خلافًا للشهر السابق، حظيت الأوضاع في اليمن بتغطية جيدة؛ ويعود ذلك بطبيعة الحال إلى التطورات التي حدثت في الرياض، والتي تمَّ بموجبها نقل السلطة الشرعية في اليمن مِن الرئيس السابق، عبدربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، إلى مجلس قياده رئاسي، وموافقة السعودية والأطراف اليمنية على هدنة لمدة شهرين مع الحوثيين قابلة للتجديد.
ما وراء إعلان الهدنة والمجلس الرئاسي في اليمن؟
تحت هذا العنوان، نشر موقع (مجموعة الأزمات الدولية) تقريرًا تحليليًّا، في 8 أبريل/ نيسان، للخبير بالشأن اليمني لدى المجموعة، "بيتر سالزبوري"، قال فيه: لقد سرت شائعات منذ وقت طويل بحدوث تغيير في قمة الهرم (اليمني). ففي منتصف عام 2021م، كان قد ظهر إجماع واسع في الكتلة المعادية للحوثيين على أنَّ الوضع السياسي الراهن غير قابل للاستدامة. وكان هناك إقرار على نطاق واسع بأنَّ هادي لا يفرض سيطرة أو نفوذًا يذكر على معظم المجموعات الرئيسة المعادية للحوثيين، والممثَّلة الآن في المجلس القيادي الرئاسي. كما لم يوفِّر قيادة تذكر؛ وكانت القوى المعادية للحوثيين تمزِّقها النزاعات الفصائلية.
في سبتمبر/ أيلول 2021م، حقَّق الحوثيون اختراقات في وسط وشمال اليمن، سمحت لهم بالإحاطة بشكل كامل تقريبًا بمدينة مأرب. وحده تدخُّل القوات المتحالفة مع الإمارات العربية المتحدة، في محافظتي شبوة ومأرب، منع دفاعات الحكومة مِن الانهيار. وكانت هذه الهجمات، التي استمرَّت على مدى الأشهر القليلة الماضية، المرَّة الأولى التي يخسر فيها الحوثيون مناطق على مدى أربع سنوات تقريبًا. إلَّا أنَّ القوات التي تقودها الحكومة فشلت لاحقًا في البناء على هذه المكاسب، خصوصًا وأنَّها أثبتت عدم قدرتها على السيطرة على مدينة واحدة في شمال اليمن. وأنَّ هذه الصُّعوبات، والضائقة الاقتصادية الشديدة في المناطق الخاضعة اسميًّا لسيطرة الحكومة، يعدَّان دليلا على أنَّ هادي ومحسن كانا أضعف مِن أن يقودا الحكومة.
في الساعات التي تلت تشكيل المجلس، أعلنت الرياض والإمارات عن تقديم ثلاثة مليارات دولار كمساعدات لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد اليمني المتداعي. وكجزء مِن قراره تشكيل المجلس، عيَّن هادي أيضًا لجنة اقتصادية جديدة؛ لكن مِن غير الواضح ما الذي أقنع هادي بالتَّنحِّي بعد سنوات عدَّة مِن المناورات لتفادي التخلي عن السلطة، لكن يُعتقد على نطاق واسع أنَّ السعوديين الذين استضافوه على مدى السنوات السبع الماضية هم الذين أجبروه على فعل ذلك.
السؤال المهم هو، ما إذا كان المجلس قد شُكِّل لتعزيز جانب الحكومة في الحرب أو للسعي مِن أجل السلام. في قراءته لملاحظات مكتوبة خلال الجلسة الختامية لاجتماع مجلس التعاون الخليجي، قال رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك سعيد، الذي احتفظ بمنصبه رئيسًا للحكومة: إنَّ المشاركين كانوا قد اتفقوا على أنَّه ليس هناك حلٌّ عسكري للحرب، وتوصَّلوا بدلًا مِن ذلك إلى إجماع على السَّعي لتحقيق السلام مع الحوثيين.
ويشير عدَّة أشخاص شاركوا في محادثات الرياض إلى لغة استخدمت في المرسوم الرئاسي تفوِّض المجلس الرئاسي بالتفاوض على وقف إطلاق نار دائم، والتوصل إلى حل سياسي شامل للصراع.
ويقول هؤلاء ومسئولو مجلس التعاون الخليجي إنَّ "المفاوضات ستكون أولوية". كما أنَّ الرياض ستأخذ بالاعتبار أيضًا أنَّ المجلس يشمل فصائل متنافسة، وبالتالي فإنَّها ستتحرك بسرعة على الأرجح قبل أن تخرج التوترات الداخلية إلى السطح. لكن البعض في المعسكر المعادي للحوثيين يجادل أصلًا بأنَّه ينبغي على المجلس الرئاسي أن يعمل على توحيد الجهود العسكرية بدلًا مِن التقدم بمبادرات سلام.
وفي ردٍّ على تساؤل لماذا تحدث هذه الأمور الآن؟ قال سالزبوري: إنَّه مِن المرجح أن تكون الهدنة (بين الحكومة والحوثيين) وتعيين المجلس الرئاسي نتيجتان لتغيُّرات في ديناميكيات الصراع على مدى عامي 2021م و2022م. ففي أواخر عام 2021م، كان الحوثيون مقتنعين بأنَّهم سيدخلون مأرب، وبالتالي اعتبروا أنَّ الهدنة تضرُّ بآفاق سيطرتهم على المدينة والمحافظة التي تحمل اسمها. الحكومة وحلفاؤها -مِن جهتهم- اعتبروا شروط الحوثيين لوقف إطلاق النار، أي رفع جميع القيود عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء، اعتداء على السلطة السيادية للحكومة. كما أنَّ الرياض أيضًا لم ترغب بتقديم التنازلات للحوثيين دون مقابل ذي معنى، يرتبط على الأرجح بمطلبها بقطع علاقات الجماعة بإيران. وسيطرة الحوثيين الكاملة على مأرب -التي بدت ممكنة قبل بضعة أشهر- لم تتحقَّق، حيث كان سقوط مأرب في أيدي الحوثيين سيمنحهم إمكانية الوصول ليس فقط إلى حقول النفط الرئيسة في اليمن، بل أيضًا إلى الشريط الصحراوي على الحدود مع السعودية.
وقد قالت الرياض منذ وقت طويل: إنَّها تريد حلًّا تفاوضيًا للحرب؛ وتعرَّضت لضغوط مِن الولايات المتحدة (الأمريكية) لإيجاد طريقة لإنهاء الصراع. لكن كان مِن الواضح أنَّ الحلَّ لن يكون ممكنًا وهادي في الرئاسة. مِن حيث المبدأ، ينبغي أن يوفر تشكيل المجلس الرئاسي شريكًا تفاوضيًّا ذي مصداقية للحوثيين، رغم أنَّه ليس مِن الواضح نهائيًّا ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى إجراء محادثات جدية. حتى الآن، سَخِر المتمردون مِن المجلس، وقالوا: إنَّهم سيتفاوضون مع السعوديين وحسب.
مصير جهود السلام على ضوء المتغيرات السياسية
في مقابلة لها مع موقع "نيو بوليتكس" (السياسة الجديدة)، في 13 أبريل/ نيسان، قالت "هيلين لاكنر"، وهي باحثة مشاركة في معهد (SOAS)، بجامعة لندن، ومؤلفة كتاب (اليمن في أزمة: الطريق إلى الحرب): إنَّ الفرضية القائمة بشكل أساسي تشير إلى الرهانات المعقودة على نوع الدولة في اليمن التي ستوجد بعد انتهاء الصراع، ونوع النظام الذي ستتمتع به، وكيف سيبقى شعبها على قيد الحياة؟
وأوضحت أنَّ الربيع العربي في اليمن كان حركة قد بدأت بالفعل قبل بداية عام 2011م، حيث شهد العقد الماضي مستوى متزايدًا مِن الإحباط والغضب، مِن قبل اليمنيين بشكل عام، بسبب تدهور مستوياتهم المعيشية والمحدودية المتزايدة في إدارة النظام الديمقراطي هناك، والذي كان الناس فيه يتخلَّون عن فكرة إمكانية تغيير النظام مِن خلال الانتخابات لأنَّهم رأوا أنَّ العملية الانتخابية تمَّ التلاعب بها إلى حدٍّ كبير.
وذكرت أنَّه مِن الخطأ القول: إنَّ اليمنيين اتَّبعوا ثورة مصر وتونس في عام 2011م، حيث كان اليمنيون قد شاركوا بالفعل في مظاهرات بالشوارع عندما ظهرت هذه الحركات الأخرى، ولكن بطبيعة الحال، تشجَّع اليمنيون بشدَّة بما جرى في تونس ومصر لاحقًا. وقالت: "كنت في صنعاء عندما سقط مبارك، وكان الناس يتظاهرون منذ أسابيع، ونصبوا خيامهم في أجزاء مختلفة مِن المدينة، لكن عندما سقط مبارك حدث هذا الانفجار المفاجئ في أبواق السيارات، والنَّاس صرخوا في جميع أنحاء البلد بحماس. لذلك كانوا هناك بالفعل، وما حدث في بلدان أخرى شجَّع الحركة اليمنية على التطور، ولكن في الوقت نفسه، كان صالح سياسيًا ماكرًا للغاية".
وحول الحكومة الشرعية، قالت "لاكنر": الرصيد الوحيد للحكومة اليمنية هو أنَّها معترف بها دوليًا، لكن وجودها على الأرض يكاد يكون صفرًا، حيث كان هادي ومعظم أعضاء حكومته يقيمون في الرياض، منذ عام 2015م. أحيانًا يسمح الانفصاليون الجنوبيون، الذين يسيطرون الآن على عدن، لبعض وزراء هادي بالحضور وقضاء بعض الوقت في عدن، لكنَّ إقامتهم هناك بالفعل تحت رحمة "المجلس الانتقالي" الجنوبي.
وأوضحت أن الاعتراف الدولي بالحكومة اليمنية راجع بشكل أساسي الى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 لعام 2015، الذي ينص على أن هادي هو الرئيس الشرعي، بينما يمكن للمحامين والخبراء القانونيين تحليل شرعيته بغير ذلك، لأنه تم انتخابه في عام 2012 لمدة عامين فقط، انتهت في شباط/فبراير 2014. ثم تم تمديد فترة ولايته من قبل مبعوث الأمم المتحدة آنذاك، ولم أجد مطلقا أي دليل يشرح مدة التمديد أو السلطة التي تقلدها لفترة طويلة.
وإذا نظرت إلى اليمن في الوقت الحالي، ستجد أنَّ الحوثيين يسيطرون على حوالي ثلثي السكان، وبقية المناطق مقسَّمة بين خمس أو ست أو سبع مجموعات مختلفة، تضمُّ المجموعة التي تقع رسميًّا تحت اسم الحكومة، والتي يسيطر على بعضها فعليًّا "المجلس الانتقالي" الجنوبي، وأنَّ الخلافات والاقتتال المباشر بين "المجلس الانتقالي" الجنوبي وأجزاء أخرى مِن الحكومة تكاد تكون شديدة، مثل تلك التي بينها وبين الحوثيين. بالإضافة إلى مجموعات عسكرية أخرى، مثل قوَّات ابن شقيق صالح (طارق صالح)، وقوَّاته التي تقاتل إلى جانب التحالف، ويعملون لصالح الإمارات، لكنَّهم لا يعترفون بالحوثيين.
وذكرت أنَّ ما نتج عن مؤتمر الرياض كان عمليًّا فقط للقوَّات المناهضة للحوثيين، حيث رفض الحوثيون حضور هذا الاجتماع في عاصمة "العدوان" الرَّئيس، وخلق هذا الاجتماع تغييرًا جوهريًّا في القوات المناهضة للحوثيين، تحت ضغط شديد مِن قبل السعودية، حيث تمَّ تشكيل مجلس قيادة رئاسي مكوَّن مِن (8) مسئولين، ليكون خلفا للرئيس هادي ونائبه، وكلاهما اعتبرا في السابق عقبات أمام أي تقدُّم، سواء عسكري أو دبلوماسي.
ويتألَّف المجلس الرئاسي مِن قادة الفصائل المتحاربة، و"استعدادها للبحث عن حلٍّ سلمي مشكوك فيه"، نظرًا لأنَّ هذا المجلس يتكون مِن قادة يختلفون بشكل أساسي مع بعضهم البعض، وهم أعداء فعليًّا، فحتَّى قدرتهم على الاجتماع والعمل ككتلة موحَّدة أمر غير مرجَّح. وهذه تذكِّرنا بالمجالس الرئاسية السابقة التي فرضتها الظروف أو القوى الخارجية على اليمن. وقالت: إنَّه "مِن غير المرجَّح أن يكون (تشكيل المجلس الرئاسي) بشير أخبار سارة للشعب اليمني الذي طالت معاناته".
وذكرت أنَّ الحوثيين كانوا يقولون طوال الفترة الماضية: إنَّهم سيوافقون على وقف إطلاق النار إذا أعيد فتح مطار صنعاء، وإذا تمَّ إنهاء الحصار عليهم، وخاصة حظر دخول الوقود عبر ميناء الحديدة. هذان هما المطلبان اللَّذان حصلوا عليهما، حتى 13 أبريل/ نيسان، حيث وصلت ثلاث سفن وقود إلى الحديدة في الأيام القليلة الماضية، بينما لم تصل بعد أيُّ رحلات جوية إلى مطار صنعاء حتى الآن. لذا، فقد حصل الحوثيون على ما يريدون فعلًا، مِن وقف إطلاق النار، ومع ذلك ليس هذا هو الحلُّ النهائي، وإنَّما يعدُّ تقدُّمًا كبيرًا باتِّجاه ذلك.
هذا الموضوع الأوَّل، أما الموضوع الآخر فهو أن البيان الذي يروج لوقف إطلاق النار الحالي يتضمن قضية تعز، ولكن قضية مدينة تعز، التي شهدت أساسًا حالة مِن الجمود رغم استمرار القتال فيها طوال الفترة الماضية، كانت قد تضمَّنتها اتفاقية "استوكهولم"، لكن تمَّ تجاهلها تمامًا منذ توقيعها، في ديسمبر/ كانون الأول 2018م، وحتى الآن. وتعدُّ قضية تعز أحد بنود الهدنة الراهنة، ومِن ضمنها إعادة فتح الطرق في تعز وما حولها، وهو أمر في غاية الأهمية لسكان هذه المدينة.
وأوضحت أنَّ هذه الهدنة تعدُّ الأولى منذ عام 2016م، والذي تحقَّق فيها نوع مِن وقف إطلاق النار؛ لذلك هذا تحوُّل مهم بحدِّ ذاته، والذي جاء بالتزامن مع إنشاء "مجلس القيادة الرِّئاسي"، ومع مشاورات مبعوث الأمم المتحدة الجديد مع جميع القوى السياسية المختلفة، مِن أجل التحضير لبعض المفاوضات الرَّسمية لاحقًا. ولكنَّ الأمر لا يزال غير واضح في هذه المرحلة فيما إذا كان تشكيل المجلس القيادي سيساعد جهود مبعوث الأمم المتحدة أو سيعرقلها. لكن، على المدى المتوسِّط والبعيد، اعتقد أنَّ هناك أمل في إنهاء القتال.
السلام في اليمن.. أخيرًا؟
وتحت عنوان (السلام أخيرًا في اليمن)، نشر معهد "بروكنز"، تقريرًا لكبير الباحثين الإستراتيجيين فيه، "بروس رايدل"، في 6 أبريل/ نيسان، قال فيه: يبدو أنَّ وقف إطلاق النار في اليمن، الذي ترعاه الأمم المتحدة، أصبح قائمًا، والذي عمل على الوقف المؤقَّت للحرب المشتعلة منذ سبع سنوات. الهدنة تعكس ميزان القوى على الأرض: المتمرِّدون الحوثيون الزَّيديون الشيعة يسيطرون على صنعاء ومعظم شمال اليمن وهم المنتصرون في الميزان؛ بينما تنقسم بقية البلاد إلى دويلات صغيرة، حيث ضمنت إيران موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية.
وأوضح أنَّ الحوثيين والسُّعودية اتَّفقوا أخيرًا على وقف إطلاق النار لمدَّة شهرين، بالتزامن مع حلول شهر رمضان، ويمكن تمديد الهدنة بالتراضي بين الجانبين. وقد جرى رفع الحصار السعودي على واردات الوقود (للحوثيين)، حيث أفرغت حمولة السَّفينة الأولى في ميناء الحديدة. وهذا سيسهِّل توصيل المواد الغذائية والأدوية والمساعدات الأخرى للشعب اليمني. كما سيُرفعُ الحصارُ المفروض على مطار صنعاء للسماح لعدد قليل مِن الرحلات الجوية التجارية أسبوعيًّا، على ما يبدو إلى القاهرة وعمَّان.
وذكر "رايدل" أنَّ اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن ترك للحوثيين حيازة الصواريخ والطائرات المسيرة التي استخدموها لقصف المدن السعودية والإماراتية، والبنية التحتية للطاقة هناك. فلقد أقرَّ السعوديون مؤخَّرًا بأنَّهم لا يستطيعون منع الضربات (الحوثية) والتي تقوِّض ثقة المستثمرين في السعودية، في حين كان الإماراتيون قد توصَّلوا بالفعل إلى هذا الاستنتاج في وقت سابق مِن هذا العام.
مؤكِّدًا أنَّ إيران مستفيدة مِن هذه الهدنة، حيث ترسَّخ موطئ قدم لطهران في شبه الجزيرة العربية، يطِلُّ على مضيق باب المندب الإستراتيجي، بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، على الرغم مِن أنَّ الحوثيين مستقلِّين، ولا يخضعون للسيطرة الكاملة مِن إيران، لكنَّهم أقرب بكثير إلى طهران، وخاصَّة "الحرس الثَّوري الإسلامي" ممَّا كانوا عليه قبل سبع سنوات، في بداية التدخُّل السعودي باليمن.
ووصف الوقف الحالي لإطلاق النار بـأنَّه "هش"، حيث يمكن أن يتعرَّض للانهيار مع القليل أو عدم التحذيرات المسبقة، فهناك العديد مِن المفسدين للهدنة في البلاد، بما في ذلك عناصر "القاعدة" وأمراء الحرب المستقلِّين، وغيرهم ممَّن يريدون استمرار الحرب. وقال: إنَّ "التحدي الأكبر يتمثَّل في تحويل هذه الهدنة إلى عملية سياسية ضخمة".
وأوضح أنَّه قد يكون مِن الحكمة التركيز على خطوات قصيرة المدى، على سبيل المثال المزيد مِن الرحلات الجوية مِن صنعاء لعمليَّات الإجلاء الطِّبي، وإعطاء الأولوية القصوى لعملية تمديد وقف إطلاق النَّار إلى أجل غير مسمى.
المجلس الرئاسي وامكانية فتح صفحة جديدة باتجاه انهاء الصراع
وفي تقرير نشره معهد الشرق الأوسط، في واشنطن، للسفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن، "غيرالد فايرشتاين"، بتاريخ 7 أبريل/ نيسان، قال فيه: إنَّه في ختام أسبوع مِن المداولات الداخلية اليمنية- اليمنية، التي استضافها مجلس التعاون الخليجي، في الرياض، أعلنت حكومة عبدربه منصور هادي تغييرات جذرية تهدف إلى إزالة عقبات التعاون بين القوات المناهضة للحوثيين في البلاد. وربَّما يفتحون الباب أمام مفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية التي دخلت عامها الثامن حتَّى الآن. والأهم مِن ذلك كلِّه، أعلن هادي عن نقل سلطاته لصالح مجلس رئاسي، برئاسة رشاد العليمي، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء للدِّفاع والأمن، في عهد علي عبدالله صالح، كما أقال نائب الرئيس، المثير للجدل، علي محسن الأحمر، المتحالف مع الإصلاح. وعقب ذلك استجابت السعودية والإمارات بسرعة بضخِّ (3) مليارات دولار نقدًا لليمن، يمكن أن تساعد في استقرار الاقتصاد اليمني ووقف التَّضخُّم الهائل.
وأضاف: يبدو في ظاهر الأمر أنَّ هذه الخطوة تدفع بالتنفيذ المتعثِّر، منذ فترة طويلة، لاتِّفاق الرياض لعام 2019م، والذي كان يهدف إلى مواءمة "المجلس الانتقالي" الجنوبي الانفصالي مع حكومة هادي، وتعيين أعضاء جدد لمجلس الوزراء، ودمج عناصر الميليشيات المسلحة في اليمن بالقوَّات المسلحة الحكومية. وقد فشلت الجهود السابقة، في عام 2020م وما بعده، في تحريك هذه الأمور، ومع إبعاد هادي والأحمر (عن السلطة)، قد تتحسَّن آفاق التنفيذ، لكن مِن المرجَّح أن يواجه العهد الجديد جُملة مِن نفس التحديات.
وبتعيين عيدروس الزبيدي، رئيس "المجلس الانتقالي" الجنوبي، والشيخ سلطان العرادة، محافظ مأرب، في المجلس الرئاسي، سيتمكَّن العليمي مِن تنظيم هيكل قيادي متماسك، أو سيبقى هذا بمثابة "فريق مِن المتنافسين" يسعى لتحقيق أهداف وغايات متباينة. كما أنَّ ضمَّ قائدي الميليشيات المدعومة مِن الإمارات، بقيادة طارق صالح وعبدالرحمن أبو زرعة، في المجلس الرئاسي، سيثير تساؤلات حول احتمالية زيادة التنسيق والتعاون بين القوات المتحالفة مع الحكومة في ساحة المعركة.
وإلى جانب قدرة المجلس الرئاسي الجديد على إخفاء الخلافات في التحالف المناهض للحوثيين، وتوفير درجة الحكم اللازمة لدفع اليمن نحو العملية السياسية، والتي ستثير مسألة ردِّ فعل الحوثيين. على وجه التحديد، هل سيرى الحوثيون التغييرات في مؤسَّسة الرئاسة على أنَّها دعوة للانخراط في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة؟ جاء ردُّ الفعل الأولي مِن قبل المتحدث باسم الحوثيِّين محمد عبدالسلام "غير واعد"، حيث دعا إلى استمرار "معركة التحرير الوطني" الحوثية.
ولا تزال نوايا الحوثيين في أعقاب الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة لمدَّة شهرين غير واضحة، على الرغم مِن وجود بعض التفاؤل بأنَّ الهدنة قد يجري تمديدها لتكون بمثابة مقدِّمة للعودة إلى طاولة المفاوضات، إلَّا أنَّ الحوثيين لم يقدِّموا أي دليل واضح على هذه النية. وعلى الرغم مِن معاناتهم مِن الانتكاسات في عملياتهم العسكرية في محافظتي شبوة ومأرب، خلال الأشهر القليلة الماضية مِن عام 2022م، قد يرى الحوثيون هذه الهدنة "كفرصة لإعادة التجمع والتجهيز لجولة جديدة مِن القتال بعد عيد الفطر". ويمكن أن يوفِّر إعلان وقف إطلاق النار فرصة للحوثيين لتقييم أهمية إعادة تنظيم الحكومة، وتحديد ما إذا كانوا سيواجهون اندفاعًا أكثر تماسكًا وأفضل تنظيمًا للمضي قدمًا في المواجهة.
لتحميل المادة اضغط هنا