الخلاصة:
التفاصيل:
الهدنة أمام اختبار مصداقية جماعة الحوثي في مسار الحرب والسلام في اليمن
تحت عنوان (اختبار الهدنة: الحوثيون وحرب السرديات في اليمن)، نشرت "مجموعة الأزمات الدولية" تقريرًا مطوَّلًا لها، بتاريخ 29 أبريل/ نيسان، قالت فيه: إنَّ هدنة الشَّهرين في اليمن، وإعادة تشكيل السلطات التنفيذية في الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليًّا، تعدُّ فرصة، إن لم يكن مِن أجل السلام، فعلى الأقل مِن أجل إجراء مفاوضات تهدف إلى تحقيقه؛ إلَّا أنَّ الوصول إلى المفاوضات سيتطلَّب التغلُّب على عقبة يرى كثيرون ألَّا سبيل إلى تذليلها، وهي الحوار مع المتمرِّدين الحوثيين.
وعن أهمية الحوار مع المتمرِّدين الحوثيين قالت: "يبقى الحوثيون لغزًا للكثير مِن غير اليمنيين، لكنَّهم أساسيون في التوصل إلى حلٍّ تفاوضي". حيث أنَّهم -حتى الآن- لم يظهروا علامات تذكر على أنَّهم سيقدمون التنازلات الضرورية لإنهاء الحرب، لكن فرص نجاح الجهود الرامية إلى الحوار معهم أكبر مِن فرص فرض المزيد مِن العزلة عليهم لإقناعهم بتقديم تلك التنازلات".
وإزاء هذا الغموض الحوثي، ما الذي ينبغي فعله؟ سيحتاج الدُّبلوماسيون الغربيون إلى لعب سياسة (العصا والجزرة) معًا، لإقناع الحوثيين بالانخراط في الحوار، وينبغي على الجهات المعنية الدولية تشكيل مجموعة عمل للتواصل مع الحوثيين في صنعاء، والتحضير لمفاوضات يمنية- يمنية شاملة، لرسم مسار الخروج مِن الصراع.
وقال التقرير: لقد فتحت عاصفة الأحداث المتتابعة نافذة لفرصة صغيرة، إن لم يكن مِن أجل تحقيق السلام، فللتحوُّل مِن التنافس العنيف إلى المفاوضات السياسية في اليمن، حيث تشكِّل اللحظة الراهنة اختبارًا لفرضيَّتين بشأن المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء، منذ عام 2014م.
الفرضية الأولى، التي قدَّمها خصومهم، تقول: إنَّ الجماعة عبارة عن تنظيم متطرِّف تابع لإيران، وغير قادر على الانخراط بنيَّة طيبة، ناهيك عن تقديم التنازلات المطلوبة لإنهاء الحرب. أمَّا الفرضية الثانية فتقول: إنَّ الحوثيين [الذين يُعرفون أيضًا بـ(أنصار الله)]، سيتوجَّهون إلى طاولة المفاوضات إذا قُدِّم لهم المزيج المناسب مِن الحوافز والمقترحات الواقعية لتحقيق السلام، على الأقل لمنح أنفسهم استراحة مِن القتال والحرمان الاقتصادي.
وفي كلِّ الأحوال، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ الحرب لن تنتهي دون موافقة الحوثيين، وبوجود هدنة تشمل البلاد بأسرها، ينبغي على الدبلوماسيين التواصل مع الحوثيين للحصول على موافقتهم على تمديد الهدنة، والمشاركة في مفاوضات يمنية- يمنية شاملة، تهدف إلى وضع حدٍّ للصراع المريع، المستمر منذ سبع سنوات.
مشيرًا الى أنَّ الأمم المتحدة كانت أعلنت أنَّها قد توسَّطت للتوصُّل إلى الهدنة في 1 أبريل/ نيسان، بعد أن أوصلت التحوُّلات الجارية على الأرض المواجهة العسكرية إلى ما يشبه التَّوازن، للمرَّة الأولى منذ عدة سنوات. فبعد أقل مِن أسبوع، رتَّبت المملكة العربية السعودية تنحية الرئيس اليمني، المعترف به دوليًّا، عبدربه منصور هادي، الذي كان قد تحوَّل على مدى مسار الصراع مِن حاضن لشرعية الدَّولة إلى عقبة تحول في الوقت نفسه دون متابعة الحرب، وأيضًا دون إيجاد السبل المفضية إلى السلام. حيث استُبدِالَ هادي بمجلس رئاسي يتكوَّن جزئيًّا مِن قادة بارزين، ضالعين في محاربة الحوثيين، إضافة إلى نخب سياسية مقرَّبة مِن الرياض وأبو ظبي، وهو ما قدَّم للحوثيين تأكيدًا للنُّفوذ السعودي على الحكومة، وأيضًا نظيرًا تفاوضيًّا أكثر مصداقية، مع سعي الأمم المتحدة لترجمة الهدنة إلى حوار بشأن إنهاء الحرب. وبعد أيَّام مِن تعيين المجلس، زار مبعوث الأمم المتحدة، "هانس غروندبيرغ"، صنعاء في محاولة لتمديد الهدنة، وتحضير الأرضية للمفاوضات السياسية.
وفي وقت سابق مِن عام 2022م، كان الحوثيون قد احتلُّوا عناوين الأخبار، بإعلان مسئوليَّتهم عن الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على الإمارات العربية المتحدة، ردًّا على المكاسب التي حقَّقتها القوات المعادية للحوثيين والمدعومة إماراتيًّا في ميدان المعركة. وشكَّلت الضَّربات تذكيرًا بأنَّه، وبعد سقوط أكثر مِن 100,000 قتيل، فإنَّ الحرب لا تزال تشكِّل تهديدًا لحياة ملايين الناس داخل اليمن، وأيضًا لاستقرار منطقة الخليج. كما أنَّها أعادت إثارة نقاش بشأن طبيعة التيار الحوثي. خصوم الحوثيين يقولون: إنَّ الحوثيين يُعَدُّون وكلاء لإيران في اليمن، ويحكمون مِن خلال إثارة الرعب، وأنَّ لديهم تطلُّعات توسعية. بينما يصوِّر الحوثيون أنفسهم على أنَّهم ثوريُّون ومستضعفون، يقاومون حربًا عدوانية سعودية، مدَّعِين أنَّهم صادقون في جهودهم لإنهاء الحرب، وأنَّهم طرحوا شروطهم بوضوح، لكنَّ المقترحات المقابلة التي يتقدَّم بها خصومهم غير واقعية. وفي الواقع ليس هناك تقدُّم لأيٍّ مِن السَّرديَّتين.
ففي حين لا يذكر الحوثيون أنَّ الكثير مِن اليمنيين ليسوا إلى جانبهم، وأنَّ أولئك الذين يقاتلون ضدَّهم على الأرض يقاومون حكمهم، وليسوا مجرَّد بنادق مستأجرة؛ يقول خصوم الحوثيين -مِن جهتهم: إنَّ الجماعة عازمة على تأسيس نظام سياسي طبقي يحكمه "رجال الدِّين"، ويشيرون إلى هجمات الحوثيين على المناطق المأهولة بالسُّكان، وإلى تكتيكات الدولة البوليسية التي يستخدمونها كأمثلة على تطرُّفهم.
مكاسب الحوثيين الأخيرة، وخسائرهم على الأرض، وهجماتهم الأخيرة على الإمارات والسعودية، والهدنة، والاندفاع نحو التَّوصُّل إلى تسوية سياسية، شحنت الأسئلة المتعلِّقة بهوية الحوثيين، وما يريدونه، وكيفية إحضارهم إلى طاولة المفاوضات، بدرجة متجدِّدة مِن الإلحاح. بالنسبة للبعض، يتمثَّل الجواب في عزلهم، والضَّغط عليهم عسكريًّا واقتصاديًّا. أمَّا بالنسبة لآخرين، فيتمثَّل في إيجاد الحوافز المناسبة لإخراجهم مِن عزلتهم؛ على سبيل المثال بتلبية مطالب الحوثيين القديمة، برفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة، على ساحل البحر الأحمر، وإعادة فتح مطار صنعاء الدُّولي أمام الرحلات التجارية.
وقد تحقَّق كلا هذين الشَّرطين الآن كجزء مِن الهدنة، ولو بشكل محدود؛ حيث يسمح الاتِّفاق بهبوط رحلتين جوِّيَّتين أسبوعيًّا، في صنعاء، وبتخفيف الحصار على شحنات الوقود الواصلة إلى الحديدة. أمَّا عمَّا إذا كان هذا كافيًا لإحضار الحوثيين إلى طاولة المفاوضات فهو ما سيتم اختباره، وهو ما ينبغي على الحوثيين مِن جهتهم تقديم تنازلات لاستدامة وتمديد الهدنة؛ إذ ينبغي عليهم استعادة إمكانية الوصول عبر الطُّرق إلى مدينة تعز التي يحاصرونها منذ سبع سنوات.
ومهما يحدث تاليًا، ينبغي على الجهود الرامية لإنهاء الحرب أن تعالج أربع اعتبارات رئيسة ترتبط بالحوثيين. يتمثَّل الأول في حقيقة أنَّه، وحتى مطلع عام 2022م، بدا وكأنَّهم يكسبون في الحرب الرامية إلى السيطرة على المرتفعات الشمالية في اليمن، وأنَّهم ما يزالون القوَّة المهيمنة في المناطق الأكثر كثافة سكانية في البلاد، بما في ذلك صنعاء. الاعتبار الثَّاني هو أنَّ المخاطرة في حدوث المزيد مِن الضربات الحوثية للسعودية والإمارات، والتهديد الذي تتعرَّض له التجارة البحرية حول اليمن، ستبقى ماثلة طالما ظلَّت الحرب مستمرة. والاعتبار الثالث هو أنَّه حتى لو كانت الحرب صراعًا متعدِّد الأطراف يمكن إنهاؤه مِن خلال عملية سلام أوسع وحسب، فإنَّه لا يمكن إنهاء الحرب دون التَّوصُّل إلى تفاهم بين السعودية والحوثيين، حيث أنَّ السعودية لا تقبل بتسوية تترك للحوثيين السيطرة المطلقة، وأن يظل متحالفًا على نحو وثيق مع إيران، ومسلحًا بأسلحة متوسطة وطويلة المدى. وأمَّا العامل الرابع والأخير، فهو أنَّ خصوم الحوثيين المحليين يرفضون فكرة العيش في دولة يهيمن عليها الحوثيون، وفي كثير مِن الحالات، تعهَّدوا بالاستمرار في القتال في حال لم تعالج التسوية هواجسهم. حتى أكثر اليمنيين تشدُّدًا في معاداة الحوثيين يدركون أنَّه قريبًا قد لا يكون أمامهم خيار سوى التَّوصُّل إلى نوع مِن التسوية معهم تحافظ على الوضع القائم، بالنظر إلى أنَّه مِن المفهوم على نطاق واسع أنَّ الرياض عازمة على إيجاد مخرج مِن الصراع. لكن، في غياب تحوُّل في التكتيكات العسكرية والسياسية للحوثيين، فإنَّ كثيرين في هذا المعسكر يتوقَّعون أنَّه بدلًا مِن أن يفضي التوصُّل إلى نوع مِن التسوية المؤقَّتة إلى عملية سلام، فإنَّه لن يتعدَّى كونه مقدِّمة إلى مرحلة جديدة مِن الحرب.
النهج الطويل والشامل لمواجهة إستراتيجية إيران الإقليمية
في 8 مايو/ آيار، نشر "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" الأمريكي، تقريرًا معمَّقًا، للقائد العسكري الإسرائيلي المتقاعد، اللواء "ايال زامير"، بعنوان "مواجهة إستراتيجية إيران الإقليمية: نهج طويل الأجل وشامل"، قال فيه: إنَّه يمكن للرَّدِّ المنسَّق على العدوان الإيراني أن يحافظ على المصالح الأمريكية والغربية، ويعزِّز الحلفاء العرب لإسرائيل وأمريكا، والاستقرار الإقليمي.
وأوضح أنَّه على مدى عقود، سعت جمهورية إيران الإسلامية إلى بسط نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأصبح التهديد أكثر خطورة، وسط تعزيز القدرات العسكرية التقليدية للنظام، وقربه مِن اختراق نووي، حيث قاد "الحرس الثوري" الإيراني إستراتيجية "العواصم الأربع" التوسعية لطهران، والتي ركَّزت على بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء. ففي العراق، يعمل "الحرس الثوري" الإيراني مِن خلال عناصر مِن قوات "الحشد الشعبي"، التي تموِّلها الحكومة؛ وفي سوريا، مِن خلال نظام بشَّار الأسد. وفي لبنان، مِن خلال "حزب الله"، الذي يمكن اعتباره وكيل إيران "النَّموذجي". وفي اليمن، مِن خلال الحوثيين الذين يسيطرون على بعض الأراضي، ويعارضون الحكومة، المعترف بها دوليًّا. وفي جميع هذه الأماكن، استغلَّ "الحرس الثوري" الإيراني الحروب الأهلية، والصِّراعات بين الدُّول، لنشر نفوذه السياسي والاقتصادي والعسكري.
وأوضح أنَّه بينما الولايات المتحدة، والقوى العظمى الأخرى، وإسرائيل، ومختلف الدول العربية، تركز على وقف البرنامج النووي الإيراني، تواصل الجمهورية الإسلامية الايرانية بناء جيشها الخاص، وهو "الجيش الشيعي الإقليمي" الراديكالي، لتحقيق الهيمنة الإقليمية لإيران. حيث يوجد على جانب واحد محور راديكالي يقوده النظام الايراني، وعلى الجانب الآخر يقف فريق الأمم المتحدة، ودول أخرى، مثل إسرائيل، وبعض الدول العربية، وأبرزها المملكة العربية السعودية، ودول الخليج الأخرى، ومصر والأردن.
وفي حين أنَّ الحملة الدولية ضدَّ إيران قائمة، يستمر الوكلاء لإيران في نشاطهم بالمنطقة، وسيحدِّدون مستقبل المنطقة، حيث تطوَّر "محور المقاومة"، كما تسميه إيران في السنوات الأخيرة، إلى تهديد إستراتيجي إقليمي، تعمل إيران مِن خلاله على زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، وترسيخ وجودها في دول المنطقة، وتعطيل المنطقة النظام، وتقويض الاستقرار، والتهديد بالقضاء على دولة إسرائيل.
وقال التقرير: إنَّ إيران تعمل على تعزيز هدفها الأيديولوجي في المنطقة، والمتمثل في تصدير الثورة الإسلامية، وبلوغ الهيمنة الإقليمية على مسارين: تحقيق القدرات النووية العسكرية، وبناء القوات التقليدية، والمسار الأخير يضمُّ "الحرس الثوري" الإيراني، وجيشه الشيعي الإقليمي الراديكالي.
وأوضح أنَّ هذين المشروعين قد يبدوان غير ذي صلة، لكنَّ كلاهما يدعم نفس الإستراتيجية الشاملة لإيران، حيث يتغذَّيان وتقودهم آليَّات موحَّدة داخل القيادة الإيرانية العليا، بما في ذلك المرشد الأعلى لها. مشيرًا إلى أنَّه حتَّى لو توقَّف البرنامج النووي الإيراني أو جرى تجميده لبعض الوقت، فإنَّ إيران مِن خلال قدراتها الأخرى، التقليدية ظاهريًّا، أصبحت قادرة على تحرُّك "شبه نووي" أو "فوق تقليدي" غير مسبوق، يمكنها مِن خلاله تهديد دول المنطقة، والمناطق العمرانية لسكَّانها، ونسف بنيتها التحتية.
الحرب الروسية الأوكرانية ترفع تكلفة استيراد القمح لليمن
وبعنوان (أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) الأمريكي، لرئيسة برنامج الأمن الغذائي في المركز، مقالًا قالت فيه: ترفع الحرب الروسية الأوكرانية تكلفة المواد الغذائية الأساسية في وقت يشهد فيه اليمن انعدام الأمن الغذائي بشكل شديد، حيث يعاني أكثر مِن 17 مليون شخص، أو أكثر مِن نصف سكَّان اليمن، مِن انعدام الأمن الغذائي، ويعاني 5.6 مليون شخص مِن مستويات طارئة مِن انعدام الأمن الغذائي. كما يعاني 31.000 شخص مِن ظروف شبيهة بالمجاعة، بسبب الحرب الأهلية المستمرة في البلاد، حيث يعتمد اليمن بشكل كبير على واردات الغذاء والمساعدات الدُّولية لتلبية احتياجاته الغذائية. وقالت: "تتجاوز القيمة الإجمالية للواردات الغذائية قيمة جميع الصادرات مِن اليمن"، مشيرة إلى أنَّ المساعدات الغذائية لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة (WFP) تصل إلى 11 مليون يمني كمساعدة غذائية طارئة.
وأوضحت أنَّ اليمن يتأثَّر بشكل مضاعف بعرقلة تصدير القمح عبر البحر الأسود، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث "يشتري اليمن ما يقرب مِن 45% مِن وارداته مِن القمح، مِن روسيا وأوكرانيا، و12% أخرى مِن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". علاوة على ذلك، رفعت هذه الحرب تكلفة المساعدات الغذائية الطارئة مِن برنامج الأغذية العالمي بحوالي 23 مليار دولار شهريًّا، ممَّا قد يحدُّ مِن وصول مساعدات برنامج الأغذية العالمي المنقذة للحياة في اليمن، في الوقت الذي تعدُّ فيه البنية التحتية الزراعية في اليمن غير موجَّهة نحو إنتاج الحبوب، كما أنَّ ارتفاع تكلفة الوقود يزيد مِن تكاليف الإنتاج للمزارعين اليمنيين.
الدور الأوربِّي في الأمن البحري الخليجي
ونشر معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في 9 مايو/ أيار، تقريرًا بعنوان "الدور الأوربِّي في أمن الملاحة البحرية للخليج"، قال فيه: إنَّه في فبراير/ شباط 2022م، اجتمع مجلس الاتحاد الأوربِّي في بروكسل لمناقشة توسيع مفهوم الوجود البحري المنسق (CMP)، ليشمل شمال غرب المحيط الهندي، حيث تمَّ تجريبها لأوَّل مرَّة في خليج غينيا، في بداية عام 2021م، وهي أداة مرنة لتعزيز مشاركات الأمن البحري مِن خلال تعزيز الوعي المشترك، والتحليل، والمعلومات، في المجال البحري بين الدُّول الأعضاء".
وقال: هكذا خلص المجلس إلى أنَّه يجب على الاتحاد الأوربِّي تعزيز التنسيق والتعاون مع بعثة المراقبة الأوربِّية للتوعية البحرية، في مضيق هرمز EMASOH))، في مهمَّة المراقبة الأمنية، والتي تعدُّ ضمن شمال غرب المحيط الهندي، وهي منطقة تمتدُّ مِن مضيق هرمز إلى المنطقة الاستوائية الجنوبية، ومِن شمال البحر الأحمر باتِّجاه مركز المحيط الهندي، وهي "منطقة بحرية ذات أهمية" (MAI).
وأوضح أنَّ هذه القرارات الأوربِّية -وخاصَّة تحديد المنطقة البحرية ذات الأهمية- شكَّلت إجماعًا نادرًا بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربِّي، حيث ينظر إلى أنَّ الأمن البحري للخليج يعدُّ مصلحة إستراتيجية لأورُبَّا بالكامل.
وأضاف أنَّه تمَّ إطلاق "بعثة المراقبة الأوربِّية للتوعية البحرية في مضيق هرمز"، وهي مبادرة فرنسية، في يناير/ كانون الثاني 2020م، لتعزيز خفض التصعيد الإقليمي في الخليج، وضمان حرية الملاحة في البحار حول مضيق هرمز، حيث يقع مقرُّ هذه البعثة الرئيس في قاعدة "كامب دي لا بيك" البحرية، الفرنسية، في أبو ظبي. وقد تمَّ إنشاؤها ردًّا على الهجمات الإيرانية على الناقلات والسفن التجارية في المياه الإماراتية، والضربات على منشأتي بقيق وخريص النفطيَّتين في المملكة العربية السعودية، اللَّتان وقعتا خلال العام 2019م.
وذكر أنَّه بعد وقت قصير مِن هذه الهجمات، وتحديدًا في يناير/ كانون الثاني 2020م، أطلقت بلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا والبرتغال بعثة (EMASOH)، للقيام بمهمَّة المراقبة الأمنية البحرية، بحجَّة أنَّ مثل هذه الحوادث تقوِّض حرية الملاحة في الخليج، وسلامة السفن في مضيق هرمز، ويشمل الجانب العسكري في هذه البعثة الأوربِّية، "عملية AGÉNOR"، التي تضمُّ دول الاتحاد الأوربِّي الثَّمان، بالإضافة إلى النرويج، والتي تقوم بدوريات عسكرية في الممرِّ المائي بسبع سفن عسكرية، ووحدة مراقبة جوية.
وأوضح أنَّه منذ مارس/ آذار 2022م، كانت هذه العملية تحت القيادة البلجيكية، وأنَّ سبعة مِن الدول التسع المشاركة حاضرة حاليًا في المقر الرئيس للبعثة، في أبو ظبي، بينما تدعم البرتغال وألمانيا المسار الدبلوماسي لهذه البعثة.
وأكَّد أنَّ قرار المجلس الأوربِّي بتبنِّي مهمَّة بعثة (EMASOH) رسميًا، والتي تعمل بالتوازي مع "مشروع بناء الأمن البحري الدولي- (IMSC)"، الذي تقوده الولايات المتحدة، ويعتبر خطوة متواضعة في اتِّجاه اعتراف الأوربِّيين بأنَّهم لن يكونوا قادرين دائمًا على الاعتماد على الولايات المتحدة في الدِّفاع عن مصالحهم، حتى في الخليج، الذي طالما اعتُبر في أوربَّا بأنَّه "بحيرة أمريكية".
وفي رد على تساؤل: إلى أين يتَّجه الدور الأمني الأوربِّي في الخليج؟
قال تقرير معهد واشنطن الأمريكي: إنَّ هذا لا يعني أنَّ الولايات المتحدة تغادر الخليج، أو الشرق الأوسط على نطاق أوسع. حتى مع تقليص حجم القوات الأمريكية على مدار العامين الماضيين، لا يزال لدى الولايات المتحدة أكثر مِن 13.000 جندي، وقواعد عسكرية كبيرة في الخليج، وتلعب دورًا مركزيًّا في عدد مِن المهام الأمنية متعدِّدة الأطراف، بما في ذلك المجال البحري. وعلى الرغم مِن ذلك، فإنَّ الولايات المتحدة تعيد ضبط مشاركتها بالتأكيد، مدفوعة بإرهاق الحرب في الداخل، وتحويل المصالح في الخارج، بما في ذلك محور احتواء الصِّين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وإنهاء الاعتماد الأمريكي على إمدادات الطَّاقة في الشرق الأوسط، والذي كان منذ فترة طويلة السَّبب الرئيس لموقفها الإقليمي.
وقال: إنَّه على العكس مِن ذلك، وفي ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، تسعى أوربَّا إلى تعزيز علاقاتها في مجال الطاقة مع موردي الشرق الأوسط للتغلب على اعتمادها على النفط والغاز الرُّوسيين، وهو جهد مِن المرجَّح أن يتصاعد فقط في حالة قيام الاتحاد الأوربِّي برفع مستوى علاقاته، حيث أنَّ التحركات لحظر واردات النفط الروسي أدَّى إلى التواصل الأوربِّي مع الجزائر والمغرب، فضلًا عن الدفع لإعادة النظر في البنية التحتية الجديدة للطاقة، لتسهيل الواردات مِن دول شرق البحر المتوسط، وأنَّ بعض العواصم الأوربِّية تتطلَّع أيضًا إلى الغاز الإيراني باهتمام متجدِّد، وبالتالي تضاعف جهودها لإحياء خطَّة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في أقرب وقت ممكن.
وأوضح أنَّه في حين أنَّ شمال إفريقيا، وإيران، وشرق البحر الأبيض المتوسط، تعدُّ خيارات مجدية على المدى الطويل، فإنَّ البنى التحتية للطاقة الحالية في هذه الأماكن إمَّا مهجورة أو غير موجودة، ممَّا يحول دون حلٍّ سريع لأزمة الطاقة في أوربَّا. وسيكون الفوز بالجائزة الكبرى هو تأمين شراكة في مجال الطاقة مع دول الخليج، والتي يمكن أن تزيد الإمدادات إلى أوربَّا بسرعة أكبر، وتكون لديها القدرة على استقرار سوق الطاقة العالمية على حساب روسيا، حيث أبرمت إيطاليا وألمانيا بالفعل صفقات توريد الغاز مع قطر، بينما ستبدأ شركة "توتال إنرجي" الفرنسية شحن النفط الإماراتي إلى أوربَّا هذا الشهر، كما سيقوم الاتحاد الأوربِّي هذا الشهر أيضًا بالتخطيط لإطلاق إستراتيجية طاقة جديدة ستتميَّز بشراكة الطاقة الخضراء مع دول الخليج، والتوسع في صفقات الهيدروجين الحالية بين الدُّول الأعضاء في الاتحاد الأوربِّي، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وكشف أنَّ صانعي السياسة الأوربِّيين يدركون أنَّه إذا أصبحت البحار المحيطة بشبه الجزيرة العربية قناة لحصَّة متزايدة مِن شحنات الطاقة الحيوية إلى أوربَّا، فإنَّ الأمن البحري في الخليج سيصبح مصلحة إستراتيجية للاتِّحاد الأوربِّي، حيث أنَّ هذا الفضاء البحري له بالفعل أهمية إستراتيجية لأوربَّا اقتصاديًّا.
لتحميل المادة اضغط هنا