الاتفاق السعودي الإيراني لإعادة العلاقات بينهما وتداعياته على الملف اليمني
Getting your Trinity Audio player ready... |
مقدمة:
أعلنت وكالة الأنباء السعودية، يوم الجمعة الموافق 10 مارس (الجاري)، عن اتِّفاق سعودي إيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح السَّفارتين والممثِّليات الدبلوماسية في غضون شهرين، وتفعيل اتفاقية التَّعاون الأمني بينهما، وعلى احترام سيادة الدُّول، وعدم التدخُّل في شئونها الداخلية. وأشار بيان مشترك (سعودي إيراني صيني) إلى أنَّ وزيري خارجية السعودية وإيران سيجتمعان لترتيب تبادل السُّفراء، ومناقشة سبل تعزيز العلاقات.
جاء التوصُّل لهذا الاتفاق عقب مباحثات سرية جرت في الصِّين؛ وقد آثار التَّوقيع عليه مواقف وردود فعل واسعة، معظمها مرحِّبة وبعضها متحفِّظة.
ومِن المتوقَّع أن يترك هذا الاتِّفاق تداعيات على مجمل الأوضاع الأمنية في المنطقة، وعلى مسارات الحرب والسَّلام في اليمن على وجه التَّحديد، في ظلِّ استمرار سعودي على المضي في مسار المفاوضات مع جماعة الحوثي للوصول إلى تسوية سياسية في اليمن، وترحيب أمريكي بأيِّ جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوتُّر في منطقة الشرق الأوسط[1]، وتأكيد كثير مِن المراقبين على أنَّ الملفَّ اليمني سيكون محلَّ اختبار التوجُّهات الجديدة بين الدَّولتين.
هذه الورقة تستعرض السياق الذي جرى فيه الاتفاق، والدلالات التي يمكن استنتاجها، والدوافع التي حركَّت طرفيه الرئيسين، والتداعيات المحتملة التي يمكن أن يتركها على الملف اليمني.
السياق:
تقع إيران والسعودية على ضفَّتي الخليج العربي. ومع أنَّ عوامل كثيرة تجمعهما إلَّا أنَّ العلاقة بينهما غلب عليها التَّنافس، بما في ذلك مرحلة حكم شاه إيران، بفعل سياسة طهران المدفوعة بالرَّغبة في الهيمنة الإقليمية. وبوصول الخميني إلى السلطة، عبر ما يُعرف بالثورة الإسلامية، توافرت عوامل التوتُّر الدائم بين الدولتين؛ فقد استند النظام في إيران على أيديولوجية ثورية تجمع بين معتقدات المذهب “الاثنا عشري”، الموغل في العداء للمكوِّنات الإسلامية الأخرى، وبين الطُّموحات الفارسية الخفية. وقد تبنَّى نظام الخميني ما عُرف بـ”تصدير الثورة”،
ودعم الأقليات الشيعية في دول المنطقة، ومعه تحوَّلت ايران إلى مهدِّد إستراتيجي، وحتَّى وجودي للسعودية وبقية الدُّول الخليجية. لم يخفِّف مِن ذلك سوى حائط الصَّدِّ الذي مثَّلته الحرب العراقية الإيرانية (1981م- 1989م)، والوجود العسكري الأمريكي الذي تبنَّى سياسة الردع في مواجهة إيران، وتكفَّل بحماية حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية مِن الدول الخليجية، على قاعدة الأمن مقابل النفط.
وأثناء الفترة الثانية لحكم الرئيس الأمريكي الأسبق، “باراك أوباما”، حدث تحوُّل في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية؛ فقد قرَّر “أوباما” سحب عدد كبير مِن القوَّات الأمريكية مِن منطقة الخليج، ونقلها إلى منطقة المحيط الهادي. وخاضت الولايات المتَّحدة الأمريكية والدُّول الغربية مفاوضات مطوَّلة مع إيران حول برنامجها النووي، والتي انتهت باتِّفاق، جرى التَّوقيع عليه في مدينة لوزان السويسرية، بتاريخ 2 أبريل 2015م. وقد تجاهل الاتِّفاق المخاوف الأمنية للدُّول الخليجية، وفي المقابل رفع العديد مِن العقوبات المالية الدُّولية المفروضة على إيران، وهو ما جعل دول الخليج في حالة انكشاف أمني غير مسبوق. وجرى الاتفاق في ظلِّ تصاعد القوة الإقليمية لإيران، وتزايد نفوذها، بعد سيطرتها غير المباشرة على كلٍّ مِن العراق وسوريا ولبنان واليمن.
مع وصول العاهل السُّعودي الحالي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، للحكم انتهج سياسة تقوم على مواجهة النُّفوذ الإيراني وحلفائها في المنطقة؛ ومِن ذلك القيام بتدخُّل عسكري في اليمن، في 26 مارس 2015م، وهو ما رفع مِن مستوى التوتُّر مع طهران. كما تبنَّى العاهل السعودي الجديد سياسة داخلية حازمة تجاه محاولات التَّأثير الإيراني في الشَّأن الداخلي السعودي؛ ومِن ذلك إعدام “نمر النمر” وعدد آخر مِن الناشطين المحسوبين على الشيعة في السعودية،
وقد آثار هذا القرار غضب السُّلطات الإيرانية، والتي سمحت بدورها للمحتجِّين الإيرانيين الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وإحراق ممثِّليتها في مدينة مشهد، وعلى الفور أعلن وزير الخارجية السعودية قطع العلاقات مع إيران، طالبًا مِن أعضاء سفارة طهران مغادرة الأراضي السعودية، خلال (48) ساعة؛ واتَّخذت عدد مِن الدول العربية والإسلامية إجراءات مشابهة [2].
استعانت عدد مِن دول الخليج بإسرائيل لملء الفراغ الأمني الذي تركه الانسحاب الأمريكي، مِن خلال التَّطبيع معها، وهو ما وفرَّ لإيران ذرائع جديدة للتصعيد ضدَّ دول الخليج. وفي 18 سبتمبر 2019م، تعرَّضت منشآت نفطية حيوية في السعودية لهجمات حمَّلت الرياض طهران المسئولية عنها، فيما أعلنت جماعة الحوثي مسئوليتها عن الهجمات، في حين أكَّدت تقارير دولية أن إيران هي مَن قامت بذلك [3].
وتجنُّبًا لمخاطر المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين، انخرطت الرِّياض في خمس جولات مِن الحوار والمفاوضات مع طهران، في العراق، وبتيسير مِن الحكومتين العراقية والعُمانية.
شهد العامين الأخيرين على الأقل تغيُّرًا في موازين القوى بين إيران والسعودية، فقد منحت الحرب الروسية- الأوكرانية السعودية نفوذًا كبيرًا على المستوى الدُّولي، بفعل الحاجة المتزايدة لمصادر طاقة بديلة عن روسيا. وأظهرت الرياض سياسات فيها قدر كبير مِن التمايز والاستقلال عن التوجُّهات الأمريكية، وفي بعض الحالات التَّحدي الواضح لها، واتَّجهت إلى تنويع شركائها الأمنيين، وتوسيع علاقاتها مع القوى الدُّولية الصاعدة، ومِنها روسيا والصِّين.
مع توتُّر العلاقة السعودية الأمريكية، وبهدف تنويع شركائها الأمنيين، اتَّجهت الرياض نحو الشرق، فدعت الرَّئيس الصيني، “شي جين بينغ”، إلى زيارة رسمية للرياض، وحشدت له حضورًا كبيرًا، وعقدت معه ثلاث قمم: سعودية وخليجية وعربية.
كما تقاربت الرياض مع روسيا، وكان المعلم الأبرز في ذلك دفعها دول مجموعة “أوبك +” إلى اتِّخاذ قرار بخفض إنتاج النفط، بتاريخ 5 أكتوبر 2022م، ما دفع الإدارة الأمريكية للإعلان بأنَّ ذلك يعدُّ دعمًا للرَّئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، في حربه على أوكرانيا.
في المقابل، وبدعم خليجي غير معلن، أعلن الرئيس الأمريكي السَّابق، “دونالد ترامب”، الانسحاب مِن “الاتفاق النووي” مع إيران، فارضًا على إيران عقوبات اقتصادية موجعة، ومجبرًا الكثير مِن الدول على عدم استيراد النفط مِنها، وفي نهاية فترة حكمه تمكَّنت إدارته مِن قتل قائد “فيلق القدس”، التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، “قاسم سليماني”، مع عدد مِن قادة الفصائل الشيعية الموالية لإيران، في العراق.
ومع أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، “جو بايدن”، جاءت بأجندة مختلفة تستهدف السعودية، إلَّا أنَّ النفوذ الخليجي، وبدرجة أكبر الحرب الروسية- الأوكرانية، حالت دون ذلك.
إيرانيًّا، اندلعت احتجاجات داخلية، منتصف شهر سبتمبر 2022م، بسبب مقتل شابة، تُدعى “مهسا أميني”، وامتدَّت في الكثير مِن المدن الإيرانية، وتمكَّنت بشكل كبير مِن هزِّ النظام الإيراني. وفي هذه الأثناء تعرَّضت منشآت عسكرية واقتصادية لضربات متعدِّدة، مجهولة المصدر، وحرب سيبرانية، يرجَّح أن تكون وراءها إسرائيل.
في هذه الأجواء اشتركت الدَّولتان -السعودية وإيران- في خمس جولات مِن المفاوضات، في العراق، ومِن المرجَّح أنَّها ناقشت كلَّ العوامل التي تؤدِّي إلى توتُّر العلاقات بينهما، ورؤية ومطالب كلِّ طرف لمعالجتها. وفيما كان وزير الخارجية السعودي في زيارة خارجية لعدد مِن الدول، تفاجأ العالم بالإعلان عن اتِّفاق إعادة العلاقات بين الرِّياض وطهران، مِن خلال بيان صيني إيراني سعودي مشترك.
طبيعة الاتفاق وأهميته:
تضمَّن الاتفاق الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإعادة فتح سفارتيهما وممثِّلياتهما خلال مدَّة أقصاها شهران، والتأكيد على احترام سيادة الدول، وعدم التدخُّل في شئونها الداخلية، وعلى أن يعقد وزيري الخارجية في البلدين اجتماعًا لتفعيل ذلك، وترتيب تبادل السفراء، ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بين الدولتين. كما تضمَّن الاتفاق على تفعيل اتفاقيات تعاون في مجالات عدَّة، أبرزها الأمني والاقتصادي، سبق توقيعها عامي 1998م و2001م.
وبطبيعة الحال فإنَّ هذا الجانب المعلن مِن الاتفاق، لكن مِن المؤكَّد أنَّ أمورًا كثيرة جرى التفاهم حولها، خلال جولات المفاوضات الخمس التي عُقدت في العراق، وأثناء جولة الحوار التي تمَّ فيها التوقيع على الاتفاق، والتي امتدَّت إلى أربعة أيَّام متواصلة، في العاصمة الصينية “بكِّين”.
حظي إعلان الاتِّفاق بترحيب واهتمام دولي واسع، ومناط ذلك أهمية الدولتين لاستقرار مصادر الطاقة في العالم مِن جهة، والتداعيات السلبية لحالة الاشتباك بينهما على أمن المنطقة والعالم والممرَّات المائية الدولية، وبشكل أكبر على عدد مِن الأزمات المشتعلة في دول المنطقة: لبنان وسوريا واليمن والعراق، والتي تعاني شعوبها الويلات.
ومع هذا ينبغي التأكيد على أنَّ هذا الاتفاق، قد لا يكون بمستوى الاهتمام الذي حصل عليه، للأسباب التالية:
1- أنَّه اتفاق اضطراري، أجبرت عليه إيران بفعل تدهور أوضاعها الداخلية، وما تواجهه مِن تحدِّيات خارجية؛ ولا يتوقَّع مِن الاتِّفاق أن يكون ضابطًا لسلوكها الخارجي.
2- استمرار العوامل الرئيسة المحرِّكة للصراع، والتي تُبقي الدولتين في حال اشتباك أو تنافس إستراتيجي على الأقل، في ظلِّ تمسُّك إيران بمشروعها القائم على الهيمنة على المنطقة، وربما السيطرة العسكرية على دولها.
3- خبرة العلاقات بين الدولتين والتي تنتقل مِن التوتر والقطيعة إلى تخفيف التوتر مع عودة العلاقات، والعكس.
4- ضعف الثقة بين الدولتين، وهو ما جعل السعودية -على الأرجح- تمتنع عن عودة العلاقة بشكل مباشر، وإنَّما بعد شهرين، لاختبار حسن السلوك الإيراني، بعدها يجتمع وزيري خارجية البلدين ويرتِّبا لاستئناف العلاقات.
دوافع الطرفان:
انساقت طهران والرياض إلى التوقيع على الاتفاق بدوافع وغايات مختلفة، ومِن الطَّبيعي أن تؤثِّر على مساره ومآلاته، وهي على النحو التالي:
دوافع إيران:
يُظهر السياق أنَّ إيران في المرحلة الحالية هي الأكثر احتياجًا لهذا الاتفاق، فهي الطرف الأضعف، بسبب اضطراب أوضاعها الداخلية، وحالة العزلة الخارجية المفروضة عليها، والاصطفاف الأمني الإقليمي غير المعلن ضدَّها، ولذا كانت الأكثر حرصًا على المفاوضات، سواء في الجولات الأولى في العراق، أو لاحقًا، كما أنَّها كانت الأكثر اعتدادًا بالاتفاق وتسويقًا له. وعلى الأرجح أنَّها انطلقت مِن الدوافع التالية:
1- فتح ثغرة في الفضاء الإقليمي لتخفيف العزلة التي تعاني مِنها، في ظلِّ فشل مساعيها في إعادة العمل بالاتفاق حول برنامجها النووي، أو كسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها، والذي تزايد بسبب موقفها الدَّاعم لروسيا في حربها على أوكرانيا، وعجزها عن تحقيق اختراق في علاقاتها مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربِّي.
2- تحقيق إنجاز يتمُّ تسويقه داخليًّا للتخفيف مِن حالة الاحتقان والسخط الشعبي المتزايد، وكسر الانطباع العام بأنَّ النظام بات منبوذًا دوليًّا، ويمثِّل عبءً على الشعب الإيراني.
(صورة أخرى للمظاهرات في ايران)
3- كسر الاصطفاف الأمني الإقليمي غير المعلن، والذي يضمُّ معظم الدول الخليجية وإسرائيل، وهو اصطفاف تحرِّكه مخاوف حقيقة مِن الأطماع الإيرانية في ظلِّ الفراغ الأمني الناتج عن الانسحاب الأمريكي مِن المنطقة.
4- الحد مِن التدخُّلات السعودية في الشأن الإيراني، فطهران تتهمُّ الرياض بأنَّ لها يدًا -إلى جانب دول أخرى- في تحريك الاحتجاجات الطلابية والاضطرابات الشعبية التي تعاني مِنها.
دوافع السعودية:
لم تكن السعودية هي المبادرة للحوار مع إيران، ولم تظهر حماسًا لذلك، وكان من المتوقَّع أن يمتد الحوار إلى فترة زمنية أطول. وقد مثَّل توقيع الرياض على الاتفاق مفاجئة للكثير مِن المراقبين. ويبدو أنَّ الرياض تعاملت مع هذا الاتفاق انطلاقًا مِن الدوافع التالية:
1- تجنُّب الصدام العسكري المباشر مع إيران، فاستمرار الضغوط عليها قد يدفعها لتوجيه ضربات، باتِّجاه السعودية عملا بمقولة “عليَّا وعلى اعدائي”، وقد صرح بهذا غير ما مرَّة مسئولون في “الحرس الثوري”،.
2- التقليل من المخاطر الأمنية، وتطبيق سياسات خفض التصعيد التي انتهجتها الرياض مؤخراً، مِن خلال المصالحة مع قطر وتركيا، وهو نفس المسار الذي تمضي به حاليا في اليمن.
3- البحث عن البدائل المتاحة للحفاظ على أمنها وأمن المنطقة، في ظلِّ حالة الإحباط العميق مِن السياسية الأمريكية تجاه المخاطر الجدِّية، وغير المسبوقة، التي تتعرَّض لها الدول الخليجية. فقد شنَّت جماعة الحوثي وإيران، وجماعات أخرى موالية لها، هجمات موجعة ضدَّ السعودية والإمارات، دون أن تحرِّك الولايات المتحدة ساكنًا، سوى الدَّعم اللَّفظي، بل إنَّها -وفي ذروة تلك المخاطر- قامت بسحب منظومة الصواريخ الدفاعية مِن دول المنطقة.
4- استمالة الصين، ومحاولة اختراق التحالف الصيني الروسي الإيراني، فقد كان التوقيع على الاتفاق في “بكِّين”، ومِن خلال بيان مشترك، تقديم للصِّين على أنَّها راعية سلام، وهي خطوة مكمِّلة للخطوة الأولى والمتمثِّلة في دعوة الرئيس الصيني إلى زيارة الرياض، وحشد قادة المنطقة لمقابلته على نحو ما ذكرنا.
ارتباط الاتفاق بالملف اليمني:
بالرغم مِن تعدُّد بؤر الاشتباك بين السعودية وإيران في الإقليم، والتي قد تتأثَّر بهذا الاتفاق، إلا أنَّ القضية اليمنية كما يبدو أكثرها ارتباطًا وربَّما تأثًّرًا به، حيث مِن المتوقَّع أن يكون له تداعيات مباشرة عليها، ويعود ذلك للأسباب التالية:
1- أنَّ الحرب في اليمن هي الأكثر ارتباطًا بأمن السعودية وتأثيرًا فيه، فإمكانية تعرُّضها لهجمات مِن قبل جماعة الحوثي قد يؤثر على البُنية التحتية والتوجُّهات الاقتصادية التي تتطلَّبها رؤية السعودية 2030م، وهي الحامل الشعبي والسياسي الرئيس لولي العهد، محمد بن سلمان.
(صورة ل شعار السعودية 2030)
2- التوقيع على الاتفاق جاء مرتبطًا بالتوجُّهات السعودية الهادفة إلى إنهاء الحرب في اليمن، فقد صرَّح وزير الخارجية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، قبل يوم واحد مِن إعلان الاتفاق، أنَّ “هناك جهودًا قائمة للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم، ومِن ثم إطلاق عملية سياسية بين الأطراف اليمنية تنهي هذه الأزمة”.
(صورة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان)
3- ترحيب المتحدِّث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، في تعقيبه على الاتفاق، “بأيِّ جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن، وتهدئة التوتُّر في منطقة الشرق الأوسط”، ما يشير إلى أن ملف الأزمة في اليمن سيكون أكثر الملفات تأثُّرًا بالاتفاق.
التداعيات:
مِن التداعيات التي يمكن أن تحدث في الملف اليمني في حال تنفيذ الاتِّفاق ما يلي:
1- حشد زخم دولي واسع لإيقاف الحرب في اليمن، إذ يبدو أنَّ إيران ستنضمُّ إلى الدول الداعمة لمسار التسوية، فقد نشرت ممثلية إيران في الأمم المتحدة بيانًا بشرت فيه بالتحولات التي ستحدث في الملف اليمني، ولا يُعلم ما إذا كان ذلك بناءً على تفاهمات مع السعودية أم أنَّه يندرج في إطار التسويق لهذا الاتفاق.
(صورة لمجلس الامن الدولي)
2- منح السياسات والخطوات التي ستتبعها السعودية لحلِّ الأزمة اليمنية قدرًا مِن المشروعية الإقليمية، وإخراجها على أنَّها جاءت في إطار تفاهمات إقليمية أوسع.
3- تقليص فرص خيار العمل العسكري من قبل مجلس القيادة الرئاسي ودولتي التحالف.
4- قد يؤدي الى تراجع الدعم السعودي للسلطة الشرعية، وخاصة في الجواب العسكرية واللوجستية.
5- قد يثير حنق الولايات المتحدة، وقد يدفعها الى التنسيق مع بعض الأطراف لتخريب الاتفاق بما فيهم الحوثيين.
السيناريوهات:
لا بد من القول أن هذا الاتفاق بالرغم من أهميته إلا أن يبقى أحد العوامل المؤثرة في الملف اليمني، إلى جانب عوامل أخرى قد تكون أكثر تأثيرا منه، ومنها: التوجهات السعودية، وسلوك الحوثيين، وموقف القوى الدولية، فضلًا عن تعقيدات المشهد اليمني، وما ينطوي عليه من كثافة عالية في التناقضات، وهو ما يجعل التطوُّرات مفتوحة على عدد من المسارات، غير أن أكثرها احتمالاً تتمثل في السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: المضي في مسار التسوية:
حيث سيوفِّر هذا الاتفاق البيئة الإقليمية الداعمة للتسوية السياسية في اليمن، وهو ما سيتكامل مع الإرادة السعودية، والرغبة الدولية، وإمكانية القبول مِن قبل جماعة الحوثي، في ظلِّ التدخلات الإيرانية، وعلى ذلك فإنَّ هذا السيناريو يتوقَّع أن تمضي الأمور على النحو التالي:
1- الإعلان عن اتفاق بين السعودية وجماعة الحوثي، وليس بالضرورة أن تُعلن كلُّ تفاصيله.
2- دعوة السعودية الأطراف اليمنية، بما فيها جماعة الحوثي، للتفاوض، سواء في السعودية أو في أي دولة أخرى.
2- التوقيع على إعلان وقف إطلاق النار مِن قبل السلطة الشرعية وجماعة الحوثي.
3- الانتقال إلى مسار المفاوضات، وهو مسار بات كلُّ طرف يستعدُّ له، بما في ذلك السلطة الشرعية، فقد أنجزت هيئة التشاور والمصالحة مؤخَّرًا المسودَّة الأولى لوثيقة الرؤية السياسية للسَّلام.
السيناريو الثاني: تعنُّت جماعة الحوثي:
يتوقَّع هذا السيناريو أن تُظهر جماعة الحوثي تثاقلًا عن المضي في مسار السلام، وقد يكون ذلك لابتزاز السعودية والحكومة الشرعية، مِن خلال سقف مطالب مرتفعة، وبالتالي يتكرَّر سيناريو عدم تجديد الهدنة، كما حدث في أكتوبر 2022م. وقد يكون هذا السلوك بفعل يقين المنتصر، أو قد يكون بسبب المزايدة بين الأجنحة المتنافسة داخل جماعة الحوثي. وفي كلِّ الأحوال سيُحدث هذا الأمر جملة مِن التداعيات المحتملة، ومِنها:
1- توسيع العزلة على جماعة الحوثي، وتضييق الخناق عليها.
2- استنفاذ كلُّ الطرق لإقناعهم بالمضي في مسار التسوية.
3- الإسهام في الحدِّ مِن تهريب السلاح الإيراني، حيث ستكون فرص تهريبه أضيق، بفعل حرص إيران على عدم تخريب الاتِّفاق أو للشعور بالحرج أمام الصين التي ظهرت وكأنَّها ضامنة للاتفاق.
4- ازدياد قناعة المجتمع الدولي بعدم أهلية جماعة الحوثي للسلام، والحاجة إلى عملية عسكرية تجلبهم إلى طاولة الحوار.
5- العودة إلى مسار الحرب.
السيناريو الثالث: التعثُّر:
هذا السيناريو هو وسط بين سيناريو التسوية وسيناريو تجدُّد الحرب، حيث تمضي الخطوات الأولى في مسار التسوية غير أنَّها تتعثَّر بفعل تعقيدات المشهد اليمني، أو غياب الثقة بين الأطراف المختلفة، أو نتيجة سلوك جماعة الحوثي. وفي هذه الحالة تتعثَّر الجهود، فلا تمضي باتجاه إنجاز تسوية سياسية، ولا يكون بمقدور الأطراف الرئيسة الرجوع إلى مسار الحرب. وتفيد الخبرة اليمنية السابقة أنَّ هذا السيناريو هو الأقرب للحدوث.
المصادر