سياقات التقارب الإقليمي والأزمة اليمنية

Getting your Trinity Audio player ready...

 

المقدِّمة:

يلعب العامل الإقليمي دورًا محوريًّا في الأزمات اليمنيَّة المتعاقبة، منذ تفجَّرت الصِّراعات السِّياسيَّة في ستينيَّات القرن الماضي، وحتَّى اليوم. ومع التَّوصُّل إلى تفاهمات إقليميَّة يتوقَّف الصِّراع الدَّاخلي في اليمن، ولو بشكل مؤقَّت. حصل ذلك في ستينيَّات القرن الماضي، حينما توصَّلت جمهوريَّة مصر العربيَّة والمملكة العربيَّة السُّعوديَّة إلى تفاهم مشترك بينهما؛ وانعكس ذلك إيجابًا على الملف اليمني.

اليوم، تعتبر المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية القوَّتان الأبرز تدخُّلًا في اليمن، وقد ولَّد هذا التَّدخُّل ديناميَّات التَّوتُّر والتَّنافس؛ إذ تسعى إيران للتَّمدُّد في المنطقة على حساب السعودية وباقي دول المنطقة، في حين تسعى السعودية لحماية أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية، باعتبار اليمن يقع في حدودها الجنوبيَّة؛ والوجود الإيراني في اليمن يضرُّ بمصالحها. وقد سعت بعض الأطراف الإقليميَّة في ظلِّ هذا التَّنافس الحادِّ لاستغلال الأزمة اليمنيَّة لتمرير مصالحها السياسية، وأجندتها الخاصة، كما هو الحال مع الإمارات العربية المتحدة.

اليوم، هناك حوار إقليمي بين السعودية وإيران، والأزمة في اليمن حاضرة ضمن أجندات هذا الحوار لدى الطرفين دون شكٍّ. فالملف اليمني أصبح متشابكًا مع الإقليم، واشتباك المصالح داخل الجغرافيا السياسية اليمنية جعل الأزمة مرتبطة ارتباطا مباشرًا مع ما يحدث مِن تطوُّرات في الإقليم، سلبًا أو إيجابًا. فالدَّور الإقليمي في الأزمة اليمنية الرَّاهنة حاضر وبقوَّة وبشكل واضح، وله تأثيره المباشر على القوى المحليَّة اليمنيَّة ومواقفها.

في هذا السِّياق، تتطرَّق هذه الورقة إلى الحوار المبدئي بين طهران والرِّياض بشكل أساسي؛ والمصالحة الخليجيَّة بين السعودية وقطر، والتَّحرُّك الدُّبلوماسي والسياسي الملحوظ مِن قِبل دول إقليميَّة، كسلطنة عُمان، وقوى دوليَّة، كبريطانيا، لإيجاد حلٍّ للأزمة اليمنية الَّتي تعصف بالبلد منذ سبع سنوات.

تناقش هذه الورقة سياقات التَّقارب الإقليمي والأزمة اليمنيَّة، وتنبع أهميَّتها -الورقة- كونها تتلمَّس سياقات هذا التَّقارب الإقليمي وأبعاده، وحيثيَّاته، وتأثيراته على الأزمة اليمنية؛ في ظلِّ استمرار التَّصعيد العسكري الحوثي باتِّجاه مأرب، واستمرار بقاء بعض القوى الإقليمية في اليمن. وتهدف الورقة بشكل رئيس لفهم وتحليل هذا التقارب في ظلِّ المتغيرات السياسية، والمساعي الإقليميَّة لحلِّ الصِّراع الدائر في اليمن.

وتفترض الورقة أنَّ التقارب السياسي الإقليمي غير كافٍ لوقف الحرب في اليمن، ما لم يكن هناك رؤية تكامليَّة بين أنظمة الإقليم لتحقيق السلام في اليمن؛ خصوصًا وأنَّ الصراع أصبح هجينًا تتداخل فيه القوى المحليَّة والإقليميَّة المتناقضة أيديولوجيا وسياسيًّا، ممَّا جعل الأزمة اليمنيَّة تراوح مكانها. ولتطبيق هذه الفرضيَّة استخدمت الورقة المنهج الوصفي والتَّحليلي باعتباره أحد طرق التحليل والتفسير العلمي المنظم، القائم على إدراك الواقع بأبعاده وتفاصيله، وفهم القواعد والعلاقات والأطر الحاكمة له.

ولتحقيق هدف الدِّراسة ركَّزت الورقة على المحاور التالية:

المحور الأوَّل: طبيعة التَّقارب الإقليمي بين طهران والرِّياض، وتأثيره على الأزمة اليمنية.

المحور الثاني: المصالحة الخليجية وأثرها على مستقبل التسوية في اليمن.

المحور الثالث: إستراتيجية الإمارات في اليمن وتقاربها مع طهران.

المحور الرابع: مصالح عُمان الإستراتيجية ودورها في تقريب وجهات النظر الإقليمية بشأن أزمة اليمن.

المحور الأوَّل: طبيعة التقارب الإقليمي بين طهران والرياض وتأثيره على الأزمة اليمنية:

قبل الحديث عن تاريخ الحوار الإيراني- السُّعودي لا بدَّ مِن إدراك الأبعاد السياسية والتاريخية والاجتماعية والمذهبية والجغرافية بين البلدين؛ وأنَّ الحوار بينهما لم يكن جديدًا، فقد انخرطت الدَّولتان في حوارات سياسيَّة سابقا، وأقيمت بينهما علاقات دبلوماسية وسياسية؛ لكنها لم تؤدِّ إلى استمرار العلاقة بينهما وإلى الاستقرار السياسي والعسكري في المنطقة، إذ غلبت عليها التكتيكات المرحليَّة والمؤقَّتة، ممَّا جعلها غير قادرة على الصُّمود عند أوَّل أزمة تتفجَّر بين البلدين.

ويمكن تقسيم مراحل الحوار بين السُّعودية وإيران إلى المراحل التالية:

  • مرحلة حكم الخميني، عندما وصل إلى السُّلطة في عام 1979م: واتَّسمت تلك المرحلة بالتَّوتُّرات، واستمرت تلك التَّوتُّرات بشكل كبير خاصَّة بعد انحياز السُّعودية إلى جانب النِّظام العراقي إبَّان حربه مع إيران بين عامي (1980م- 1988م).
  • مرحلة التَّقارب المصلحي، بين عامي 1989م- 1997م، إذ واجهت السعودية خطر التدخُّل العراقي في الكويت، وتهديده لها، كما شهدت وصول تيَّار المعتدلين، برئاسة هاشمي رفسنجاني، لسدة الحكم عام 1989م، ما دفع إلى تحسن العلاقات حينها بين البلدين.
  • مرحلة الاتِّفاقات الجزئيَّة، خلال حكم الرَّئيس محمد خاتمي، والذي وصل إلى السلطة في عام 1997م، فحصل حينها نوع مِن التقارب بين السعودية وإيران. فقد كانت إيران في عهد خاتمي “تسعى للتقارب مع السعودية لتدعيم مكانتها ونفوذها في المنطقة، ولكسر حالة الجمود التي اتَّسمت بها سياستها الخارجية بعد الثورة. أمَّا السعودية فقد كانت ترى في إيران شريكا أساسيًّا في المنطقة الخليجية للمحافظة على أمنه في حالة تسوية الخلافات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي”. وكان التَّطوُّر الأهم في تلك المرحلة الاتِّفاقيَّة الأمنيَّة التي وقِّعت بين البلدين، عام 2001م، والَّتي تضمَّنت بنودًا لمكافحة “الإرهاب”.. ومراقبة الحدود البحريَّة والمياه الإقليميَّة بين البلدين.
  • مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، والتي اتَّسمت بالتَّوتُّرات السياسية والإعلامية.
  • مرحلة ما بعد ثورات الرَّبيع العربي عام 2011م، ويمكن أن نطلق عليها مرحلة التَّمدُّد الإيراني في المنطقة على حساب السُّعودية.

ويتَّضح أنَّ طبيعة العلاقة والحوار بين البلدين مرَّت بعدَّة تقلُّبات، ولم تكن في انسجام دائم، بقدر ما كانت محكومة بتحقيق المصالح الآنيَّة لكلٍّ مِن الطَّرفين. وفي كلِّ محطَّة توتُّر كان يرى البلدان أنَّ التَّهدئة والتَّقارب المؤقَّت أفضل الخيارات لهما. كما أثبتت الأحداث بأنَّ مشروعي إيران والسعودية يتَّسمان بالتَّناقض الحاد، ولم ينتج عن الحوارات السياسية سوى بعض الاستقرار السياسي النِّسبي، فمعظم الحوارات لم تنجح منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م وحتَّى اليوم.

طبيعة الحوار الجاري بين السعودية وإيران:

في شهر يوليو (2021م)، أعلنت الخارجية الإيرانية عن “إحراز تقدُّم في المحادثات مع السعودية”. واستضافت بغداد عدَّة نقاشات ومباحثات بين السعودية وإيران. وعُقدت قمَّة بغداد مؤخَّرًا بحضور وزيري خارجية البلدين؛ وهذا يُحسب للعراق الذي تمكَّن مِن الجمع بين الطرفين، في وقت يعيش اليمن تصفية حسابات إقليميَّة أدَّت إلى تفاقم الأزمة السياسيَّة والإنسانيَّة والعسكرية فيه؛ نتيجة لهذا الصراع.

مؤخَّرًا، أكَّد العاهل السُّعودي الملك، سلمان بن عبدالعزيز، أنَّ بلاده تأمل في نتائج ملموسة للمحادثات الأوليَّة مع إيران لبناء الثَّقة. فكان الرَّدُّ الإيراني بأنَّ هناك تقدًّمًا جدَّيًّا للغاية في المحادثات مع السعودية. ورغم التصعيد العسكري مِن قِبل جماعة الحوثي باتِّجاه محافظتي مأرب وشبوة، إلَّا أنَّ النظامين الإيراني والسعودي واصلا -في بغداد- محادثات تخفيف التَّوتُّر؛ مع أنَّ هذا التَّصعيد قد يفسد بناء الثِّقة بين طهران والرياض، ويعيق “التَّحرُّكات الدوليَّة الرَّامية لوقف الحرب”، وهو يعطي مؤشِّرًا بأنَّ جماعة الحوثي لا تزال تعوِّل على الحسم العسكري، لأنَّها تدرك بأنَّ الاستيلاء على مناطق النَّفط والغاز في مأرب سوف يضع السُّعودية أمام الأمر الواقع، ويدفعها لتقديم تنازلات جوهريَّة للجماعة.

وتشهد المنطقة تطوُّرات أمنية وعسكرية متسارعة. وفي ضوء ما يحدث في الإقليم مِن اشتباك مباشر بين الدول الوطنية والمجموعات المسلَّحة المدعومة مِن إيران -كما هو حاصل في اليمن- يمكن القول بأنَّ طبيعة الحوار بين السعودية وإيران أمنيَّة وعسكريَّة بالمقام الأوَّل، ثمَّ تأتي الملفَّات الأخرى في المرتبة التَّالية، خاصَّة وأن مواضيع الحوار الجاري بين الرياض وطهران تركِّز عادة على ثلاث نقاط رئيسة، هي:

أ- أمن الخليج: ويتمثل ذلك في طرح ومناقشة البرنامج النَّووي الإيراني، والملاحة البحريَّة في المنطقة، ومسألة التدخُّل في اليمن؛ أي أنَّ الأزمة اليمنية حاضرة ضمن الملف الأمني، وهذا الملف هو المدخل للحوار الجاري.

ب- العلاقات الثنائية: بما في ذلك ملفُّ الحجِّ والعمرة، والأقليَّات الشيعية في منطقة الخليج، وخاصَّة تلك الموجودة في البحرين والسعودية… إلخ.

ج- مناطق الاشتباك: والمتمثِّلة في انتشار وكلاء إيران بشكل كبير في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن؛ وعواصم هذه الدُّول الأربع تخضع اليوم عمليًّا لحلفاء طهران.

دوافع وأهداف الحوار:

مِن الملاحظ وجود رغبة لدى السعودية وإيران في التهدئة، لتحقيق كلِّ طرف حاجاته. وهناك عدَّة دوافع مشتركة أدَّت إلى قبول الطرفين بالحوار المباشر، فالسعودية مدفوعة لهذا الحوار نتيجة ثلاثة أمور رئيسة، مِنها:

أ- مسار الحرب في اليمن: فبعد سبع سنوات مِن الصراع المستمر تبحث السعودية عن بدائل أخرى لمأزقها في اليمن، نتيجة المخاطر الَّتي بدأت تشكِّل قلقًا لها. وإقدام السعودية إلى هذا الحوار ليس دليلًا على عجزها، فهي ما تزال قادرة على استخدام أوراق كثيرة لتغيير موازين القوى في اليمن -لو أرادت ذلك، لكن يبدو أنَّها تريد التَّفرُّغ لحماية حدودها؛ كما تريد الانسحاب مِن المشهد اليمني، خاصَّة مِن المناطق الشمالية الغربية، والبقاء في المناطق الجنوبية الشَّرقية المحادَّة لها، وكذلك تقوية دفاعاتها الحدودية مِن أيِّ اختراق حوثي.

ب- احتياجات أمنيَّة وتطمينات مؤقَّتة: إذ شكَّل استهداف المنشآت النفطية السعودية مؤخَّرًا سببًا واضحًا في الدفع نحو الحوار؛ لأنَّ السعودية منهمكة في مشاريعها الدَّاخليَّة، ومِنها “رؤية 2030″، وهي تريد التَّفرغ لهذه المشاريع، ومعالجة قضاياها السياسية الداخلية. ويتَّضح مِن خلال التصريحات السعودية أنَّها ترغب في التَّوصُّل إلى تفاهمات مع إيران، ومِن ثمَّ مع جماعة الحوثي إذا اقتضى الأمر. وبدء الحوار مع طهران بشكل مباشر مؤشِّر على رغبة السعودية في التهدئة.

ج- دوافع دولية وإقليمية: مِنها عدم مشاركة السعودية في المفاوضات النَّووية بين الغرب وإيران، ما دفعها للحوار بمفردها مع إيران، فالسعودية تشعر بأن تأثير الاتفاق على الملف النَّووي سيكون سلبيًّا على وضعها. كذلك فإنَّ التَّحوُّل في الإدارة الأمريكية، والتطبيع الخليجي الإسرائيلي، والانسحاب الأمريكي مِن المنطقة، والتَّوجُّه الدُّولي إلى تهدئة المنطقة وجبهاتها، كلُّ هذه العوامل تدفع السعودية للتَّوجُّه لهذا الحوار المباشر مع إيران.

أمّا دوافع إيران الأساسيَّة للحوار فتتمثَّل في التَّالي:

أ- تثبيت المكاسب التي حصلت عليها بالقوَّة عبر حلفائها، سواء في اليمن أو في مناطق أخرى.

ب- خشية طهران مِن التقارب الخليجي- الإسرائيلي مؤخَّرًا، ويُلحظ أنَّ الهدف مِن التصريحات السياسية الإيرانية بشأن التَّقارب مع السعودية هو التَّقارب مع الرِّياض قبل أن يتمَّ التَّوصُّل إلى فتح علاقات دبلوماسية بين السعودية والكيان الصهيوني؛ لأنَّ أيَّ تقارب إسرائيلي- سعودي لن يصبَّ في صالح الإستراتيجيَّة الإيرانيَّة، القائمة على التَّمدُّد العسكري في المنطقة. وتدرك إيران أنَّ الولايات المتحدة تسعى لإقامة علاقات تكامليَّة وإستراتيجيَّة بين دول الخليج وبين إسرائيل مِن أجل حماية أمن إسرائيل وتطويع الشُّعوب الَّتي لا تزال ترفض الاحتلال الإسرائيلي على القبول بالكيان الإسرائيلي، ومِن ثمَّ فليست الولايات المتحدة بحاجة للبقاء في المنطقة بشكل عسكري لحماية أمن إسرائيل في حال نجحت في تنفيذ هذا الهدف. ويمكن القول بأنَّ مخاوف إيران مِن التَّحوُّل الكبير بين بعض دول الخليج والكيان الإسرائيلي، والذي حدث مؤخَّرًا مِن خلال فتح علاقات دبلوماسيَّة متكاملة، دفعها للحوار مع السعودية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، والقضيَّة اليمنية بوجه خاص، إذ تشهد تحوُّلات جوهرية قد تمتدُّ تداعياتها إلى الإقليم برُمَّته.

ج- محاولة طهران اختراق الأطراف الإقليمية، والتركيز على حدودها الشمالية، خاصَّة بعد الانتصارات العسكرية التي حقَّقتها أذربيجان في معركتها الأخيرة مع أرمينيا، وذلك باستعادة إقليم “كارباخ” مِنها. وقد تحقَّق الانتصار الأذربيجاني نتيجة مساعدة تركيا لها. وهذا أغضب طهران، وجعلها تشعر بأنَّ تركيا حصلت على نفوذ كبير في مناطق كانت محسوبة لصالح طهران. إضافة إلى أنَّ صعود طالبان إلى سدَّة الحكم في أفغانستان لا يخدم المشروع الإيراني التَّوسُّعي، بل يحدُّ مِنه. لذلك، رأت طهران أنَّ مِن مصلحتها فتح قنوات حوار مع السعودية للتَّفرُّغ لحماية حدودها الشمالية.

ويمكن تلخيص أهداف الحوار الجاري بين الرياض وطهران بشكل عام في النِّقاط التالية:

  • أوَّلًا: مخاوف الدَّولتين المشتركة دفعهما إلى هذا التفاهم لوقف التصعيد الأيديولوجي والخطاب المذهبي، لأنَّ الاستمرار في هذا الاتجاه يضرُّ بالبلدين.
  • ثانيًا: تسعى طهران مِن وراء هذا الحوار إلى تخفيف الضُّغوطات والعقوبات الدُّولية المفروضة عليها، والتَّفرُّغ للتركيز على المشاكل الداخلية؛ فإيران تعتبر “التهدئة مع المملكة مدخلًا لخلط الأوراق، بدءًا مِن تمرير محادثات فيينَّا بشأن برنامجها النُّووي بأقل قدرٍ مِن التنازلات، وصولًا إلى تعزيز دورها الإقليمي، عبر الدَّعوة إلى إقامة نظام أمن إقليمي، يفترض انسحاب القوَّات الأجنبية مِن الخليج”. وفي حال تحقَّق لها هذا الهدف سوف يكون لها اليد الطُّولى في المنطقة، وستكون جماعة الحوثي أحد الأذرع الصَّلبة لإيران في جنوب الجزيرة العربية.
  • ثالثًا: التطورات السياسية المتسارعة في الإقليم أربكت المشهد السياسي والعسكري في المنطقة ممَّا جعل الأطراف تفكِّر بضرورة المرونة ولو المؤقتة.
  • رابعًا: عدم قدرة السعودية على حسم الموقف عسكريًا في اليمن جعلها تفتح حوارًا دبلوماسيًّا مع إيران، فهي تعتقد أنَّ ذلك يصبُّ في مصلحتها، وتتوقَّع أنَّ بالإمكان إبعاد الحوثيِّين عن طهران. غير أنَّ مِن الصَّعب فصل الارتباط العقائدي بين الجزء المتشدِّد في جماعة الحوثي وبين النظام الإيراني الحالي؛ حيث تسعى جماعة الحوثي إلى إلحاق اليمن بالقوَّة العسكريَّة بمحور الممانعة الذي تقوده طهران، ويضمُّ كلًّا مِن: سوريا، ولبنان، والعراق، وجماعات مسلَّحة أخرى في المنطقة.
  • خامسًا: عدم قدرة الدبلوماسية الأمريكية خلال الفترة الماضية على التَّوصل إلى تفاهمات مع جماعة الحوثي بخصوص وقف الحرب في اليمن جعل السعودية تفكِّر بإمكانية التَّفاهم مع إيران مباشرة حول الملف اليمني. ومِن الواضح أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تشجع السعودية على انتهاج الحلول السلمية مع طهران فيما يخصُّ الأزمة اليمنية، ونقاش ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليڤان، ملف الأزمة اليمنية بالتفصيل، وتأكيدهما على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية لحلِّ الصراع في اليمن، يعتبر مؤشِّرًا على أنَّ خيارات السعودية في اليمن أصبحت تميل إلى وقف الحرب.
  • سادسًا: تحاول طهران مِن خلال هذا الحوار كسر العزلة الدولية عن جماعة الحوثي، وإقناع السعودية بضرورة الاعتراف بها كممثِّل شرعي للشعب اليمني، والجلوس معها على طاولة المفاوضات. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل قبول إيران بإبراهيم الدَّيلمي -وهو قيادي حوثي- سفيرًا للجمهوريَّة اليمنيَّة لدى إيران، بهدف دعم جماعة الحوثي وكسر العزلة الدولية حولها بسبب انقلابها على الحكومة الشرعية.

فرص نجاح الحوار فيما يخصُّ الأزمة اليمنية:

مِن الملاحظ -كما أسلفنا- وجود رغبة دولية وسعودية لإنهاء الصراع في اليمن، وهذا يجعل السعودية تقدِّم تنازلات مقبولة، بما في ذلك التَّعاطي مع جماعة الحوثي بشكل كبير، في حال حصلت على ضمانات بأنَّ تتوقَّف الجماعة عن إطلاق المسيَّرات والصَّواريخ باتِّجاه السُّعودية، وقبلت جماعة الحوثي بالشراكة السياسية مع القوى اليمنية الأخرى.

وتريد إيران مِن السعودية ألَّا تعارض إتمام صفقة البرنامج النَّووي بين الدُّول الغربية وإيران، وفي هذه الحالة سوف تقدِّم تنازلات للسُّعودية، بما في ذلك التَّوقُّف عن دعم الحوثيِّين بالسِّلاح، خاصَّة إذا رأت أنَّ مخرجات الحوار سوف تفكُّ عنها الحظر والعقوبات، وتصبُّ في صالح مشروع برنامجها النَّووي. وفي هذا السِّياق علينا أن ندرك أنَّ علاقة إيران بجماعة الحوثي ليس كعلاقتها بـ”حزب الله” والجماعات الشِّيعيَّة في العراق؛ ولذا في حال شعرت طهران بأنَّ مِن مصلحتها تقديم بعض التَّنازلات، بما في ذلك التَّخلِّي عن الحوثيِّين سوف تقوم بذلك. ويمكن القول: إنَّ إيران تستخدم جماعة الحوثي كورقة ضغط لتمرير مشروعها الجيو-إستراتيجي.

هناك فرصة أخرى يمكن أن تؤدِّي إلى نجاح الحوار في حال أحسن الطرفان استغلالها مِن خلال التفاهم على اتفاقية أمنية واضحة تحفظ مصالح الطرفين. فالانسحاب التدريجي للولايات المتحدة مِن المنطقة قد يساعد الطرفين في الدُّخول في تفاهمات مستقلَّة، والوصول إلى شراكة اقتصادية وسياسية، بما يعود بالنفع على البلدين والمنطقة بشكل عام دون تدخلات دولية. 

معوِّقات الحوار: 

رغم هذه الحوارات البرتوكولية إلَّا أن إيران تستغلُّ الملفَّ اليمني لتمرير خطَّتها النَّووية، وتناور المجتمع الدُّولي بالقضية اليمنية. ولذلك، لا تريد طهران أيَّ تسوية سياسية في اليمن تشارك فيها السعودية إلى جانب المجتمع الدُّولي في تنفيذها، دون وجود دور محوري لها. ولذا، عندما أطلقت السعودية مبادرتها للسلام في اليمن، وأبرز بنودها وقف شامل لإطلاق النار في اليمن تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدَّد مِن الوجهات الإقليمية والدُّولية المباشرة، كان ردُّ طهران “بأنَّها مستعدَّة لدعم أيِّ مبادرة سلام تكون قائمة على إنهاء العدوان، ووقفٍ شامل لإطلاق النار، وإنهاء الاحتلال، ورفع الحصار الاقتصادي، والبدء بمفاوضات سياسية”. وهي نفس الشروط التي تطالب بها جماعة الحوثي، بل إنَّ جماعة الحوثي طالبت بإنهاء عمليات التحالف، وفتح المنافذ البرية والبحرية، وتدفق المساعدات الإنسانية؛ لكنَّها لم توافق على وقف إطلاق النار في الأراضي اليمنية. وقد أوضح المبعوث الأممي السابق، مارتن غريفيث، موقف الجماعة، حيث أكَّد: أنَّ الجماعة “ما تزال تصرُّ على اتِّفاق منفصل بشأن موانئ الحديدة ومطار صنعاء، كشرط أساسيٍّ مسبق لوقف إطلاق النَّار وإطلاق العمليَّة السياسيَّة”.

يتَّضح جليًّا أنَّ سياقات التقارب الإقليمي بين طهران والرياض تأتي في إطار التَّكتيك المرحلي؛ لأنَّه ليس مِن السَّهل أن تتخلَّى هذه الدول عن أجنداتها وأطماعها الجيوإستراتيجية. وعلى الرغم مِن أنَّ العراق قام بدور كبير في الدَّفع بعملية الحوار، مِن خلال استضافته للمحادثات، إلَّا أنَّ الرَّئيس العراقي، بُرهم صالح، أشار إلى أنَّ هناك معوِّقات على طريق استئناف العلاقات بين إيران والسعودية.

ويمكن تلخيص المعوِّقات في النِّقاط التالية: 

– نغمة التوسع الإيراني في المنطقة مِن أكبر العوائق أمام نجاح الحوار.

– استمرار التصعيد العسكري الحوثي باتجاه مارب وشبوة ومناطق أخرى، إضافة إلى استهداف أراضي المملكة العربية السعودية.

– ترى السعودية في إيران مركز تهديد لأمنها ووحدة أراضيها، وترى إيران في السعودية كيانًا معيقًا لمشروعها العقائدي والسياسي والعسكري القائم على التَّمدُّد في المنطقة؛ لذا، ما تزال هذه النظرة تعيق الوصول إلى تفاهمات حقيقية لحل الخلافات العالقة.

– استمرار إيران في التمسك برؤيتها السياسية تجاه الأقليَّات الشيعية في الخليج، ودعمها للجماعات المسلَّحة الشيعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتَّمسُّك ببرنامجها النَّووي، وعدم القبول باتَّفاقية أمنيَّة بينها وبين السُّعودية.

انعكاسات الحوار السياسي بين إيران والسعودية على الأزمة اليمنية:

يمثل اليمن عمقًا إستراتيجيًا بالنسبة للسعودية، وخطَّ دفاع أوَّل لها ضدَّ أيِّ محاولة لزعزعة أمنها أو نظامها السياسي القائم على حدودها الجنوبيَّة. وعلى الرغم، من وجود تحالف عربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة اليمنية، إلَّا أنَّ وجوده على خطِّ الأزمة في اليمن لم يكن عاملًا مساعدًا لتثبيت دعائم الدولة الوطنية اليمنية. ممَّا سمح لحلفاء إيران بالتَّمدُّد العسكري في المناطق الشمالية؛ فنجحت إيران جزئيًا في تنفيذ إستراتيجيَّتها الخاصَّة في اليمن.

وطالما أنَّ إيران قد ضمنت لحلفائها موقعًا قويًّا في أيِّ عمليَّة سلام مستقبليَّة، فإنَّها لن تمانع في حلِّ الأزمة اليمنيَّة طالما هي ضمن القوى الإقليميَّة الفاعلة في الأزمة اليمنية. ولا يستبعد أن يتَّفق البلدان حول التَّسوية السياسية في اليمن في نهاية المطاف، إلَّا أنَّ الاختلاف سيكون في الطُّرق والأساليب.

فالحكومة السعودية ترى أنَّ حلَّ الأزمة في اليمن يجب أن يكون وفق المرجعيَّات الثلاث (أي المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات الشرعيَّة الدُّولية الخاصَّة بالأزمة في اليمن)، وأن يكون لجماعة الحوثي حصَّتها السياسيَّة بقدر حجمها؛ بينما ترى إيران بأنَّ جماعة الحوثي انتصرت في الحرب، ومِن حقِّها الحصول على مكاسب سياسيَّة كبيرة، ولو على حساب القوى اليمنية الأخرى. كما ترى أنَّ حلَّ الأزمة في اليمن يكمن في مغادرة “التحالف العربي” للأراضي اليمنية، وترك اليمن لليمنيِّين ليقرِّروا مصيرهم بأنفسهم؛ وذلك بعد أن ضمنت ترجيح الكفَّة العسكريَّة لحلفائها (الحوثيِّين).

وتدرك السعودية أنَّ الدور الإيراني في اليمن أصبح واقعًا، وله نفوذه على الحوثيِّين؛ ونتيجة لفشل “التَّحالف العربي”، بقيادة السعودية، فقد تفاقم الوضع في اليمن لصالح إيران، إذ زاد التَّدخُّل الإيراني بشكل أكبر، ووصل الأمر بإيران إلى خرق الأعراف الدبلوماسية والاعتراف بجماعة الحوثي كممثِّل للشَّعب اليمني، وإرسال سفير لها إلى صنعاء.

في كلِّ الأحوال، فإنَّ أيَّ تقارب يؤدِّي إلى وقف نزيف الدَّم يعدُّ إيجابيًّا، إلَّا أنَّ ما يجب إدراكه أنَّ حلفاء إيران (الحوثيِّين) يسعون إلى تغيير الجغرافيا السياسية في اليمن، كما أنَّ محاولاتهم مستمرَّة لتغيير مناهج التعليم والتربية، وهُويَّة الشَّعب، بطريقة قمعيَّة. وهذا كلُّه لا يخدم السِّلم الأهلي والنَّسيج الاجتماعي؛ بل يصبُّ في صالح ثقافة الفرز المذهبي، ويعوِّق التسوية السياسية العادلة. 

ويمكن تلخيص انعكاسات الحوار الإيراني- السعودي فيما يخصُّ الأزمة اليمنية في حال توصَّل الطرفان إلى تفاهمات سياسيَّة أو اتَّفاقيَّات أمنيَّة في الآتي:

– أنَّ هذه التَّفاهمات لن تصبَّ سوى في صالح سياسة البلدين بالمقام الأوَّل.

– سوف تكون جماعة الحوثي المستفيد الأكبر مِن هذا التَّقارب؛ لأنَّها سوف تدخل في تهدئة مع السعودية، ومِن ثمَّ سوف تتفرَّغ لمهاجمة خصومها السِّياسيِّين في الدَّاخل.

– هذا الحوار لن يحلَّ قضايا اليمن بشكل عادل، نظرًا للتَّعقيدات السياسية والعسكرية والاجتماعية.

– قد تكون نتائج التسوية بين طهران والرياض شبيهة بنتائج التَّسوية التي تمَّت بين الثُّوَّار الجمهوريِّين وبقايا الملكيَّة الزَّيديَّة في مطلع سبعينيَّات القرن الماضي. وفي هذه الحالة فهذا يعني تكرار أخطاء الماضي.

وما يجب إدراكه هنا، في شأن هذا الحوار، هو التَّغيُّر المهم في سياسة السعودية مِن خلال دخولها في حوار مباشر مع طهران، برعاية عراقيَّة، مع أنَّ العراق يقع عمليًّا تحت النُّفوذ الإيراني.  وأيًّا كانت نتائج هذا الحوار، فإنَّ جوهره مؤشِّر على اعتراف السعودية بالدَّور المتنامي لطهران في المنطقة عمومًا؛ وهذا يجعل الأزمة اليمنية تبقى رهينة للصراعات بين الأطراف الإقليميَّة، ويدفع إلى تنامي دور طهران بشكل كبير ما لم يحدث أيُّ فارق عسكري على السَّاحة اليمنية، لصالح طرف الحكومة الشَّرعيَّة.

المحور الثاني: المصالحة الخليجية وأثرها على مستقبل التسوية في اليمن:

يرتبط اليمن بدول الخليج، ويتأثَّر بما يحدث فيها سلبًا أو إيجابًا؛ نظرًا لعدة عوامل، مِنها: أنَّ هذه الدول تحتضن جالية يمنيَّة لا بأس بها؛ كما أنَّ العامل الجغرافي يؤدِّي دورًا مهمًّا، كون اليمن بلدًا مجاورًا لدول الخليج.

وقد انعكس دخول هذه الدُّول في أزمة سياسيَّة، في مطلع عام 2017م، بشكل سلبي على اليمن، وضاعف مِن الصِّراعات البينيَّة الَّتي كان ميدانها الجغرافيا اليمنيَّة. فأزمة الخليج لم تصنع “شقوقًا في العلاقات الخليجيَّة-الخليجيَّة فحسب؛ بل أثَّرت، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في عدد مِن المقاربات السعودية للإقليم”، بما في ذلك اليمن. وفي المقابل، شكَّلت المصالحة الخليجية التي تمَّت بين الدُّول الأربع (السعودية، الإمارات، مصر، البحرين) وبين قطر، في قمَّة (العُلا)، مطلع هذا العام (2021م)، وكذلك لقاء أمير قطر مع ولي العهد السعودي، ومستشار الأمن القومي الإماراتي، في البحر الأحمر، مؤخَّرًا، بادرة جيِّدة لانفراج الأزمة الإقليمية بين دول الخليج، لما لذلك مِن تبعات إيجابية على الأزمة اليمنية. غالبًا، فيمكن لهذا التَّقارب أن يؤدِّي إلى قيام الدول المنخرطة في الصراع اليمني بمراجعة إستراتيجيَّتها التي اتَّبعتها خلال السنوات الماضية؛ إلَّا أنَّ ذلك يعتمد على مدى تغيير الإستراتيجيَّة السعودية والإماراتية تجاه اليمن بشكل أخص.

وفي حين جاءت سياقات المصالحة الخليجية بدوافع سياسيَّة بعيدةً عن المشهد اليمني، “وكان للانتخابات الأمريكيَّة تأثيٌر كبيٌر على المصالحة، بسبب الاختلافات بين تطلُّعات ترامب وبايدن تجاه المنطقة”. ولشعور دول الخليج بأنَّ استمرار الخلاف يصبُّ في صالح التَّمدُّد الإيراني في المنطقة؛ إلَّا أنَّه يبدو أنَّه لا توجد رؤية واضحة للتَّعامل مع هذا التَّمدُّد على الأقل في اليمن. إضافة لذلك، فإنَّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي لحقت بهذه الدول جعلتها تقدِّم تنازلات -ولو شكليَّة- بهدف وقف الاحتقان السياسي. 

ويمكن فهم سياقات هذه المصالحة بأنَّها غير كافية ما لم يجر إزاحة المعوِّقات السياسية التي تحول دون عودة الحكومة اليمنية إلى المناطق المحرَّرة على الأقل، كمرحلة أولى؛ لأنَّ مَن يتحكَّم في العاصمة المؤقَّتة عدن “المجلس الانتقالي”، المدعوم إماراتيًّا. وبالتالي، في حال تمَّ الضَّغط عليه لتنفيذ الجوانب العسكرية والأمنية مِن “اتِّفاق الرياض”، والذي جرى توقيعه بوساطة سعوديَّة، بين الحكومة الشَّرعيَّة و”المجلس الانتقالي” الجنوبي، في العاصمة السعودية، في 5 نوفمبر 2019م، حينها سيشكِّل ذلك ضغطًا سياسيًّا وعسكريًّا على جماعة الحوثي للقبول بتسوية سياسيَّة شاملة.

ومِن حيث المبدأ، تشكِّل المصالحة الخليجيَّة الحاليَّة أرضيَّة مناسبة لتحقيق التَّكامل الإستراتيجي بين الدُّول الخليجيَّة لخلق بيئة أكثر واقعيَّة، والقيام بدور أكبر لحل الأزمة اليمنيَّة، وبالإمكان أن تساهم دولة قطر وسلطنة عُمان بدور مهمٍّ في تقريب وجهات النَّظر بين الحكومة الشَّرعيَّة وبين جماعة الحوثي. لكنَّ هذا يعتمد على مدى استعداد الإمارات والسعودية بقبول دور كهذا مِن الدولتين.

لذا، لا يزال الوضع يتطلَّب مزيدًا مِن الجهود الدبلوماسيَّة والسياسيَّة بين دول الخليج للوصول إلى رؤية مشتركة حول اليمن. في حين أنَّ استمرار حشر الحكومة اليمنيَّة بين تمرُّد الحوثي، المدعوم إيرانيًّا، في الشَّمال، وتمرُّد “المجلس الانتقالي”، المدعوم إماراتيًّا، في الجنوب، لن يخدم الأمن والسِّلم الإقليمي، بل سيصبُّ في صالح الجماعات المسلَّحة بصفة عامَّة. 

المحور الثالث: إستراتيجية الإمارات في اليمن وتقاربها مع طهران:

برزت الإمارات كقوَّة فاعلة في اليمن مِن خلال مشاركتها في “التحالف العربي” عام 2015م. وتتركَّز إستراتيجيُّتها مِن خلال حضورها في باب المندب، والجزر والموانئ اليمنية، وتدريب قوى محليَّة يمنية موالية لها، كقوَّات “المجلس الانتقالي”، وقوَّات “المقاومة الوطنيَّة”، وذلك لمساعدتها في حفظ مصالحها الاقتصاديَّة، وخدمة أجنداتها السياسية والأمنية في اليمن.

هذه الإستراتيجية أدَّت إلى بروز تنافس في ميدان السَّيطرة على اليمن، إذ “غدا اليمن، بحكم موقعه الجيوإستراتيجي، موضع اهتمام وأطماع لبعض القوى الإقليمية”. في الوقت ذاته لم تحقِّق هذه الإستراتيجية الاستقرار في المناطق الواقعة تحت سيطرة حلفاء الإمارات (المجلس الانتقالي)، بل أدَّت إلى نشوب نزاعات بين مكوِّنات هذه القوى، كما حصل مؤخَّرًا في مدينة عدن، بين كلٍّ مِن: إمام النُّوبي، وهو قيادي عسكري يحتفظ بنفوذ واسع في عدن، ومدعوم مِن أبناء المدينة، وفصائل مسلحة أخرى تابعة لـ”المجلس الانتقالي”.

وفي حين تقوم الإستراتيجية الإماراتية على معارضة إيران وإبقائها معزولة، لكنَّها لا تريد تصعيد التَّوتُّر معها إلى مواجهة عسكريَّة مباشرة. فرغم مشاركتها في “التحالف العربي”، والعمليات العسكريَّة بقيادة السعودية، إلَّا أنَّها لم تصعِّد موقفها ضدَّ جماعة الحوثي الموالية لطهران منذ عام 2019م؛ وعوضًا عن ذلك سعت لفرض نفوذها والحفاظ على مصالحها في الجزر والموانئ الإستراتيجيَّة في المناطق الجنوبيَّة والشَّرقيَّة مِن اليمن، ولمنع جماعة الحوثي مِن الوصول إلى هذه المناطق، في الوقت الذي لا تمانع أن تحكم الجماعة المناطق الشمالية الهضبيَّة.

وقد حاولت الإمارات ألَّا تتأثَّر علاقاتها الاقتصادية مع طهران؛ وقد وصلت نسبة صادرات إيران إلى الإمارات، في عام 2018م، إلى 14.7% مِن الوزن، و16.17% مِن إجمالي قيمة الصادرات الإيرانية إلى العالم؛ وهو ما يجعل الإمارات في المرتبة الأولى ضِمن قائمة الدُّول المستوردة مِن إيران. وفي هذا مؤشِّر على أنَّ الإستراتيجية الإماراتية مرتبطة بشكل مباشر بالمصالح الاقتصادية أكثر مِن أيِّ ملفَّات أخرى.

ولأنَّ حرب اليمن تشكِّل ضغطًا مباشرًا على المصالح الاقتصادية الإماراتية سحبت أبو ظبي قوَّاتها وعمليَّاتها مِن المناطق الشمالية في اليمن، وحافظت على بقائها في المناطق الإستراتيجية الجنوبية والشرقية.

وعندما أعلن الحوثيُّون عن قصفهم مفاعل براكة النَّووي بالإمارات، بصاروخ كروز، عام 2017م، وهجومهم على مطار أبو ظبي، عام 2018م، شعرت الإمارات أنَّ مِن مصلحتها بقاء التَّقارب مع إيران، وعدم التصعيد ضدَّ جماعة الحوثي، خوفًا مِن استهداف مصالحها الاقتصادية.

وبالرَّغم مِن التقارب الإماراتي مع إيران إلَّا أنَّه تقارب براجماتي، يقوم على نظرة المصالح الاقتصادية، والبعد الأمني في الوقت ذاته، فأبو ظبي لا تريد أن تتوتَّر العلاقات بينها وبين طهران لما لذلك مِن تداعيات أمنيَّة مباشرة عليها.

يمنيًّا، ترى الإمارات أنَّ مِن مصلحتها التركيز على إضعاف القوى المحليَّة اليمنية، بما في ذلك حزب “التَّجمُّع اليمني للإصلاح”، والقوى القبليَّة والسياسيَّة التي تعارض الوجود والممارسات الإماراتيَّة في المناطق الجنوبية والشرقية، خارج إطار الشرعيَّة والدستور والقوانين اليمنية والأعراف والاتِّفاقيَّات الدُّولية. وهذه الإستراتيجية الإماراتية لم تتغيَّر، رغم خدمتها بالنَّتيجة لجماعة الحوثي الموالية لطهران.

وإقناع الإمارات بضرورة التَّخلِّي عن سياستها الحاليَّة في اليمن، وانسحابها مِن الموانئ والجزر اليمنية، لا يزال سابقًا لأوانه، طالما أنَّ الحكومة الشَّرعيَّة وجماعة الحوثي لم يتوصَّلوا إلى حلٍّ سياسي، ولم تحسم المعركة لأحد الطَّرفين.

ولعلَّ قيام الحكومة الشرعيَّة باتِّخاذ قرار يطالب الإمارات بالخروج من الجزر والموانئ اليمنية يغيِّر مِن السياسة الإماراتيَّة ولو جزئيًّا، إلَّا أنَّ ذلك مستبعد في الوقت الرَّاهن، نظرًا لعدَّة عوامل مِنها:

  • تفكُّك مؤسَّسات الدَّولة “الشَّرعيَّة”،
  • التَّناقض الواضح بين الأطراف المشاركة في الحكومة “الشَّرعيَّة”،
  • عدم قدرة الحكومة “الشَّرعيَّة” على الحضور بشكل دائم في المناطق المحرَّرة،
  • استمرار الصِّراع مع مليشيَّات جماعة الحوثي في عدَّة جبهات،
  • منازعة “المجلس الانتقالي” بقوَّته العسكريَّة والأمنيَّة الحكومة سلطاتها مِن جهة أخرى.

كلُّ هذه العوامل أضعفت الحكومة الشَّرعيَّة، وجعلتها غير قادرة على اتِّخاذ أيِّ موقف سياسي واضح تجاه الوجود والممارسات الإماراتيَّة في المناطق الجنوبيَّة.

وفي حين أنَّ الضَّغط الشَّعبي أصبح الأداة الممكنة في الوقت الرَّاهن، والَّتي يمكن مِن خلالها دفع الإمارات للتَّخلِّي عن سياساتها؛ كما حصل في منشأة بلحاف مؤخَّرًا، حيث طالب المتظاهرون والسُّلطة المحليَّة في محافظة شبوة الإمارات بالخروج مِن المنشأة، ما أجبر السعودية للتَّدخُّل على الخطِّ كوسيط؛ وبموجب الوساطة السعوديَّة “طلبت الإمارات مهلة مِن شهرين إلى ثلاثة، للخروج مِن المنشأة”.

ومؤخَّرًا، انسحبت الإمارات مِن معسكر العلم الَّذي يعتبر مِن أهمِّ المعسكرات التي كانت تتمركز فيه القوَّات الإماراتيَّة. ويأتي هذا الانسحاب “ضمن تفاهمات بين اليمنيِّين والسعوديِّين والإماراتيِّين، والتي قضت خلال الفترة الماضية بانسحاب القوَّات الإماراتيَّة بشكل نهائي مِن محافظة شبوة”.

وقد يدفع استمرار التَّصعيد العسكري مِن قبل الحوثيِّين في بعض مناطق شبوة ومأرب مؤخَّرًا، ومحاولة “المجلس الانتقالي” السيطرة على شبوة بالقوَّة العسكرية، إلى تفجُّر الوضع بشكل كبير في هذه المحافظات الإستراتيجية والغنيَّة بالثروات النَّفطية والغازيَّة، ويفسد تنفيذ ما تبقَّى مِن الاتِّفاقيَّة التي تقضي بانسحاب الإمارات مِن المحافظة بشكل نهائي.

المحور الرَّابع: مصالح عُمان الإستراتيجية ودورها في تقريب وجهات النظر الإقليمية بشأن أزمة اليمن:

تتمثَّل سياسة سلطنة عُمان في الأزمة اليمنيَّة في بناء عمليَّة سياسيَّة شاملة، تضمُّ كافَّة الأطراف اليمنيَّة، مع عدم تحويل المناطق الحدودية اليمنية إلى بؤرة للتَّوتُّرات، والحفاظ على وحدة الأراضي اليمنيَّة، وبسط سلطات الدولة على كافة أراضيها.

وتدرك عُمان “تأثيرات وانعكاسات وتطورات الصِّراع الدائر في اليمن… كون ذلك ينعكس سلبًا على مستقبل الاستقرار والأمن الوطني للسَّلطنة”، وكون اليمن بلدًا جارًا لعُمان، فاستمرار الحرب لا يخدم مصالحها الإستراتيجية. كما أنَّ التَّوتُّرات الحاليَّة بين القبائل في محافظة المهرة وبين “التحالف العربي” مِن جهة، وبين أبناء المهرة وبين “المجلس الانتقالي” مِن جهة أخرى، تدفع بتهديد أمن الحدود مع عُمان، خاصَّة إذا انفجر الوضع عسكريًّا، إذ سوف يشكِّل الأمر ضغطًا مباشرًا على السَّلطنة على المستوى الإنساني والأمني.

لهذا، اعتمدت الإستراتيجية العُمانيَّة في الأزمة اليمنيَّة على العمل مِن خلال: عدم التَّدخُّل المباشر في الشَّأن اليمني، وتعزيز علاقتها بالقوى اليمنيَّة كافة، بما في ذلك القوى التقليديَّة في محافظة المهرة، وانتهاج مبدأ الوساطة، والتَّأكيد على ضرورة إيجاد حلٍّ سياسي توافقي للأزمة في اليمن، باعتبار أنَّ ذلك يصبُّ في مصلحة أمنها القومي.

لقد نأت عُمان بنسفها أن تكون طرفًا في “التحالف العربي”، الَّذي أُعلن عنه مع انطلاق “عاصفة الحزم” العسكريَّة، في 26 مارس 2015م، بقيادة السعوديَّة، ما جعلها مؤهلَّة للقيام بدور مهمٍّ في تقريب وجهات النظر الإقليمية في كثير مِن القضايا. كما أنَّ سياساتها الناعمة التي تنتهجها حكومة عُمان جعلها مقبولة لدى الجميع. وهذا ما دفع كلًّا مِن الأمم المتَّحدة، والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، والسعودية، للتَّواصل مع السَّلطنة في سبيل إيجاد حلول فيما يخصُّ الأزمة اليمنية. وبالتَّالي، بالإمكان أن تقنع سلطنة عُمان إيران و(جماعة الحوثي) الموالية لها بضرورة القبول بالتسوية السياسية. وفي حين كانت التَّحرُّكات العُمانية غير معلنة في الماضي بدأت مؤخَّرًا بالتَّحرُّك الرَّسمي المعلن، وهذا دليل على أنَّ الأطراف المختلفة -والسعودية خصوصًا- تتعاطى بإيجابيَّة مع الجهود العُمانية.

في مطلع يونيو الماضي، زار وفد عُماني صنعاء، والتقى بقيادة جماعة الحوثي، حاملًا معه مقترحات أمريكية وسعودية لحلِّ الأزمة؛ وكان الهدف مِن الزيارة الدَّفع بعمليَّة السلام. ولم يكشف الوفد عن مضمون الرسالة الَّتي حملها، واكتفى بالقول: إنَّ هذه الجهود تصبُّ في صالح السَّلام وإنهاء الحرب. وقد أكَّد وزير خارجية عُمان، بدر البوسعيدي، في كلمته أمام الجمعيَّة العامَّة للأمم المتَّحدة، بأنَّ بلاده تتعاون مع السعودية، والمبعوثَين الأممي والأمريكي الخاصَّين باليمن، والأطراف اليمنيَّة المعنيَّة، بهدف إنهاء الحرب، والتَّوصُّل إلى تسوية سياسيَّة شاملة لإنهاء الأزمة. جماعة الحوثي مِن جهتها ردَّت على الجانب العُماني بمبادرة تضمَّنت بنودًا فنيَّة في كيفيَّة إدارة مأرب.

 هذه الجهود وغيرها توحي بأنَّ هناك مشاورات مكثَّفة تجري لإيجاد تسوية سياسية شاملة؛ إلَّا أنَّ طبيعة الصِّراع الدَّائر يعقّد مِن صعوبة إيجاد هذه التَّسوية بين الأطراف المحليَّة اليمنيَّة، طالما أنَّه لا يوجد تقارب واقعي بين القوى الإقليميَّة المنخرطة في الصِّراع، لأنَّ الصراع أصبح متداخلًا بين القوى المحليَّة والإقليميَّة. وهذا يجعل الوساطة العُمانيَّة تواجه صعوبات ومعوِّقات ليست سهلة، خصوصًا وأنَّ الحديث عن تقريب وجهات النَّظر بين الإمارات وبين الحكومة اليمنيَّة ما يزال غير وارد؛ حيث لا تزال الحكومة اليمنيَّة غير قادرة على ممارسة مهامها الدُّستوريَّة، انطلاقًا مِن العاصمة المؤَّقتة عدن؛ نتيجة سيطرة “المجلس الانتقالي”، المدعوم إماراتيًّا، على المدينة وبعض المناطق الأخرى، ومقاومته لوجود الحكومة الشَّرعيَّة وممارستها مهامها الرَّسميَّة.

وأيضًا، مِن الصَّعب أن تسمح الإمارات للوساطة العُمانيَّة أن تنجح؛ نظرًا لعدَّة حسابات سياسيَّة وغير سياسيَّة. وهذا يجعل الوساطة العُمانية تراوح مكانها؛ لأنَّ ديناميَّات وأبعاد الصِّراع السياسيَّة والعسكريَّة والاقتصاديَّة في اليمن معقَّدة. ولذا، فإنَّ غياب التَّنسيق الكامل بين دول الخليج بشكل عام، وبين عُمان والإمارات بوجه خاص، بشأن الأزمة اليمنية، يضعف مِن نجاح الوساطة العُمانيَّة. “ومع تزايد الصراعات الدَّاخليَّة، وتباين المصالح بين الرِّياض وأبو ظبي، والصِّراع السعودي الخليجي الأمريكي مع إيران، سيظلُّ الوضع يستنزف اليمنيِّين”، وهذا مؤشِّر على أنَّ الوساطات ما لم تكن مسنودة بإرادة إقليميَّة لتجاوز الوضع الحالي فستصبح مجرَّد حوارات ونقاشات بلا جدوى.

وممَّا طُرح سابقًا في الورقة، يمكن القول بأنَّ هناك

ثلاثة سيناريوهات:

السِّيناريو الأوَّل: أن تنجح سلطنة عُمان والعراق في تقريب وجهات النَّظر بين السعودية وإيران فيما يخصُّ الأزمة اليمنيَّة، وهذا سوف يسهِّل الأمر على مبعوث الأمم المتَّحدة؛ حيث سيقوم بتحسين المبادرة السعودية الخاصَّة بأزمة اليمن، وتنقيحها، وكذلك الإعلان المشترك (عبارة عن مبادرة دوليَّة لحلِّ الصِّراع في اليمن)، الَّذي تبنَّاه المبعوث الأممي الأسبق، مارتن غريفيث؛ ومِن ثمَّ جمع الحكومة اليمنيَّة وجماعة الحوثي على التَّفاوض والدُّخول في عمليَّة سياسية شاملة.

ويحظى هذا السِّيناريو بميزات تجعل تحقُّقه واردًا؛ إلَّا أنَّه يعتمد على مدى التَّفاهمات بين الجانب الإيراني والسعودي، وأيضًا على مدى استعداد الإمارات عن التخلي عن أطماعها الجيوإستراتيجية في اليمن، ووقف دعمها لـ”المجلس الانتقالي”.

السِّيناريو الثَّاني: التَّوصُّل إلى تفاهمات مباشرة بين الجانب الإيراني والجانب السعودي؛ وفي هذه الحالة قد تتخلَّى إيران عن جماعة الحوثي في حال حصلت على تنازلات جوهريَّة مِن السعودية فيما يخصُّ برنامجها النَّووي؛ ومِن ثمَّ ستأتي جماعة الحوثي إلى طاولة المفاوضات، وستقبل بالتَّسوية السياسية.

السِّيناريو الثَّالث: أن يفشل الحوار بين السعودية وإيران، وهذا يعني استمرار الحرب، وتدهور الوضع الإنساني، وتفكيك اليمن على أسس مناطقيَّة وأيديولوجيَّة؛ وفي هذه الحالة سوف يدفع المواطن كلفة هذه الحرب، وسوف تمتدُّ آثار الحرب إلى دول الجوار.

الخاتمة:

استعرضت الورقة طبيعة التَّقارب بين طهران والرياض، والمصالحة الخليجية، وإستراتيجية الإمارات في اليمن وتقاربها مع طهران، وتأثير ذلك على الأزمة اليمنية؛ وعرَّجت على مصالح عُمان الإستراتيجية، ودورها في تقريب وجهات النَّظر الإقليمية بشأن أزمة اليمن. ومِن خلال ما تمَّ استعراضه حول الحوار السعودي- الإيراني، فإنَّ طبيعة التَّقارب الحالي بين الطرفين أمنيٌّ وسياسيٌّ في المقام الأوَّل؛ فالسعودية تسعى للتقارب مع إيران بهدف التَّهدئة الإعلامية والعسكرية، وإيران تسعى لفكِّ العزلة الدُّولية عنها، وتدعيم حضورها الإقليمي في اليمن مِن خلال مناقشة الأزمة اليمنية مع السعودية. وترى السعودية ضرورة التعامل مع إيران فيما يخصُّ الأزمة في اليمن؛ لأنَّ إيران موجودة بطريقة فعليَّة في الأزمة اليمنية، وبالتَّالي، ترى أنَّ الحوار معها قد يثمر، ويوصل إلى تفاهمات معقولة. في المقابل، فإنَّ عوامل الخلاف بين الدَّولتين تتمثَّل في برنامج إيران النَّووي، ومحاولة طهران التَّمدُّد في المنطقة عسكريًّا.

وعليه فإنَّ تقييم التَّقارب الإيراني السعودي فيما يخصُّ الأزمة اليمنية أمرٌ ليس بالسَّهل، في ظلِّ المتغيِّرات العسكرية والسياسية المتسارعة في اليمن؛ وفي ظلِّ المواقف الدُّولية المتأرجحة، بما في ذلك الوساطة الأمميَّة والموقف الأمريكي مِن الحرب في اليمن بوجه خاص.

وخلصت الورقة إلى أنَّ مستقبل التقارب الإيراني- السعودي مرهون بمدى تقديم الطَّرفين تنازلات جوهريَّة، وأنَّ استمرار الحوار السياسي بين الدَّولتين بشكل مباشر يعتبر خطوة إيجابيَّة، قد تفضي في نهاية المطاف إلى تفاهمات مقبولة. ويُفضَّل أن يُحسم موقف البلدين مِن الأزمة اليمنية -على الأقل، لما لذلك مِن نتائج إيجابيَّة تصبُّ في صالح البلدين وفي صالح الأمن الإقليمي بشكل عام. إلَّا أنَّ ما يجب التَّأكيد عليه هنا ألَّا تكون نتائج هذا الحوار على حساب اليمن وأمنه ووحدته وسلامة أراضيه.

وتوصَّلت نتائج الورقة أيضًا إلى أنَّ إستراتيجيات القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع في اليمن لم تتغيَّر بعد. وبالنِّسبة للوساطة العُمانية لا تزال تحتاج إلى تقارب حقيقي بين الدُّول الإقليمية، كي تؤتي ثمارها. وخلصت إلى أنَّ تشابك المصالح الإقليمية في اليمن أدَّى إلى توسُّع ظاهرة انتشار الجماعات المسلَّحة المحليَّة بهدف حماية هذه المصالح مِن أيِّ تهديد محلِّي داخلي؛ حيث أنَّ القوى المحليَّة الفاعلة أصبحت مسلَّحة وقادرة على إحداث عامل توازن على الأرض، وعلى حماية مصالح حلفائها الإقليميِّين. ونتيجة لهذا التَّشابك في المصالح، والتَّعقيدات الحاصلة في الملفِّ اليمني، وانتشار الجماعات المسلَّحة، أصبحت التَّوافقات بين الفاعلين الإقليميِّين مِن أهمِّ العوامل التي قد تقود إلى تقارب وجهات النَّظر بين الفاعلين المحلِّيِّين، وإحراز تقدُّم ملموس في العملية السياسية، ووقف الحرب على مستوى البلاد.

وبدون إحراز أيِّ تقدُّم واقعي في هذا الجانب سوف تبقى القضية اليمنية رهن التجاذبات الإقليمية، وقد يخرج الملفُّ برمَّته مِن يد الفاعلين المحلِّيِّين والإقليميِّين، ومِن ثمَّ تتحوَّل اليمن إلى بؤرة للصِّراعات متعدِّدة الولاءات. وفي هذه الحالة يعني ذلك دخول القضية اليمنية في ملفِّ النسيان، ولن يتذكَّرها العالم إلَّا في حالة وقوع كوارث إنسانيَّة. وهذا له تبعاته الخطيرة على اليمن ودول الخليج؛ ممَّا يتوجَّب على الدُّول الخليجية توحيد موقفها، والسَّعي إلى إيجاد مقاربات وحلول شاملة لحلِّ الأزمة اليمنيَّة؛ لأنَّ الأمور ما تزال بيد الخليج، قبل أن يتحوَّل اليمن إلى مركز ثقل إيراني يصعب التَّعامل معه في المستقبل.

التوصيات:

انطلاقًا ممَّا سبق، تقترح الورقة ما يلي:

  1. 1.ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التَّحوُّلات التي طرأت على المشهد الإقليمي، بما في ذلك المصالحة الخليجية، والعلاقات الإيرانية- الإماراتية، والحوار الجاري بين طهران والرياض، والَّذي عُقد بغير شروط مسبقة، ما يعني أنَّ إيران والسعودية قد تتوصَّلان إلى تفاهمات مؤقَّتة على حساب القضية اليمنية.

2- تعزيز التعاون مع الدول الإقليمية التي لم تتدخَّل في المشهد اليمني بشكل مباشر، بما يخدم القضية الوطنية اليمنية.

  1. 3.استثمار ما تتمتع به بعض القوى الإقليمية، بما في ذلك سلطنة عُمان وقطر، مِن علاقات جيِّدة مع إيران، للوصول إلى تهدئة الوضع في اليمن، وترتيب القوى الوطنية التي تؤمن بمشروع الدَّولة الوطنية اليمنية، وصولًا إلى المصالحة الوطنية الشَّاملة، وإخراج القوى الإقليمية مِن اليمن.
  2. 4.تنسيق الجهود الوطنية بين القوى اليمنية لمواجهة المخططات الإقليمية التي تسعى لتقسيم اليمن خدمة لمصالحها الإستراتيجية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى