انسحاب القوات المشتركة من الساحل الغربي: الدوافع والتداعيات

Getting your Trinity Audio player ready...

 

على خلاف ما كان يتوقَّع، نفَّذت الوحدات العسكريَّة التَّابعة لما يُسمَّى “القوَّات المشتركة”، في السَّاحل الغربي، والَّتي كانت ترابط على أطراف مدينة الحديدة، بالقرب مِن المطار، وفي مناطق “الجاح” و”كيلو 16″ “والدُّريهمي”، وجميعها مناطق تماس مباشرة مع مليشيا الحوثي على مدخل المدينة، الَّتي تقع على السَّاحل الغربي للبلاد، انسحابًا يومي الأربعاء والخميس -10، 11 نوفمبر الجاري- إلى مدينة الخوخة، على بعد 163كم إلى الجنوب مِن مدينة الحديدة.

وبدت تلك الانسحابات مفاجئة، ولا تخلو مِن إثارة. فمع أنَّها جاءت متزامنة مع زيارة المبعوث الأممي الخاصِّ إلى اليمن، “هانس غروندبرغ”، إلى مدينة المخا الإستراتيجيَّة، إلَّا أنَّ الأمم المتَّحدة، وبعثتها في الحديدة، أكدَّتا عدم علمهما المسبق بهذه الخطوة. وذات الأمر بالنِّسبة للَّجنة الحكوميَّة المكلَّفة بتطبيق “اتِّفاق استكهولم”، حول محافظة الحديدة؛ فقد أكَّدت -في بيان لها- أنَّ ما جرى مِن إعادة تموضع للقوَّات تمَّ دون أيِّ تنسيق مسبق معها.

كما أنَّها جرت في ظلِّ احتدام المعارك على أطراف مدينة مأرب -شرقي صنعاء، وتزايد المطالب بتحريك جبهة الحديدة، لتخفيف الضَّغط على الجيش الوطني بمأرب؛ وفي ظلِّ انسحاب القوَّات السُّعوديَّة المفاجئ مِن مدينة عتق بمحافظة شبوة، ومِن معسكر كبير لها بمنطقة البريقة في مدينة عدن، وهي انسحابات يكتنفها الكثير مِن الغموض.

وفضلًا عن أنَّ عمليَّة الانسحاب الَّتي نفَّذتها “القوَّات المشتركة” كانت مفاجئة، فإنَّها كانت كذلك مرتبكة. فقد أشارت مصادر إعلاميَّة إلى تعرُّض وحدات عسكريَّة للهجوم مِن قبل مليشيا الحوثي أثناء انسحابها.

وقد سارع الحوثيُّون إلى فرض سيطرتهم على المناطق الَّتي تمَّ الانسحاب مِنها، في ظلِّ نزوح عشرات الأسر مِن سكَّان الأحياء في تلك المناطق باتِّجاه الخوخة، خوفًا مِن تعرُّضهم للاعتقالات.

وهنا يُثار سؤال حول الدَّوافع الَّتي تقف خلف سحب تلك القوات؟ وآخر حول التَّداعيات الَّتي يمكن أن يتركها على الحرب القائمة في اليمن؟

معركة الرُّمح الذَّهبي:

أطلقت الحكومة اليمنيَّة الشَّرعيَّة، و”التَّحالف العربي”، في عام 2017م، معركة “الرُّمح الذَّهبي”، بهدف تحرير السَّاحل الغربي مِن مليشيا الحوثي. وقد تمكَّنت تلك الحملة مِن فرض سيطرتها على المنطقة السَّاحليَّة الممتدَّة مِن “المخا” جنوبًا، وحتَّى شارع الخمسين والمطار و”كيلو 16″ على أطراف مدينة الحديدة شمالًا؛ وكانت على وشك السَّيطرة على ميناء الحديدة الَّذي يُعدُّ ثاني أهمَّ ميناء في اليمن. غير أنَّ مجلس الأمن الدُّولي مارس الكثير مِن الضُّغوط على الحكومة اليمنيَّة ودول التَّحالف، تحت ذرائع إمكانيَّة حدوث كارثة إنسانيَّة في حالة دخول القوَّات إلى الحديدة؛ ما اضطرَّ الحكومة الشَّرعيَّة للدُّخول في مفاوضات “استكهولم” بالسُّويد. وفي ديسمبر 2018م، وقَّعت الحكومة اليمنيَّة وجماعة الحوثيِّين اتِّفاقًا يقضي بوقف جميع العمليَّات القتاليَّة في محافظة الحديدة، وتنفيذ انسحابات وإعادة انتشار لقوَّات الطَّرفين، بإشراف مِن قبل بعثة أمميَّة، غير أنَّ هذا الاتِّفاق لم يجد طريقه للتَّطبيق.

القوَّات المشتركة:

قامت دول “التَّحالف العربي” بوضع القوَّات المرابطة في السَّاحل الغربي تحت قيادة موحَّدة، أطلق عليها “القوَّات المشتركة”، في يوليو 2019م؛ وهي قوَّات تقف إلى جانب الحكومة الشَّرعيَّة في حربها ضدَّ الحوثيِّين، لكنَّها لا تتبع وزارة الدِّفاع، وجرى ربطها بغرفة عمليَّات تابعة لقوَّات “التَّحالف العربي”.

تضمُّ القوَّات المشتركة ثلاث قوى رئيسة، هي: “ألوية العمالقة”، والمقاومة الوطنيَّة “حرَّاس الجمهوريَّة”، و”المقاومة التَّهاميَّة”. 

وقد بدأ تشكيل “ألوية العمالقة” في يناير 2017م، مع انطلاق معركة “الرُّمح الذَّهبي”، ومع بداية المعركة كانت تتشكَّل مِن خمسة ألوية عسكريَّة، وعند بلوغها محيط مدينة الحديدة في عام 2018م وصل عدد ألويتها إلى 12 لواءً، ويقودها عبدالرَّحمن صالح المحرمي، اليافعي، والمكنَّى بأبي زرعة.

أمَّا قوَّات “حرَّاس الجمهوريَّة”، المكوِّن الثَّاني للقوَّات المشتركة، فتشكَّلت مِن الضُّباط والأفراد الَّذين فرُّوا مِن صنعاء، بعد الاشتباكات الَّتي جرت بين الرَّئيس السَّابق، علي عبدالله صالح، والحوثيِّين، فيما عُرف بـ”انتفاضة ديسمبر” في 2017م، والَّتي قُتِل فيها الرَّئيس صالح. وجرى استقطاب عدد كبير مِن منتسبي “الحرس الجمهوري”، و”القوَّات الخاصَّة”، و”الأمن المركزي”، إليها. واتَّسع قوامها البشري مِن خمسة ألوية في ديسمبر عام 2018م، يوم توقيع “اتِّفاق استكهولم”، لتصل إلى 13 لواءً عسكريًّا بعد ذلك. ويقع على رأسها العميد طارق محمد عبدالله صالح، ابن شقيق الرَّئيس السَّابق.

وتعدُّ “المقاومة التَّهاميَّة” المكوِّن الثَّالث لما يسمَّى “القوَّات المشتركة”. وهي تضمُّ قوَّات المقاومة الشَّعبيَّة المنحدرة مِن إقليم تهامة، ومحافظة الحديدة، (السَّاحل الغربي). وقد توزَّع بعضها بين “ألوية العمالقة” و”حرَّاس الجمهوريَّة”، ويسيطر المكوِّن المتبقِّي مِنها على مدينة الخوخة، ويخضع لإشراف غرفة العمليَّات المشتركة بـ”التَّحالف العربي”.

انسحاب مفاجئ:

توقَّفت العمليَّات العسكريَّة الكبيرة في السَّاحل الغربي على إثر التَّوقيع على “اتِّفاق استكهولم”، وإن لم يخل الأمر مِن مواجهات هنا وهناك. ومع اشتداد المعارك حول مأرب تعالت الدَّعوات لتحريك “القوَّات المشتركة” نحو مدينة الحديدة، لتخفيف الضَّغط على مدينة مأرب. وفيما كان التَّرقُّب قائمًا لإمكانيَّة فتح معركة كبيرة مع الحوثيِّين في السَّاحل الغربي، تفاجأ الكثير بتنفيذ “القوَّات المشتركة” انسحابًا واسعًا، مِن تخوم جنوب وشرق مدينة الحديدة، ومديريَّات التِّحيتا، ومناطق واسعة مِن مديريَّة الدُّريهمي، وبيت الفقيه، وصولًا إلى مدينة الخوخة الَّتي تقع على بعد 163كم جنوبي مدينة الحديدة.

الانسحاب كان مفاجئًا حتَّى لقادة الألوية العسكريَّة، وتمَّ بقدر كبير مِن التَّخبُّط والعشوائيَّة، وبدا وكأنَّه تسابق على الفرار أكثر مِنه انسحابًا منظَّمًا. وتشير المصادر الإعلاميَّة إلى أنَّه تمَّ سحب اللِّواء الأوَّل والخامس والسَّادس “عمالقة”، واللِّواء 21، مِن مواقعها مِن الخطوط الأماميَّة في جبهات السَّاحل الغربي؛ وانسحب اللِّواء الخامس الَّذي يقوده أبو هارون اليافعي، والسَّادس الَّذي يقوده حمدي شكري، واللِّواء الأوَّل مشاة الَّذي يقوده وزير الدِّفاع الأسبق هيثم قاسم طاهر، إلى مدينة الخوخة التَّابعة لمحافظة الحديدة؛ فيما اتَّجه اللِّواء الأوَّل بقيادة رائد الحبهي إلى منطقة بئر أحمد بمحافظة عدن، جنوبي البلاد.

ومثلما كانت عمليَّة الانسحاب مرتبكة، فإنَّها كانت غير منضبطة، فقد رفضت عدَّة وحدات الانسحاب؛ وخاصَّة كتائب مِن الألوية التَّهاميَّة؛ وعوضًا عن ذلك اشتبكت مع مليشيا الحوثي، وتعرَّض بعضها للحصار، وقُتِل بعض أفرادها.

الأسباب والدَّوافع:

لا يزال الغموض يكتنف الأسباب الَّتي أدَّت إلى هذا الانسحاب المفاجئ، وغير المخطَّط له، غير أنَّه وبقراءة السِّياق الَّذي جرت فيه التَّطوُّرات الأخيرة، يمكن تقديم التَّفسيرات المحتملة التَّالية، والَّتي يمكن أن يقف أحدها خلف هذا الحدث الملفت:

إرباك متعمَّد:

يقوم هذا التَّفسير على افتراض مفاده أنَّ ما جرى يندرج في إطار الحرب الباردة، وغير المعلنة، بين الطَّرفين الرَّئيسين في “التَّحالف العربي”، السُّعوديَّة والامارات. فقد عمدت الإمارات الَّتي تشرف بشكل مباشر على غرفة عمليَّات القوَّات المشتركة، وتتحمَّل الأعباء الماليَّة والتَّسليحيَّة لهذه القوَّات إلى إرباك وتخريب الموقف العسكري في منطقة السَّاحل الغربي، مِن خلال إصدار أوامر مِن غرفة العمليَّات المشتركة بضرورة الانسحاب تحت ذريعة إعادة التَّموضع، تطبيقًا لـ”اتِّفاق استكهولم”، وتهديد مَن لم يستجب لذلك بأنَّه سيكون عرضة لقصف الطَّيران. وهنا سارع قادة الألوية إلى تنفيذ عمليَّة الانسحاب حماية لأفرادهم مِن الضَّربات الجويَّة مِن جهة، وحتَّى لا يُتركُوا مُنفردين في مواجهة مليشيا الحوثي مِن جهة ثانيَّة.

وممَّا يدعم هذا السِّيناريو التَّحذيرات الَّتي كان قد أطلقها النَّائب في البرلمان اليمني، ورئيس “مجلس أبناء تهامة الوطني”، محمَّد ورق، في منتصف شهر أكتوبر الماضي. فقد صرَّح بوجود مؤشِّرات لمؤامرة تحاك لإسقاط المناطق المحرَّرة في الحديدة، بيد جماعة الحوثي؛ واتَّهم في تسجيل مصوَّر نشره على صفحة المجلس، في الفيسبوك، ما أسماه بـ”الأدوات العميلة للقوى الخارجيَّة”، بالتَّجهيز لإسقاط السَّاحل التَّهامي.

ويستند هذا التَّفسير كذلك إلى ما يشاع عن “تصاعد التَّوتُّر بين السُّعوديَّة والامارات في المحافظات الجنوبيَّة خلال الفترة الأخيرة، واتِّجاه السُّعوديَّة إلى التَّلاعب بتركيبة “المجلس الانتقالي”، الَّذي تعدُّه الإمارات شأنًا خاصًّا بها، وضغط الرِّياض على الإمارات لسحب قوَّاتها مِن ميناء بلحاف بمحافظة شبوة. ومع هذا فإنَّ الأسانيد السَّابقة لا تعدوا أن تكون تكهُّنات يصعب الجزم بدقَّتها.

إعادة تموضع:

يميل هذا التَّفسير -وهو التَّفسير المرجَّح- إلى أنَّ ما حدث -أيَّام الأربعاء وحتَّى الجمعة الفائتة- تمَّ في سياق إعادة توزيع القوَّات المتواجدة في السَّاحل الغربي، وتموضعها استعدادًا لتطوُّرات جديدة، فقيادة التَّحالف تمتلك خطَّة مسبقة لنقل تدريجي لقوَّات العمالقة الَّتي يصل قوامها البشري إلى 12 لواء مِن السَّاحل الغربي بشكل كامل. فقد تمَّ نقل كتائب عسكريَّة مِن هذه الألويَّة إلى قاعدة العند العسكريَّة أواخر أغسطس الماضي، وتعرَّضت حينها إلى استهداف مِن قبل الحوثيِّين. وفي أواخر الشَّهر الماضي كشفت المصادر عن نقل لواءين كاملين مِن ألوية العمالقة مِن السَّاحل الغربي إلى أحد المعسكرات في منطقة “بير أحمد”، غربي عدن، تمهيدًا لنقلهم إلى محافظة أبين وشبوة. وبحسب المصادر، ووفقًا لهذا الافتراض، فإنَّ دول التَّحالف تقوم بإعادة انتشار وتموضع للقوَّات التَّابعة للحكومة الشَّرعيَّة على الأرض استعدادًا لحدث كبير، قد يتمثَّل في سقوط مأرب، بحيث تضطلع ألوية العمالقة بدور محوري في مواجهة أيَّ تقدُّم للحوثيِّين في كلٍّ مِن: أبين وشبوة ولحج والضَّالع؛ وفي المقابل يتمُّ تسليم مهمة السَّاحل الغربي، وتحديدًا المنطقة الإستراتيجيَّة القريبة مِن باب المندب لـ”حرَّاس الجمهوريَّة”، بقيادة طارق صالح.

وما يدعم هذا التَّفسير بشكل أقوى إعلان المتحدِّث باسم قوَّات “التَّحالف العربي”، في 15 نوفمبر الجاري، أنَّ ما وصفه بـ”إعادة انتشار وتموضع القوَّات العسكريَّة للتَّحالف والقوَّات التَّابعة للحكومة اليمنيَّة، بمنطقة العمليَّات، جاءت ضمن خطط عسكريَّة مِن قيادة القوَّات المشتركة للتَّحالف، ويتواءم مع الإستراتيجيَّة العسكريَّة لدعم الحكومة اليمنيَّة في معركتها الوطنيَّة على الجبهات كافَّة.. وأنَّها تتماشى مع الخطط المستقبليَّة لقوَّات التَّحالف”.

هذا التَّفسير يستند أيضًا إلى قيام دول التَّحالف بإعادة سحب القوَّات الخاصَّة بها؛ فقد سحبت الإمارات منتصف أكتوبر الماضي قوَّاتها مِن منطقة العَلَم بمحافظة شبوة، ووعدت بسحب قوَّاتها الموجودة في ميناء بلحاف الإستراتيجي في نفس المحافظة. ونفس الأمر قامت به السُّعوديَّة، فقد سحبت خلال الأيَّام القليلة الماضية قوَّاتها مِن مدينة عتق بمحافظة شبوة، وسحبت كذلك أكبر معسكراتها، والموجود بمديريَّة البريقة في مدينة عدن، كما سحبت قوَّات لها مِن مناطق بمحافظة المهرة باتِّجاه عاصمة المحافظة.

استدراج:

ينطلق هذا التَّفسير مِن أنَّ انسحاب “القوَّات المشتركة” هو في الأساس عمل تكتيكي، لدفع الحوثيِّين إلى اسقاط “اتِّفاق استكهولم”، وجرِّهم إلى انتشار واسع في المناطق الَّتي جرى الانسحاب مِنها، وهو ما سيمكِّن مِن تدشين معركة جديدة باتِّجاه مدينة الحديدة، بعد تجاوز القيود القانونيَّة والسِّياسيَّة الَّتي مثَّلها اتِّفاق السُّويد، واستغلال انتشار الحوثيِّين على أراضٍ واسعة لتوجيه أكبر ضربات لهم؛ خاصَّة وأنَّه ليس في مقدورهم الحصول على دعم بشري وتسليحي كبير، لانشغالهم بالمعركة الأهم في مأرب.

هذا التَّفسير لا يستند إلى الكثير مِن الشَّواهد في الأرض، غير أنَّه لا يمكن استبعاده كلِّيَّة، ويظلُّ حاضرًا على الأقل مِن النَّاحية النَّظريَّة.

التَّداعيات:

أحدثت الانسحابات السَّابقة عددًا مِن التَّداعيات، وعلى الأرجح أنَّ الكثير مِنها، وخاصَّة ما يتعلَّق بتعقيد الأوضاع العسكريَّة والسِّياسيَّة في اليمن، والتَّأثير على ميزان القوى العسكري، سيمتدُّ إلى فترة ليست بالقصيرة. ومِن أهمِّ تلك التَّداعيات ما يلي:

تسليم السَّاحل الغربي للحوثيِّين:

ترتَّب على سحب القوَّات المشتركة مِن السَّاحل الغربي تسليم مناطق واسعة على شكل “هديَّة” مجانيَّة إلى جماعة الحوثي، دون أيِّ جهد أو خسائر تذكر. فقد سارع الحوثيُّون إلى فرض سيطرتهم على المناطق الَّتي تمَّ إخلاؤها، وباتوا متطلِّعين لانتزاع الأراضي الَّتي تمَّ الانسحاب إليها. فقد شنَّت مليشيا الحوثي هجومًا على مدينة الخوخة أسفر عن عدد مِن القتلى والجرحى، بينهم إبراهيم بري، أركان حرب أحد ألوية “المقاومة التَّهاميَّة”.

وعلى الأرجح أنَّ قوَّات ما يُسمَّى “المقاومة الوطنيَّة” و”حرَّاس الجمهوريَّة”، الَّتي قد يوكل إليها المهام العسكريَّة فيما تبقَّى مِن مناطق السَّاحل الغربي، ستكون في حالة ضعف، بعد أنَّ يتمَّ سحب “ألوية العمالقة”، نظرًا للتَّداعيات النَّفسيَّة الَّتي تركها الانسحاب على معنويَّات المقاتلين فيما يُسمَّى “المقاومة التَّهاميَّة”.

وإذا لم يكن الدَّافع هو استدراج الحوثيِّين إلى معركة حاسمة حول الحديدة، فإنَّ هذا الانسحاب أضاف الكثير مِن التَّعقيد إلى المشهد العسكري في اليمن، وخلق واقعًا جديدًا بات معه تحرير مدينة الحديدة خيارًا أكثر صعوبة إن لم يكن خيارًا مستبعدًا.

إرباك معسكر الشَّرعيَّة:

أدَّى الانسحاب، وما ترتَّب عليه مِن تداعيات، إلى اتِّساع الفجوة بشكل كبير للغاية، بين قطاع واسع مِن المواطنين وبين “التَّحالف العربي” والسُّلطة الشَّرعيَّة. وعلى الأرجح أنَّه يدفع بالكثير للبحث عن بديل لقيادات السُّلطة الشَّرعيَّة و”التَّحالف العربي” على السَّواء.

إضعاف الموقف العسكري في مأرب:

لقد مثَّلت سيطرة الحوثيِّين على المناطق الواسعة الَّتي تمَّ الانسحاب مِنها نصرًا سياسيًّا لهم؛ كما شكل تدعيمًا لنهجهم القائم على أولويَّة العمل العسكري مِن جهة، والتَّعنُّت أمام الضُّغوط الدُّوليَّة مِن جهة أخرى. وهذا ما سيشجِّعهم على تكثيف هجومهم على مدينة مأرب.

كما سينعكس هذا التَّطوُّر سلبًا على معنويَّات المواطنين، وسيدفع جانبًا مِنهم إلى الاقتناع بأنَّ خيار العمل العسكري الَّذي يقوده التَّحالف عبثيٌّ وغير مجدٍ؛ كما أنَّه أضعف مِن الالتفاف الإعلامي حول المعركة في مأرب، وأثار مِن جديد الانقسامات السَّابقة. وبطبيعة الحال فإنَّ المشهد سيتغيَّر إذا كان الغرض استدراج الحوثيِّين إلى معركة فاصلة في السَّاحل الغربي.

إثارة التَّناقضات بين الأطراف المناوئة للحوثيِّين:

بدى قرار الانسحاب الَّذي اتَّخذته قيادة “القوَّات المشتركة” وكأنَّه قرار انفراديٌّ مِن وجهة نظر البعض، وأثار في نفوس كثير مِن الأفراد الشُّكوك بكونه خيانة وتسليمًا لأراض واسعة للحوثيِّين. وساهم كذلك في تكريس عدم الثِّقة المتبادلة بين مختلف الأطراف، سواء في إطار ما يسمَّى بـ”القوَّات المشتركة”، أو بين أحد مكوِّناتها (حرَّاس الجمهوريَّة) وبين المكوِّنات الأخرى. وأدَّى أيضًا إلى تلاشي دعوات التَّقريب بين الأطراف الرَّئيسة المناوئة للحوثيِّين، وحلَّ بدلًا عن ذلك تكريس غياب الثِّقة، وتراشق الحملات الإعلاميَّة والاتِّهامات المتبادلة بالتَّخوين والتَّواطئ مع الحوثيِّين وتنفيذ أجندة دول خارجيَّة على حساب المصلحة الوطنيَّة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى