دوافع اتجاه الحكومة اليمنية نحو مصر وحدود الاستجابة
Getting your Trinity Audio player ready... |
الحدث:
توالت خلال الفترة الأخيرة لقاءات ومشاورات رسميَّة يمنيَّة- مصريَّة، كان آخرها لقاء رئيس مجلس الوزراء، الدَّكتور معين عبدالملك، يوم الأحد 11 أكتوبر الجاري، بنظيره المصري، في القاهرة، في ثاني زيارة يقوم بها لمصر خلال أقلِّ مِن ثلاثة أشهر. وفي العشرين مِن سبتمبر الماضي استقبل الرَّئيس المصري، عبدالفتَّاح السِّيسي، وزير الدِّفاع اليمني، الفريق محمد المقدِشي، بحضور القائد العام للقوَّات المسلَّحة وزير الدِّفاع والإنتاج الحربي بمصر، الفريق أوَّل محمد زكي. وجاءت هذه الزِّيارات في سياق تطوُّرات مهمَّة في الحرب الَّتي يخوضها الجيش الوطني التَّابع للحكومة اليمنيَّة ضدَّ مليشيا الحوثي، وتحدِّيَّات كبيرة تواجهها سلطة الرَّئيس، عبدربِّه منصور هادي. فما هي سياقات ودوافع هذا الحراك ؟ وما حدود التَّوقُّعات حولها؟
أوَّلًا: السِّياق العام للزِّيارات:
جاءت الزِّيارة الرَّسميَّة لرئيس مجلس الوزارء اليمني للقاهرة تتويجًا لزيارات أخرى قام بها مسئولون حكوميُّون رفيعو المستوى، خلال هذا العام؛ تخلَّلتها لقاءات وزيارات أخرى جانبيَّة.
(جدول يرصد أكبر ثلاث زيارات يمنيَّة لمصر خلال النَّصف الأخير مِن العام الجاري- 2021م)
القائم بالزيارة | تاريخها | الوفد المرافق | الجهة المستقبلة | ملفات الزيارة |
وزير الدَّاخليَّة اللِّواء إبراهيم حيدان. | 27 يوليو | وكيل الوزارة للموارد البشريَّة والماليَّة، ومدير عام التَّعاون الدُّولي والشُّرطة الجنائيَّة الدُّوليَّة، ومدير كلِّيَّة الشُّرطة، ومدير عام مكافحة الإرهاب والجريمة المنظَّمة، ومدير عام الشُّئون القانونيَّة وقضاء الشُّرطة. | نظيره المصري، اللِّواء محمود توفيق. | تعزيز الشَّراكة الأمنيَّة إزاء الإرهاب، والاستفادة مِن الخبرات المصريَّة في التَّدريب الأمني. |
وزير الدِّفاع اليمني الفريق محمَّد المقدشي. | 20 سبتمبر | رئيس هيئة الإسناد اللُّوجستي بوزارة الدِّفاع، ورئيس دائرة الدِّفاع والأمن برئاسة الجمهوريَّة، والملحق العسكري بالسَّفارة اليمنيَّة بالقاهرة. | الرَّئيس المصري، ونظيره المصري، الفريق أوَّل محمَّد زكي. | التَّعاون بين مصر واليمن في كافة المجالات خاصَّة على الصَّعيدين العسكري والأمني. |
رئيس الحكومة الدُّكتور معين عبدالملك. | 11 أكتوبر | وزير التَّخطيط والتَّعاون الدُّولي، ووزير الاتِّصالات وتقنيَّة المعلومات، ووزير النَّقل، ووزير النِّفط والمعادن، ووزير الصِّحَّة العامَّة والسُّكَّان، ومدير مكتب رئيس الوزراء، وأمين عام مجلس الوزراء، ورئيس الجهاز التَّنفيذي لاستيعاب تعهدات المانحين. | الرَّئيس المصري عبدالفتاح السِّيسي، ونظيره المصري مصطفى مدبولي. | العلاقة بين البلدين، وتحدِّيَّات الأمن القومي العربي، وحماية الملاحة البحريَّة، واتِّفاق الرِّياض، وجهود السَّلام في اليمن. |
الحرك السِّياسي الَّذي تقوم به الحكومة اليمنيَّة باتِّجاه القاهرة يأتي في سياق تطوُّرات متلاحقة في المشهد اليمني؛ فقد أحرزت مليشيات الحوثي، أواسط سبتمبر الماضي، تقدُّمًا ميدانيًّا كبيرًا، في مناطق ذات أهميَّة إستراتيجيَّة، بمحافظتي مأرب وشَبوة.
كما تأتي، في ظلِّ تدهور في الأوضاع الأمنيَّة والخدميَّة، بفعل حالة الاشتباك غير المعلنة بين كلٍّ مِن الرِّياض و”أبو ظبي”، والَّتي نتج عنها تعثُّر تنفيذ “اتِّفاق الرِّياض” بين الحكومة “الشَّرعيَّة” و”المجلس الانتقالي”، ما أدَّى إلى خروج الحكومة مِن عدن، وتردِّي الخدمات العامَّة، وتدهور والأحوال المعيشيَّة للمواطنين، واندلاع مظاهرات شعبيَّة واسعة، وحدوث فوضى أمنيَّة كان مِن مؤشِّراتها الاشتبكات الَّتي شهدتها مدينة عدن، في حي “كريتر”، بين مجموعات مسلَّحة تابعة لـ”المجلس الانتقالي”، أوائل شهر أكتوبر الحالي، وفي حادث التَّفجير الَّذي استهدف موكب محافظ محافظة عدن، ووزير الزِّراعة والثَّروة السَّمكيَّة.
ثانيًا: دوافع الجانب اليمني:
تتعدَّد قراءات الدَّوافع الَّتي تقف خلف حراك الحكومة اليمنيَّة تجاه القاهرة، ويمكن أن تشمل كلَّ أو بعض الأهداف والمطالب التَّالية:
التَّدخُّل لدى الحلفاء:
مِن المتوقَّع أن يكون الدَّافع وراء النَّشاط الكثيف للمسئولين اليمنيِّين نحو القاهرة هو محاولة الاستعانة بمصر للتَّدخُّل لدى كلٍّ مِن المملكة العربيَّة السُّعوديَّة والإمارات العربيَّة المتَّحدة، لبناء تفاهمات تسمح بتنفيذ الشِّقِّ الأمني والعسكري مِن “اتِّفاق الرِّياض”، وتُمكِّن مِن عودة الحكومة واستقرارها في مدينة عدن، لممارسة نشاطها بقدر مِن الحرِّيَّة؛ وهو ما قد يسهم في إيجاد معالجات للأوضاع الأمنيَّة والسِّياسيَّة والاقتصاديَّة والإنسانيَّة في المحافظات المحرَّرة، وقد يمتدُّ أثره إلى تحسُّن الأوضاع العسكريَّة في جبهات القتال مع الحوثيِّين في بقيَّة المحافظات، بما فيها محافظتي مأرب وشبوة.
وكانت الحكومة اليمنيَّة قد نقلت صورة للجهود الَّتي بذلت لتقريب وجهات النَّظر بين الحكومة و”المجلس الانتقالي”، لتنفيذ “اتِّفاق الرِّياض” المتعثِّر، ولوقف التَّوتُّر بين الطَّرفين في المحافظات الجنوبيَّة؛ وذلك أثناء زيارة رئيس الوزراء اليمني لمصر ومحادثاته الرَّسميَّة مع رئيس الوزراء المصري، خلال الفترة 19- 21 يونيو الماضي.
تعزيز الدَّعم الفنِّي العسكري والأمني:
تواجه القوَّات التَّابعة للحكومة “الشَّرعيَّة” تحدِّيَّات عديدة في مجالات التَّنظيم، والتَّدريب، والتَّخطيط القتالي، الأمر الَّذي أدَّى إلى تراجعها -في بعض الجبهات- أمام كلِّ مِن جماعة الحوثي، و”المجلس الانتقالي” الجنوبي، منذ نهاية عام 2019م.
وفي ظلِّ تراجع الدَّعم السُّعودي والإماراتي، تسعى الحكومة إلى دفع الجانب المصري للإسهام في تطوير الوحدات التَّابعة لوزارتي الدِّفاع والدَّاخليَّة، سواء داخل اليمن أو في الكُّلِّيَّات والمعاهد العسكريَّة والأمنيَّة المصريَّة.
وفي هذا الصَّدد كانت زيارة وزير الدَّاخليَّة اليمني إلى مصر؛ حيث رحَّب وزير الدَّاخليَّة المصري بتوسيع قاعدة استفادة كوادر وزارة الدَّاخليَّة اليمنيَّة مِن الإمكانات الفنيَّة والتَّدريبيَّة المتاحة بأجهزة الشَّرطة المصريَّة، وإلحاقهم بالدَّورات التَّدريبيَّة المتقدِّمة الَّتى تعقدها الوزارة فى المجالات الشُّرطيَّة المطلوبة كافة.
ولذات الدَّوافع تقريبًا، كانت زيارة وزير الدِّفاع اليمني إلى مصر؛ حيث أبدت الرِّئاسة المصريَّة في بيان لها، في ختام زيارة وزير الدِّفاع اليمني، استعداد مصر “لتعزيز التَّعاون، وتبادل الخبرات العسكريَّة والأمنيَّة”؛ وهذا الاستعداد ملموس على الأرض، مِن خلال إيفاد الحكومة اليمنيَّة، وعلى نفقتها، العشرات مِن منتسبي الجيش والشُّرطة، إلى المعاهد والكلِّيَّات والأكاديميَّات العسكريَّة المصريَّة.
التَّدخُّل العسكري:
المخاطر الجدِّيَّة الَّتي باتت تتهدَّد السُّلطة “الشَّرعيَّة”، وخاصَّة في محافظتي مأرب وشبوة، تفرض إسنادًا عسكريًّا قويًّا، وهو ما قد يدفع الحكومة اليمنيَّة لطلب مستوى أعلى مِن الإسناد العسكري المصري في حربها الدَّائرة مع الحوثيِّين. ويستند هذا الافتراض بدرجة أساسيَّة إلى ما تحمله الزِّيارة الَّتي قام بها وزير الدِّفاع اليمني إلى القاهرة مِن دلالات، إذ جاءت عقب اجتماع مجلس الدِّفاع الوطني، بتاريخ 8/7/2021م؛ وهو الاجتماع الَّذي ترأَّسه الرَّئيس عبدربِّه منصور هادي، عبر دائرة اتِّصال مغلقة، مِن مقرِّ إقامته الدَّائمة بالرِّياض. ومِن المرجَّح أنَّه استعرض في زيارته التَّحدِّيَّات الَّتي تواجه قوَّاته، واقترح سُبل تجاوزها، داخليًّا وخارجيًّا؛ وهو ما قد يجعل سقف الطَّلب اليمني يتعدَّى الدَّعم الفنِّي والاستشاري إلى إمكانيَّة ممارسة شكل مِن أشكال التَّدخُّل العسكري.
ثالثًا: التَّحدِّيَّات والدَّوافع المصريَّة:
تواجه مصر عددًا مِن التَّحدِّيَّات، على رأسها ملف “الإرهاب” المتصاعد نشاطه في محافظات سيناء، وتعقُّد أزمة سَدِّ النَّهضة مع إثيوبيا؛ وكلاهما أبرز قضايا مصر الأمنيَّة الَّتي ترتبط بالبحر الأحمر، الَّذي يقع اليمن على طرفه الجنوبي الشَّرقي، ويتحكَّم في مدخله الحكومة المعترف بها دوليًّا، بواسطة جزيرة ميون (بريم)، الواقعة على عتبىة مضيق باب المندب، وامتداد ذلك ليشمل القطاعين الجنوبي والشَّمالي مِن السَّاحل اليمني، فيما تتحكَّم جماعة الحوثي في الأجزاء الوسطى مِنه.
تحاول مصر إعادة صياغة وترتيب سياساتها واهتماماتها القوميَّة والإقليميَّة والدوليَّة، وترميم علاقتها مع الدُّول الَّتي قاطعتها، خلال السَّنوات السَّبع الماضية، ومِن ذلك الجمهوريَّة التُّركيَّة ودولة قطر، وتركيزها على عدم استعداء أيٍّ مِن دول حوض البحر الأحمر، وخليج عدن، بما في ذلك جماعة الحوثي بوصفها فاعلًا عنيفًا (غير رسمي)؛ مُتَّخذةً -في سبيل ذلك- مجموعةً مِن التَّدابير الخشنة والنَّاعمة، الَّتي تحدِّد ملامح السِّياسة العامَّة لمصر في مواجهة التَّهديدات الخارجيَّة، واستقطاب حلفاء فاعلين لتقوية موفقها في هذه المواجهة.
ثالثًا: محدِّدات الاستجابة العسكريَّة المصريَّة:
حدود الاستجابة المصريَّة سياسيًّا ستستمر في دعم الحكومة اليمنيَّة “الشَّرعيَّة” في المحافل الإقليميَّة والدُّوليَّة، ومِن المتوقَّع أن تقوم القاهرة بدور ما في التَّدخُّل لدى كلٍّ مِن الرِّياض و”أبو ظبي” للدَّفع بتنفيذ “اتِّفاق الرِّياض”، وتسهيل عودة ووجود الحكومة وممارسة أعمالها في عدن، والمساعدة في بناء قدرات وزارة الدَّاخليَّة، والَّتي يجري إعادة تأسيسها في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت في حال استمرار فشل “اتِّفاق الرِّياض”.
ولمعرفة محدِّدات استجابة النِّظام المصري يتطلَّب الوقوف على عدد مِن المحدِّدات:
خبرة مصر في التَّدخُّل باليمن:
وهي خبرة تولَّدت عن مشاركة الجيش المصري في اليمن، دعمًا للجمهوريِّين ضدَّ الملكيِّين، في الفترة بين 1962م- 1967م، والَّتي تحوَّلت إلى حرب استنزاف مؤلمة للجيش والقدرات المصريَّة، وخسرت فيها مصر المئات مِن جنودها والكثير مِن قدراتها.
هذه الخبرة كانت حاضرة أثناء تحديد موقف مصر مِن المشاركة في “عاصفة الحزم”، وعلى الأرجح أنَّ حضور هذه الخبرة، وما تركته مِن مخاوف لدى الرَّأي العام المصري، كان قويًّا في استبعاد مشاركة مصر في التَّدخُّل البرِّي المباشر، وحصر المشاركة على المجالين البحري والجوِّي. وبالرَّغم مِن أنَّ البيان الَّذي أُعلن فيه مشاركة مصر في قوَّات “التَّحالف العربي” تُرِك الباب مفتوحًا لإمكانيَّة المشاركة في الحرب البرِّيَّة، إلَّا أنَّ المزاج الشَّعبي ربَّما حال دون المشاركة في العمل العسكري البرِّي، وهذا الأمر قد يبقى حاضرًا أيضًا في المرحلة الحاليَّة، خاصَّة في ظلِّ مسار الحرب غير المشجِّع الَّذي تقوده السُّعوديَّة منذ مارس 2015م وحتَّى الآن.
- العلاقة المصريَّة الإماراتيَّة:
مِن المتوقَّع أن تتحاشى مصر اتِّخاذ أيَّ إجراء قد يصطدم مع الأهداف الإستراتيجيَّة السِّياسيَّة والأمنيَّة للإمارات في اليمن، نظرًا لدور “أبو ظبي” في دعم نظام الرَّئيس المصري، عبدالفتاح السِّيسي، واحتياج مصر لهذا الدُّور.
العلاقة المصريَّة السُّعوديَّة:
تقود السُّعوديَّة العمليَّات العسكريَّة في اليمن، وليس مِن المتوقَّع أن تُقدم مصر على إيِّ شكل مِن أشكال الدَّعم للجيش الوطني والحكومة الشَّرعيَّة إلَّا في إطار مِن التَّنسيق الكامل مع السُّعوديَّة، وفي حدود ما تقبله الرِّياض.
مخاطر تهديد الأمن القومي المصري:
تواجه مصر في المرحلة الحاليَّة مخاطر كبيرة مصدرها إصرار أثيويبا على استكمال بناء سدِّ النَّهضة، والَّذي ينطوي على تهديدات جدِّيَّة للأمن القومي المصري؛ وبناء عليه فمِن المستبعد أن تتَّجه مصر للاهتمام بقضيَّة أخرى يمكن أن تشغلها أو تستنزف قوَّتها بعيدًا عن القضيَّة المصيريَّة، والمتمثِّلة في التَّعامل مع المخاطر النَّاجمة عن سدِّ النَّهضة، إلَّا في حدود الدَّعم اللُّوجستي، لا سيَّما في حال اقترب الحوثيِّين مِن باب المندب وخليج عدن.
رابعًا: السِّيناريوهات المتوقَّعة للتَّدخُّل العسكري:
وفقًا لبيان الرِّئاسة المصريَّة، في ختام زيارة وزير الدِّفاع الفريق محمَّد المقدشي، فإنَّ مصر ثابتة على موقفها إزاء الحلَّ السِّلمي للأزمة اليمنيَّة، وبما يحقِّق لليمن استقراره، وضمان استقلاله، ووحدة أراضيه، وإنفاذ الإرادة الحُرَّة لشعبه، وإنهاء التَّدخُّلات الخارجيّة، مع استعداد مصر لتعزيز التَّعاون، وتبادل الخبرات العسكريَّة والأمنيَّة، وبناء على ذلك فإنَّ التَّدخُّل المصري قد لا يتجاوز هذه السِّيناريوهات:
السِّيناريو الأوَّل: الاستمرار على الوضع الحالي للمشاركة العسكريَّة:
يفترض هذا السِّيناريو الإبقاء على المشاركة المصريَّة في حدودها الرَّاهنة، جوًّا وبحرًا، ويدعم هذا السِّيناريو:
- أنَّ مصر لا تواجه حاليًّا أيَّ تهديد مِن قبل الجانب الحوثي، وهو امتداد لموقفها القائم منذ 2015م، وبالتَّالي فإنَّ ذلك يستدعي استمرارها على ذات الوضع.
- التَّخوُّفات المصريَّة مِن بعض القوى السِّياسيَّة اليمنيَّة، وخصوصًا التَّيَّار الإسلامي المشارك في “الشَّرعيَّة” والحكومة اليمنيَّة؛ إذ تتوافق رؤية القيادة المصريَّة مع قيادة النِّظامين في السُّعوديَّة والإمارات تجاه ما يوصف بتيار “الإسلامي السِّياسي”.
لكنَّ هذا السِّيناريو يواجه عددًا مِن نقاط الضَّعف:
- السِّيناريو لا يلبِّي تطلُّعات مصر، الرَّامية إلى توسيع نفوذها جنوبي البحر الأحمر، استجابة لما تفرضه إستراتيجيَّتها الدِّفاعيَّة، إزاء التَّهديدات الَّتي تطرحها إثيوبيا في الوقت الرَّاهن، ومستقبلًا.
- السِّيناريو يأتي في ظلِّ ولاء “الشَّرعيَّة” للسُّعوديَّة، ما يعني احتماليَّة وجود تنسيق سعودي يمني لتقليص الوجود الإماراتي في باب المندب.
السِّيناريو الثَّاني: مضاعفة المشاركة العسكريَّة الحاليَّة:
يقوم هذا السِّيناريو -وهو السِّيناريو المرجَّح- على مضاعفة مشاركة مصر في التَّحالف، ولكن في حدود معيَّنة، تشمل تطوير القوى، والوسائل، والمهمَّات، للجانبين، داخل اليمن وفي مصر، سيَّما مجالات بناء القدرات، وتبادل المعلومات، والتَّدريب والتَّخطيط القتالي، لجَسر فجوات ذلك لدى قوَّات الحكومة اليمنيَّة.
هذا السِّيناريو يرجِّحه الآتي:
- انسجامه مع تطلُّع مصر لتوسيع نفوذها جنوبي البحر الأحمر، مع كونه موافقًا لبيان الحكومة المصريَّة، الصَّادر في ختام زيارة وزير الدِّفاع والوفد المرافق له إلى مصر؛ وتَضَمُّن هذا الوفد مسئولين مَعنِيِّين بالشَّأن اللُّوجستي وقضايا الأمن القومي.
- هذا السِّيناريو تمليه تفاهمات أمنيَّة سابقة، على مستوى وزارتي الدَّاخليَّة، وجهازي الأمن القومي، والمخابرات في البلدين.
- تضاؤل تعرُّض أراضي مصر -سيَّما قاعدة بَرنِيس- للهجوم بالصَّواريخ البالستيَّة والطَّائرات غير المأهولة، وهذا يشجِّع مصر على الإقدام بعيدًا عن التَّخوُّفات الأمنيَّة.
الخلاصة:
يهدف الحراك السِّياسي على مستوى الحكومة اليمنيَّة نحو القاهرة إلى استجلاب دعم سياسي وعسكري مصريًّ -على الأرجح، في مواجهة المخاطر الأمنيَّة والسِّياسيَّة الَّتي تعترض السُّلطة “الشَّرعيَّة” في سياق التَّطوُّرات الأخيرة.
وفي ضوء المحدِّدات الَّتي تحكم الموقف المصري فإنَّ إمكانيَّة الحصول على الإسناد في الجانب السِّياسي، سواء لدى الطَّرفين الرَّئيسين في “التَّحالف العربي”، أو في المحافل الدُّوليَّة، متوقَّعة. كما أنَّه مِن المتوقَّع أيضًا تقديم بعض الدَّعم العسكري في حدود بناء القدرات واالتَّخطيط، مع استبعاد فرضيَّة التَّدخُّل البرِّي المباشر والكثيف إلَّا في حال توفَّرت الشُّروط اللَّازمة لذلك.