ملف للمقايضة...حرب اليمن في أجندة زيارة "بايدن" إلى السعودية مركز المخا للدراسات
ملف للمقايضة...حرب اليمن في أجندة زيارة "بايدن" إلى السعودية
 
30/07/2022

مقدمة:

قام الرئيس الأمريكي، "جو بادين"، بزيارة إلى السعودية، خلال الفترة 15- 16 يوليو الجاري، وقد أعلن قبل الزيارة أنَّ النزاع في اليمن سيكون أحد القضايا الرئيسة للزيارة؛ وبالفعل كانت الحرب في اليمن حاضرة في الترتيبات الخاصَّة بالزيارة، وفي الإعلان عن مواقف مشتركة عن اليمن (في البيان الختامي للمباحثات الأمريكية- السعودية)، وفي البيان الختامي للقمَّة التي أُطلق عليها "قمَّة جدَّة للأمن والتنمية"، والتي ضمَّت إلى جانب دول مجلس التَّعاون الخليجي، العراق ومصر والأردن، بحضور الرَّئيس الأمريكي.

لا يقتصر التأثير المتوقَّع لهذه الزيارة على الجوانب المتَّفق عليها، والتي تضمَّنتها البيانات السابقة، وإنَّما وبشكل أكبر التَّفاهمات الأمريكية السعودية، والتَّفاهمات حول الترتيبات الأمنية في المنطقة بشكل عام، وما يتصِّل مِنها بكلٍّ مِن إسرائيل وإيران.

هذه الورقة تتناول السياق العام الذي جرت فيه الزيارة، ودوافع الأطراف الرَّئيسة مِنها، وموقع الأزمة اليمنية فيها، وقراءة لبعض دلالاتها؛ بهدف تحديد التَّداعيات المحتملة لها على مسارات الحرب والسَّلام في اليمن.

أوَّلًا: السياق العام للزيارة:

جاءت زيارة الرئيس الأمريكي الحالي للمملكة العربية السعودية في سياق مِن التوتُّر المعلن بين قيادة الدَّولتين. وهو توتُّر كان منشأه التوجُّه الإستراتيجي الأمريكي للانسحاب مِن المنطقة، والذي بدأ تنفيذه أثناء فترة حكم الرَّئيس الأسبق "باراك أوباما"، بعد التوقيع على الاتِّفاق حول السلاح النووي الإيراني، دون مراعاة الاحتياجات الأمنية للسعودية ودول الخليج.

استمرَّ التوجُّه الأمريكي للانسحاب مِن المنطقة، وكان الاستثناء الوحيد هو ما حدث في عهد الرَّئيس السَّابق "دونالد ترامب"، حيث انسحب مِن الاتِّفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وأمر بقتل رئيس "فيلق القدس"، "قاسم سليماني"، وعدد مِن قادة فصائل "الحشد الشَّعبي" في العراق.

تراجعت العلاقات السعودية الأمريكية بشكل أكبر أثناء الحملات الانتخابية الرِّئاسية عام 2019م، على وقع الموقف المعادي الذي تبنَّاه الحزب الديمقراطي مِن السعودية، والذي تضاعف بعد مقتل الصَّحفي السعودي، جمال خاشقجي؛ إذ تعهَّد "بايدن" أثناء حملته الانتخابية بـ"أن يجعل السعودية تدفع الثَّمن، وأن يجعلهم منبوذين كما هم"[1]. وعلى الأرجح أنَّ حنق الحزب الديمقراطي تزايد مع إظهار السعودية والإمارات انحيازهما إلى جانب "ترامب" والحزب الجمهوري أثناء تلك الانتخابات.

وبعد وصوله البيت الأبيض، أصدر "بايدن" قرارًا رفع بموجبه جماعة الحوثي مِن قائمة المنظَّمات "الإرهابية"؛ وهو قرار كان الرَّئيس "ترامب" قد اتَّخذه في آخر فترة حكمه. وفي أوَّل خطاب له، بعد تولِّيه السُّلطة، في 4 فبراير 2021م، قال "بايدن": "إنَّ الحرب في اليمن يجب أن تتوقَّف"، وأعلن توجيهه بإنهاء دور أمريكا في العمليات الهجومية في اليمن، وصفقات الأسلحة المرتبطة بذلك، وقال: "إنَّه وجَّه بفرض هدنة"، وأعلن عن تعيين "تيموثي ليندركينغ" مبعوثًا خاصًّا به إلى اليمن[2].

وعندما كانت السعودية تتعرَّض لضربات جوية مِن قبل جماعة الحوثي، وفصائل شيعية في المنطقة، سحبت الإدارة الأمريكية عددًا مِن أنظمة الدِّفاع المضادَّة للصَّواريخ "باتريوت"، مِن قاعدة الأمير سلطان الجوية بالسعودية؛

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في يونيو الماضي، أنَّ إدارة "بايدن" قرَّرت تقليص عدد الأنظمة الأمريكية المضادَّة للصَّواريخ، بسحب (8) بطَّاريات مِن العراق والكويت والأردن والسعودية، رغبة في إعادة تنظيم تواجدها العسكري، للتَّركيز على "مواجهة الصِّين وروسيا"[3].

تبعات الحرب الأوكرانية تُجبر "بايدن" على الزيارة:

رفض الرئيس الأمريكي أيَّ تواصل علني مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وساهم هذا الأمر في توتُّر العلاقات بين الدَّولتين على نحو كبير، ويبدو أنَّ "بايدن" كان سيمضي في هذا المسار، غير أنَّ اندلاع الحرب الرُّوسية- الأوكرانية، وما نتج عنها مِن أزمات عالمية، أجبرته على تغيير موقفه، فقد تسبَّبت العقوبات التي فرضتها الدُّول الغربية على روسيا في ارتفاع أسعار النَّفط (وصلت إلى ما يزيد على 120 دولار للبرميل الواحد)، وفي حدوث أزمة حول الغذاء، خاصَّة القمح، وقد تفاعلت الأزمتين مع التَّضخُّم الذي يضرب بلا هوادة دول العالم، بما فيها الولايات المتَّحدة والدُّول الأوربِّية.

ولم يكن أمام "بايدن" مِن خيار سوى تقديم التنازلات لولي العهد السعودي، أو للرَّئيس الرُّوسي "فلاديمير بوتين"، وقد تحاشا هذا المسار مِن خلال بيع كمِّيَّات كبيرة مِن الاحتياطي الإستراتيجي الأمريكي، حيث أصدر قرارًا، في 31 مارس 2022م، ينصُّ على الإفراج عن مليون برميل مِن الاحتياطي الإستراتيجي وبيعها يوميًّا لمدَّة 6 أشهر، في محاولة مِنه لكبح جماح ارتفاع أسعار النَّفط[4].

 

في المقابل، تعمَّدت الرِّياض وأبو ظبي عدم رفع مستوى إنتاج النَّفط، ورفضتا التَّجاوب مع المطالب الأمريكية والأوربِّية بخصوص ذلك، في سبيل الضَّغط على الإدارة الأمريكية للاستماع والاستجابة لمطالبها الخاصَّة.

 وفي حين كان "بايدن" يرفض القبول بخيار زيارة السعودية، مارس مستشاروه وفريق إدارته الكثير مِن الضُّغوط لدفعه للقيام بذلك، لما يعنيه عدم الذَّهاب لحلِّ الأمور مع قيادة السُّعودية مِن زيادة الأزمات على الأطراف الغربية، خاصَّة وأنَّه لا بديل عن تغطية نقص الإمدادات الرُّوسية مِن الطَّاقة سوى دول الخليج.

تعامل الرَّئيس الأمريكي مكرهًا مع سيناريو الزيارة، وجرى الإعلان عن خبر زيارته للسعودية بشكل تدريجي؛ فقد ألمح في البداية أنَّه مِن الممكن أن يزور المنطقة، وأنَّ ذلك إذا ما حدث لا يعني أنَّه سيقابل ولي العهد السعودي؛ وفي مرَّة ثانية ذكر أنَّه ذاهب لمقابلة زعماء المنطقة، وليس لمقابلة محمد بن سلمان، ومع قرب موعد الزِّيارة اضطرَّ إلى نشر مقال في صحيفة "واشنطن بوست"، يوم 10 يوليو الجاري، تحت عنوان: (لماذا سأزور السعودية؟)، حاول فيه أن يحشر مبرِّرات وذرائع متعدِّدة تدفعه للزيارة.

وحرصًا على التَّخفيف مِن حجم الانتقادات المتوقَّعة مِن قبل التيَّار المعادي للسُّعودية في حزبه، والنُّشطاء الحقوقيِّين، أظهر أنَّ زيارته ستتناول العديد مِن الملفَّات ذات الأهمية المهمَّة، ونفى أن يكون هدف الزيارة هو النفط؛ وتمَّ التَّخطيط للزيارة بحيث تشمل إسرائيل، لإظهار أنَّ الزيارة تستهدف تحقيق مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة، وخاصَّة إسرائيل. بدورها قدَّمت له الرياض ما يمكن تقديمه كمبرِّرات؛ فقد وافقت على هدنة إنسانية في اليمن (دخلت حيِّز التَّنفيذ مع بداية شهر أبريل الفائت). وأثناء زيارته لإسرائيل، وافقت الرياض على السَّماح للطَّائرات الإسرائيلية بعبور أجواء السعودية، وعلى أن يكون أوَّل رئيس أمريكي ينتقل مباشرة مِن "تل أبيب" إلى السعودية. وفي إطار التَّخطيط للزِّيارة، حرص الرئيس الأمريكي على أن يكون مشاركًا في قمَّة تجمع دول الخليج والعراق ومصر والأردن. كلُّ ذلك بهدف توفير مسوِّغات وغطاء لزيارته.

ثانيًا: دوافع واشنطن والرِّياض:

تعدَّدت الأهداف التي سعى "بايدن" لتحقيقها في زيارته للسعودية، غير أنَّ الهدف الرَّئيس كان دفع السعودية ودول الخليج لزيادة إنتاج النَّفط والغاز إلى أعلى مستوى ممكن، لأنَّ هذا هو السبيل الممكن لتراجع أسعار النَّفط عالميًّا، وخفض مستويات التَّضخُّم، ويوفِّر مصادر بديلة للطَّاقة خاصَّة للدُّول الأوربِّية التي دفعت الكثير بسبب الزَّج بها في دعم أوكرانيا، وفرضها عقوبات ضدَّ روسيا. إلى جانب ذلك، كانت هناك أهداف أخرى مِنها منع محاربة النُّفوذ الرُّوسي والصِّيني ومنع دول المنطقة مِن الاصطفاف معهما، ودمج إسرائيل أمنيًّا وعسكريًّا في المنطقة. وكان تثبيت الهدنة الإنسانية في اليمن إحدى الأهداف الفرعية للزِّيارة.

في المقابل، هدفت السعودية إلى دفع "بايدن" وإدارته على إظهار الاحترام لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والاعتراف به، والتَّعامل معه، وتجاوز تداعيات مقتل "خاشقجي". وإلى جانب هذا الهدف المركزي، سعت الرياض -أيضًا- إلى تفعيل الدُّور الأمريكي تجاه أمن السعودية والمنطقة، ومنع إيران مِن امتلاك السلاح النووي، وظهور السعودية كقوَّة إقليمية ذات تأثير في السياسات الدُّولية.

تجاهل مجلس القيادة:

انطوت زيارة الرئيس الأمريكي على ملابسات تضمن إساءة إلى السُّلطة "الشرعية" في اليمن؛ فقبل وصول الرئيس الأمريكي إلى جدَّة بيوم واحد، قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد محمد العليمي، بزيارة إلى مدينة جدَّة السعودية، وأشارت بعض المواقع الإعلامية أنَّ الهدف مِن الزيارة هو المشاركة في "قمَّة جدَّة"، لبحث مستجدَّات الوضع في اليمن والمنطقة.

وبحكم وجوده في جدَّة، كان مِن المتوقَّع أن تتم دعوة رئيس مجلس القيادة للمشاركة في القمَّة، أو على الأقل أن يعقد اجتماعًا منفردًا مع الرئيس الأمريكي، غير أنَّ شيئًا مِن ذلك لم يحدث، باستثناء لقاء محدود مع وزير الخارجية الأمريكي؛ وهو ما مثَّل إساءة للسُّلطة "الشَّرعية"، وأثار حنق وغضب كثير مِن اليمنيين، واستغرابهم عن سبب زيارة العليمي للسعودية، في ظلِّ التَّحديد المسبق للأطراف التي ستشارك في القمَّة. وعلى الأرجح أنَّ السعودية كانت ترغب في حضور العليمي القمَّة، غير أنَّ الرئيس الأمريكي رفض ذلك، لكي يتجنَّب غضب جماعة الحوثي، وحتَّى لا يظهر أنَّه منحاز إلى جانب السُّلطة "الشَّرعية"، خاصَّة وأنَّ "بايدن" حرص منذ وصوله إلى السلطة على الظهور كوسيط تجاه الأزمة في اليمن، وليس كطرف مساند للسعودية والسلطة "الشرعية".

الحضور والدلالات:

أجرى الرئيس الأمريكي مباحثات مع ولي العهد السعودي، وشارك في اليوم الثاني في قمَّة حضرها قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس المصري وملك الأردن ورئيس وزراء العراق. وقد صدر بيان مشترك سعودي أمريكي، وبيان آخر عن اجتماع القمَّة التي أشرنا إليها؛ وبفحص ما ورد في البيانين فضلًا عن التَّصريحات الإعلامية يمكن ملاحظة الدَّلالات التالية، والتي يتوقَّع أن تكون لها تأثيرها على القضية اليمنية:

1- ملف للمساومات:

برغم حجم التَّداعيات الإنسانية في اليمن، لم تكن القضية اليمنية حاضرة إلَّا بقدر احتياج الطَّرفين الرَّئيسين لها، بهدف التَّوظيف السياسي في إطار العلاقة بينهما. فقد كانت أحد الأوراق التي قدَّمت فيها السعودية تنازلات لجلب الرئيس الأمريكي لزيارتها، وتجاوز أزمته مع ولي العهد السعودي؛ وفي نفس الوقت استخدمها الرئيس الأمريكي كدعاية على أنَّها واحدة مِن إنجازاته، مع الإشارة غير المباشرة إلى أنَّها كانت أحد منافع التعامل مع ولي العهد السعودي.

لقد كان هذا الملف أحد مجالات التَّنازلات المتبادلة بين واشنطن والرِّياض، فإبرام الهدنة منذ بداية أبريل 2022م، وتجديدها، فُهم على أنَّه تنفيذ لوعد "بايدن" بإنهاء الحرب في اليمن، ما يمكِّنه مِن التَّسويق لإدارته، فقد أصدر بيانًا، في بداية شهر يونيو، بمناسبة تمديد الهدنة شهرين إضافيِّين، وكان هذا محلَّ إشادة مِن الإدارة الأمريكية. وقدَّمت الرياض شيئًا لإدارة "بايدن" للإعلان بوجود إنجاز: "أرحِّب بالإعلان اليوم عن مواصلة الهدنة في النِّزاع اليمني، وأنَّ الشَّهرين الماضيين مِن أكثر الفترات هدوءً منذ بدء هذه الحرب الرَّهيبة قبل سبع سنوات"، وأضاف: "تمَّ إنقاذ آلاف الأرواح مع انحسار القتال. ويستطيع اليمنيُّون السَّفر مِن صنعاء متوجِّهين إلى وجهات خارج اليمن لأوَّل مرَّة، منذ سبع سنوات. ورأينا ناقلات وقود إضافية تتحرَّك عبر ميناء الحديدة". وأكَّد أنَّ "إنهاء الحرب في اليمن" مِن أولويات إدارته، وأشاد بالدَّور السعودي في الوصول إلى الهدنة وتجديدها، وأنَّ "السُّعودية أظهرت قيادة شجاعة، مِن خلال اتِّخاذ مبادرات في وقت مبكِّر، لتأييد شروط الهدنة التي تقودها الأمم المتحدة، وتنفيذها"[5].

2- التَّعامل مع الحرب مِن منظور أمن السعودية والمنطقة:

أظهر البيان السعودي الأمريكي المشترك، وكذا البيان الصَّادر عن "قمَّة جدَّة للأمن والتنمية"، ومجمل ما تمَّ في الزيارة، تكريس النَّظرة الأمريكية للحرب في اليمن، مِن زاوية المصالح الأمنية السعودية، وليس مِن منظور المصالح الأمنية اليمنية؛ فقد جرى تجاهل الأطراف اليمنية، ولم يُدع رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى القمَّة، ولم يحض كذلك بمقابلة الرئيس الأمريكي، رغم وجوده في ذات المدينة التي انعقدت فيها القمَّة؛ كما لم ينظر إلى الحرب مِن منظور مصالح الشَّعب اليمني، الذي يعيش تحت وطأة الحصار وانعكاسات تمرُّد جماعة الحوثي على الدَّولة.

3- تواضع الأهداف تجاه السلام في اليمن:

تشي الفقرة السَّابقة إلى تواضع أهميَّة ملفِّ الحرب في اليمن بالنِّسبة للإدارة الأمريكية، وتدنِّي سقف مطالبها التي لا تتجاوز تثبيت الهدنة والدَّفع بها لتكون أساسًا لتسوية سياسية مستدامة، دون وضع سقف زمني للمفاوضات، أو الحديث عن الأوضاع الإنسانية الكارثية، أو عن إعادة الإعمار. فقد اقتصر الحديث على التَّأكيد على استمرار الهدنة فقط، إذ أكَّد البيان السعودي الأمريكي المشترك على "دعمهما الثَّابت للهدنة في اليمن، بوساطة الأمم المتحدة، وشدَّدا على أهمية استمرارها، وإحراز تقدُّم لتحويلها إلى اتِّفاق سلام دائم، ودعوة المجتمع الدُّولي لاتِّخاذ موقف موحَّد يطالب الحوثيين بالعودة إلى محادثات السلام، تحت رعاية الأمم المتحدة، بناءً على المرجعيات الثَّلاث"[6].

التَّداعيات:

مِن المتوقَّع أن تترك زيارة "بايدن"، والمقاربة الجديدة المتبادلة بين الرِّياض وواشنطن، تداعيات مباشرة على الأزمة اليمنية، ومِن ذلك:

1- المزيد مِن تدويل وتعقيد الأزمة اليمنية:

فقد حرصت الرياض طيلة السَّبع سنوات الماضية مِن الحرب في اليمن، على أن يبقى ملفُّ الحرب في اليمن ملفًّا سعوديًّا خالصًا قدر الإمكان، بحيث تكون لها اليد الطُّولى فيه. ومِن ذلك، أنَّها انفذت تغيير قيادة السلطة "الشرعية" بشكل منفرد، وأخرجت ذلك تحت لافتة مجلس التعاون الخليجي؛ وعلى الأرجح أنَّ ذلك تم بعيدًا عن إرادة واشنطن، وحتَّى المبعوث الأممي.

وقد سعت إدارة "بايدن" إلى تكثيف حضورها في هذا الملفِّ مِن خلال مبعوثها الخاص إلى اليمن، والمبعوث الأممي، وكلُّ ذلك في إطار الاشتباك مع السعودية. وقد ظلَّت واشطن بدورها تضغط في هذا الملفِّ كأحد مجالات الاشتباك بين الدَّولتين، وعلى نحو ما أشرنا سابقًا. ودخول الرئيس الأمريكي بشكل مباشر في الملفِّ اليمني مِن خلال زيارته للسعودية سيضيف الكثير مِن التَّعقيد إليه، وسيخلق قيودًا على سلوك السعودية تجاهه، وسيجعل وجهة نظر الولايات المتحدة أكثر حضورًا، خاصَّة فيما يتعلَّق بوقف الحرب ومسار التَّهدئة الإنسانية، والمفاوضات حول السَّلام.

2- تجميد الحرب مؤقَّتًا والمراوحة بين اللا سلم واللا حرب:

سيكون أحد النتائج الأكثر توقُّعًا هو تثبيت الوضع الحالي، مِن خلال منع العمليات العسكرية الكبيرة، والاطِّراد في تجديد الهدنة الإنسانية كلَّما انتهت، أو مِن خلال التَّجديد لمدَّة ستَّة أشهر، مع عدم التَّقيُّد التام بها، واستمرار طرفي الصِّراع في الاستعداد لجولات جديد مِن الحرب. وقد يُدفع الطَّرفان للمشاركة في مفاوضات طويلة ومعقَّدة، حول إنهاء الحرب، وبناء تسوية سياسية؛ لكن مِن غير المتوقَّع أن تُكلَّل تلك المفاوضات بنجاح كبير.

 

3- التعامل الأمريكي مع ملف التهدئة كاستحقاق:

مِن المتوقَّع أن تتعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع ملفِّ التهدئة الإنسانية كاستحقاق حصلت عليه بموجب زيارة "بايدن" إلى السعودية ومشاركته في قمَّتها؛ ولذا يمكن أن تمارس أعلى درجات الضَّغط على السُّعودية، وبدرجة أكبر على مجلس القيادة الرئاسي، لضمان تجديد واستمرار الهدنة الإنسانية. وبالفعل فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنَّ المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن غادر متوجِّها إلى السعودية والأردن، يوم الاثنين 26 يوليو الجاري، لمواصلة جهود واشنطن الدُّبلوماسية لدعم هدنة توسَّطت فيها الأمم المتحدة في اليمن، وذلك لمواصلة الجهود الأمريكية للمساعدة في دفع عملية السَّلام[7].

ومِن الأرجح أن تجاري الرياض واشطن في ممارسة الضُّغوط على مجلس القيادة الرئاسي، لسعيها في توجيه علاقتها مع واشنطن لتحقيق غايات إستراتيجية ذات أهمية أكبر بالنِّسبة للقيادة السعودية في هذه المرحلة.

4- توجيه المزيد مِن الضُّغوط نحو السلطة الشرعية:

يُرجَّح أن تعمل واشنطن والقوى الإقليمية المنخرطة في الصراع باليمن على فرض الهدنة الإنسانية، تحقيقًا لمكاسب خاصَّة بتلك الأطراف، دون الالتفات إلى مصالح الشعب اليمني، أو ما سينتج عنها مِن أضرار على الأطراف اليمنية، وخاصَّة مجلس القيادة الرئاسي. وبخلاف ذلك، مِن المتوقَّع -أيضًا- أن يرفع الحوثيُّون مِن سقف مطالبهم، ويمارسوا درجة عالية مِن الابتزاز، في ظلِّ معرفتهم أنَّ توقيف الحرب، وفرض الهدنة، حاجَّة مشتركة للقوى الدولية والإقليمية.

بالفعل، أعلن المجلس السياسي الأعلى التَّابع لجماعة الحوثي، يوم الاثنين 25 يونيو الماضي، "ضرورة فتح كامل لمطار صنعاء الدُّولي وميناء الحديدة"، وأنَّ "تمديد الهدنة يقتضي الالتزام بصرف مرتَّبات الموظَّفين كافة، وبقية الخدمات"[8]. ومِن المتوقَّع أن يستمرَّ الحوثيُّون في رفع مطالبهم، وأن يواجهوا بضغوط أقل، وأن تتَّجه معظم الضُّغوط صوب مجلس القيادة الرئاسي، تحت ذرائع الحفاظ على استمرار الهدنة، والتَّوقُّف الجزئي للحرب.

لتحميل المادة اضغط هنا


[1]  بايدن سيجتمع مع ولي العهد السعودي رغم انتقادات حقوقية، وكالة رويترز، في: 14/6/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/3Zaj

[2]  بايدن الحرب في اليمن يجب أن تتوقف.. وسندعم السعودية في الدفاع عن أمنها، سي. إن. إن. عربية، في: 4/2/2021م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/3N-W

[3]  بعد سحب "باتريوت" أي خيار أمام السعودية، الأناضول، في: 22/9/2021م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/3Za7

[4]  وزارة الطاقة الأمريكية تطرح عقود بيع نفط من الاحتياط الإستراتيجي لكبح جماع ارتفاع الأسعار، روسيا اليوم، في: 12/7/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/3Ooe

[5]  بايدن عن تمديد الهدنة في اليمن: السعودية أظهرت قيادة شجاعة، سي. إن. إن. عربية، في: 3/6/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/3OKN

[6]  بيان سعودي أمريكي مشترك: الرياض وواشنطن تعزِّزا استقرار المنطقة، العين الإخبارية، في: 16/7/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/3OKj

[7]  المبعوث الأمريكي يتوجه للشرق الأوسط لدفع محادثات السلام في اليمن، وكالة رويترز، في: 25/7/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/3OYl

[8]  صنعاء عن تمديد الهدنة.. يجب صرف المرتبات وفتح كامل للمطار وميناء الحديدة، قناة الميادين، في: 25/7/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://shortest.link/3OoV