون قيادي بديل.
- تفويض قيادة الجيش:
هذا البديل هو الأبعد حظا لكنه الأكثر واقعية، والأكثر قدرة على تحقيق التطلعات الشعبية في هذه المرحلة الحرجة مِن التاريخ اليمني؛ وهو يقوم على توفر ضغط شعبي واسع، أو رغبة سعودية في عمل عسكري يُنهي تمرد الحوثيين، أو الأمرين معًا، ما سيسمح للرئيس “هادي” بإصدار قرار يسحب بموجبه التفويض الذي منحه لمجلس القيادة، وإصدار قرار آخر ينص على تشكيل مجلس عسكري مِن قيادات عسكرية لها دور واضح في مواجهة الحوثيين وينقل السلطة إليه.
الخلاصة:
فشل مجلس القيادة الرئاسي في القيام بالمهام المناطة به حتى الآن، وترتفع الأصوات المطالبة بإصلاحه أو استبداله، وتتركز المطالب الإصلاحية على التوافق بين أعضاء المجلس والمكونات الداعمة له على صياغة رؤية وطنية موحدة تتعامل مع التحديات الماثلة، وفي مقدمتها إنهاء انقلاب الحوثيين واستعادة الدولة، وتبني سياسات محققة لذلك، وفي مقدمتها أيضًا توحيد المكونات العسكرية والأمنية. وتركز رؤية أخرى على إدخال تغيير في بنية المجلس بحيث يتشكل مِن ثلاثة أعضاء فقط، أحدهما مِن الجنوب والآخر مِن الشمال إلى جانب رئيس للمجلس، وهي أفكار تنطوي على مخاطرة كبيرة.
وتتزايد المطالب بتجاوز مرحلة مجلس القيادة مِن خلال عودة الرئيس “هادي”، وبشكل أكبر “علي محسن الأحمر”، أو مِن خلال استبدال مجلس القيادة بمجلس عسكري مِن قيادات الجيش الوطني تمتلك حضورًا على الأرض، ويكون لها القدرة على تحقيق التطلعات الشعبية، والتعامل مع التهديدات التي تعترض السلطة الشرعية واليمن عمومًا.