الانعكاسات المحتملة لإدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب الأمريكية مركز المخا للدراسات
د. علي الذهب
الانعكاسات المحتملة لإدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب الأمريكية
 
02/03/2022

خلال الفترة بين (17 يناير- 3 فبراير 2022م)، تعرَّضت إمارتا أبو ظبي ودبي، في الإمارات العربية المتحدة، لأربع هجمات متباعدة، نُسِبت الثَّلاث الأولى إلى جماعة الحوثي، في اليمن، التي سارعت -عقب كلَّ هجمة- إلى تبنِّي مسئولية ذلك، ومتوعِّدة بشن مزيدٍ مِن الهجمات، ليس ذلك فحسب، بل رافقها هجمات أخرى، ولكن بوتيرة أقل على مدن سعودية، ومناطق يمنيَّة خاضعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، مثل: مأرب، ولحج، وشبوة. أمَّا الهجمة الرابعة فقد تبنَّتها ألوية "الوعد الحق"، وهي جماعة أو واجهة يكتنفها الكثير مِن الغموض[1].

أحدثت الهجمات الأولى ارتدادات سريعة وعديدة، كان أوَّلها تصريح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 19 يناير 2022م، بأنَّ إدارته بصدد دراسة إعادة تصنيف جماعة الحوثي منظمة "إرهابيَّة" أجنبية، الذي ألغته إدارة بايدن نفسها، في فبراير 2021م[2]. وبعد أيَّام قليلة مِن الهجوم الأوَّل قالت الخارجية الأمريكية: إنَّها تجري مشاورات مع حلفائها في هذا الشأن، وفي محاسبة أعضاء هذه الجماعة على أعمالهم. وقد أعاد هذا التَّحوُّل الجدل بشأن التداعيات المختلفة لإعادة واشنطن تصنيف جماعة الحوثي منظمة "إرهابيَّة" أجنبية، ومِن ذلك التداعيات على المشهد العسكري اليمني، التي تركِّز عليها هذه الورقة.

  • خلفيات تصنيف وإعادة تصنيف جماعة الحوثي منظمة "إرهابية":

وفقا للأمر التنفيذي (13224)، الصادر في عهد الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، في سبتمبر 2001م، ولقانون الهجرة والجنسية لعام 1952م، وتعديلاته لعام 1965م؛ قرَّرت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، أواسط يناير 2021م، إدراج جماعة الحوثي ضمن قوائم المنظَّمات الإرهابية الخارجية، مبرِّرة ذلك بأنَّه استجابة لما تثيره الجماعة مِن شواغل أمنيَّة، إرهابيَّة، عالمية. وعقب ذلك أُدرج كلٌّ مِن: عبدالملك بدر الدين الحوثي، وأخيه (عبدالخالق بدر الدين الحوثي)، وعبدالله يحيى الحاكم (أبو علي الحاكم)، في قائمة الإرهابيين الدوليين؛ لارتباطهم بأفعال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن، وفقا للأمر التنفيذي (13611)، الصادر في مايو 2012م، خلال ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، المتعلِّق بحالة الطوارئ الوطنية، والذي يتضمن معاقبة الأطراف أو الأفراد الذين يهدِّدون السلام في اليمن.

كان مقرَّرًا دخول هذه الإجراءات حيِّز التنفيذ، في 19 فبراير 2021م، إلَّا أنَّ إدارة بايدن ألغت الشِّق الأوَّل منها، قبل حلول ذلك بثلاثة أيام، أي في 16 فبراير 2021م، وأكَّدت مجدَّدًا على استمرارها في مراقبة مناشط جماعة الحوثي وقادتها، والسعي لتحديد أهداف أخرى لإخضاعها لطائلة العقوبات، خصوصًا الذين يقفون وراء هجمات الزوارق المتفجِّرة التي تستهدف الشحن التجاري في البحر الأحمر، وهجمات الصواريخ والطَّائرات غير المأهولة التي تستهدف المملكة العربية السعودية[3].

لعل ممَّا يشير إلى مضي واشنطن في هذه السياسة، قيام وزارة الخزانة الأمريكية، في 2 مارس 2021م، بإدراج القياديِّين الحوثيِّين منصور أحمد الصعدي (رئيس أركان القوات البحرية والدفاع الساحلي)، وأحمد علي أحسن الحمزي (قائد القوات الجوية والدفاع الجوي)، في قائمة الإرهابيِّين الدُّوليين، وفقا للأمر التنفيذي (13611)، وبررت هذا الإجراء، بوقوف الرجلين وراء الهجمات التي يتضرَّر مِنها اليمنيون، والدول المجاورة لليمن، والناقلات التجارية في أعالي البحار[4]. في إشارة إلى الهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي، محليًّا وخارجيًّا، بالصواريخ البالستيَّة، وبالطائرات والزَّوارق الانفجارية، غير المأهولة؛ حيث جاء هذا الإجراء إثر تعرُّض السعودية ومصالحها البحرية لسلسلة مِن هذه الهجمات.

دوافع إعادة تصنيف جماعة الحوثي منظمة "إرهابيَّة":

جادل الكثير بشأن دوافع بايدن لإلغاء تصنيف جماعة الحوثي منظمة "إرهابيَّة" أجنبيَّة، عقب تسلمه السلطة، وخلصوا إلى أنَّ قناعته ارتكزت على ما أثير مِن جدل بشأن الوضع الإنساني المزري في اليمن، ووصف الأزمة الإنسانيَّة فيه بالأكثر سوءًا في العالم، وأنَّ إدراج الجماعة في قوائم الإرهاب مِن شأنه تعقيد دخول الغذاء والوقود إلى البلاد، مع ما يشكِّله ذلك مِن إعاقة للمساعي الدبلوماسيَّة الرَّامية لحلِّ الأزمة، في ظلِّ إخفاق الحسم العسكري. وعزَّز البعض ذلك، بإجازة وزارة الخزانة الأمريكية، في 25 يناير 2021م، استمرار إجراء المعاملات مع جماعة الحوثي، حتَّى 26 فبراير 2021م، كان لضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى اليمن، وطمأنة الجهات ذات الصلة[5].

بعد ما يقرب مِن عام على صدور قرار الإلغاء لم يتغيَّر شيء إلى الأفضل، إنسانيًّا، وسياسيًّا، وعسكريًّا؛ بحيث تظلُّ قناعة إدارة بايدن على حالها. فالوضع الإنساني يسوء أكثر في مناطق سيطرة جماعة الحوثي؛ إذ "لا تزال هناك عقبات عديدة أمام إيصال المساعدات الإنسانية بفعالية"[6]. لذلك ثمَّة محلِّلون أمريكيُّون يرون أنَّ بقاء الحسابات المتعلقة بالتداعيات الإنسانية، عائقًا أمام تصنيف الجماعة منظمة "إرهابيَّة"، ليس عمليًّا؛ إذ ليس محالًا الفصل بين المشكلات الناشئة عن هذا التصنيف وبين وصول المساعدات الإنسانية[7]. ولم يشكِّل إلغاء التصنيف دافعًا لعمليَّة السلام، بل ازداد تصعيد جماعة الحوثي، محليًّا وإقليميًّا، إلى الحدِّ الذي أوشكت فيه إحكام سيطرتها على محافظتي مأرب وشبوة، لولا التَّدخُّل الفاعل لـ"التحالف العربي"، بعمليَّاته الجوية، وتصعيد العمليات على الأرض في هاتين المحافظتين، خلال الفترة (يناير- فبراير 2022م)، ما أدَّى إلى تراجع التهديدات الحوثيَّة عليهما، وفي الوقت ذاته انتقلت هذه التهديدات -جوًّا- إلى المدن الإماراتيَّة والسعودية، عبر هجمات الطائرات غير المأهولة والصواريخ البالستيَّة، سواء كان مصدرها الحوثيِّين، أم حلفاءهم مِن الجماعات العنيفة في الإقليم[8].

شكّلت الدبلوماسية الإماراتية، في واشنطن، والأمم المتحدة، أحد الدَّوافع الأبرز لمراجعة إدارة بايدن قرارها إلغاء تصنيف جماعة الحوثي منظمة "إرهابيَّة"، وتجلَّى ذلك في النشاط الواسع لسفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة. وإزاء ما مثَّلته هجمات جماعة الحوثي مِن تهديد لمصالح الولايات المتحدة، ولأحد أبرز حلفائها في الخليج، فقد فُسِّر اشتراك القوَّات الأمريكية المتمركزة في قاعدة الظَّفرة الجوية، جنوبي أبو ظبي، في التصدي لهذه الهجمات بأنَّه انخراط فعلي لواشنطن في الأزمة اليمنية[9]. وهذا ما يفسِّر تصريحات الإدارة الأمريكية، بشأن إعادة تقويم سياساتها الرَّاهنة، تجاه جماعة الحوثي.

الانعكاسات العسكرية الداخلية:

يفرض تصنيف الولايات المتحدة، جماعة الحوثي منظمة "إرهابيَّة"، قيودًا سياسيَّة تعزلها عن بقيَّة أطراف الصراع، والدول المنخرطة في مكافحة عمليات الإرهاب، فضلا عن تحوُّلها إلى هدف مشروع يمكن التعامل معه بكافة أشكال المواجهة الناعمة والخشنة، ومِن ذلك المواجهة العسكرية، ما يعني فتح آفاق الصراع المسلح مع الجماعة دون تحفُّظ، عدا ما يبديه التحالف -نفسه- مِن تحفُّظ إزاء مَن يقود العمليات على الأرض، في جانب الحكومة المعترف بها دوليًّا، إلَّا أنَّه بدأ في تجاوز هذا العائق، مِن خلال إعادة التموضع العسكري والأمني والسياسي، في محافظة شبوة، لمصلحة القوى الموالية له مطلقًا، وربَّما نشهد مثل ذلك في مأرب مستقبلا.

ويعتمد تطوُّر الصراع المسلح في اليمن، جرَّاء هذا الأجراء، على جديَّة الولايات المتحدة وحلفائها، بمن فيهم أطراف التحالف، على التنفيذ الصَّارم لأحكام قرار التصنيف، خصوصًا ما يتعلَّق بالموارد التي توظِّفها الجماعة في دعم قدراتها العسكرية التقليدية، وحصولها على التقنيات الخاصة بالصواريخ البالستيَّة، والطائرات غير المأهولة.

وفي هذا الصَّدد ستلجأ جماعة الحوثي -كعادتها- إلى تحميل القطاعات التجارية والصناعية، بل والمواطينين، التزامات مالية مضاعَفة، فوق ما هو قائم، لمواجهة ذلك؛ ما يعني أنَّ تأثُّر الجماعة في هذا الجانب سيكون محدودًا، إضافة إلى دور عوامل أخرى تتعلَّق بالاختلالات المرصودة داخل الكيانات السياسية والعسكرية في الحكومة المعترف بها دوليًّا، والَّتي كان مِن مظاهرها -حسب تقارير فريق خبراء مجلس الأمن- استمرار تسرُّب الأسلحة، مِن خلال هذه الكيانات، إلى جماعة الحوثي[10]. ولا نغفل -كذلك- دور جماعات الاتجار غير المشروع في الأسلحة، الَّتي تعمل تغذية جماعة الحوثي بالأسلحة، عبر مناطق سيطرة هذه الحكومة، مُستغِلةً العديد مِن الاختلالات الأمنية، التي تجسِّد أحد مظاهر الفساد. 

في المجال البحري، لا تزال عمليات التفتيش التي ينفِّذها التحالف، على السفن التجارية التي تطلب الرُّسُو في موانئ الحديدة، محدودة الأثر في الحدِّ مِن عمليَّات تهريب الأسلحة إلى جماعة الحوثي. لذلك، سيدفع التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثي منظَّمة إرهابية سفنَ البحريَّة الأمريكية، وسفن حلفائها، لمضاعفة عمليَّاتها الاعتراضية إزاء السفن المشتبه بضلوعها في عمليات التهريب؛ وهذا مِن شأنه التضييق على مصادر تسليح جماعة الحوثي، وإضعاف تهديداتها، محليًّا وخارجيًّا.

قد يُسهم في هذا الاتجاه، قرار مجلس الأمن 2624 (2022م)، الَّذي أصدره في 28 فبراير المنصرم، وتضمَّن إدراج جماعة الحوثي ككيان في قائمة عقوبات اليمن، ووصفها (ليس على سبيل التَّصنيف) بـ"إلارهابيَّة"، في ظلِّ حظر الأسلحة. ومِن ناحية أخرى، فإنَّ تضمُّن هذا القرار تمديد نظام العقوبات المفروضة، بموجب قراراته السابقة، مثل القرار 2216 (2015م)؛ مِن شأنه إبقاء أطراف مشمولة بالعقوبات، ولها صلة مباشرة بالصراع، خارج أيِّ تسوية سياسية قد تطرح قريبًا؛ ما يجعل خيار المواجهة العسكرية مع الحوثي قائما.

مع ذلك، فإنَّ هذا الدفع، بكل صوره، لن يفضي إلى نصر سريع وحاسم، لقوَّات الحكومة الشَّرعيَّة، بعد إخفاق دام سبع سنوات، ولعلَّ أسباب ذلك واضحة ومتعدِّدة، والأبرز فيها الحسابات الدولية، بما فيها حسابات التحالف، إزاء اليمن والكيانات المتصارعة. ومِن زاوية مقابلة، يكفي أن نُلقي نظرة فاحصة على قوَّات جماعة الحوثي، وكيف أنَّها تبدو متماسكة، قيادةً وقرارًا، أمام طيف مِن التشكيلات المسلحة على الطرف الحكومي، وتعارض أجنداتها، إلى الحد الذي دفعها للاقتتال فيما بينها، كما حدث في عدن، خلال أغسطس 2019م، وقد يتكرَّر ذلك بين تشكيلات هذا الطيف في تعز أو مأرب أو حضرموت أو المهرة.

لتحميل الكتاب اضغط هنا