هل يدفع التنازع حول الطاقة إلى حرب جديدة في اليمن؟

Getting your Trinity Audio player ready...

هل يدفع التنازع حول مصادر الطاقة إلى جولة جديدة من الحرب في اليمن

شنَّت جماعة الحوثي، يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر 2022م، هجمات بالطَّائرات المسيَّرة والصَّواريخ، على ميناء الضَّبَّة النَّفطي بحضرموت، أثناء رسو سفينة لشحن النَّفط الخام مِن الميناء؛ ويُعدُّ هذا هو الهجوم الثَّاني وفق بيان الحكومة اليمنية، فقد سبق وأن استهدفت الجماعة بالطَّيران المسيَّر ميناء رضوم البترولي، بهجمتين متعاقبتين، في ليلتي 18 و19 أكتوبر 2022م. وقد استثار هذا التَّصعيد ردَّ فعل مجلس الدِّفاع الوطني الذي أعلن جماعة الحوثي منظَّمة “إرهابية”، ودعا مختلف الأطراف إلى عدم التَّعامل معها؛ فهل سنشهد جولة جديدة مِن الصِّراع حول مصادر الطَّاقة؟ وما هي التَّداعيات المحتملة لهجوم جماعة الحوثي على موانئ تصدير النَّفط؟ وإلى أين تتَّجه التَّطوُّرات في اليمن والمنطقة؟

موارد محدودة مِن النَّفط:

تنتج اليمن كميَّات محدودة مِن النَّفط، لذلك فهي لا تنتمي إلى منظَّمة البلدان المصدِّرة للبترول (أوبك)، كما أنَّها تمتلك احتياطيات نفطية محدودة أيضًا، إذ لا تتجاوز الاحتياطات المؤكَّدة (4) مليار برميل (640 مليون متر مكعب)، وقد جرى استهلاك كميَّة مِنها. ووفقًا لمصادر متعدِّدة، مِن المتوقَّع ألَّا تستمر الاحتياطيات لأكثر مِن (9) سنوات، وقد أخذ الإنتاج مِن الحقول القديمة في الانخفاض،.. كما شهدت حصَّة الحكومة مِن كمِّيَّات إنتاج النَّفط الخام تراجعًا مستمِّرًا، بلغ 6.5% سنويًّا في المتوسِّط، خلال الفترة 2001م- 2014م؛ ويتوقَّع في ضوء الاحتياطي المثبت استمرار مسار التَّراجع مستقبلًا.

ومع هذا، فإنَّ الاقتصاد اليمني يعتمد بشكل كبير على تصدير النَّفط، ويُشكِّل الدَّخل مِن إنتاج النَّفط (70%) إلى (75%) مِن الإيرادات الحكومية، وحوالي (90%) مِن إجمالي الصَّادرات؛ وتعتبر عائدات النَّفط والغاز أهمَّ مصادر تدفُّق العملة الصَّعبة التي تغذِّي الاحتياطيات الخارجية مِن النَّقد الأجنبي، وتموِّل واردات السِّلع الغذائية وغير الغذائية، وتدعم استقرار سعر الصَّرف.

الـغــــــــــاز:

بدأ اليمن إنتاج وتصدير الغاز الطَّبيعي المسال في عام 2009م. وتبلغ إجمالي الطَّاقة الإنتاجية للمشروع (6.7) مليون طن متري سنويًّا، ومع هذا فإنَّ العائدات مِن تصدير الغاز ليست كبيرة، فقد مثَّلت حوالي (6.9%) و(5.1%) مِن إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدَّولة؛ ويعود ذلك إلى أنَّ جزءًا مِن العائدات تذهب لتغطية التَّكلفة الاستثمارية الكبيرة لإنشاء مشروع تسييل الغاز في ميناء “بلحاف”، والذي كلَّف قرابة (5) مليار دولار، ولتوزُّع عائدات البيع بين عدد مِن الشَّركات الاستثمارية الأجنبية المساهمة في تأسيس “الشَّركة اليمنية للغاز الطَّبيعي المسال”- (YING)، والتي تشرف على المشروع.

وكانت “الشَّركة اليمنية للغاز الطَّبيعي المسال” قد وقَّعت -عام 2005م- اتَّفاقات بيع مدَّتها 20 عامًا مع ثلاث شركات كبرى، هي: (كوجاز)، و(جي. دي. إف. سويز) و(توتال) الفرنسية، بأسعار محدَّدة سلفًا، إذ بيع سعر الغاز لـ”توتال” بـ(دولار واحد)، وللشَّركة الكورية “كوجاز” بـ(3.15) دولار، للمليون وحدة حرارية، بينما كانت الأسعار السَّائدة آنذاك تتراوح بين 11 و12 دولارًا للمليون وحدة حرارية. وقد تمكَّنت الحكومة اليمنية -عام 2014م- مِن تعديل أسعار الغاز مع الشرَّكة الكورية “كوجاز” إلى (14) دولارًا لكلِّ مليون وحدة حرارية، وهو ما رفضته شركة “توتال” الفرنسية، مع أنَّ الحكومة اليمنية خاضت معها مفاوضات متعدِّدة، قبل أن يتوقَّف تصدير الغاز عام 2015م.

تأثير الحــــــــــرب:

أدَّت العمليَّات العسكرية لدول “التَّحالف العربي”، والتي انطلقت في 26 مارس 2015م، إلى توقُّف إنتاج النَّفط والغاز. فقد أجلت الشَّركات الأجنبية العاملة في مجال الطَّاقة موظَّفيها مِن اليمن، وانخفضت كمية إنتاج النَّفط الخام وصادرات الغاز الطَّبيعي المسال بنسبة (67.8%) و(80.3%) على التَّوالي، عام 2015م، وذلك مقارنة بعام 2014م. وتوقَّفت مصفاة عدن عن تكرير النَّفط، وانخفض إنتاج مصفاة مأرب بنسبة (4.8%)، كما انخفضت كمِّيات واردات المشتقَّات النَّفطية بنسبة (65.3%)، ما أدَّى إلى شحَّة عرض الوقود في السُّوق المحلِّي. وعانت اليمن نتيجة ذلك مِن أزمة طاحنة في المشتقَّات النَّفطية والغاز المنزلي.

في أغسطس 2016م، عاودت الحكومة اليمنية إنتاج وتصدير النَّفط مِن حقول “المسيلة” بمحافظة حضرموت؛ حيث جرى تصديره عبر ميناء الشِّحر في حضرموت، ومحطَّة “رودوم” نشيمة في محافظة شبوة. غير أنَّ الإنتاج ظلَّ متوقِّفًا في حقول النَّفط في محافظة شبوة، وحقول “صافر” في محافظة مأرب، بسبب وقوع خطِّ الأنابيب الذي ينقل النَّفط إلى ميناء الحديدة على ساحل البحر الأحمر، في مناطق سيطرة جماعة الحوثي. وتوقَّف العمل في تصدير الغاز المسال مِن حقول “صافر”، عبر ميناء “بلحاف” بمحافظة شبوة، نتيجة عدم توفُّر الحماية الأمنية؛ وتحوَّل الميناء إلى ثكنة عسكرية للقوَّات الإماراتية التي رفضت الانسحاب مِنه، ودخلت في اشتباك مع محافظ شبوة السَّابق، محمد صالح بن عديو. وعلى الأرجح أنَّ إصرار محافظ شبوة السَّابق على استلام منشأة “بلحاف”، وإعادة تصدير الغاز، كان أحد أهمِّ أسباب إقالته مِن المحافظة، بعد ضغوط مارستها “أبو ظبي” على الرَّئيس المنقول صلاحيَّاته “عبدربِّه منصور هادي”.

وبحسب تقرير صادر عن البنك المركزي اليمني فقد ارتفعت عائدات اليمن مِن صادرات النَّفط الخام عام 2021م، حيث بلغت (1.418) مليار دولار، بالمقارنة مع (710.5) مليون دولار في العام السَّابق، بزيادة (707) ملايين دولار، أو (99.4%)، ويرجع ذلك إلى زيادة حصَّة الحكومة اليمنية مِن إجمالي قيمة الصَّادرات النَّفطية إلى (75.1%) في 2021م، صعودًا مِن (60.3%) في 2020م، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النَّفط في الأسواق العالمية في النِّصف الثَّاني مِن العام الماضي.

تزايد الاهتمام بملف الطَّاقة:

شهدت الفترة الأخيرة تزايد حضور مصدِّري الطَّاقة (النَّفط والغاز) في الاشتباك السِّياسي والإعلامي بين الأطراف المتصارعة في اليمن، وأسهمت عدة مِن العوامل في ذلك، ومِنها:

1- أزمة الطَّاقة العالمية: فقد شهد العالم أزمة في الطَّاقة، ارتفعت معها أسعار الوقود في جميع أنحاء العالم، بسبب إعادة تنشيط الاقتصاديات العالمية بعد رفع الإغلاق الذي فرضته معظم البلدان للحدِّ مِن تفشي وباء “كورونا”، حيث أصبحت الحاجة إلى الطَّاقة أكبر مِن ذي قبل. وارتفعت بشكل أكبر بفعل الحرب الرُّوسية الأوكرانية، إذ أدَّت الحرب والعقوبات التي فرضتها الدُّول الغربية على روسيا إلى نشوء أزمة كبيرة في مصادر الطَّاقة، ارتفعت معه أسعار البترول إلى ما يزيد عن (120) دولار للبرميل الواحد، قبل أن تعود وتستقرَّ عند حدود الـ(90) دولارًا. وتضاعفت أسعار الغاز عدَّة مرَّات، في كثير مِن الدُّول الأوربِّية. واتَّجهت القوى الدُّولية للبحث عن بدائل عن الغاز الرُّوسي، ومعه انتعش الحديث عن الغاز اليمني، وتمَّ الرَّبط بينه وبين زيارات ولقاءات بين أطراف إقليمية ودولية.

2- اتِّجاه الحكومة اليمنية لرفع إنتاج النَّفط: فقد أعلنت الحكومة، في شهر يناير 2020م، عن “خطَّة جديدة لزيادة إنتاجها النَّفطي، إلى نحو (80) ألف برميل يوميًّا، وفتح الأبواب أمام شركات التَّنقيب الأجنبية للدُّخول إلى البلاد، واستئناف نشاطها، بعد أن توقَّف خلال السَّنوات الخمس الماضية..، وأنَّ هناك شركات أمريكية أبدت استعدادها بالفعل للشُّروع في عمليَّات الحفر والتَّنقيب”، وهذا ما أثار اهتمام جماعة الحوثي، وولَّد لديها الدَّافعية لمحاولة تقاسم هذه الموارد مع “مجلس القيادة الرِّئاسي”، وتحشيد ضغط سياسي وإعلامي تحت لافتات متعدِّدة: “دفع مرتَّبات الموظَّفين”، “منع نهب الثَّروات الوطنية”، “تقاسم الموارد”.

3- النِّقاشات حول تجديد الهدنة: فمع أنَّ موضوع مرتَّبات الموظَّفين مِن الملفَّات ذات الأهمية، إلَّا أنَّه كان يحضر بقوَّة عند الحديث عن تمديد الهدنة، حيث وضع هذا الموضوع في صدارة المواضيع التي يتمُّ نقاشها، وهو ما وضع ملفَّ الطَّاقة تحت الأضواء بحجَّة أنَّه مصدر تمويل تلك المرتبات.

4-ضغوط الوسطاء الدُّوليِّين: فمعظم المقترحات المقدَّمة مِن الوسطاء الدُّوليِّين تشير إلى الحاجة لتوجيه عائدات بيع النَّفط والغاز لدفع مرتَّبات الموظَّفين، مِن خلال صيغة “تقاسم الموارد”، فقد لوحظ انتقال تركيز الوسطاء حول آلية دفع المرتَّبات مِن الآلية التي حدَّدتها اتِّفاقية “استكهولم” إلى الحديث عن صيغة “تقاسم الموارد”.

تصعيد حوثي:

مع فشل جهود تمديد الهدنة الإنسانية في بداية أكتوبر (الجاري)، أطلق الحوثيُّون -يوم السَّبت الموافق 1 أكتوبر 2022م- تهديدات باستهداف الشَّركات الأجنبية التي تستخرج النَّفط في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية الشَّرعية، ومنحوها مهلة للتَّوقُّف عن عمليَّات استخراج النَّفط؛ وتكرَّر هذا الموقف مرارًا. ولم تقتصر تلك التَّهديدات على الدَّاخل اليمني بل امتدَّت إلى دول “التَّحالف”، فقد أعلن الحوثيُّون بأنَّهم سيستهدفون شركات النَّفط العاملة في دولتي الإمارات والسُّعودية، مُعلنين منح تلك الشَّركات فرصة لترتيب وضعها والمغادرة مِن أراضيهما، وجدَّدوا -يوم الثَّلاثاء الموافق 4 أكتوبر- تهديداتهم، ودعوا المستثمرين في السُّعودية والإمارات إلى نقل استثماراتهم، ووصف المتحدِّث العسكري للجماعة الإمارات والسُّعودية بأنَّهما “محفوفتان بالمخاطر”.

لم تؤخذ تهديدات الحوثيِّين باستهداف المنشآت النَّفطية في اليمن على محمل الجد، حتَّى يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر 2022م، إذ أعلنوا تنفيذ ما وصفوها بضربة تحذيرية بسيطة، وذلك لمنع سفينة نفطية كانت “تحاول نهب النَّفط الخام”، عبر ميناء الضَّبَّة، بمحافظة حضرموت، بعد مخالفتها للقرار الصَّادر عن الجهات المختصَّة بحظر نقل وتصدير المشتقَّات النَّفطية السِّيادية اليمنية -حسب بيان لهم؛ وذكر بيان لما يسمَّى “اللَّجنة الاقتصادية”، التَّابعة لجماعة الحوثي، أنَّ “أيَّ عمليَّات تصدير للنَّفط الخام أصبحت في نطاق الحظر..، وأنَّهم “وجَّهوا ثلاث رسائل متتالية للسَّفينة (نيسيون كيا) وتجاهلتها، وأنَّ السَّفينة غادرت المياه الإقليمية اليمنية بعد العملية التَّحذيرية”. 

مِن جهته، أكَّد بيان للحكومة اليمنية وقوع هجمات مِن قبل جماعة الحوثي، يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر 2022م، على ميناء الضَّبَّة النَّفطي بحضرموت، أثناء رسو سفينة لشحن النَّفط؛ وسبق ذلك أن استهدفت بطيران مسيَّر ميناء رضُوم البترولي بهجمتين متعاقبتين، في ليلتي 18 و19 مِن الشَّهر ذاته. وأعلنت زارة النَّفط والمعادن في الحكومة الشَّرعية عدم حدوث أي أضرار مادية أو بشرية جرَّاء الهجمات الحوثية، مؤكِّدة استمرار عمل كافَّة شركات النَّفط، وأنَّ هناك تواصلًا مع الشَّركات النَّاقلة لتأمين عملية تصدير النَّفط الخام، ومع بقيَّة مؤسَّسات الدَّولة لاتِّخاذ كافة التَّدابير اللَّازمة لتأمين عملية التَّصدير.

وعقد مجلس الدِّفاع الوطني اجتماعًا طارئًا، بحضور رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرِّئاسي، ورؤساء السَّلطات التَّشريعية والتَّنفيذية والاستشارية، ومحافظي محافظات حضرموت وشبوة، ودعا المجلس المجتمع الدُّولي إلى تحمُّل مسئوليَّاته، وحذَّر مِن أنَّ هذا التَّصعيد الإرهابي مِن شأنه إعفاء الحكومة اليمنية مِن كافَّة الالتزامات التي تنصَّلت عنها مليشيَّا جماعة الحوثي، بما فيها اتِّفاق “استكهولم”، وعناصر الهدنة الإنسانية المنهارة، والتَّسهيلات الخدمية الأخرى.

وأصدر المجلس القرار رقم (1) لسنة 2022م، بتصنيف ما وصفها “ميليشيات الحوثي الانقلابية” منظَّمة “إرهابية”، ووجَّه الجهات ذات العلاقة باستكمال الإجراءات اللَّازمة لتنفيذ القرار، وحذَّر الكيانات والأفراد الذين يقدِّمون الدَّعم والمساعدة، أو التَّسهيلات، أو أيَّ شكل مِن أشكال التَّعاون والتَّعامل مع هذه الجماعة “الإرهابية”، بأنَّه سيتم اتِّخاذ إجراءات وعقوبات صارمة تجاههم.

جاء ردُّ جماعة الحوثي على لسان وزير الإعلام، في حكومتها غير المعترف بها دوليًّا، بأنَّهم سيستهدفون أيَّ سفينه تدخل الموانئ اليمنية لنقل النَّفط.

وبهذا التَّصعيد عادت أجواء الحرب مِن جديد، ممَّا يستدعي رسم السِّيناريوهات المحتملة لتطوُّرات الأوضاع في اليمن في ظلِّ التَّصعيد المتبادل بين الحكومة وجماعة الحوثي.

السِّيناريوهات:

تشير القراءة الكاملة للمشهد إلى أنَّ الأمور قد تراوح بين ثلاثة سيناريوهات محتملة، يذهب الأوَّل مِنها إلى إمكانية أن تسفر الضُّغوط المتبادلة، ومجمل الأوضاع الدَّاخلية والخارجية، عن تفاهمات تسمح بهدنة جديدة، ويذهب السيناريوهان الآخران إلى أنَّ الأمور ستتَّجه نحو التَّصعيد العسكري، لكنَّهما يختلفان في مستوى ونطاق ذلك التَّصعيد، وهنا عرض لهذه السِّيناريوهات والعوامل التي تدعم كلًّا مِنها:

السِّيناريو الأوَّل: تبادل لأورق ضغط:

ينطلق هذا السِّيناريو مِن غياب إرادة حقيقية لدى أطراف الصِّراع في تجدُّد الحرب، وأنَّ كلًّا مِنهما يستخدم الأوراق التي يملكها للضَّغط باتِّجاه تحقيق أكبر مكاسب ممكنة مِن الهدنة التي يدور الاشتباك السِّياسي حولها. وفي هذا السِّياق جاءت الهجمات التَّحذيرية التي نفَّذتها جماعة الحوثي ضدَّ سفينة نقل النَّفط في ميناء، مستغلة رغبة المجتمع الدُّولي في فرض هدنة سياسية بأيِّ كلفة، وبشكل أكبر حالة التَّوتُّر العالية بين الإدارة الأمريكية والسُّعودية، ووجود رغبة أمريكية في تأديب السُّعودية، والنَّيل مِنها. وفي المقابل لجأ “مجلس القيادة الرِّئاسي” إلى إعلان جماعة الحوثي منظمة “إرهابية”، وهي واحدة مِن الأوراق القوية التي تحاشت السُّلطة الشَّرعية استخدمها في مراحل الصِّراع السَّابقة. ويهدف مجلس القيادة الرِّئاسي إلى الضَّغط على الوسطاء الدُّوليين لمساومة جماعة الحوثي في عدم شنِّ هجمات جديدة على الموانئ، وتهديد سفن نقل النَّفط، مقابل التَّراجع عن هذا التَّصنيف؛ لا سيَّما ومجلس القيادة يدرك الأثر الكبير لهذه الورقة، فهي مِن جهة تغلق باب الحوار مع جماعة الحوثي، وتدفع الأوضاع نحو جولة جديدة مِن الحرب، وهو أمر لا يريده الحوثي، وهي مِن جهة تضع الأطراف الدُّولية في حالة حرج مع الحوثيِّين، وتدفعهم لتوجيه الكثير مِن الضَّغط على الحوثيِّين لترك تهديد الموانئ والسُّفن، والمطالب المبالغ فيها.

وهذا ما سيفتح الباب للمساومات، وقد ينتج عنه تفاهمات تتَّصل بآلية تسليم مرتَّبات الموظَّفين، وتجديد الهدنة، ربَّما بمضمون أوسع ممَّا كانت عليه في الماضي.

يدعم هذا السِّيناريو رغبة كلِّ طرف في الوصول إلى تهدئه تمكِّنه مِن ترتيب أوضاعه، والضُّغوط الدُّولية الكبيرة التي لا ترغب في اشتعال أزمة جديدة في العالم، والضُّغوط التي تتعرَّض لها السُّعودية على ضوء توتُّر علاقتها مع الولايات المتَّحدة، والإشكالات البنيوية التي يعاني مِنها مجلس القيادة الرِّئاسي، والتي اقتضت إبقاء عدد مِن أعضائه في الرِّياض.

السِّيناريو الثَّاني: تصعيد أعمال العنف:

يميل هذا السِّيناريو إلى أنَّ قراءة الحوثيِّين الخاطئة للأوضاع الدَّاخلية والإقليمية والدُّولية ستدفعهم إلى التَّصعيد، ورفض تقديم تنازلات تتَّصل بمطالبهم الخاصَّة بصرف مرتَّبات للتَّشكيلات العسكرية التَّابعة لهم، وأنَّ هذا التَّوجُّه سيتعزَّز بحالة الانتشاء أمام قواعدهم في أنَّهم منعوا السَّفينة مِن دخول الميناء وأعادوها أدراجها، وهذا ما سيجبر “مجلس القيادة السِّياسي” على مقابلة التَّصعيد بمثله؛ وخاصَّة أنَّ الصِّراع يتَّصل بمصادر الطَّاقة، وهي مورد حيوي بالنِّسبة للمجلس، فعائدات النَّفط هي المصدر الرَّئيس الذي يُمكِّن المجلس مِن تسيير الأوضاع في المناطق الواقعة تحت سيطرته، وبشكل أكبر يمكِّنه مِن دفع مرتَّبات مسئولي الدَّولة. وبالمجمل فإنَّ الأوضاع قد تدفع الطَّرفين نحو جولة جديدة مِن المواجهات، لكنَّها قد تكون أكثر عنفًا مِن الجولات السَّابقة.

يدعم تحقُّق هذا السِّيناريو: حالة الانتشاء التي يعيشها الحوثيُّون، وقراءتهم للأوضاع الدُّولية، وقد يحدث هذا الأمر بناء على ضوء أخضر أمريكي أو غربي لمعاقبة السُّعودية واستنزافها أمنيًّا. ويدعم تحقُّق هذا السِّيناريو أيضًا الضُّغوط الشَّعبية على مجلس القيادة الرِّئاسي باتِّجاه الرَّد العسكري على الاستفزازات الحوثية.

السِّيناريو الثَّالث: اتِّساع دائرة الصِّراع:

يتَّفق هذا السِّيناريو مع السِّيناريو الذي قبله في كثير مِن الحيثيَّات، غير أنَّه يميل إلى أنَّ التَّصعيد سيكون أكبر، فنطاق الاشتباك سيتجاوز اليمن إلى السُّعودية، وربَّما الإمارات، في ضوء التَّهديدات التي أطلقها الحوثيُّون، والتي أشرنا إليها في السَّابق، خاصَّة بعد فشل جهود التَّهدئة بين الحوثيِّين والسُّعودية عبر تبادل زيارات الوفود. وعندئذ مِن المتوقَّع أن ينخرط في الاشتباكات جماعات شيعية عراقية، وأخرى مِن المنطقة، وقد نشهد تورُّطًا إيرانيًّا بشكل مباشر أو مِن خلال أدواته بالمنطقة.

 


مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى