تصعيد حلف قبائل حضرموت تجاه زيارة العليمي للمكلا: الأسباب السيناريوهات

Getting your Trinity Audio player ready...

تمهيد:

تتوافر العديد مِن العوامل التي تجعل التوتر حاضرًا في محافظة حضرموت، إلا أن تزايد الحديث عن المفاوضات حول تسوية سياسية تنطوي على تقاسم عوائد النفط والغاز بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، وقرب تصدير النفط، أحدث إنعاشًا في التوتر والاحتقان في المحافظة.

وبدورها مثلت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، ومعه عضوا المجلس: عبدالله العليمي وعثمان مجلي، إلى مدينة المكلا، العاصمة الإدارية لمحافظة حضرموت، يوم السبت، 27 يوليو الماضي، عامل إثارة للاحتقان؛ فقد رفض مؤتمر حضرموت الجامع الذي يتزعمه “عمر بن حبريش العليي”، وكيل أول المحافظة، زيارة د. العليمي، ووصفها بــ”الخطيرة”، وأنها تأتي “في ظل ظروف معيشية وخدمية مزرية يعيشها المواطن الحضرمي، بسبب عدم تلقي المحافظة مكانتها التي تستحقها مِن هذه الجهات”، ودعا ابن حبريش، حلف قبائل حضرموت (والذي يترأسه أيضًا)، إلى اجتماع، عُقِد لاحقًا في 3 أغسطس الجاري، وصدر عن الاجتماع بيان طالب فيه بـ”الاعتراف بحق حضرموت، وتفعيل دور الشراكة الفاعلة والحقيقية، ممثلة في مؤتمر حضرموت الجامع، أسوة بالأطراف الأخرى المشاركة في التسوية الشاملة في البلاد”، ومحذرًا مِن “الإقدام على أي تصرف بنفط حضرموت أو تصديره أو تسويقه إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت، وضمان حقوقها، بما يرتضيه أهلها”، وأمهل الاجتماع مجلس القيادة الرئاسي والسلطة المحلية (48) ساعة، لتنفيذ مطالبهم، وإلا سيقوم بما اسماه “وضع اليد على الأرض والثروة”. وعقب انتهاء المهلة انتشر مسلحون قبليون في هضبة حضرموت والخشعة، وفرضوا نقاطًا جديدة في بعض شوارع المحافظة، في خطوة تهدف لتنفيذ التهديد بالتقدم نحو المؤسسات الحكومية.

 ومع أن زيارة “العليمي” استمرت قرابة نصف شهر إلا أنها فشلت في حلحلة الأزمة، وتنفيس الاحتقان. فما هي الأسباب التي أدت إلى تصاعد التوتر في محافظة حضرموت؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لها؟

خلفية عامة:

تقع محافظة حضرموت في الجزء الجنوبي الشرقي مِن الجمهورية اليمنية، على بعد (794) كم شرق العاصمة صنعاء، وتحدها محافظة المهرة شرقًا ومحافظات الجوف ومأرب وشبوة غربًا، فيما يحدها مِن الشمال المملكة العربية السعودية. وهي أكبر محافظة في اليمن مِن حيث المساحة.

وخلال سنوات الحرب تميزت محافظة حضرموت بكونها لم تشترك في الصراع بشكل مباشر، مع أنها أخذت نصيبها مِن تبعاته؛ وظلت مؤسسات الدولة حاضرة في هذه المحافظة، “وحافظت السلطة المحلية في حضرموت على مواردها المحلية، نظرًا لبعدها عن المواجهات العسكرية، ما عزز مِن قدرتها على دفع مرتبات الموظفين المدنيين بانتظام، وتغطية التكاليف التشغيلية للسلطة المحلية، بالإضافة إلى تغطية ميزانيتها الاستثمارية التي تغطي توفير الخدمات المحلية وتطوير وصيانة البنية التحتية والكهرباء والمياه ومعالجة مياه الصرف الصحي وغيرها مِن الخدمات العامة. ومع مطالبات أبناء حضرموت تخصيص جزء من عائدات بيع النفط لصالح المحافظة، قرر الرئيس المنقولة صلاحيته “عبدربه منصور هادي” في عام 2018م منح المحافظ 20% مِن عوائد تصدير مواردها النفطية، وفي عام 2020م رفع هذه النسبة إلى 25%.

وفي 24 يونيو 2023م قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، برفقة وفد مِن صندوق الإعمار السعودي، بزيارة إلى مدينة المكلا، وجاءت تلك الزيارة في ضوء التحولات التي شهدتها المحافظة مع الإعلان عن تشكيل “مجلس حضرموت الوطني”، بعد شهر مِن مشاورات بين مكونات حضرمية، رعتها السعودية في الرياض.

وخلال الزيارة أعلن د. العليمي التزام مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بتعزيز دور السلطات المحلية في محافظة حضرموت، ودعم جهودها لتحقيق الأمن والاستقرار، وتحسين الخدمات، بما يليق بالدور الرائد لمحافظة حضرموت وأبنائها في تجسيد قيم الدولة، والتعايش الخلاق في مختلف الميادين؛ ووضع حجر الأساس ودشن (20) مشروعًا تنمويا وحيويا، بأكثر مِن (266.6) مليون دولار (1.2 مليار ريال سعودي)، بتمويل وإشراف البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.

ومع مضي عام كامل لم يحدث تقدم كبير في إنجاز المشاريع التي تم التأسيس لها، وعوضًا عن ذلك شهدت المحافظة تراجعًا حادا في مستوى الخدمات العامة، وتدهورًا غير مسبوق في مستويات المعيشة، مثلها مثل بقية مناطق السلطة الشرعية؛ في ظل اتهام لقيادة المحافظة بقلة الخبرة وسوء الإدارة والفساد والانفراد بالقرار، وفي ظل صراع مصالح بين المحافظ، مبخوت بن ماضي، والذي يلقى دعمًا مِن قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وابن حبريش الذي يتزعم كلا مِن “مؤتمر حضرموت الجامع” و”حلف قبائل حضرموت”. وفي هذا المناخ المحتقن والمشحون جاءت زيارة د. العليمي إلى المكلا، في 27 يوليو الفائت. 

عوامل التصعيد:

تقف عدة عوامل خلف التصعيد الذي تبناه “مؤتمر حضرموت الجامع” و”حلف قبائل حضرموت”، برئاسة عمرو بن حبريش، ضد السلطة المحلية، وزيارة رئيس مجلس القيادة إلى حضرموت، ومِن أهمها:

  • تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية:

فقد شهدت مناطق سيطرة الحكومة الشرعية تدهورًا مروعًا في الأوضاع المعيشية، بسبب منع تصدير النفط منذ أكتوبر 2022م، وتراجع حجم الأموال التي كانت تضخها بشكل أو بآخر دولتي “التحالف العربي”، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وترافق ذلك مع انهيار مروع لسعر العملة الوطنية مقارنة بالعملات الأجنبية، إذ وصلت إلى مستويات قياسية، (1,917) ريال يمني للدولار الواحد، و(500) ريال يمني للريال السعودي الواحد، وذلك في 3 أغسطس 2024م. وكان لهذا التدهور أثر مُضاعف في حضرموت، فقد حرمها منع التصدير مِن موارد مالية كبيرة كانت تحصل عليها مقارنة ببقية المحافظات، إذ كانت تحصل على 25% مِن عائدات تصدير النفط الذي يستخرج مِنها.

وبشكل عام فقد أدى تراجع كل مِن: الموارد المالية للسلطة الشرعية وقيمة العملة الوطنية إلى تدهور الأوضاع المعيشية في محافظة حضرموت بشكل كبير، ما خلق تذمرًا شعبيا واسعًا، ساهم في تجاوب أفراد القبائل مع المطالب التي رفعها “مؤتمر حضرموت الجامع” والاستنفار الذي قام به “حلف قبائل حضرموت”، كما أنه خلق تعاطفًا شعبيا نسبيا مع تحركات “حلف قبائل حضرموت”.

  • سوء إدارة المحافظة:

لسوء حظ محافظة حضرموت أنها لم توفق خلال العقد الأخير على الأقل بمحافظ يتسم بالكفاءة والفعالية، يكون محل إجماع بين المكونات السياسية والاجتماعية، وهو ما فوت عليها فرصًا حقيقية للتنمية والاستقرار على النحو الذي توفر لمحافظة مأرب في ظل محافظها الحالي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، سلطان العرادة، ومحافظة شبوة أثناء إدارتها مِن قبل المحافظ السابق، محمد بن عديو، خلال الفترة (26 نوفمبر 2018م- 25 ديسمبر 2021م).

وخلافًا لذلك، غالبًا ما يغرق من تولى مسئولية المحافظة -خلال الفترة المذكورة- في وحل الفساد والاستفراد؛ وينطبق هذا على المحافظ الحالي، مبخوت بن ماضي؛ فأسلوب إدارته القائم على قلة الخبرة وسوء الإدارة والفساد والنزوع نحو الاستفراد تحول إلى مصدر للتوتر والاضطراب، لا سيما في ظل ما تعانيه المحافظة مِن استقطاب وتنافس بين المشاريع السياسية التي تتجاذبها، والتي يحركها -بشكل أو بآخر- التنافس غير الـمُعلن بين دولتي السعودية والإمارات.

وفي ظل الصراع القائم يتهم “مؤتمر حضرموت الجامع”، المحافظ مبخوت بن ماضي بالعبث بالموارد، وعدم الإفصاح عن حجم الإيرادات المحلية، والتفرد بالقرار، وتنفيذ مشاريع عديمة الشفافية مدفوعة برؤية تفتقر للاحتياجات الحقيقية للمحافظة -حد قوله. ويتصدر الإيرادات المحلية كميات الديزل المدعوم، المقدم مِن شركة “بترو مسيلة” للسلطة، حيث تتعهد السلطة المحلية ببيع جزء كبير مِنها، بحيث تجني مِنها مبالغ كبيرة بشكل يومي. وقد طالب “مؤتمر حضرموت الجامع”، في اجتماع له بتاريخ 13 يوليو الماضي، المحافظ بـ”الكشف، بشفافية، عن إيرادات حضرموت، وأوجه إنفاقها، وتشكيل لجنة مشتركة مع السلطة يكون فيها المجتمع شريكًا أساسيًا لإدارة الموارد المالية لحضرموت وأولويات الإنفاق، وإنهاء حالة التفرد بالسلطة والعمل بالتوافق في اتخاذ كافة القرارات”.

  • صراع المصالح:

مع أن تردي الخدمات العامة والأوضاع المعيشية وفر إطارًا للاحتقان في المحافظة، لا سيما في ظل الاعتقاد بأنها أكثر المحافظات اليمنية مِن حيث الموارد الاقتصادية، إلا أن جانبًا مِن التوتر يعود إلى صراع حول تقاسم المصالح بين المحافظ “ابن ماضي” وبين “ابن حبريش”، فقد كان هذا الأخير يحصل على مخصصات مالية مِن جهات عليا ثم توقفت، وكان يحصل كذلك على كمية مِن النفط يوميا مِن شركة “بترو مسيلة” ثم خُفضت هذه الكمية. ويحتد الصراع بين الطرفين حول ضرائب القات، والذي كان “ابن حبريش” يحصل على نسبة مِنها، وحول من يقوم بنقل النفط الخام إلى عدن لتشغيل “محطة الرئيس الكهربائية”، ويحصل على عوائدها

  • التسريبات حول إمكانية عودة تصدير النفط:

تزايد الحديث -في الفترة الأخيرة- عن إمكانية عودة تصدير النفط؛ وقد يتم التصدير بناءً على تفاهمات تجريها السعودية مع الحوثيين، وتتضمن -حسب بعض التسريبات- تقاسم عائدات التصدير بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، وهو ما آثار حفيظة أبناء المحافظة، ومثل عامل استفزاز لهم. وقد تضطر الحكومة إلى تصدير شحنات مِن النفط لأسباب تقنية وفنية، بغض النظر عن حدوث تفاهم مع الحوثيين أو بدونه، فامتلاء خزانات النفط في الموانئ يتطلب سرعة التصدير، ما لم فإنها قد تتعرض لمشاكل تقنية وفنية كبيرة تُكلف الحكومة الكثير مِن الأموال.

ومِن الواضح أن الخشية مِن إعادة تصدير النفط دون تفاهمات على حصة المحافظة هي أحد الأسباب المعلنة التي يرفعها “حلف قبائل حضرموت”، في تصعيده ضد زيارة رئيس مجلس القيادة، فقد حذر الحلف -كما رأينا- “مِن الإقدام على أي تصرف بنفط حضرموت، أو تصديره أو تسويقه، إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت، وضمان حقوقها، بما يرتضيه أهلها، وضرورة تنفيذ القرارات المتخذة مِن مؤتمر حضرموت الجامع، والمزمنة، الصادرة بتاريخ 13 يوليو 2024م”، واعتبر الحلف “المخزون النفطي الحالي في خزانات ميناء ضبة والمسيلة حقا مِن حقوق حضرموت، ولن نتنازل عنه، على أن يُسخر كامل قيمته لشراء طاقة كهربائية لحضرموت”.

وبعد انتهاء المهلة التي حددها “الحلف” استنفر القبائل وحشدها حول مناطق استخراج النفط، وهدد بوضع اليد عليها.

  • الفساد الحكومي:

فقد صُدم المواطنون مِن الأخبار التي تتناول صرفيات مجلس القيادة الرئاسي، وقيادات السلطة الشرعية عمومًا، ومنها الموازنات المخصصة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي وبقية مؤسسات السلطة، بما فيها الموازنة التي خصصت مؤخرًا لهيئة التشاور والمصالحة؛ وبشكل أكبر بسبب ما يُعرف بكشف الإعاشة والذي يتضمن مبالغ شهرية كبيرة تصرف بالدولار الأمريكي أو بالريال السعودي لآلاف الأفراد، بمن فيهم الوزراء وأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الشورى، ومعظمهم خارج اليمن، ولا يقومون بأي أعمال تذكر، ويتقاضى بعض الذين هم داخل اليمن مرتبات بالعملة الصعبة. وكل ذلك يُكلف خزانة الدولة عشرات الملايين مِن الدولارات شهريا. وإلى جانب ذلك، هناك مبالغ تصرف يوميا للوزراء ووكلائهم ونواب الوزراء، نضير تواجدهم داخل اليمن، وهذه الصرفيات مبالغ فيها، وتستفز بشكل كبير المواطنين في ظل الضائقة والحياة المزرية التي يعيشونها.

والحقيقة أن الفساد بات يمثل في الوقت الحالي مهددًا للسلطة الشرعية، وأن اقتران الممارسات الصارخة للفساد مع تردي الأوضاع المعيشية لغالبية المواطنين يُمثل “ديناميت” يمكن أن يُدمر السلطة الشرعية والحياة السياسية ويدفع بالوضع نحو التفتت والفوضى والعنف.

  • استغلال بعض الأطراف:

عملت بعض الأطراف على إرباك زيارة د. العليمي لحضرموت، وتوتير الأجواء المصاحبة لها، فقد غاب أعضاء مجلس القيادة المحسوبين على “المجلس الانتقالي الجنوبي”، بمن فيهم فرج البحسني، المحافظ السابق وعضو المجلس، والذي ينتمي إلى المحافظة، واستمر الإعلام المحسوب على “الانتقالي” في تحريض أبناء حضرموت وإثارتهم. وأعلن أحمد سعيد بن بريك، القيادي في “الانتقالي” في اتصال مع “ابن حبريش”، عن تضامنه الكامل، وموقفه الداعم والمساند لمطالب حضرموت التي تبناها “حلف قبائل حضرموت”، وذات الأمر قام به البحسني.

المطالب المعلنة لحلف قبائل حضرموت:

طالب اجتماع “حلف قبائل حضرموت” بالاعتراف بحق حضرموت، وأن يكون مؤتمر حضرموت الجامع هو الممثل للمحافظة، والشريك الفاعل والحقيقي في التسوية الشاملة في البلاد أسوة بالأطراف الأخرى المشاركة (في إشارة الى المجلس الانتقالي وأطراف أخرى على ما يبدو). وحذر الحلف -كما سبق أن أشرنا- مِن الإقدام على أي تصرف بنفط حضرموت، أو تصديره، أو تسويقه، إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت، وضمان حقوقها بما يرتضيه أهلها، مُشددًا على تنفيذ القرارات المتخذة مِن مؤتمر حضرموت الجامع، والمزمنة، والصادرة بتاريخ 13 يوليو 2024م، واعتبر الحلف “المخزون النفطي الحالي في خزانات ميناء ضبة والمسيلة حقا مِن حقوق حضرموت، ولن نتنازل عنه، على أن يُسخر كامل قيمته لشراء طاقة كهربائية لحضرموت”.

ومِن اللافت أن عدوى المطالب انتقلت إلى محافظة شبوة، فقد رفض تحالف أبناء وقبائل شبوة أي اتفاقات حول ثروات المحافظة النفطية دون أن تكون لها الحصة العادلة فيها بشراكة وتمثيل عادل وندي. وأصدر الحلف، الذي يرأسه الشيخ علي بن دوشل النسي، بيانًا حول مستجدات الأحداث في الشأن الوطني، فيما يتعلق بعملية السلام والمفاوضات حول الملفات العالقة، خصوصًا الملف الاقتصادي، وأكد الحلف أن أي مفاوضات أو حلول تتجاوز حقوق شبوة وأبنائها في التمثيل العادل، وفي حصص المحافظة العادلة مِن ثرواتها، وفي الشراكة، لن تحقق الحلول المستدامة والسلام العادل. وشدد الحلف على الرفض المطلق لأن تكون شبوة وثرواتها لقمة سائغة لأي مفاوضات جارية أو تسويات لا تكون فيها للمحافظة حصتها العادلة، والتي تتناسب مع ما تدعم به الخزينة العامة للدولة مِن ثرواتها.

السيناريوهات:

ما زالت أزمة التصعيد في محافظة حضرموت في حالة تفاعل، وهي لذلك منفتحة على عدد غير قليل مِن المسارات المحتملة، على نحو ما تظهره السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول: الصدام المسلح:

يشي هذا السيناريو إلى إمكانية حدوث صدام عسكري محدود بين الجيش وأبناء القبائل، ويعود ذلك إلى حالة التعبئة والاحتقان القائمة، وتراجع حضور المكونات المدنية الحضرمية لصالح المكونات القبلية، وتحريض “المجلس الانتقالي” والذي يرنو مِن ذلك إلى أهداف مركبة: فهو يريد أن يضعف مِن حضور السلطة الشرعية في محافظة حضرموت التي تعتبر المكون الأهم في المحافظات الشرقية، ومِن ناحية أخرى يسعى لنقل الأضواء إلى التوتر في حضرموت عوضًا عن الاشتباك الحاصل في مدينة عدن بسبب تداعيات الإخفاء القسري لـ”علي عشال الجعدني”. ومِن المتوقع أن يستجلب الصدام وفقًا لهذا السيناريو تدخلا سعوديا مباشرًا يعمل على احتواء الخلاف، ويعيد ترتيب الأوضاع في المحافظة بناء على قواعد وترتيبات جديدة.

السيناريو الثاني: بقاء الأوضاع على ما هي:

يحدث هذا السيناريو بفعل استمرار إصرار الشخصيات والمكونات الحضرمية التي تتصدر المشهد في معارضتها للوضع الحالي في المحافظة، وعدم قدرة أو رغبة مجلس القيادة الرئاسي على تقديم المزيد مِن التنازلات، في ضوء استمرار صعوبات تصدير النفط، لتعثر التفاهمات مع جماعة الحوثي. ويُعزز مِن هذا السيناريو عودة رئيس وعضوي مجلس القيادة الرئاسي إلى الرياض، وإعلان رئيس مجلس القيادة أن الاتجاه نحو تشكيل لجنة مِن مختلف الجهات المعنية للنزول إلى محافظة حضرموت، والوقوف أمام أولوياتها الخدمية والإنمائية، والعمل على تحقيق تطلعات أبنائها في مختلف المجالات؛ وهذا يعني بقاء الأوضاع على حالها، والتعامل معها بنفس أطول حتى تنضج الحلول على النحو الذي يتضمنه السيناريو التالي.

السيناريو الثالث: حلول جزئية:

يقوم هذا السيناريو على إمكانية تقديم حلول تساهم في تفكيك الأزمة وامتصاص الاحتقان والتوتر القائم؛ ومِن ذلك إعطاء أهمية للخدمات الملحة، وفي مقدمتها الكهرباء. فقد أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، يوم الأحد 4 أغسطس الجاري، البدء بالإجراءات اللازمة لإنشاء محطتين للطاقة الكهربائية في محافظة حضرموت، بقدرة (100) ميجاوات، وبحيث تتقاسم الحكومة والسلطة المحلية تمويله. ويشمل المشروع إنشاء محطة للكهرباء في حضرموت الساحل، وأخرى في الوادي، بقدرة (50) ميجاوات لكل مِنهما.

ويندرج في ذلك الاعتراف بمطالب أبناء حضرموت المشروعة، وتفهمها، والعمل على تبنيها، وتنفيذها بالشراكة مع كافة مؤسسات الدولة، وقد ينجح رئيس مجلس القيادة في استقطاب عدد مِن الشخصيات المؤثرة في مؤتمر حضرموت الجامع، وحلف قبائل حضرموت، بمن فيهم “ابن حبريش” المحرك الرئيس للتصعيد. والحقيقة أن خبرة الأزمات السابقة تفيد بإمكانية حدوث ذلك.

وما يُعيق هذا السيناريو تراجع الثقة بوعود د. العليمي، فقد أعلن في زيارته العام الماضي الكثير مِن الوعود، ويبدو أن مستوى ما تحقق مِنها خيب آمال قطاع مِن أبناء حضرموت؛ كما أن هناك توجس مِن هدف الزيارة ألا وهو تصدير النفط وتقاسم عوائده مع الحوثيين، وهذا أمر يثير غضب أبناء حضرموت ويدفعهم للتصعيد تجاه مطالبهم.

السيناريو الرابع: تغيير قيادة المحافظة

ويعد هذا السيناريو الأقل كلفة. ويتوقع أن يكون له أثر كبير في تخفيف الاحتقان في المحافظة؛ فجزء كبير مِن التوتر يعود -على نحو ما ذكرنا- إلى طريق إدارة “ابن ماضي” للمحافظة، والتي تتسم بالفساد وقلة الخبرة وسوء الإدارة، وفي ظل الإحباط مِن أداء المحافظ مِن مختلف المكونات، والانفراد بإدارة المحافظة، فإن تغيير المحافظ قد يسهم إلى حد كبير في إزالة الاحتقان مِن المحافظة، خاصة إذا تم اختيار بديل يتسم بالكفاءة ويكون محل اجماع.

ويبدو أن عودة رئيس مجلس القيادة دون أن يحقق أهداف زيارته، وإصرار المكونات الحضرمية الرافضة للزيارة، قد يضطره إلى المضي في هذا المسار، غير أن ما يعترضه هو العلاقة الشخصية والحزبية القوية والممتدة بين د. العليمي و”ابن ماضي”، فقد سارع د. العليمي إلى تعيين “ابن ماضي” محافظًا لحضرموت بعد وصوله إلى مجلس القيادة مباشرة، وهو يعده ذراعه اليُمنى في المحافظة. ويُرجح أن أحد دوافع الزيارة هي إسناد “ابن ماضي” في ضوء الاحتقان الذي تعاني مِنه المحافظة والاشتباك مع “ابن حبريش”.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى