المفاوضات السعودية مع جماعة الحوثي بين إنهاء الحرب وتعقيد الصراع

Getting your Trinity Audio player ready...

مقدمة:

شهد شهر أبريل الحالي (2023م) تطوُّرًا دراماتيكيًّا في مسار الصراع الذي تشهده اليمن منذ عام 2015م، فقد قام وفد سعودي، يقوده سفير الرياض لدى الحكومة اليمنية، محمد آل جابر، بزيارة إلى صنعاء، بمعية وفد عُماني، وأجرى خلال الزيارة مباحثات مع قيادة جماعة الحوثي، استمرَّت ستة أيام (8 وحتى 13 أبريل). وعلى الأرجح فإنَّ الزيارة كانت تستهدف وضع اللَّمسات الأخيرة على تصوُّر لتسوية شاملة للحرب في اليمن، كان قد جرى التفاوض بشأنه بين الطرفين، في العاصمة العُمانية (مسقط). ويبدو أنَّه كان مِن المخطط أن يتم دعوة وفد مِن قيادات جماعة الحوثي لزيارة المملكة العربية السعودية، والتوقيع على مشروع التسوية، في الأيام الأخيرة لشهر رمضان الفائت، بمكة المكرمة، إلَّا أنَّه طرأت أمور أربكت المخطَّط السابق، واقتضت عقد جولة -وربَّما جولات جديدة- مِن المفاوضات، بعد عيد الفطر المبارك.
وفي حين يُعلِّق الكثير مِن المتابعين آمالهم على تلك المفاوضات في أن ترسم مسارًا لتسوية سياسية تنهي الحرب في اليمن، غير أنَّ فحص طبيعة المفاوضات والأطراف التي تشارك فيها، والتداعيات التي يمكن أن تنبني عليها، يُظهِر محدودية العوائد الإيجابية المتوقَّعة مِنها، وبخلاف ذلك فإنَّها إذا ما وصلت إلى منتهاها قد تسهم في إضافة المزيد مِن التعقيد للصراع في اليمن، بل قد تتسبَّب -إلى جانب عوامل أخرى بطبيعة الحال- في تجميده، وتطويله أيضًا.
هذه الورقة تتناول المسار الذي مرت بها المفاوضات بين السعودية وجماعة الحوثي، والدوافع التي اقتضتها، لا سيما مِن الجانب السعودي، والتداعيات التي يمكن أن تتركها على مسار الحرب والسلام في اليمن.

هندسة مبكرة:

تشي القراءة الفاحصة أنَّ زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء كانت نتاج تخطيط مبكِّر، وأنَّ السعودية -والتي تعدُّ المتحكِّم الرئيس في الصِّراع باليمن- قد هندست الأحداث -منذ وقت مبكِّر- بما يؤدي إلى الوصول لهذه اللحظة الفارقة؛ ففي الوقت الذي كانت منشآتها الحيوية تتعرَّض لضربات مِن قبل جماعة الحوثي، قدَّمت السعودية -في مارس 2022م- مبادرة سياسية، تضمَّنت وقف إطلاق النار تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن لم يتجاوب الحوثيون معها، ورغم ذلك مضت قدمًا في هذا المضمار.
كان التحوُّل الأكبر باتِّجاه هذا المسار التغيير الذي أشرفت عليه الرياض في بُنية السُّلطة الشرعية، مِن خلال إزاحة الرَّجلين الأكثر صلابة في مواجهة جماعة الحوثي في السُّلطة الشرعية، ونعني بهما: رئيس الجمهورية “عبدربه منصور هادي”، ونائبه الفريق علي محسن الأحمر، واستبدالهما بمجلس قيادة رئاسي، مِن ثمانية أشخاص، بقيادة د. رشاد العليمي، وذلك في السَّابع مِن أبريل 2023م. وقد تضمَّن الإعلان الرِّئاسي لنقل السُّلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي مادَّة تنصُّ على أن “يتولَّى مجلس القيادة الرئاسي التَّفاوض مع (أنصار الله) الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافَّة أنحاء الجمهورية، والجلوس على طاولة المفاوضات، للتَّوصُّل إلى حلٍّ سياسي نهائي وشامل، يتضمَّن مرحلة انتقالية، تنقل اليمن مِن حالة الحرب إلى حالة السَّلام”[1]، وعلى أن “تنتهي ولاية مجلس القيادة الرئاسي، وفقًا للحلِّ السياسي الشامل، وإقرار السلام الكامل في كافَّة أنحاء الجمهورية، والذي يتضمَّن تحديد المرحلة الانتقالية ومتطلَّباتها،…” [2].
وبالتَّزامن مع ما أطلق عليه “المشاورات اليمنية- اليمنية”، التي كانت بمثابة مظلَّة سياسية لتشكيل “مجلس القيادة الرئاسي”، جرى التفاهم مع جماعة الحوثي على تنفيذ هدنة إنسانية، لمدَّة شهرين، قابلة للتجديد، دخلت حيِّز التنفيذ في مستهل شهر أبريل 2022م، وجرى تمديدها مرَّتين أخريين. وبالرَّغم مِن رفض جماعة الحوثي تجديدها، مطالبين بالاستجابة لمطالب وصفت مِن قبل الوسطاء الدوليين بأنَّها غير واقعية، تمَّ الالتزام بها مِن قبل دولتي “التَّحالف العربي”، السُّعودية والإمارات، و”مجلس القيادة الرئاسي”. وخلال هذه المرحلة جرى تكبيل يد هذا الأخير (مجلس القيادة الرئاسي) في مواجهة سلوك جماعة الحوثي؛ فخلال الفترة 18- 21 أكتوبر 2022م، شنَّت جماعة الحوثي هجومًا على موانئ تصدير النَّفط، في محافظتي شبوة وحضرموت، شرقي اليمن، وتمكَّنت -بتواطئ ربَّما مِن قبل دولتي “التحالف”- مِن منع تصدير النَّفط. ومع هذا، ظلَّ المجلس عاجزًا عن مواجهة تلك الهجمات، وأقصى ما قام به هو إعلانه جماعة الحوثي “جماعة إرهابية”، والطَّلب مِن الأطراف الخارجية عدم التَّعامل معها، مِن دون أن يكون لهذا القرار أثر فعلي على أرض الواقع. [3]

مفاوضات سعودية حوثية:

خلال ذات الفترة، تواترت الأخبار عن مفاوضات سرِّية بين السعودية وجماعة الحوثي، بوساطة عُمانية. وفي الشَّهرين الأخيرين رشحت أخبار عن أنَّهما قطعا شوطًا كبيرًا في التَّفاهمات، حول الكثير مِن القضايا. وقد تزامن ذلك مع مفاوضات متقطِّعة أجرتها السعودية مع إيران، خلال عامي 2021م و2022م، واستضافتها كلٌّ مِن جمهورية العراق وسلطنة عُمان؛ ومؤخَّرًا توجت بمباحثات غير معلنة جرت في العاصمة الصِّينية “بكِّين”، أفضت بالتوقيع على اتِّفاق لعودة العلاقات بين الدَّولتين، بتاريخ 10 مارس 2023م، برعاية صينية.
وفرَّ الاتفاق قوَّة دفع كبيرة للمفاوضات بين السعودية وجماعة الحوثي، وكانت السُّلطات السعودية قد هيئت مجلس القيادة الرئاسي الذي بدا معزولًا تمامًا عن تلك المفاوضات، وفي حال انتظار لنتائجها، مِن خلال لقاء جمع وزير الدفاع السعودي برئيس وأعضاء المجلس، لوضع المجلس أمام بعض ما يجري مِن مفاوضات، وأنَّ الحوثيين وافقوا على تمديد الهدنة في البلاد، وأنَّ الهدنة ستكون موسَّعة، ولمدَّة مبدئية تمتدُّ إلى (6) أشهر، وتشمل عدَّة بنود، بينها إعادة تصدير النَّفط، وصرف رواتب الموظَّفين في أرجاء اليمن، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، إضافة إلى فتح مطار صنعاء الدُّولي لوجهات دولية أخرى. [4]
وتتابعت الخطوات السعودية في هذا المسار، ففي خطوة فارقة، أُعلِن عن زيارة وفد سعودي برئاسة السفير السعودي في اليمن إلى صنعاء، برفقة وفد عُماني، وفي اليوم التالي للزيارة تمَّ نشر صور لاجتماع السفير السعودي مع قيادات حوثية، واشتراكهم في مائدة إفطار رمضانية، وكانت هذه الصورة صادمة لأنصار الشرعية، على خلاف الحوثيين. وفيما كانت أجواء المفاوضات إيجابية، بحسب تغريدات لقيادات حوثية، وفُهِم أنَّ هدف الزِّيارة وضع اللَّمسات الأخيرة على ما كان تمَّ التفاهم عليه في عُمان، وأيضًا للتهيئة لزيارة وفد مِن جماعة الحوثي إلى السعودية للتَّوقيع على الاتِّفاق.
أثناء الزيارة، نشر السفير السعودي تغريدات أشار فيها إلى أنَّ زيارته لصنعاء تعدُّ “استمرارًا لجهود المملكة لإنهاء الأزمة اليمنية، ودعمًا للمبادرة التي قدَّمتها في ٢٠٢١م”، وأضاف: “أزور صنعاء.. بهدف تثبيت الهدنة، ووقف إطلاق النار، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية، للوصول إلى حلٍّ سياسي شامل ومستدام في اليمن” [5]؛ وسرعان ما بدَّدت تلك التغريدات الأجواء التفاؤلية التي كانت حاضرة في بداية الزيارة، فقد استدعت إطلاق تعليقات وتغريدات لقيادات حوثية رفضت اعتبار السعودية “وسيطًا”، وعادت إلى خطاب التهديد والتلويح بالصواريخ والطائرات المسيَّرة. ويبدو أنَّ تغريدات تلك القيادات شحنت أجواء المفاوضات، وأحدثت انقسامًا وتشنُّجًا داخل جماعة الحوثي؛ إذ انخرطت قيادات وأجنحة حوثية في مزايدات متبادلة حول طبيعة دور السعودية، وهو ما تسبَّب في تأجيل التَّوقيع على التصوُّر الشامل للتسوية.
بعد ستَّة أيَّام مِن المفاوضات المغلقة بصنعاء، والتي استبعدت مِنها قيادة حزب “المؤتمر الشَّعبي العام”، والقيادات الحوثية مِن خارج محافظة صعدة [6]، عاد الوفد السعودي إلى بلاده. وقالت جماعة الحوثي: إنَّها “أنهت جولة مِن المشاورات مع الوفد السعودي، بحضور الوساطة العُمانية في العاصمة صنعاء، سادتها أجواء إيجابية وجدِّية”، وأنَّها خاضت “مشاورات صعبة ومكثَّفة جدًّا، ناقشت قضايا شائكة ومتشابكة في الملفِّ الإنساني والعسكري والسياسي”، وأشارت إلى إحراز تقدُّم في “بعض الملفَّات”، وأنَّ الطَّرفين اتَّفقا على “الاستمرار في أجواء التهدئة القائمة، المنسحبة مع الهدنة، وإبقاء التواصل قائمًا”. ولفت ناطق جماعة الحوثي إلى أنَّ “ملفَّات أخرى لم تُستكمل”، وأنَّ “الوفد السعودي المفاوض غادر صنعاء لمزيد مِن المشاورات”. [7]
مِن جهتها، قالت الخارجية السعودية، في بيان لها [8]: إنَّ نقاشات أجراها وفد المملكة، برئاسة السَّفير، الأسبوع الفائت، مع جماعة الحوثي، في صنعاء، اتَّسمت بالشَّفافية، وجرت “وسط أجواء تفاؤلية وإيجابية”، وأنَّ تلك النقاشات تأتي “امتدادًا للمبادرة السعودية التي أُعلِنت في مارس 2021م، وللأجواء الإيجابية التي وفَّرتها الهدنة الإنسانية في اليمن التي أعلنتها الأمم المتحدة في تاريخ 2 أبريل 2022م”. وأوضحت أنَّ الفريق السعودي عقد مجموعة مِن اللَّقاءات في صنعاء، شهدت نقاشات مُتعمِّقة في العديد مِن الموضوعات ذات الصِّلة بالوضع الإنساني، وإطلاق جميع الأسرى، ووقف إطلاق النَّار، والحلَّ السياسي الشامل في اليمن.
وكان مِن اللَّافت خلو بيان الخارجية السعودية مِن أيِّ إشارة إلى طبيعة الدَّور السعودي، وهل لا زال وسيطًا كما أشار السفير “آل جابر” إلى ذلك، أم أنَّ الأمر قد تغيَّر استجابة لضغوط الحوثيين؟!

لماذا قد تسهم المفاوضات في خلق وضع هش؟:

لقد عزَّزت رؤية السفير السعودي في صنعاء الأمل لدى المهتمين والمراقبين للشأن اليمني في أنَّ نهاية الحرب في اليمن باتت قريبة، لا سيَّما في ظلِّ قوَّة الدفع التي وفَّرها الاتفاق السعودي الإيراني الأخير؛ ومع هذا فإنَّ فحص المفاوضات وأطرافها وقضاياها لا يوحي بذلك، وإنَّما بالعكس تمامًا، إذ مِن المتوقع أن يجرَّ اليمن إلى مرحلة هشَّة يعقبها جولة جديدة مِن الصراع، للأسباب التالية:

مكافأة غير مستحقَّة للنهج الحوثي المتصلِّب:

مثَّلث زيار الوفد السعودي لصنعاء مكافأة غير مستحقَّة وكرمًا زائدًا لنهج الحوثيين المتصلِّب في المفاوضات، وهي في المجمل ستصوِّرهم على أنَّهم انتصروا في الحرب، وهذا وضع قد يدفعهم إلى التَّمسُّك بمتلازمة العمل العسكري ورفع سقف المطالب، وهو أمر سيقود إلى جولات جديدة مِن العنف، وليس السلام. وقد حذَّر تقرير صدر عن مجموعة الأزمات الدُّولية، بتاريخ 29 ديسمبر 2022م، مِن هذا النهج، وأشار إلى أنَّ “اتِّفاقًا سعوديًّا حوثيًا.. إذا صيغ بشكل سيِّء، أي إذا كان أكثر كرمًا ممَّا ينبغي مع الحوثيين..، فإنَّ مِن شأنه أن يزيد مِن جرأة الحوثيين على التَّهرُّب مِن المفاوضات، ودفع الأطراف الأخرى إلى تعطيله، أو يؤدِّي إلى مرحلة أكثر فوضوية مِن القتال”.[9]

اقتسام السعوديين والحوثيين مكاسب التفاوض:

يرجَّح أن تركِّز المفاوضات ونتائجها حول مصالح واحتياجات الطَّرفين المشاركين فيها (السعوديين والحوثيين)، فالرياض تسعى لتحييد تأثير الصراع في اليمن على منشآتها الحيوية، وحدودها، ومناخ الاستثمار لديها، وتحقيق ما تتطلَّبه رؤية 2030م، والنفوذ الاقتصادي المتصاعد لها في المنطقة والعالم؛ والحوثيون يركِّزون على تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة، مِن خلال تقاسم موارد النَّفط والغاز مع مجلس القيادة، وحلِّ المعضلة التي تؤرِّقهم (ونعني بها دفع مرتَّبات الموظَّفين الحكوميين)، وفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء، والأهم مِن ذلك منحهم الشرعية والقبول الدُّولي، وفي المقابل زيادة تهميش وعزل خصومهم السياسيين والعسكريين؛ في حين أنَّ المفاوضات لا تُعطي شيئًا ذا بال لمجلس القيادة الرئاسي والأطراف التي تقف خلفه، وبالتالي لا توفِّر لهم حوافز للانخراط في عملية التسوية، أو الاستمرار فيها.

تعميق اللَّاتوازن:

يعدُّ التوازن السياسي والعسكري مِن الأمور التي توفِّر ظروفًا داعمة لتسوية حقيقية وعادلة، ومِن شأن نتائج المفاوضات أن تُعمِّق عدم التوازن بين الطرفين، فالأوضاع الاقتصادية الحالية وإن كانت ذات آثار إنسانية مؤلمة بالنسبة لعموم المواطنين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي إلَّا أنَّها مِن ضمن العوامل الرئيسة التي تجلب الحوثيين إلى طاولة الحوار والمفاوضات، ولا شكَّ أنَّ تحقيق مطالب الحوثيين في دفع المرتبات ستنعكس إيجابًا على أوضاع النَّاس، إلَّا أنَّها ستضعف حاجة الحوثيين للانخراط في مفاوضات ندِّية وحقيقية توفِّر ظروفًا أفضل لتسوية سياسية مستدامة. وفي حين أنَّ انسحاب السعودية والإمارات مِن المشاركة العسكرية سيخفِّف مِن تعقيد الصراع في اليمن، لكنَّه سيحدث تغييرًا في توازن القوَّة يُغري الحوثيين بالعمل العسكري، ويأخذهم بعيدًا عن مفاوضات حقيقة يمكن أن تنتج تسوية دائمة.

غياب نهج تكاملي في المفاوضات:

لقد تمَّ إقصاء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية عن المفاوضات التي تجريها السعودية مع جماعة الحوثي، منذ وقت مبكِّر. وصحيح أنَّ دورًا ما سيسند إليهما في وقت لاحق، لكنه سيكون بعد أن تتَّفق السعودية مع جماعة الحوثي في أغلب القضايا. هذا الأمر سينتج -دون شكٍّ- وضعًا هشًّا، فأيُّ تسوية حقيقية تقتضي أن تكون نتاج مفاوضات يمنية- يمنية، وأن تشارك فيها الأطراف الرئيسة التي تمتلك ثقلًا على الأرض. ومِن متطلَّبات نجاح المفاوضات إشراك الأطراف الدولية، وفي مقدِّمتها المبعوث الدولي، لأنَّ إشراك هذه الأطراف مِن شأنه أن يجنِّبها الوقوع في فخِّ “الأبعاد الأمنية”، وأن يضمن “عملية سياسية شاملة، بقيادة يمنية، يمكن مِن خلالها فقط تحقيق تسوية قابلة للاستمرار ومستقبل يتوطَّد فيه السلام الدَّائم والتنمية” [10]

تعبئة كتلة شعبية كبيرة ضدَّ التسوية:

لقد أوجدت الصُّور المتداولة، والتي تجمع السفير السعودي بقيادات حوثية، سخطًا واسعًا تجاه السعودية، مِن قبل كتلة كبيرة مِن اليمنيين الرافضين لمشروع جماعة الحوثي، لكنَّها كذلك خلقت كتلة أكبر مناهضة لأيِّ تسوية سياسية لا تتعاطى مع مخاوفها. وعدا عن ذلك أظهرت الصُّور جماعة الحوثي كطرف منتصر، ما يمكِّنهم مِن تقديم خطاب متعال ومستفز. وأوضاع مثل هذه تجعل أيَّ تسوية سياسية بدون حاضنة شعبية؛ كما أنَّها قد توفِّر بيئة أكثر استدامة لعنف منفلت وغير منظَّم، خاصَّة في حال انسحاب السعودية والإمارات مِن العمل العسكري، وحال الضَّعف الذي بدا عليها مجلس القيادة الرئاسي.

يمننة الصراع:

أقصى ما يمكن أن ينتج عن المفاوضات السعودية الحوثية، في حال وصولها إلى منتهاها، هو انحسار الصراع عن بعده الإقليمي وتركُّزه في إطاره المحلِّي، وهو ما يمكن أن نطلق عليه “يمننة الصِّراع”؛ فعوامل الصراع الداخلية لا زالت قائمة، ويستبعد أن يُحدِث فيها الاتِّفاقُ تحوُّلًا جوهريًّا، بل إنَّ العوامل النفسية للصراع قد تتزايد في ظلِّ شعور الأطراف المناوئة للحوثيين بالغبن مِن جهة، ووقوع الحوثيين بشكل أكبر تحت إغواء إمكانية تحقيق نصر عسكري يكسر خصومهم، مِن جهة أخرى.

الخلاصة:

لكلِّ ذلك وغيره، فإنَّه إذا ما استمرَّت المفاوضات القائمة بين السعودية وجماعة الحوثي على ما هي عليه ستنتج تسوية تُلبِّي احتياجات السعودية والحوثيين بدرجة أساسية، وفي المقابل فإنَّها لن تلبِّي مطالب ومخاوف السلطة الشرعية وقطاع واسع مِن الشعب اليمني؛ كما أنَّها ستمثِّل محفِّزًا عاليًا للحوثيين للتمسُّك بنهجهم في رفع سقف مطالبهم، وهو ما سينقل اليمن إلى مرحلة هشَّة، تكون فرص التسوية معها في حدِّها الأدنى، فيما تكون فرص الجمود أو تجدُّد الاقتتال أكبر، وفي حال تجدُّد القتال فإنَّه قد يكون أقلَّ انضباطًا بفعل غياب الضبط التي كانت تقوم به دولتي التحالف، وبفعل بحث اليمنيين عن أيِّ بدائل يمكن التَّوسُّل بها لمواجهة تمرُّد جماعة الحوثي وعدوانها على اليمنيين. كما أنَّها ستوفِّر مكافأة للحوثيين على نهجهم القائم على الابتزاز، وجني المكاسب، سعيًّا مِنهم لانتزاع مشروعية خارجية، وتقاسم المركز القانوني مع مجلس القيادة الرئاسي، واستدرار المزيد مِن الأموال (مرَّتبات وتعويضات.. وغيرها)، والتي يمكن أن تستخدم لجولات أخرى جديدة مِن العنف، في ظلِّ إدراكهم لرغبة السعودية الشديدة في الخروج مِن مستنقع الحرب في اليمن، بأيِّ ثمن، وتحوِّلها مِن طرف مشارك إلى وسيط.

المصادر

[
1]  انظر: صدور إعلان رئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، في: 7/4/2022م، متوفر على الرابط التالي: https://www.sabanew.net/story/ar/85336

[2]

نفس المصدر. [3]

انظر: هل يدفع التنازع حول مصادر الطاقة إلى جولة جديدة من الحرب في اليمن؟، مركز المخا للدراسات الإستراتيجية، في: 4/11/2022م، متوفر على الرابط التالي: https://mokhacenter.org/l.html?l=a,0,3,c,1,2,2,4207

[4]  انظر: اليمن.. اتفاق مرتقب لتمديد الهدنة 6 أشهر بين الحكومة والحوثيين، الجزيرة نت، في: 6/4/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://shortest.link/nwbN

[5]-أل جابر: زبارتي لصنعاء لتثيبت الهدنة والتوصل لحل شامل ومستدام، وكالة الاناضول، على الرابط: https://shortest.link/qseg

[6] – لماذا كان جميع من استقبلوا السفير السعودي في صنعاء من صعدة؟، عدن الغد، على الرابط: https://shortest.link/qsmR

[7] – الحوثيون: مفاوضات صنعاء مع الوفد السعودي اتسمت بالجدية والايجابية، الشروق، على الرابط: https://shortest.link/qsjC

[8]  انظر: الخارجية السعودية: نقاشات صنعاء مع الحوثيين امتداد لمبادرة المملكة 2021م وجرت في أجواء إيجابية، المصدر أونلاين، في: 15/4/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://almasdaronline.com/articles/272687

[9]  انظر: كيف يمكن للمفاوضات الحوثية- السعودية أن تنقذ اليمن أو تغرقه؟، إحاطة حول الشرق الأوسط، رقم (89)، مجموعة الأزمات الدولية، في: 29/12/2022م، متوفر على الرابط التالي: https://shortest.link/nwgt

[10]  انظر: وصف محادثات صنعاء بالأمر المشجع.. جروندبيرج: أعمل مع الجميع لضمان أن هذه الجهود تدعم وساطة الأمم المتحدة، المصدر أونلاين، في: 11/4/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://almasdaronline.com/articles/272455



مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى