الحوثيون والحرب على غزة: الموقف والتوظيف
Getting your Trinity Audio player ready... |
مقدمة:
أعلن المتحدث العسكري لجماعة الحوثي، يوم الثلاثاء 31 أكتوبر الجاري (2023م)، أنَّ جماعته أطلقت عدَّة صواريخ وطيرانًا مسيَّرًا تجاه إسرائيل، وأنَّها الهجمة الثَّالثة التي تقوم بها الجماعة في هذا الشَّأن؛ دون أن يكشف عن حجم الهجوم المشار له. قبل ذلك، وتحديدًا يوم الخميس 19 أكتوبر، أعلنت وزارة الدِّفاع الأمريكية (البنتاغون) أنَّ المدمرَّة “يو. إس. إس. كارني”، الموجودة في البحر الأحمر، أسقطت 3 صواريخ، وعددًا مِن المسيَّرات التي أطلقها الحوثيون، وأنَّه لا يمكن على وجه اليقين تحديد هدف الصَّورايخ، وأنَّ مِن المحتمل أن تكون موجَّهة نحو أهداف في إسرائيل.
يأتي هذا التطوُّر وسط مخاوف مِن انتقال شرارة الحرب الإسرائيلية على غزَّة إلى المنطقة[1]، في ظلِّ تزامنها مع هجمات محدودة مِن “حزب الله” باتِّجاه إسرائيل، ومع سلسلة مِن الهجمات على القوَّات الأمريكية جرت في العراق وسوريا، في سياق تنشيط وتنسيق بين الجماعات التَّابعة لما يُعرف بـ”محور المقاومة”، والذي تقوده إيران.
فما هي دوافع جماعة الحوثي مِن إطلاق الصَّواريخ والطائرات المسيَّرة باتِّجاه إسرائيل؟ وما هي الحدود المحتملة لمشاركتهم في الاشتباك الحالي؟ وما هي التداعيات التي يمكن أن تتركها هذه الأحداث على الصراع في اليمن؟
محاولة مبكرة لتوظيف القضية الفلسطينية:
مع أنَّ جماعة الحوثي ذات منشأ وأهداف محلِّية صرفة، تتَّصل بالرغبة في السيطرة على الحكم في اليمن، والانفراد به، وفق التصوُّر الذي يحمله المذهب الزيدي للحكم، والخبرة التاريخية لحكم الأئمَّة الزيديين في اليمن، بالإفادة مِن تجربة ما يُعرف بالثَّورة الإسلامية في إيران،(صورة للخميني وحسين بدر الدين الحوثي) إلَّا أنَّ مؤسِّسها حسين بدر الدِّين الحوثي حرص -منذ أيَّامها الأولى- على تبنِّي خطاب ديماغوجي دعائي تجاه القضية الفلسطينية، والصراع مع إسرائيل، بالادِّعاء بمحورية القضية الفلسطينية في وعي الجماعة وأدبيَّاتها، بهدف التأثير على أتباعه، ومنح جماعته مبرِّرات الوجود والدَّور. وفضلًا عن التَّعبئة التي لا تستند إلى حقائق في الواقع، اعتمد جانبًا مِن إرث الثورة الخمينية في إيران تجاه القضية الفلسطينية، ومِن ذلك يوم القدس العالمي، وما يُعرف بالصَّرخة، والتي تمثِّل شعارًا لجماعته حتى اليوم، وتنصُّ على “الموت لإسرائيل الموت لأمريكا.. اللَّعنة على اليهود النَّصر للإسلام”. ،(صورة لشعار الحوثي)وكان هذا الشِّعار محلَّ تندُّر مِن قبل اليمنيين، على اعتبار أنَّ جماعة الحوثي جماعة محلِّية، منغلقة فكريًّا، ومعزولة جغرافيًّا، وتخوض صراعًا داميًا مع اليمنيين لأجل السُّلطة، وليس لها ما يربطها بالقضية الفلسطينية والصِّراع مع إسرائيل.
وكان مِن اللَّافت أنَّه -وبعد سيطرة جماعة الحوثي على السُّلطة في صنعاء- عمد الحوثيون إلى مصادرة المؤسَّسات الفلسطينية النَّاشطة في اليمن لصالح القضية الفلسطينية وقوى المقاومة الفلسطينية الوطنية والإسلامية هناك؛ وإلى تشويه موقف الرئيس السَّابق، علي عبدالله صالح، الذي كان داعمًا للقضية الفلسطينية باتِّهامه بأنَّه كان على اتِّصال وتنسيق رفيع المستوى مع إسرائيل، وأنَّ وفودًا إسرائيلية كانت تزور البلاد منذ التِّسعينيات[2]. (صورة لقاء علي عبداله صالح بقادة حماس)
وبعد سنوات مِن الحرب، وامتلاك الحوثيين لمنظومة صواريخ وطيران مسيَّر، بدعم مِن إيران، وقيامهم بشنِّ هجمات على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أخذت القيادات الأمنية والبحثية في إسرائيل تهتم بتهديدات جماعة الحوثي، ودارت مناقشات حول المسارات المحتملة لاستهداف الجماعة لأمن إسرائيلي. وعقب التقارب بين جماعة الحوثي والسعودية تحوَّل مخزون السلاح الذي تملكه الجماعة، ومِن ضمنه الصواريخ الباليستية والطيران المسيَّر، إلى مصدر قلق لدى إسرائيل؛ فقد أشارت مصادر إعلامية إسرائيلية عدَّة إلى احتمال أن تسعى جماعة الحوثي وإيران إلى التركيز على تهديداتهما على إسرائيل[3]. ،(صورة لتهريب الصواريخ الى الحوثيين)
ومع تصاعد التوتُّر بين إيران وإسرائيل، وانطلاق معركة “طوفان الأقصى” كان مِن المتوقَّع أن ينخرط “حزب الله” في المعركة، بحكم قربه مِن الحدود الإسرائيلية؛ إلَّا أنَّ المفاجأة كانت إعلان جماعة الحوثي إطلاقها لدفعات مِن الطائرات المسيَّرة والصواريخ باتِّجاه إسرائيل، وأنَّها ستستمرُّ في ذلك.
الأسباب والدوافع:
تتعدَّد الأسباب التي دفعت جماعة الحوثي إلى إطلاق الطائرات المسيَّرة والصواريخ باتِّجاه شمال البحر الأحمر، وتبنِّي تلك العمليات والإفصاح عنها، ومِن ذلك:
- تحقيق أعمال دعائية واسعة:
فالحوثيون يريدون مِن وراء هذه العمليات تحقيق أهداف دعائية واسعة، تمكِّنهم مِن تسويق خطابهم الديماغوجي في أوساط أتباعهم والأوساط الشعبية في اليمن، وفي المنطقة العربية عمومًا، مِن خلال الادِّعاء بنصرتهم لأهل غزَّة والقضية الفلسطينية، وأنَّهم باتوا رافعة لهذه القضية وندًّا لإسرائيل وأمريكا، وطرفًا مؤثِّرًا في المنطقة. بل ومِن المحتمل أن يقوم الحوثيون بتصعيد العداء لإسرائيل في خطابهم بشكل أكبر كجزء مِن تبرير هيمنتهم السِّياسية، وقبضتهم الأمنية، وبناء منظومتهم العسكرية؛ خاصَّة إذا انسحبت السعودية والإمارات مِن الحرب في اليمن بشكل نهائي.
- الهروب مِن الضغوط الشعبية:
مثَّلت معركة “طوفان الأقصى” فرصة ذهبية لجماعة الحوثي لصرف انتباه اليمنيين عن فشلهم في توفير الاحتياجات، والإفلات مِن الضغوط الشعبية التي تواجهها، نتيجة امتناعها عن دفع مرتَّبات القطاع الأوسع مِن الموظَّفين الحكوميين لما يزيد عن ستِّ سنوات،،(صورة لمظاهرات ضد الحوثي) لا سيَّما وأن توقُّف الحرب -منذ أبريل 2022م- أبطل ذرائعها، حيث لم يعد لديها ما تتحجَّج به بشكل مقنع؛ خاصَّة وأنَّ موجة السخط الشعبي كانت في تزايد مستمرٍّ، وأخذ التململ الشعبي في التبلور في كيانات مجتمعية، كما هو الحال مع نادي المعلِّمين اليمنيين، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية؛ بما يشي إلى اتِّجاه الأمور نحو احتجاجات شعبية واسعة. وقد حاولت سلطة الحوثيين الحدَّ مِن هذا التململ والقضاء على أيِّ تحرك شعبي بشأن المطالب المشروعة المتعلِّقة بالرَّواتب والأجور، فلجأت إلى الاعتقالات والاعتداءات على الشخصيات الفاعلة في تلك الكيانات والحراك المجتمعي.
ومِن المفارقات الملفتة، أنَّ جماعة الحوثي انتهزت الأحداث في غزَّة لفرض المزيد مِن الجبايات والإتاوات على التجُّار والسكَّان في مناطق سيطرتها؛ فقد وجَّهت الدعوات إلى التبرُّع لصالح غزَّة والشعب الفلسطيني، على ثلاث مراحل. فمِن اليوم الأوَّل لمعركة “طوفان الأقصى” جرى توجيه المواطنين لجمع التبرُّعات مِن خلال سندات مكتوب عليها مكتب “حركة المقاومة الإسلامية- حماس”. وبعد 12 يومًا مِن بدء المعركة دعت الجماعة السكَّان للتبرُّع عبر كافَّة البنوك وشركات الصرافة باسم الحملة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني، بحيث تجمع كافَّة هذه التبرُّعات في حساب بالبنك المركزي الذي تسيطر عليه الجماعة. وبعد إطلاق الصواريخ باتِّجاه إسرائيل جرى توجيه رسائل (SMS) إلى هواتف المواطنين المشتركين في خدمات شركات الاتِّصالات لدعوتهم للتبرُّع لما أسموه “القوَّة الصاروخية”. ،(صورة لرسالة SMS تدعوا للتبرع للقوة الصاروخية)
- محاولة كسب شرعية داخلية وإقليمية:
حرصت جماعة الحوثي على أن تجاوز بهذه العملية السلطة الشرعية وبقيَّة القوى اليمنية، وأن تقدِّم نفسها على أنَّها القوة المهيمنة التي تُمثِّل الشعب اليمني، وتتَّخذ القرارات والمواقف الحاسمة نيابة عنه، وأن يُوفِّر لها هذا العمل قدرًا مِن الشرعية الشعبية في ظلِّ الارتباط العاطفي الكبير بين الشَّعبين اليمني والفلسطيني، واهتمامه بالقضية الفلسطينية، وفي ظلِّ خذلان واسع للشعب الفلسطيني مِن قبل الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية.
كما حرصت الجماعة على أن تحرج الأنظمة العربية، وفي المقدِّمة مِنها النظام السعودي؛ ،(صورة جديدة للرؤساء العرب)وفي الوقت ذاته أن تقدِّم نفسها على أنَّها مكوِّن مهم فيما يُسمَّى “محور المقاومة”؛ لذا حرص إعلامها على التباهي بأنَّهم حاضرين في غرفة العمليات المشتركة لما يُسمَّى قوى المقاومة، وعلى الالتزام بما يُسمَّى مبدأ “وحدة الساحات” لتلك القوى.
- توفير ذريعة للحفاظ على حالة الاستنفار والحرب:
جماعة الحوثي في حاجة إلى قضية جديدة تمكِّنها مِن التماسك الداخلي، والبقاء في حالة حرب واستنفار، لا سيَّما بعد سريان الهدنة لما يزيد عن عام ونصف، وإمكانية انسحاب السعودية والإمارات مِن الحرب في اليمن بشكل كلِّي، ومن المتوقع أنَّ يتم توظِّف هذا الحدث كذريعة بديلة عمَّا يُطلق عليه “تحالف العدوان”، وذلك للامتناع عن القيام بواجباتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها في جانب المرتَّبات والخدمات. وستعمد الجماعة إلى استغلال هذه العملية لتعبئة موارد المجتمع نحو البنية العسكرية، وخاصَّة الصواريخ والطائرات المسيرة، بحجَّة الحرب ضدَّ إسرائيل وأمريكا.
حدود ومستويات التدخُّل المحتملة:
حيث أنَّ المعركة لا تزال مستمرَّة فإنَّ مستوى مشاركة جماعة الحوثي في الأعمال العسكرية ضدَّ إسرائيل تبقى مفتوحة على عدد مِن المسارات؛ غير أنَّه -وفي ضوء المؤشِّرات المتوافرة- يمكن أن تكون هذه المسارات في واحد مِن المستويات الثَّلاثة التالية:
- الاكتفاء بما تمَّ اطلاقه:
وهذا يعني أن تتوقَّف مشاركة الحوثيين عند الهجمات التي جرى الإعلان عنها، والتركيز عوضًا عن ذلك على سرد مبرِّرات عدم الاسترسال في إطلاق صواريخ وطائرات جديدة باتِّجاه إسرائيل أو أمريكا، والتركيز على استثمار الأحداث إعلاميًّا وشعبيًّا.
- استمرار الهجمات الجوية:
يفترض هذا السيناريو أن يستمرَّ الحوثيون في إطلاق صواريخ وطائرات مسيَّرة باتِّجاه شمال البحر الأحمر، وهذا هو التوجُّه الذي أشار إليه بيان الناطق باسم القوَّات العسكرية التابعة لجماعة الحوثي؛ فقد أكَّد استمرارهم في “تنفيذ المزيد مِن الضربات النوعية بالصواريخ والطائرات المسيَّرة، حتَّى يتوقَّف العدوان الإسرائيلي”[4]. ويعتمد هذا السيناريو على استمرار العدوان الإسرائيلي على غزَّة وموقف إيران ومحور المقاومة، التابع لها، مِن ذلك. كما أنَّه خيار مقبول في ظلِّ الردع الأمريكي ضدَّ التصعيد إلى ما هو أكبر مِن ذلك مِن جهة، والحرج أمام الأتباع والجمهور مِن جهة ثانية، فهو خيار يحفظ ماء الوجه، ولا ينطوي على أيِّ أضرار حقيقية بالنسبة لإسرائيل لاعتبارات عدَّة، مِنها: بعد المسافة بما لا يمكِّن الطائرات المسيَّرة مِن إصابة أهدافها، إذ مِن الوارد أن تسقط -كما في مرَّات سابقة- في الأراضي المصرية أو الأردنية، كما أن الصواريخ -وإن كان بمقدور بعضها إلحاق ضرر بإسرائيل- إلَّا أنَّه مِن اليسر للغاية اعتراضها.
- استهداف السفن والمصالح الإسرائيلية جنوب البحر الأحمر:
هذا السيناريو يتوقع حدًّ أعلى مِن التدخُّل الحوثي، حيث مِن الممكن أن يستهدف الحوثيون سفنًا أو بوارج تابعة لإسرائيل، وربَّما الولايات المتَّحدة الأمريكية، جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب. ،(صورة للبارجة الامريكية USSكارني) ومع أنَّ فرص هذا السيناريو محدودة إلَّا أنَّه غير مستبعد تمامًا، وقد يكون أكثر حدوثًا في حال تدخَّل “حزب الله” ووقوع اشتباك كامل في المنطقة. وممَّا يساعد على ذلك أن جماعة الحوثي تمتلك صواريخ برِّية وبحرية تمكِّنها مِن إلحاق الأضرار بالسُّفن التي تستهدفها.
التداعيات:
مِن المتوقَّع أن يترك هذا الحدث الجاري في غزَّة جملة مِن التداعيات التي قد تضيف الكثير مِن التعقيد للصراع الدائر في اليمن، والتوتُّرات القائمة في المنطقة، ومِن ذلك:
- توتُّر العلاقة بين الحوثيين والسعودية:
ممَّا لا شكَّ فيه أن يؤدِّي إطلاق جماعة الحوثي صواريخ باتِّجاه إسرائيل إلى توتُّر علاقتها بالسعودية، وهذا التوتُّر قد ينتج لأكثر مِن سبب:
- فالأمر يبدو وكأنَّه إحراج للسعودية أمام شعبها وشعوب المنطقة عمومًا،
- التباهي المعلن لقيادات جماعة الحوثي بأنَّهم جزء مِن “محور المقاومة”، وأنَّهم يتشاركون معهم بالقول وبالفعل، وأنَّ “محور المقاومة”: “محور واحد، وهناك تنسيق يجري وغرفة عمليات مشتركة وقيادة مشتركة لكلِّ هذه العمليات”[5]، وهو ما يؤكِّد استمرار ارتهان جماعة الحوثي لإيران، وفشل الجهود التي بذلتها السعودية لجذبهم إلى الحاضنة العربية.
ومع هذا فمِن المرجَّح ألَّا تطول فترة التوتُّر، إذ من المتوقَّع أن تتغاضى السعودية عن سلوك جماعة الحوثي، خاصَّة إذا اقتصرت مشاركتهم في حدود الهجمات الصاروخية باتِّجاه إسرائيل ولم يصل الأمر إلى استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر؛ فالمصالح والتوجُّهات السعودية الاستراتيجية تدفع الرياض لإبقاء التوتُّر مع جماعة الحوثي في حدوده الدُّنيا.
- تغيُّر الموقف الأمريكي تجاه جماعة الحوثي:
مِن المتوقَّع أن تُحدِث الخطوة التي أقدمت عليها جماعة الحوثي تحوُّلًا سلبيًّا في موقف الأمريكيين تجاهها، ما لم تصل مشاركة الحوثيين إلى استهداف السفن في البحر أو البوارج الأمريكية، فمن المحتمل ألَّا يتَّجه الأمريكيون للتصعيد العسكري ضدَّ الحوثيين، وذلك للأسباب التالية:
- رغبة أمريكا في التركيز على مواجهة “حماس”، وعدم فتح جبهات أخرى مِن شأنها أن تتسبَّب في تشتيت مساعي حسم الحرب في القطاع لصالح إسرائيل مِن وجهة نظرهم.
- ميل إسرائيل والولايات المتحدة إلى خيار عدم توسيع نطاق الصراع ليشمل البحر الأحمر، والاكتفاء بصدِّ هجمات الحوثيين، وليس الردَّ عليها حتَّى لا يصبح البحر الأحمر ساحة جديدة للمواجهة، على النحو الذي تضطرُّ معه الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الانخراط فيه دون حسم ساحة غزَّة. ،(صورة لبايدن يزور اسرائيل)
- أنَّ انهيار التفاهمات بين السعودية والحوثيين قد يعني إمكانية انهيار الهدنة التي كانت إدارة الرئيس الأمريكي، “جو بايدن”، حريصة على التوصُّل إليها، وتعدُّها أحد أهمِّ منجزاتها في المنطقة.
- يتعاضد مع ذلك حرص الرئيس الأمريكي، “جو بايدن”، على عدم التصعيد مع إيران، بعدما تحقَّق مِن تفاهمات بين البلدين أنتجت صفقة تبادل السجناء لدى كلٍّ بلد مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار مِن الأرصدة الإيرانية المجمَّدة لدى كوريا الجنوبية.
وفي حال ما استهدفت جماعة الحوثي السفن، وبشكل أخص القطع الحربية الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر، فإنَّ الأمور ستتغيَّر على نحو كبير، إذ مِن المتوقَّع أن توجَّه نحوهم ضربات انتقامية مِن قبل الدولتين.
أمَّا على المستوى السياسي، فإنَّ احتمال إدراج جماعة الحوثي في “قائمة المنظَّمات الإرهابية” قد يتجدَّد؛ خصوصًا أنَّ هناك (14) عضوًا، مِن الحزب الجمهوري، قدَّموا مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأمريكي، للوقوف ضدَّ عدوان جماعة الحوثي، وإعادة تصنيفها منظَّمة إرهابية أجنبية، نظرًا لأعمالهم الرامية إلى زعزعة استقرار المنطقة، والتهديد الأمني الذي يشكِّلونه على الولايات المتحدة، وتورُّطهم مؤخَّرًا في الصراع القائم حاليًّا في إسرائيل، بما في ذلك الهجمات الأسبوع الماضي[6].
- توفير بُعد دعائي للحشد لجولة جديدة مِن الحرب:
إذ أنَّ إطلاق جماعة الحوثي للصواريخ والطائرات المسيَّرة باتِّجاه إسرائيل سيوفِّر لها دون شكٍّ فرصة مثالية لتسويق هذا الأمر في الأوساط الشعبية على أنَّه عمل بطولي غير مسبوق، وسيتم استغلاله ببراعة للتعبئة والاستقطاب، وتجنيد مقاتلين جدد تحت شعار وهمي جديد هو الحرب ضدَّ إسرائيل.
ويُرجَّح على نحو كبير أن توظِّف جماعة الحوثي هذا الحدث للدفع بالبلاد نحو جولة جديدة مِن الحرب، مِن خلال التحشيد واختلاق الأعذار بأنَّ هناك أطراف خارجية تحرِّك الأطراف الداخلية المناؤة لها بما يشغلها عن مهاجمة إسرائيل. وسيعمد خطاب الحوثيين إلى الربط بين تلك الأطراف اليمنية وإسرائيل، وهو ما قد يجعل القتال أكثر دموية وكلفة.
وبالفعل فقد أعلنت جماعة الحوثي، يوم الأحد الموافق 29 أكتوبر، عن بدء سلسلة مناورات عسكرية باسم “طوفان الأقصى”، ونفَّذت ما تُسمَّى “قوَّات الدعم والإسناد”، التابعة لها، مناورة عسكرية، جرى فيها استخدام الذخيرة الحيَّة. وفي إشارة إلى ما ذكرناه اعتبر قائد تلك الكتائب، قاسم الحمران، المناورة “رسالة للعدو الصهيوني وأذنابه في الدَّاخل والخارج”[7].
وتشير مصادر موثوقة إلى أنَّ الأيَّام الأخيرة شهدت وصول أكثر مِن ٣٠ طقمًا محمَّلة بالمقاتلين إلى جبهات مأرب؛ فيما وصلت حشود عسكرية أخرى إلى منطقة اللَّبنات في الجوف، بالتزامن مع دخول صواريخ جديدة في تجهيزات القوَّات التَّابعة للجماعة إلى أرض المعركة، وجرى نصب منصَّات إطلاق الصواريخ شرقي منطقة الحزم، ومناطق أخرى مِن الجوف.
- إمكانية حدوث مجاعة واسعة:
حدوث اشتباك واسع في المنطقة، وخاصَّة جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ستكون له تداعيات كارثية على اليمن، حيث ستتقلَّص فرص استيراد المواد الغذائية، وخاصَّة القمح، وهو ما سيجعل اليمن أمام مجاعة مرعبة، وستزداد احتمالات المجاعة كلَّما كان المخزون مِن القمح والدقيق والأرز محدودًا، وكلَّما طال أمد الحرب والاضطراب في المنطقة، حيث ستصعب حركة الملاحة ووصول السفن وتشغيل المواني ورفع كلفة النقل البحري أضعافًا مضاعفة.
- تعزيز الوجود الأمريكي والإسرائيلي جنوب البحر الأحمر:
سبق الحرب على غزَّة وصول أكثر مِن ثلاثة آلاف مِن جنود البحرية الأمريكية إلى المنطقة بهدف معلن هو احتواء التهديدات الإيرانية للملاحة البحرية الدولية. ومع قرار إسرائيل شنِّ حربها على غزَّة، أرسلت واشنطن حاملتي طائرات، ثم نشرت بطاريَّات الدفاع الجوي “ثاد” و”باتريوت”[8]. ومِن شأن ضربات جماعة الحوثي الأخيرة أن تشدَّ الدولتين بشكل أكبر إلى مصدر تهديد جديد، وهو ما قد يؤدِّي إلى زيادة عسكرة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، مِن خلال تعزيز الحضور العسكري الإسرائيلي وبدرجة أكبر الأمريكي في هذه المنطقة.
المصادر
2] اليمن.. الحوثيون يتحدثون عن تفاصيل لعلاقات نظام صالح مع إسرائيل، الجزيرة نت، في: 5/10/2020م، متوفر على الرابط التالي: https://2u.pw/3Qnc96k
[3] إسرائيل قد تكون في مرمى تهديدات الحوثيين عقب اتفاقهم مع السعودية، أحمد الديب، مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، في: 28/4/2023م، متوفر على الربط التالي: https://sanaacenter.org/ar/translations/20094 [4] جماعة الحوثي: نفذنا 3 هجمات بصواريخ باليستية ومسيرات على أهداف إسرائيلية، الجزيرة نت، على الرابط: https://www.aljazeera.net/news/2023/10/31 [5] الحوثيون يتبنون 3 هجمات.. وإسرائيل تدرس الرد، العربي الجديد، في: 1/11/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://2u.pw/7EFmnZ2 [6] 14 سيناتورًا جمهوريًّا يقدمون مشروعًا في مجلس الشيوخ الأمريكي لإعادة تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية”، المصدر أونلاين، في: 4/11/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://almasdaronline.com/articles/284064 [7] الحوثيون يتبنون 3 هجمات… وإسرائيل تدرس الرد، العربي الجديد، في: 1/11/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://cutt.us/qznKt [8] وحدة الساحات: هل يشكل الحوثيون رقماً مهماً في معادلة “طوفان الاقصى”، مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، على الرابط: https://acpss.ahram.org.eg/News/21041.aspx