الاتجاهات المحتملة للملف اليمني في ضوء التطورات السياسية لشهر مايو

Getting your Trinity Audio player ready... |
برزت على الساحة السياسية، خلال شهر مايو الماضي، مجموعة تطورات إقليمية ودولية، يترجح أن تُحدِث تحولات في مسار الملف اليمني ومستقبل الحرب الممتدة منذ عشر سنوات. فما هي المسارات المحتملة لاتجاهات التصعيد والتهدئة، في ظل سياقات زيارة الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، للخليج، وزيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي للعاصمة الروسية (موسكو)، والسياسات الدولية والإقليمية تجاه كل مِن: المفاوضات مع إيران، وتهدئة الحرب في غزة؟
زيارة ترامب للخليج.. قراءة في السياق والدلالات والانعكاسات:
جاءت زيارة الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، إلى منطقة الخليج، في سياق إقليمي ودولي متوتر بالصراعات التي تراوح ما بين التصعيد والتهدئة، وفي ظل سياسات إدارته المعتمدة على نهج المزج بين استخدام القوة القصوى واحتواء التفاوض، ورفع سقف التهديد لتحقيق الشروط، وتطويع معركة التنافس الاقتصادي عبر التلويح بأدوات القوة العسكرية.
جاءت الزيارة مع استئناف مسار المفاوضات الأمريكية الإيرانية على الملف النووي، حيث كانت قد توقفت الجولة الرابعة؛ وقبيل زيارة “ترامب” إلى الخليج تم الإعلان عن استئناف الجولة الخامسة؛ ورغم أن جميع الجولات السابقة لم تتعد بحث الإطار العام للتفاوض، بل حتى الآن لم تبت في وضع مسألة تخصيب اليورانيوم ضمن أجندات التفاوض، رغم أنها النقطة المركزية للخلاف مع إيران. إلا أن اختيار التوقيت لاستئناف الجولة الخامسة بالتزامن مع زيارة “ترامب” إلى السعودية لا يخلو مِن دلالات توظيفها في الضغط على عدة أطراف إقليمية.
“ورغم التوقُّف التامِّ لهجمات الحوثيين على خطوط الملاحة الدولية إلَّا أنَّها مستمرَّة في إعلان تبنِّي هجمات بشكل متكرِّر على هدف متكرِّر في الأراضي المحتلَّة، هو مطار “بن غوريون”، وبالمقابل تستمرُّ إسرائيل في تنفيذ هجمات جوِّية طالت موانئ يمنية عدَّة”
قبيل تنفيذ الزيارة بعدة أيام، أعلنت الولايات المتحدة وسلطنة عُمان عن التوصل إلى اتفاق مع جماعة الحوثي، يقضي بإيقاف هجماتها على السفن الأمريكية، وإيقاف الغارات الجوية ضدها، بمعزل عن وقف هجمات الجماعة على أهداف إسرائيلية. ورغم التوقف التام لهجمات الحوثيين على خطوط الملاحة الدولية إلا أنها مستمرة في إعلان تبني هجمات بشكل متكرر على هدف متكرر في الأراضي المحتلة، هو مطار “بن غوريون”، وبالمقابل تستمر إسرائيل في تنفيذ هجمات جوية طالت موانئ يمنية عدة، الحديدة ورأس عيسى والصليف، بالإضافة إلى استهداف مطار صنعاء الدولي. ومنذ إعلان وقف الهجمات المتبادلة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي، نفذت قوات الكيان الصهيوني ثلاث هجمات على اليمن، كان آخرها ضد مطار صنعاء، في 28 مايو الماضي، والذي أسفر عن تدمير الطائرة الرابعة مِن بين الطائرات التي اختطفتها جماعة الحوثي في وقت سابق، وجرى تدميرها بشكل كامل.
مِن جهة أخرى، ترافقت زيارة “ترامب” مع ظهور ملامح توتر طرأ على العلاقة بين الرئيس “ترامب” ورئيس وزراء الكيان الصهيوني، “بنيامين نتنياهو”، فيما بدا أنه خلاف تكتيكي، سواء لترك مساحة للجانب الإسرائيلي فيما يتعلق بملف استهداف جماعة الحوثي، أو لاستهداف إيران بضربة محتملة، لكن في المجمل برزت التباينات بين الطرفين للعلن عبر عدة مواقف وتصريحات إعلامية. وفيما يبدو أن جوهر الخلاف يكمن حول سياسات التهدئة الأمريكية المعلنة تجاه إيران والانخراط في مفاوضات الملف النووي، وعدم تبني “ترامب” تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران في الوقت الحالي، على خلاف السياسات الإسرائيلية التي ترى في الظروف الحالية فرصة قد لا تتكرر في ضرب إيران، وإضعاف نفوذها الذي تنظر إليه منافسًا للنفوذ الإسرائيلي في المنطقة في ظل المتغيرات الأخيرة.
وبخصوص أجندات الزيارة وأهدافها، فهي وإن بدت مركزة على الجانب الاقتصادي عبر توقيع عدد مِن الاتفاقيات الأولية مع كل مِن المملكة العربية السعودية ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة، والتي بلغت في مجملها على التوالي: (600) مليار دولار، و(1.2) ترليون دولار، و(1.6) ترليون دولار، وتندرج معظمها في مشاريع تطويرية. وما ميز الاتفاقات مع السعودية هو حضور الجانب العسكري، وفي المقدمة مِنه الدفاع الجوي وسلاح الطيران والقوات البحرية، بمبلغ (142) مليار دولار، مِن قبل (12) شركة دفاعية أمريكية. ولم تصل التفاهمات إلى مستوى اتفاقية الشراكة الأمنية والدفاع المشترك، لكنها تعد متقدمة في مسار الدفاع والحماية الأمنية.
وهناك من يرى أن ثمة أهدافًا أكبر حملتها زيارة الرئيس الأمريكي للخليج؛ فعلى المستوى السياسي يشير اختيار “ترامب” للسعودية كأول وجهة لزياراته الخارجية في فترة ولايته الحالية عن اعتمادها فاعلًا رئيسًا في المنطقة وترتيب ملفاتها، أما على مستوى معادلة الاقتصاد الدولي فيرى بعض المحللين أن الزيارة هدفت إلى الحد مِن توسع وفاعلية مجموعة “البريكس”، وقطع رجل الصين في منطقة الخليج، وهو الأمر الذي كانت قد تناولته تقارير قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، وكانت دراسة أجراها بنك “إتش. إس. بي. سي.” العالمي قد أكدت على أن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030م. وعلى المستوى العسكري، فبالإضافة إلى الاتفاقات الخاصة بهذا الشأن، تشير زيارة وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، إلى الإمارات، والتقائه رئيس الدولة، الشيخ محمد بن زايد، بعد مغادرة الرئيس الأمريكي “ترامب” السعودية إلى قطر، وقبل توجهه إلى الإمارات، إلى أن ثمة ترتيبات عسكرية تجري في المنطقة.
بالإضافة إلى السياق السابق، حققت الزيارة إنجازات كبيرة في الملف السوري، أبرزها رفع العقوبات عن سوريا، وهو القرار الذي كان واضحًا فيه حرص الإدارة الأمريكية على إبراز الدور السعودي والتركي المشترك في تحقيق ذلك الإنجاز.
نتائج الزيارة وانعكاساتها على الملف اليمني:
رغم أن الملف اليمني لم يحضر بشكل مباشر على طاولة التفاهمات، إلا أنه حضر بالتبعية في النقاشات ذات الصلة بالملف الإيراني، باعتبار ملف جماعة الحوثي بالنسبة للقوى الدولية مجرد مفردة في ملف إيران، وما يتعلق به في منطقة الخليج، وبالنسبة للرئيس “ترامب” تحديدًا، هناك الكثير مِن الإشارات والرسائل التي تحدث عنها، والتي يُستدل مِن خلالها على ما يدور تحت الطاولة، بما في ذلك حضور الملف الإيراني عمومًا وملف جماعة الحوثي خصوصًا ضمن أجندات الزيارة.
رغم أنَّ الملفَّ اليمني لم يحضر بشكل مباشر على طاولة التفاهمات، إلَّا أنَّه حضر بالتبعية في النقاشات ذات الصلة بالملفِّ الإيراني، باعتبار ملفَّ جماعة الحوثي بالنسبة للقوى الدولية مجرَّد مفردة في ملفِّ إيران
ومما يشير إلى حضور الملف الإيراني على طاولة النقاشات، تصريحات “ترامب” أثناء زيارته لقطر، والتي قال فيها: “على إيران شكر أمير قطر شكرًا عظيمًا، فآخرون يودون أن نوجه ضربة قاسية لإيران، على عكس قطر”؛ وكذلك تصريحاته أثناء زيارته للإمارات، والتي أكد فيها أن: “إيران أصبحت مفلسة، ولن يكون بمقدورها تمويل أذرعها الإرهابية بعد اليوم”.
أما على مستوى حضور ملف الحرب في اليمن على طاولة النقاشات، وتداعيات استمرار الحرب على أمن السعودية، وكذا تداعيات تنفيذ أي ضربة عسكرية ضد إيران على أمن السعودية، أشار الرئيس “ترامب”، في الكلمة التي ألقاها في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، إلى أن قرار إدارة سلفه “جو بايدن” برفع ميليشيا جماعة الحوثي مِن قائمة “المنظمات الإرهابية” كان “خطوة خاطئة”، وأكد أنه لن يسمح لأحد بتهديد الولايات المتحدة أو حلفائها، وأن من يحاول الاعتداء على السعودية سيجد الولايات المتحدة في مواجهته.
وكان الرئيس “ترامب” قد أكد، قبل الزيارة، على حضور ملف التعاون الأمني والدفاع المشترك ضمن أجندات زيارته للسعودية، عبر إجابته عن سؤال لقناة “سي. إن. إن.” الأمريكية، قال فيها بشأن السعودية: “سيحتاجون دائمًا إلى الحماية، إنهم ليسوا محميين بشكل طبيعي، وأنا سأحميهم دائما”. وفي وقت متزامن مع زيارة “ترامب” للخليج، وتصريحاته ضد إيران والحوثيين، أكدت ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أثناء جلسة رسمية للمنظمة، أن الإدارة الأمريكية ملتزمة بتعطيل عمليات الحوثيين لمنع أنشطة تمويلهم، ووصول الأسلحة إليهم، ودعت المجتمع الدولي إلى دعم آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش لتكون أداة حاسمة لمنع حدوث ذلك.
الشرعية اليمنية.. التحركات والدلالات:
منذ منتصف مايو الماضي، قامت الحكومة الشرعية بعدة تحركات، على المستوى الدبلوماسي والمستوى الميداني، ويبدو أنها باتجاه تحريك ركود المعركة الوطنية، والاستعداد لاستحقاقات المرحلة المقبلة، والعمل على استثمار الموقف الدولي والإقليمي المنصب حول تأمين الملاحة، وإنهاء تهديدات جماعة الحوثي، لممرات التجارة الدولية؛ حيث أتت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، لموسكو، في ظل ما تتحدث عنه تقارير أمريكية وغربية عن تلقي جماعة الحوثي دعمًا تقنيا وأسلحة، مِن قبل شبكات تمويل تتخذ مِن روسيا مقرا لها؛ وكانت الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على تلك الشركات والأشخاص في أبريل الماضي.
حملت زيارة رئيس مجلس القيادة، وما حظيت به مِن اهتمام روسي، دلالات متعدِّدة في معادلة التوازنات الدولية. وتعدُّ الزيارة الأولى مِن نوعها منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي
على الصعيد السياسي، حملت زيارة رئيس مجلس القيادة، وما حظيت به مِن اهتمام روسي، دلالات متعددة في معادلة التوازنات الدولية. وتعد الزيارة الأولى مِن نوعها منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وتحمل دلالات عما يمكن أن يُتخذ مِن خيارات قاسية في الملف اليمني، وهو الأمر الذي يتطلب العمل على احتواء الدور الروسي، وإبقاء الموقف الدولي موحدًا في دعم الحكومة الشرعية، وتطمين الجانب الروسي على مصالحه مِن خلال بحث أوجه التعاون التجاري والاقتصادي، والتي تعدت ذلك إلى بحث أشكال التعاون العسكري، خاصة في مجال الدفاعات العسكرية، حيث أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي على ذلك بقوله: “نحتاج إلى الدفاع الجوي، وروسيا لديها مِن الأنظمة ما يمكن أن يُساعدنا”. كما أشار إلى التعقيدات ذات الصلة بالوضع القانوني للفصل السابع.
على المستوى الميداني، بدت التحركات العسكرية -خلال الأسابيع الماضية- أكثر تركيزًا على تفقد جاهزية القوات والتشكيلات العسكرية، حيث قام رئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة، الفريق صغير بن عزيز، برفقة وفد مِن قيادة وزارة الدفاع، بزيارات متعددة، شملت -بحسب الإعلام العسكري للقوات المسلحة- معظم المناطق العسكرية؛ كما عقد وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة اجتماعًا عسكريا في العاصمة المؤقتة عدن، بقيادة المنطقة العسكرية الرابعة، ومحاور تعز وأبين، وكان قبل ذلك قد تمت زيارات الوحدات العسكرية في منطقة الساحل الغربي، والمنطقة العسكرية الخامسة، ومحاور صعدة؛ وجرى خلال الأيام الماضية الإعلان عن قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي بتشكيل منطقة عسكرية ثامنة يشمل نطاقها الجغرافي محافظات: الضالع وإب والبيضاء.
مسار التهدئة وإحياء العملية السياسية:
في مسار مواز لمؤشرات التصعيد، هناك جهود أممية وإقليمية تسعى إلى التهدئة في اليمن، وإحياء العملية السياسية، عبر الحلول التفاوضية، حيث قام المبعوث الأممي مؤخرًا بجولة في المنطقة، شملت الرياض ومسقط وعمان، والتقى خلالها عددًا مِن المسئولين اليمنيين في الحكومة الشرعية في الرياض، ووفد الحوثيين في مسقط، لبحث سبل إحياء العملية السياسية في اليمن.
وفي دولة الكويت، اختتم الاجتماع الوزاري لمجلس التعاون الخليجي دورته الرابعة والستين بعد المائة، في 2 يونيو الجاري، وصدر عن الاجتماع بيان رحب باستمرار الجهود السعودية والعُمانية، والاتصالات القائمة مع كافة الأطراف اليمنية، لإحياء العملية السياسية، بما يُؤدي إلى تحقيق حل سياسي شامل ومستدام في اليمن.
وأعلنت الخارجية المصرية بأن وزير الخارجية والهجرة المصري التقى مبعوث الأمم المتحدة في عمان، في 1 يونيو، وأكد الوزير موقف مصر الداعي لضرورة استئناف مسار الحوار اليمني- اليمني للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة اليمنية تحظى بتوافق مختلف القوى اليمنية، وتحافظ على وحدة اليمن.
كما أُعلِن -نهاية شهر مايو الماضي- عن فتح طريق دمت- الضالع، الرابط بين صنعاء وعدن، وذلك عبر جهود محلية؛ ويبدو أن هذه الخطوة تمت وفق تفاهمات ثنائية بين جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي. وعقب الإعلان عن فتح الطريق عززت قوات “المجلس الانتقالي” مِن وجودها في المواقع والنقاط العسكرية في منطقة مُريس، شمال محافظة الضالع، بعد أن انسحبت مِنها القوات التابعة للحكومة الشرعية. وقد رحب المبعوث الأممي بفتح طريق دمت- الضالع، واعتبرها انفراجة تخفف معاناة الكثير مِن اليمنيين، وتحسين حركة التنقل ونقل البضائع على مستوى البلاد.
اتجاهات الملف اليمني في ظل التطورات السياسية:
السيناريو الأول: معركة برية وفق تفاهمات ودعم دولي وإقليمي:
يفترض هذا السيناريو أن تشهد الفترة القريبة القادمة اندلاع معركة عسكرية شاملة، تشارك فيها مختلف القوات والتشكيلات العسكرية، وفق خطة وقيادة موحدة، حيث ينسجم هذا السيناريو في فرضيته هذه مع اتجاهات الأحداث في المنطقة والسياسات الدولية تجاهها، فيما يتعلق بإنهاء نفوذ إيران في المنطقة وبتر أذرعها في لبنان وسوريا، كما يشير إلى هذا السيناريو تصريحات رئيس مجلس القيادة الرئاسي بأن عام 2025م هو عام الحسم.
إضافة إلى ذلك، يمتلك هذا السيناريو مرجحات موضوعية، كتراجع حالة القبول الشعبي لجماعة الحوثي، والتي برزت في عدد مِن الانتفاضات والاشتباكات المسلحة بين مليشيا الجماعة وأبناء القبائل، في كل مِن البيضاء والجوف وصنعاء وعمران وذمار وغيرها، خلال الأشهر الماضية، وذلك على خلفية قضايا إنسانية وحقوقية. بالإضافة إلى تدمير نسبة كبيرة مِن القدرات الذاتية لجماعة الحوثي جراء الاستهداف الجوي للقوات الأمريكية في حملتها الأخيرة؛ فبحسب إعلان المنطقة العسكرية المركزية الأمريكية تم تدمير 73% مِن القدرات الصاروخية للجماعة، و50% مِن الطيران المسير. بالإضافة إلى استمرار حالة التحشيد العسكري الدولي في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن وجزيرة “دييغو غارسيا” في المحيط الهندي، بطائرات الشبح “B2” وغيرها مِن القاذفات المتقدمة، ووصول حاملة الطائرات البريطانية إلى المنطقة، حيث يبدو هذا التحشيد العسكري الكبير موجهًا نحو إيران وأذرعها، خاصة إذا فشلت مفاوضات الملف النووي الإيراني. فضلًا عن التحسن الملحوظ لوحدة القوات والتشكيلات المناوئة لجماعة الحوثي، وامتلاكها في المجموع قوة ضاربة لا يمكن لجماعة الحوثي مواجهتها إذا ما تحركت في توقيت موحد مِن عدة مسارات ميدانية.
مِن التحديات التي تقف أمام تحقق هذا السيناريو، مدى قدرة الشرعية وحلفائها على توحيد الموقف الدولي لدعم هذا الخيار، سيما في ظل حالة الاستثمار السياسي المتوقعة لبعض القوى الدولية الشرقية لأحداث البحر الأحمر، التي ترى فيها فرصة لإغراق الولايات المتحدة في مستنقع استنزاف طويل الأمد، واستمرار مشاغلتها في مثل هذه البؤر الملتهبة في المنطقة، لمنع تفرغها في الجبهات المركزية بين القطبين الدوليين؛ بالإضافة إلى مدى قدرة الشرعية وحلفائها على إنضاج قرار بعض الدول العربية والإقليمية في دعم المعركة لإنهاء الحوثيين، في ظل استمرار الحرب الصهيونية في غزة، حيث تعتمد جماعة الحوثي في دعايتها السياسية على إسناد المعركة في غزة ضد الكيان الصهيوني.
ووفق هذا السيناريو، فإن مجمل التصريحات والمواقف المحلية والإقليمية والدولية في مسار السلام يمكن تفسيرها في سياق إستراتيجية الخداع والمناورة السياسية للتغطية على استعدادات الحرب.
السيناريو الثاني: المراوحة بين التصعيد والتهدئة دون إحداث تغييرات جوهرية في مسار الصراع في المرحلة الراهنة:
يفترض هذا السيناريو أن المرحلة القادمة ستظل كما هي عليه الآن، مِن حيث التصعيد المحدود والمراوحة بين التهديدات بالحرب والتصريحات بإنجاز السلام. ويدعم هذا السيناريو انتهاء الحملة الجوية الأمريكية دون توظيفها على المستوى الميداني بعمل عسكري مِن قبل الجيش الوطني والقوات والتشكيلات العسكرية اليمنية، والإشارات التي يطلقها عدد مِن الأطراف الدولية والإقليمية عن استمرار تعقيدات الملف اليمني، والاتهامات الموجهة لروسيا والصين في تقديم الدعم والمساعدة التقنية لجماعة الحوثي، بما فيها أجهزة التشويش في إسقاط طائرات أمريكية، خلال فترة الحملة الجوية ضد الحوثيين، إضافة إلى استمرار المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وسحب حاملة طائراتها “ترومان” مِن البحر الأحمر، واستمرار جولات التفاوض الأمريكي مع الفصائل الفلسطينية لإنهاء الحرب في غزة؛ عدا عن المواقف والتصريحات لعدة قوى إقليمية ودولية في مسار دعم السلام في اليمن وخفض التصعيد العسكري.
ويظل هذا السيناريو مؤقتًا، وقد يتفاعل في مرحلة لاحقة نحو عودة المعركة العسكرية بحسب تطورات الملفات الإقليمية، وفي مقدمتها ملف التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي وبرامج الصواريخ، ونفوذها في المنطقة.
ومِن تبعات هذا السيناريو استمرار استنزاف مختلف الأطراف المحلية في حالة “اللا سلم واللا حرب”، ومزيد هشاشة الاقتصاد المحلي، وتردي الخدمات خاصة في ظل توقف الصادرات النفطية للحكومة الشرعية.
السيناريو الثالث: تسوية سياسية شاملة برعاية إقليمية ودولية:
يفترض هذا السيناريو أن تضغط القوى الإقليمية والدولية على مختلف المكونات اليمنية لفرض تسوية سياسية شاملة لإنهاء الحرب، وإحياء العملية السياسية، برعاية إقليمية ودولية. ويقوم هذا الافتراض على أن القوى الخارجية المؤثرة في الملف اليمني قد توصلت إلى تأمين مصالحها في اليمن، خاصة في البحر الأحمر، مع عدم اكتراثها بتغيير الأوضاع في بنية النظام الداخلي ما دامت أي صيغة للتسوية لا تهدد مصالح الخارج.
ومِن موانع تحقق هذا السيناريو مواقف أطراف في الشرعية والقوات المسلحة رافضة لأي تسوية سياسية تشرعن جماعة الحوثي، وتتجاوز المصلحة الوطنية، وتضحيات النضال الوطني الممتدة منذ عشر سنوات، بالإضافة إلى موقف جماعة الحوثي التي أصبحت ترى نفسها فاعلًا اقليميا، وعدم قبولها بأي تسوية على أساس المرجعيات الثلاث. وإذا كانت الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي قد عجزتا عن إنجاز تسوية سياسية منذ بداية الحرب، رغم الجهود الإقليمية والدولية، فإن إنجازها اليوم أكثر صعوبة في ظل عدم إحداث تغييرات في خارطة السيطرة الميدانية، وعدم وجود متغيرات موضوعية داعمة للتسوية.
كما أن مِن معيقات تحقق هذا السيناريو أنه يُغفل حالة التغيرات التي جرت في المنطقة، والتي أضعفت نفوذ إيران ووضعتها في عزلة هي وأذرعها عن السياسات الدولية، وفاقمت حالة الهشاشة الاقتصادية والسياسية للنظام الإيراني، فضلًا عن أنه لم تتحقق بعد أهداف تأمين الملاحة الدولية، ولا زالت الهجمات والتصعيد المتبادل بين جماعة الحوثي والكيان الصهيوني قائمة.
وفي مجمل التقييم لاتجاهات الملف اليمني، خلال الفترة المقبلة، فإنه وفق المؤشرات والمعطيات السابقة، يترجح سيناريو الحرب الشاملة، وتنامي التصعيد العسكري نحو استعادة الدولة، وإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانيا، مع تعدد تقديرات السقف الزمني لاندلاع المعركة الشاملة خلال الأشهر القادمة مِن العام الجاري (2025م)، بحسب المسار الزمني للتطورات والعوامل الخارجية في أكثر مِن ملف إقليمي.