أحداث شبوة وإعادة الاعتبار لمسار المقاومة الشعبية
Getting your Trinity Audio player ready... |
شهدت مدينة عتق، المركز الإداري لمحافظة شبوة، اشتباكات عنيفة بين الوحدات العسكرية التَّابعة لمحور عتق وقوَّات الأمن الخاصَّة مِن جهة، وما يُعرف بقوَّات حماية شبوة وقوَّات “العمالقة”، التي تواجدت في شبوة أواخر عام 2021م، مِن جهة أخرى.
وقد استمرَّت المعارك لمدَّة ثلاثة أيَّام، وعلى إثر تدخُّل طيران مسيِّر (يُرجَّح أنَّه تابع للإمارات العربية المتَّحدة) اضطرَّت القوَّات التَّابعة للأمن والجيش الوطني إلى الانسحاب إلى خارج المدينة، وهو ما يستدعي طرح عددٍ مِن الأسئلة: لماذا اندلعت تلك المعارك؟ وما الذي حدَّد مسارها؟ وما هي أهم التَّداعيات التي تركتها على المشهد اليمني، وقضاياه الرَّئيسة؟
خلفية عامة:
تقع محافظة شبوة وسط الجزء الجنوبي مِن الجمهورية اليمنية، وهي تتَّصل بمحافظتي حضرموت ومأرب مِن الشَّمال، ومحافظة حضرموت مِن الشَّرق، والبحر العربي وجزء مِن محافظة أبين مِن الجنوب، ومحافظات أبين والبيضاء ومأرب مِن الغرب، على نحو ما تظهره الخريطة التالية.
وتمتلك المحافظة موقعًا جغرافيا شديد الأهمية، وثروات نفطية، ويمُرّ بها أنبوب نقل الغاز، ويوجد بها أهمُّ منشأة اقتصادية، وهي محطَّة “بلحَاف” لتسييل وتصدير الغاز. أمَّا سياسيًّا، فقد كانت محسوبة على محور “أبين- شبوة” في إطار الاستقطاب الثُّنائي الجغرافي- السِّياسي في جنوب اليمن، في مواجهة محور الضَّالع- يافع. وتتجذَّر فيها التَّوجُّهات الوحدوية؛ ويُنظر إليها على أنَّها صمام أمان للوحدة، إذ لا يوجد بها فصائل الحراك الجنوبي -بما فيها “المجلس الانتقالي”، وإن وجد فبشكل محدود جدًّا.
وكان لهذه المحافظة دور كبير في تغيير مسار المعارك التي اندلعت عام 2019م، بين القوَّات “الشَّرعية” والتَّشكيلات العسكرية التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي” المدعومة مِن الإمارات. فقد تعرَّضت تلك التَّشكيلات لانتكاسة عسكرية في هذه المحافظة، بعد أن كانت قد تمكَّنت مِن السَّيطرة على عدن وأبين. وبناء على ذلك، عادت الكرَّة لقوَّات الجيش الوطني التي زحفت باتِّجاه أبين، وصولًا إلى أطراف مدينة عدن، قبل أن تتدخَّل الطَّائرات الإماراتية وتوجِّه ضربات موجعة لها، يومي 29 و30 أغسطس 2019م، ما اضطرَّها إلى للانسحاب إلى منطقة شقرة بمحافظة أبين.
منذ ذلك التَّاريخ، خلت محافظ شبوة مِن أيِّ قوَّات تابعة لـ”المجلس الانتقالي” الجنوبي، باستثناء سيطرة قوَّات تابعة للإمارات على كلٍّ مِن: ميناء “بلحاف” الإستراتيجي، ومعسكر العلم شمال شرق عتق (يبعد عن عتق 40كم). وقد كانت قوَّات الجيش الوطني الموجودة في منطقة شقرة بمحافظة أبين بمثابة قوَّة صدٍّ متقدِّمة عن المحافظة، تجاه التَّشكيلات العسكرية التَّابعة لـ”المجلس الانتقالي”.
نموذج في التنمية والأمن:
تمكَّنت محافظ شبوة، بقيادة محافظها، محمَّد صالح بن عديو، مِن تقديم نموذج مميَّز في التَّنمية، وتوفير الخدمات، وفي بناء القدرات الأمنية والعسكرية، وهو ما ضمن لها قدرًا كبيرًا مِن الاستقرار وحضور الدَّولة. هذا الوضع كان يثير حفيظة “المجلس الانتقالي” الجنوبي، ودولة الإمارات الدَّاعمة له، خاصَّة بعد أن مارس “بن عديو” ضغوطًا علنية على الإمارات لتسليم ميناء “بلحاف” الإستراتيجي، والسَّماح بتصدير الغاز مِنه؛ فقد اعترض على تحويل المنشأة الغازية في “بلحاف” إلى قاعدة عسكرية تقف دون تشغيلها، وهدَّد باقتحامها مِن خلال قوَّات يمنية، واستدعى الأمر تدخُّل لجنة وساطة سعودية، واضطرت الإمارات إلى طلب مهلة مِن شهرين إلى ثلاثة أشهر، لسحب قوَّاتها.
ويبدو أنَّ ذلك جعل المحافظة في دائرة الاستهداف، فقد سقطت ثلاث مديريَّات، بما فيها مديرية بيحان، بيد جماعة الحوثي، في شهر سبتمبر 2021م، حيث رفضت دول “التَّحالف العربي” تقديم الدَّعم لقوَّات الجيش الوطني في المحافظة، وتمكينها مِن تحقيق نصر يُحسب لها. وعوضًا عن ذلك، قام “التَّحالف” بسحب “ألوية العمالقة” مِن السَّاحل الغربي ومناطق أخرى، ودفع بقوَّة ضاربة مِنها إلى محافظة شبوة لتتولَّى هي تحرير تلك المديريَّات، بما يُمكِّنها مِن الحضور الدَّائم في المحافظة.
وفي ذات السِّياق، طلبت الإمارات مِن عوض بن الوزير العولقي، وهو أحد أبرز مشائخ قبيلة العوالق، القبيلة الأكبر في شبوة، العودة إلى شبوة، وكان قد قضى اثنا عشر عامًا في مدينة “أبو ظبي”، خوفًا مِن ثارات قبلية. وخلال شهري نوفمبر وديسمبر 2021م، زُجَّ بعوض بن الوزير لقيادة مظاهرات قبلية مسلَّحة، تطالب بتصحيح ما وصفوه بالاختلالات في بُنية السُّلطة المحلِّية بالمحافظة.
وفيما كان اليمنيُّون يتابعون باعتزاز تجربة المحافظة في التَّنمية والاستقرار، تعرَّض الرَّئيس، عبدربِّه منصور هادي، لضغوط كبيرة مِن قبل الإمارات لتغيير المحافظ بن”عديو”. وقد أثارت التَّسريبات حول تغييره ردود فعل غاضبة، وتشكَّل معها ما يشبه جبهة واسعة لرفض تغييره، وخرجت في عتق بتاريخ 24 ديسمبر 2021م، مظاهرة واسعة تطالب الرَّئيس “هادي” بعدم الانصياع للضُّغوط مِن دول “التَّحالف”؛ غير أنَّ “هادي” خضع في الأخير، وأصدر بتاريخ 25 ديسمبر 2021م، قرارًا عيَّن بموجبه عوض بن الوزير “العولقي” محافظًا لمحافظة شبوة.
توتُّر يعقبه اقتتال:
وصل “ابن الوزير” إلى قيادة المحافظة بأجندة إماراتية، ومِن الطَّبيعي ألَّا يكون على توافق مع المنظومة الأمنية في المحافظة، وعلى رأسها العميد عبدربِّه لكعب، والذي يحظى بقبول بين رجال القبائل والمجتمع المحلِّي.
وقبل أسابيع مِن الاقتتال شهدت محافظة شبوة توتُّرات عسكرية، بسبب إصرار المحافظ “ابن الوزير” على استقدام تشكيلات مسلَّحة مِن خارج المحافظة. وتوتَّرت الأوضاع بشكل أكبر، إثر كمين نصبته قوَّات دفاع شبوة، (وهي قوات دخلت شبوة عام 2021 وتتبع المجلس الانتقالي الجنوبي) استهدفت فيه موكب قائد القوات الخاصة “لعكب”، في 19 يوليو 2022م، لكنَّ الأخير نجا. حاول المحافظ إقالة لعكب لكن الأخير رفض الإقالة بإعتبارها غير قانونية، دعم ذلك توجيه وزير الداخلية الذي قال بأنه ليس من حق المحافظ إقالة قائد القوات الخاصة، بعد ذلك كلف المجلس الرئاسي لجنة تحقيق في الأمر غير أنه أصدر قرار بأقال “لعكب” مِن منصبه قبل رفع اللجنة المكلفة تقريرها
حينها فرضت قوَّات دفاع شبوة و”العمالقة”، حصارًا على منزل قائد القوات الخاصة، يوم الأحد، الموافق 6 أغسطس (الحالي)، وفقًا لأوامر المحافظ، ما صعَّد مِن حالة الاحتقان في مدينة عتق.
وانفجر الموقف بعد مقتل قائد قوَّات “التَّدخُّل السَّريع”، التابعة لمحو عتق في محور عتق، الرَّائد أحمد عبدربه لشقم الباراسي، على يد قوَّات دفاع شبوة، في دوَّار الثَّقافة، عند السَّاعة الثَّانية مِن فجر الثُّلاثاء، الموافق 8 أغسطس، لتشهد المدينة ثلاثة أيَّام مِن المعارك الطاحنة.
خلال اليوم الأوَّل مِن الاشتباك، لم يحقِّق أيُّ طرف تقدُّمًا ملحوظًا على الأرض، لكنَّ قوَّات الأمن الخاصَّة وقوَّات شرطة الدوريات وقوات الجيش الوطني، شنَّت هجومًا في اليوم الثَّاني، وسيطرت على معظم المعسكرات والمواقع، وأوشكت على أن تُحكِم سيطرتها على المطار، وهو آخر موقع عسكري لقوَّات “العمالقة” و”ما يسمى دفاع شبوة”، إلَّا أنَّ الأمور سارت بخلاف ذلك، فقد دفعت “ألوية العمالقة” بتعزيزات إضافية، وشنَّ الطَّيران الإماراتي المسيَّر غارات على قوَّات الجيش الوطني، اضطرَّت معه تلك القوَّات للانسحاب إلى خارج مدينة عتق.
العوامل التي أثَّرت في مسار المعركة:
هناك عدَّة عوامل ساهمت في تحديد مسار المعركة، وتمكين القوَّات المدعومة إماراتيًّا مِن السَّيطرة على مدينة عتق، ومِنها:
1- الفارق في الإمكانات:
فالقوَّات التَّابعة للجيش الوطني تمتلك إمكانات محدودة للغاية، مقارنة بالتَّشكيلات الموالية للإمارات، سواء مِن حيث القوام البشري، أو مِن حيث التَّسليح والإمكانات المادية؛ خاصَّة وأنَّه جرى تعزيزها بقوَّات إضافية مِن منطقة بيحان، ومنطقة بلحاف، كما أنَّ الفجوة بين الطَّرفين اتَّسعت على نحو كبير بعد تدخُّل الطَّيران المسيَّر، في المواجهات، باستهدافه المعسكرات التَّابعة للجيش، والإمدادات القادمة إليه. فوفقًا لمصادر إعلامية، فإنَّ الطَّائرات المقاتلة -التي يُعتقد أنَّها إماراتية- شنَّت، لنحو 4 ساعات، غارات مكثَّفة، تغيَّرت على إثرها الموازين على الأرض، واضطرَّت معه قوَّات الأمن الخاصَّة إلى الانسحاب.
2- نزع غطاء “الشَّرعية”:
يُعدُّ هذا الأمر أخطر تحوُّل في المعركة، فبالرَّغم أنَّ المحافظ المعيَّن “عوض بن الوزير العولقي” هو مَن تسبَّب في الأحداث، مِن خلال إصراره على جلب قوَّات مِن خارج المحافظة، إلَّا أنَّ رئيس مجلس القيادة الرِّئاسي، د. رشاد العليمي، انحاز إلى جانب المحافظ، وأظهر الأمر على أنَّه تمرُّد مِن قائد القوَّات الخاصَّة؛ وكان هذا واضحًا في البيان الذي أصدره، فقد صوَّر القوَّات الخاصَّة على أنَّها خارج سلطة الدَّولة: “إنَّ الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة عتق، تعطي درسًا إضافيًّا في أهميَّة الالتفاف حول سلطة الدُّولة، وحقِّها في احتكار القوَّة واتِّخاذ الوسائل كافَّة لإنفاذ إرادتها وحماية مواطنيها”، وأكَّد على “دعم رمز الدَّولة، وهيبتها، الممثَّلة بالسُّلطة المحلِّية، وقيادتها، في سبيل وقف نزيف الدَّم، وإنفاذ إرادة الدَّولة”.
نفس الموقف ظهر مِن قبل وزير الدِّفاع المعيَّن حديثًا، محسن الدَّاعري، فقد قال: “إنَّ العملية العسكرية كان لا بدَّ مِنها لمن يتمرَّد على القرارات”، في إشارة إلى قائد قوَّات الأمن الخاصَّة والقوَّات الموالية له.
هذا التَّناول مكَّن أنصار “المجلس الانتقالي” مِن سلاح خطير، وهو اتَّهام القوَّات الجيش الوطني في محافظة شبوة، بأنَّها متمرِّدة وخارجة عن القانون، وهو ما شوَّش على تلك القوَّات، وجعلها مكشوفة سياسيًّا وإعلاميًّا، أمام القوَّات التي لم تكن يومًا ما جزءًا مِن بُنية الجيش أو الأمن الوطني.
3- تدخُّل قوَّات “العمالقة” والطَّيران الإماراتي:
على نحو ما ذكرنا، فإنَّ تدخُّل “ألوية العمالقة” بإمكاناتها العسكرية الكبيرة، إلى جانب قوَّات “حماية شبوة”، والتَّدخُّل الكثيف للطَّيران المسيَّر الإماراتي، أدَّى إلى تغيير مسار الحرب، وأجبر القوَّات الخاصَّة وألوية محور عتق على الانسحاب مِن مواقعها، إلى خارج مدينة عتق، بالرَّغم مِن اقترابها مِن حسم المعركة.
4- موقف السُّعودية:
يظهر للمتابع أنَّ المملكة العربية السُّعودية منحت الضَّوء الأخضر لهذه العملية العسكرية؛ إذ يصعب أن تقع تلك الأحداث دون رضًا مِن قبل (الرِّياض)، فلو كان الأمر خلاف ذلك لتدخَّلت السُّعودية بشكل سريع لإيقاف المعارك. لكن، عوضًا عن ذلك، تعاطت مع الأمر على أنَّه صراع بين أطراف يمنية متنافسة، وأنَّ على اليمنيين حلَّ الخلافات فيما بينهم!
التَّداعيات المحتملة:
مِن الواضح أنَّ تطوُّرات الأحداث في شبوة ستترك الكثير مِن التَّداعيات على المشهد اليمني، وقضاياه الرَّئيسة، ومِنها:
1- تعديل الميزان العسكري لصالح قوى الانفصال:
فقد انتهت المعارك في شبوة إلى تحوُّل في ميزان القوَّة لصالح القوى التي تسعى نحو الانفصال، وعلى رأسها “المجلس الانتقالي” الجنوبي. فقد تمكَّنت القوَّات الدَّاعمة للانفصال مِن فرض سيطرتها على محافظة تتمتَّع بموقع جغرافي على درجة كبيرة مِن الأهمية، وتمتلك مقدَّرات اقتصادية عالية مقارنة ببقيَّة المحافظات. ومع أنَّ هذا التَّحوُّل سيكون عرضيًّا بحكم أنَّ التَّركيبة الاجتماعية والتَّوجُّه العام في المحافظة يساند الوحدة، ويناهض القوى والتَّوجُّهات الانفصالية، إلَّا أنَّ هذا لا يقلِّل مِن حقيقة أنَّ الجيش والقوى الوطنية خسرت في الأخير مناطق واسعة مِن محافظة شديدة الأهمية.
2- فتح المجال لنشر الفوضى في المحافظات الشَّرقية:
بقيت المحافظات الشَّرقية -إلى حدٍّ ما- بعيدة عن الفوضى التي ينشرها “المجلس الانتقالي” الجنوبي، والتَّشكيلات العسكرية التَّابعة له. غير أنَّ مِن المرجَّح أن تفتح التَّطوُّرات في شبوة على تلك المحافظات حالة مِن الفوضى، وربَّما الاقتتال. فقد اتَّجهت الحملات الإعلامية لـ”المجلس الانتقالي”، والإمارات، إلى الحديث عن سيئون، والمنطقة العسكرية الأولى، ومحافظة المهرة. وما لم يتم كبح جنوح تلك الأطراف، فمِن المتوقَّع أن تنقل الفوضى وعدم الاستقرار إلى تلك المحافظات. كما أنَّ محافظة مأرب لن تكون بعيدة عن تداعيات ما جرى؛ فقد كانت هي الأخرى هدفًا لحملات إعلامية غير مسبوقة تستهدف شيطنة السُّلطة المحلِّية والجيش والقوى الوطنية المناهضة للمشروع الحوثي.
3- وضع مستقبل مجلس القيادة على المحك:
بدَّدت معارك شبوة المناخ التَّوافقي الذي صاحب تشكيل مجلس القيادة الرِّئاسي، ووضعت مجلس القيادة والمرحلة التي يقودها على المحك، في ظلِّ انحياز رئيس المجلس إلى جانب المكونات العسكرية المرتبطة بمشاريع ضيقة في تلك المعارك، وحدوث انقسام داخل المجلس، وتماهي -وربَّما خضوع “العليمي” لرئيس “المجلس الانتقالي”، عيدروس الزَّبيدي؛ وفي ظلِّ خيبة الآمال مِن موقف بعض أعضاء الحكومة، وخاصَّة وزير الدِّفاع الذي تمَّ تعيينه مؤخَّرًا خلفًا للفريق، محمَّد المقدشي.
وقد انعكست تلك المواقف في ردود فعل غاضبة مِن قبل قطاع واسع مِن اليمنيِّين، وعددٍ مِن الشَّخصيَّات الوطنية، ومِنها وزير الدَّاخلية السَّابق، أحمد الميسري، ونائب رئيس مجلس النُّوَّاب، عبدالعزيز جُباري، وارتفعت معها الأصوات التي تطالب القوى الوطنية بالبحث عن خيارات أخرى، بما فيها تفعيل خيار المقاومة الشَّعبية، وتشكيل تكتُّل وطني للإنقاذ.
4- التَّمهيد لإبرام تسوية سياسية مع جماعة الحوثي:
يُرجح أن تكون أحد الدَّوافع التي تقف خلف التَّطوُّرات العسكرية في شبوة تهيئة الظُّروف لفرض تسوية سياسية مع جماعة الحوثي، تكون بمثابة تسليم البلاد لهم. وحيث أنَّه سيتعذَّر تمرير تلك الصَّفقة في ظلِّ احتفاظ حزب “الإصلاح” بقوَّته السِّياسية والشَّعبية، فلا بدَّ مِن إنهاكه أو حتَّى إقصائه، لا سيَّما وأنَّ “الإصلاح” يُعدُّ المعادل الإستراتيجي لجماعة الحوثي. وهذه الخطوة (نعني بها إنهاك الإصلاح) تأتي مكمِّلة لخطوة سابقة، تمثَّلت في إزاحة الرَّئيس “هادي”، ونائبه الفريق الرُّكن، علي محسن الأحمر، مِن المشهد السِّياسي. إذ تتصوَّر القوى الإقليمية والدُّولية المعنية باليمن صعوبة فرض تسوية سياسية بين الأطراف اليمنية والحوثيِّين في ظلِّ بقاء تلك الشَّخصيَّتين على رأس السُّلطة الشَّرعية، وقوَّة وحضور “الإصلاح”.
ولهذا، كانت أحداث شبوة منطلقًا لحملة واسعة، تستهدف شيطنة “الإصلاح”، تمهيدًا لإضعافه، وربَّما إقصائه، حتَّى تكون الطَّريق سالكة لتسوية سياسية منحازة للحوثيِّين، تفرضها القوى الإقليمية والدُّولية. لذلك، لم يكن مستغربًا أن يصرِّح المبعوث الأمريكي إلى اليمن، بعد لأحداث شبوة، وتحديدًا بتاريخ 13 أغسطس، بالقول: إنَّ “الصِّراع الآن في اليمن أصبح في منتصف الطَّريق نحو حلٍّ”، بل “أفضل مِن 50٪”، مضيفا: “لم أكن لأقول ذلك قبل ستَّة أشهر، لدينا لحظة لتغيير مسار الصِّراع، وهذا الوقت المناسب لفعله”؛ وأكثر مِن ذلك، فقد أعلن ترحيب بلاده بالتَّعاون مع روسيا والصِّين للتَّوصُّل لحلٍّ سياسي في اليمن، وقال: إنَّه بات في “منتصف الطَّريق”.
5- إعادة الاعتبار لمسار المقاومة الشَّعبية:
تشكَّلت المقاومة الشَّعبية بعد انقلاب جماعة الحوثي، وسيطرتهم على السُّلطة في صنعاء وعدد مِن المحافظات، وانحياز جزءٍ مِن الجيش (الموالي للرَّئيس “صالح”) إلى جانب الحوثيِّين، وانهيار ما تبقَّى مِن الجيش. وقد تحمَّلت المقاومة الشَّعبية مهام مواجهة الحوثيِّين عسكريًّا وشعبيًّا؛ وفي سبيل تنظيمها تشكَّل مجلس أعلى للمقاومة في محافظة تعز، والتي كانت منطلقًا للمقاومة الشَّعبية وقاعدة أساسية لها. وفي مرحلة تالية، تشكَّلت مجالس للمقاومة في صنعاء وذمار وإب، وعدد مِن المحافظات الأخرى.
ومع تشكُّل الجيش الوطني كانت وجهة نظر رموز المقاومة الشَّعبية تقوم على ضرورة بقاء المقاومة كرديف للجيش الوطني ومساند له، وبخلاف ذلك ارتفعت أصوات تقول بعدم الحاجة للمقاومة في ظلِّ وجود الجيش الوطني. وقد أثبتت الأحداث العسكرية في محافظة شبوة أنَّ بقاء وتدعيم خيار المقاومة الشَّعبية كان الخيار الأسلم، إذ تمَّ استغلال المظلَّة “الشَّرعية” لضرب وحدات الجيش والأمن الوطنية، وإقصاءهما، لحساب تشكيلات عسكرية، تمثِّل أدوات لأطراف خارجية، وتحمل أجندة معادية لمشروع اليمن الواحد، وأنَّ خيار المقاومة الشَّعبية يُمثِّل مسارًا يمتلك مساحة أوسع للحركة، ويكون مكمِّلًا للجيش الوطني في هذه المرحلة المشبعة بالتَّآمر على الجيش والمكوِّنات الوطنية.