أبعاد وتداعيات التوتر بين الحوثيين والمؤتمريين بصنعاء

Getting your Trinity Audio player ready... |
عاد التوتُّر السياسي والأمني بين الحوثيين والمؤتمريين، (المؤتمر الشعبي العام- جناح صنعاء) للواجهة مجدَّدًا. وقد برزت مظاهر هذا التوتُّر مع اعتقال الحوثيين لعدد مِن القيادات العسكرية المحسوبة على “المؤتمر”، بصنعاء، في 20 أغسطس الجاري، في ظلِّ مخاوف جماعة الحوثي مِن نفوذ “المؤتمر” في الأوساط الحكومية والسياسية والاجتماعية.
فهل هذا التوتُّر مجرَّد خلاف سياسي عابر أم هو انعكاس لإستراتيجية منهجية تتبعها جماعة الحوثي تهدف إلى إضعاف أيِّ محاولات قد تشكِّل تهديدًا محتملًا لنفوذها؟
يأتي تقدير الموقف ليسلِّط الضوء على أبعاد هذا الاستهداف، ومظاهره، ودوافعه، والسيناريوهات المحتملة التي قد ترسم ملامح العلاقة المستقبلية بين الحوثيين والمؤتمريين بصنعاء.
سياق التوتُّر:
التوتُّر بين الحوثيين والمؤتمريين بصنعاء ليس ظاهرة طارئة، فمنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر 2014م، عملت الجماعة على ترسيخ سيطرتها الكاملة على مؤسَّسات الدولة، بما فيها السياسية والعسكرية والأمنية، مستأثرة بالسلطة والثروة، مع تهميش مشاركة المؤتمر الشعبي العام في سلطة الانقلاب، وإضعاف صلاحيات المشاركين مِن أعضائه. وقد مرَّت العلاقة بين المكوِّنَين بعدد مِن المراحل المعقَّدة، كان أبرزها المواجهات التي دارت بين رئيس الحزب، علي عبدالله صالح، وجماعة الحوثي، في ديسمبر 2017م، وأدَّت إلى مقتله على يد عناصر الجماعة.
وما يكسب هذا التصعيد رمزية خاصَّة تزامنه مع مناسبات سياسية مهمَّة، مثل الذكرى الـ 43 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس، والتي كان يخشى الحوثيون معها مِن هبَّة جماهيرية مناوئة لهم، وذكرى ثورة 26 سبتمبر ضدَّ النظام الإمامي، التي يُضِّيق الحوثيون عادة على المحتفلين بها، إضافة إلى ذكرى الانقلاب الحوثي على السلطة في 21 سبتمبر، حيث يسعى الحوثيون إلى ترميز ذكرى انقلابهم مقابل تهميش ثورة سبتمبر، وإلغاء أيِّ فعاليات شعبية قد تخرج الشارع عن السيطرة.
مظاهر التوتُّر ودوافعه:
برغم الضعف الذي وصل إليه المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، وتماهيه مع توجُّهات جماعة الحوثي، وتأكيده على الشراكة معها ضدَّ ما يعتبره “عدوانًا خارجيًّا”، فإنَّ الحوثيين لا يزالون يخشون مِن أيِّ طرف يرون إمكانية أن يُشكِّل حالة معارِضة لهم، وإن في المستقبل، لهذا يرفض الحوثيون أيَّ شراكة مع الكيانات الأخرى، مهما كانت شراكة شكلية، ومهما تماهت تلك الكيانات معها. وقد تجلَّت مظاهر استهداف الحوثيين للمؤتمريين بصنعاء مِن خلال:
1. إلزام المؤتمريين بفكِّ الارتباط بأسرة “صالح”:
يحرص مؤتمريو صنعاء على الارتباط بأسرة “صالح”، كترسيخ لرمزية الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، لهذا عمدوا إلى تعيين نجله “أحمد” نائبًا لرئيس الحزب؛ لكنَّ وجود “أحمد” في المنفى يُثير قلق الحوثيين تجاه إمكانية إعادة تموضعه كقوَّة سياسية معارِضة، لهذا أصدرت محكمة عسكرية تابعة للجماعة حكمًا بإعدامه، بتهمة ما اعتبرته “الخيانة والتخابر مع العدو”، كما يضغط الحوثيون على رئيس “المؤتمر” في صنعاء صادق أمين أبو راس لفصل “أحمد” مِن الحزب، بينما يتحجَّج المؤتمريون بأنَّ قرار الفصل يتطلَّب موافقة اللجنة العامَّة للحزب، في وقت ذكرت أوساط مقرَّبة مِن “المؤتمر” أنَّ الحزب بصدد فصل عدد مِن القيادات، بما فيها أحمد علي صالح. إضافة إلى ذلك فإنَّه مع تجنب أحمد اتِّخاذ موقف علني ضدَّ الحوثيين، فإنَّ حكم الإعدام الصادر بحقِّه يعكس قلق الحوثيين مِن إعادة استثمار أسرة صالح إقليميًّا لخدمة أجندات معيَّنة.
2. منع الفعاليات الوطنية والحزبية:
يسعى الحوثيون لإضعاف رمزية ثورة 26 سبتمبر، مقابل تعزيز رمزية انقلابهم على السلطة، والذي يوافق 21 سبتمبر، مِن أجل خلق رواية بديلة تُهمِّش الروايات التاريخية المرتبطة بثورة 26 سبتمبر، وتعيد صياغة التاريخ اليمني وفق رؤيتهم. هذا التوجُّه يعكس إستراتيجية الحوثيين لتفكيك الهوية السياسية للشعب اليمني، وإضعاف حضور المناسبات الوطنية في الذهنية اليمنية، وإضعاف قدرة أيِّ مكوِّن على استنهاض الشارع، مقابل ترميز الفعاليات الطائفية الخاصَّة بالجماعة.
كما يرى الحوثيون في أيِّ فعالية أو تجمُّع شعبي مهدِّدًا لهم، كون مثل هذه الفعاليَّات تمثِّل ساحة صراع على الشرعية الشعبية، وأيُّ فعالية حزبية في الظرف الحالي قد تتحوَّل إلى منصَّة شعبية للتعبير عن معارضة الجماعة، لهذا يسعى الحوثيون للسيطرة على الفضاء العام، وقمع أيِّ صوت لا يتماشى كلِّيًا معهم، وقد اتَّهموا “المؤتمر” في صنعاء بالتخطيط لحشد الشارع ضدَّهم، وذلك بالتزامن مع ذكرى تأسيس الحزب، والتي توافق 24 أغسطس. وبناء على ذلك قام الحوثيون -في 2 أغسطس الجاري- باقتحام اجتماع للجنة الدائمة للحزب، خُصِّص لمناقشة فعاليَّات التأسيس، وقاموا بتفريق المجتمعين، ومصادرة المبالغ المالية المخصَّصة للفعالية، وحوَّلوها إلى ما يُسمَّى “جهاز القوَّة الصاروخية” التابع للجماعة، كما قاموا بالضغط باتِّجاه إلغاء الفعالية، وهو ما تحقَّق فعليًّا، حيث أصدر مؤتمر صنعاء بيانًا، في 19 أغسطس الجاري، أعلن فيه إلغاء الاحتفال بذكرى تأسيسه، ونظرًا لعدم موافقة بعض قيادات الحزب على هذا البيان جرى اعتقالها مِن قبل مليشيا جماعة الحوثي.
3. الاعتقالات والمضايقات للقيادات المؤتمرية:
بين فترة وأخرى، يمارس الحوثيون حملة اعتقالات ضدَّ قيادات مؤتمرية في صنعاء؛ ففي 14 أغسطس نشر “المكتب الجهادي” التابع للحوثيين آلاف المسلَّحين بصنعاء، وطوَّقوا منازل عدد مِن القيادات المؤتمرية، بما في ذلك منزل رئيس الحزب، صادق أمين أبو راس، ومنزل الشيخ حمير الأحمر. وفي 20 أغسطس الجاري، اعتقل الحوثيون أمين عام “المؤتمر” بصنعاء، غازي الأحول، ومدير مكتبه، عادل ربيد، وعددًا مِن القيادات المؤتمرية المعارضة لبيان إلغاء فعالية ذكرى التأسيس، وفرضوا الإقامة الجبرية على آخرين. كما قامت جماعة الحوثي باعتقال عدد مِن الشخصيَّات المؤتمرية في محافظات إب وصنعاء وتعز، خوفًا مِن أيِّ انتفاضة محتملة بالتزامن مع هذه المناسبة. هذه الاعتقالات والمضايقات تهدف إلى تفكيك البنية التنظيمية لحزب “المؤتمر”، وخلق حالة مِن الخوف والتردُّد داخل الحزب، وتوجيهه بشكل كلِّي باتِّجاه أهداف الجماعة.
4. مصادرة أملاك “المؤتمر”:
يسعى الحوثيون لتفكيك البنية التمويلية لـ”المؤتمر”، ليس كحزب سياسي فقط، بل ككيان اجتماعي واقتصادي، حيث تقوم “لجنة أراضي القوَّات المسلَّحة”، وهي لجنة يقودها القيادي الحوثي، أبو حيدر جحَّاف، بمصادرة الأراضي التابعة للحزب، بحجَّة أن ملكيَّتها تابعة للقوَّات المسلَّحة، فيما قام جهاز “الحارس القضائي” بحجز عدد مِن العقارات الأخرى، بحجَّة أنَّها كانت مملوكة للرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، رغم وجود وثائق رسمية تؤكِّد تبعيَّتها لـ”المؤتمر”، وشمل ذلك مبنى “اللجنة الدائمة”، ومجموعة مِن المباني في “المدينة الليبية” شمالي صنعاء، ومساحات مِن الأراضي في حيِّ الحصبة. هذه الإجراءات يسعى الحوثيون مِن خلالها إلى تجريد مؤتمر صنعاء مِن موارده الاقتصادية، حتَّى لا يستفيد مِنها مستقبلًا في تفعيل حزبه وتحريك الشارع.
سيناريوهات التوتُّر:
في ظلِّ التوتُّر القائم بين مؤتمر صنعاء والحوثيين تتَّجه العلاقة بين المكوِّنين -فيما يبدو- نحو أحد السيناريوهات الآتية:
1- حلِّ مؤتمر صنعاء:
يدرك الحوثيون أنَّهم قد أخذوا ما يريدونه مِن “المؤتمر”، وبالتالي فبقاؤه لم يعد يمثِّل فرصة للجماعة، بل عبئًا سياسيًّا، وقد يمثِّل خطورة في حال قدرة الأطراف الإقليمية على توظيفه؛ لهذا قد تسعى الجماعة إلى الضغط باتِّجاه حلِّ الحزب، ويبدو أنَّ التخلُّص مِن رموزه مقدِّمة للحلِّ النهائي، لكنَّ هذا السيناريو يضعفه تخوُّف الحوثيين مِن أيِّ ردَّة فعل شعبية ممكنة، قد تربك المشهد السياسي والأمني في مناطق سيطرتها.
2- الوصول لحلول وسط:
مثَّل تحالف المؤتمر في صنعاء مع الحوثيين مغنمًا للجماعة، حيث استفادوا مِن خلفيَّتهم الإدارية، لتدريب كوادرهم في مؤسَّسات الدولة، واستفادوا مِن جمهورهم الشعبي في التحشيد لفعاليَّاتهم، وإبرازهم كشريك أمام المجتمع الدولي لإضفاء البعد السياسي على الجماعة “المسلَّحة”، لهذا قد تفضِّل الجماعة التوصُّل لحلٍّ وسط، يضمن بقاء الحزب بيدها بشكل كلِّي، مِن قبيل فكِّ الارتباط بأسرة “صالح”، أو التخلُّص مِن القيادات الداخلية التي لا تزال تعارض بعض قرارات جماعة الحوثي، مِن خلال إقالتهم وتعيين قيادات موالية كلِّيًّا للجماعة. ويبدو أنَّ الضغط المتزايد الذي يمارسه الحوثيون سيُجبر الحزب في النهاية على الخضوع لمطالبهم، بما في ذلك فصل أحمد علي صالح، فقد وصل الحزب إلى حالة مِن الضعف تجعله غير قادر على اتِّخاذ أيِّ موقف مخالف للجماعة. وهذا هو السيناريو المرجَّح.
3- التحرُّك الشعبي لمناصرة القيادات المؤتمرية:
يرتبط هذا السيناريو بتنامي الاستياء الشعبي المتزايد مِن الممارسات الحوثية، وهذا الأمر قد يؤدِّي إلى تعبئة القاعدة الشعبية للمؤتمر لمقاومة هذه الضغوط، وتأييد موقف قياداتهم المعتقلين، وهذا السيناريو وارد لكنَّه ضعيف، نظرًا لضعف البنية التنظيمية للحزب، وذوبان أدواته الشعبية وقواعده الجماهيرية في إطار المعادلة الحوثية.
خلاصة:
يعكس التوتُّر بين الحوثيين ومؤتمر صنعاء نزعة حوثية للهيمنة الكاملة على المشهد السياسي، وتفكيك أيِّ بنية سياسية قد تشكِّل تحدِّيًا لسيطرة الجماعة، مِن خلال إضعاف الرواية الوطنية، واستهداف القيادات، ومصادرة الأصول، مع احتكار الفضاء السياسي والاجتماعي، ما يُهدِّد الاستقرار، ويؤدِّي إلى إضعاف النسيج الوطني، كما يظهر أنَّ مستقبل العلاقة بين المكوِّنين يتوقَّف على قدرة “المؤتمر” على الصمود، ومقاومة التهديدات، أو خضوعه للضغط والاستلاب الحوثي.