بناء السلام في اليمن تجارب – مؤثرات
Getting your Trinity Audio player ready... |
هذا الكتاب يقدِّم تحليلًا للوضع الرَّاهن في اليمن، مِن خلال ثلاثة محاور، هي:
– الارتباطات الخارجيَّة لقوى الصِّراع في اليمن، وتداعياتها على صنع السَّلام،
– سياقات اتِّفاقيَّات ومشاورات ومبادرات بناء السَّلام ومآلاتها،
– مستقبل السَّلام في اليمن.
فللدَّور الخارجي تأثير كبير على الدَّاخل اليمني، وفي الوقت نفسه، فإنَّ القوى الدَّاخليَّة تشكِّل سندًا للدَّور الخارجي، لأنَّ القوى الخارجيَّة مِن خلال وجودها تفرض سياقًا لا يمكن للمجتمع اليمني إصلاحه؛ فالتَّدخُّل الخارجي دائمًا يربك المشهد الدَّاخلي لأيِّ بلد مِن البلدان، واليمن ليست بمنأى عن ذلك، فقد أُربك الوضع السِّياسي اليمني بكلِّ مكوِّناته، بسبب الحرب الدَّائرة منذ سقوط العاصمة صنعاء في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م؛ حيث انفرط عقد الوحدة بين القوى السِّياسيَّة اليمنيَّة؛ ولا يمكن فصل تفاصيل القوى الدَّاخليَّة دون التَّطرُّق لتفاصيل وجود القوى الخارجيَّة.
وإذ يتميَّز اليمن بموقع إستراتيجي يربط الشَّرق بالغرب، عبر مضيق باب المندب، والَّذي يعدُّ الممرَّ الأهمَّ عالميًّا لخطوط التِّجارة والطَّاقة الدُّوليَّة البحريَّة، بات محطَّ أطماع وتدخُّلات دول الجوار والإقليم، وصراع القوى الدُّوليَّة والاستعماريَّة، بهدف السَّيطرة عليه لتأمين وحماية مصالحها الحيويَّة والإستراتيجيَّة. فالَّذي يسيطر على اليمن يتحكَّم عمليًّا بخطوط الملاحة البحريَّة للتِّجارة العالميَّة؛ وهذا العامل يدفع الدُّول الكبرى إلى التَّدخُّل تحت ضغط وتأثير مصالحها في الصِّراعات اليمنيَّة. ويمكن القول: إنَّ اليمن باتت تعاني مِن لعنة الجغرافيا، فجزء مِن تغيُّرات الحرب الدَّائرة البحثُ عن نفوذ في اليمن، لا سيَّما في إطار المتغيِّرات والصِّراعات الَّتي يشهدها الشَّرق الأوسط.
وأطراف الحرب الرَّئيسة في اليمن -في جوهرها- حركات وأحزاب شموليَّة؛ وحركات مِن هذا النَّوع خياراتها صفريَّة في الغالب، فعداؤها لبعضها البعض صفري عادة، لا يقبل التَّسويات الَّتي تقوم على الحلول الوسط، وتنعدم الثِّقة فيما بينها، ويصعب وضعها ضمن نظام تعدُّدي أو محاصَّة سياسيَّة مستقرَّة.
هناك مَن يُرجِعُ جذور الصِّراع في اليمن إلى انتفاضة ما عُرِف بـ”الرَّبيع العربي” (٢٠١١م)، بينما البعض الآخر يُرجِعُه إلى فترة بعيدة مِن حكم الأئمَّة في اليمن، ومِنهم مِن يؤصِّل له مِن حرب صيف ١٩٩٤م، حينما حاول “الحزب الاشتراكي اليمني” العودة بالبلاد عن الوحدة وإعلان الانفصال. وعلى الرَّغم مِن أنَّ حرب صيف 19٩٤م كانت قصيرة إلَّا أنَّها كانت دمويَّة، وكادت تقضي على أيِّ ذرَّة أمل في الوحدة. وقد استغلَّت السُّعوديَّة وبعض دول الخليج هذه الحرب، وحاولت دعم الانفصال، ردًّا على موقف اليمن مِن “حرب الخليج الثَّانية”؛ حينما رفضت اليمن التَّصويت في الأمم المتَّحدة على قرار التَّدخُّل الأجنبي في المنطقة، وخوض حرب ضدَّ دولة العراق. ولم تكن الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بعيدة عن ذلك، فقد حاولت التَّربُّص باليمن بسبب هذا الرَّفض؛ واستغلَّت “هجمات ١١ سبتمبر” لتجعل اليمن في خطوط المواجهة في الحرب الجديدة على “الإرهاب”.