تنافس الحلفاء: دراسة سياسات السعودية والإمارات في حضرموت

Getting your Trinity Audio player ready...

د. إسماعيل السهيلي

شهدت السنوات القريبة الماضية تنافسًا بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مناطق وملفات شتى، ورغم أن أزمات عدة في المنطقة أظهرت البلدين كحليفين مقربين، إلا أن تنامي نفوذهما وتطلعاتهما الجيوسياسية فرض عليهما اتباع أنماط من السياسات التنافسية. وحسب خبراء من معهد “تشاثام هاوس” بلندن فإن اليمن هو الخط الأمامي الأول لهذا التنافس. ويأتي التنافس في محافظة حضرموت في صلب السياسات التنافسية بينهما في اليمن، فالمحافظة النفطية تشكل ثُلث مساحة البلاد، وتمتلك أهم الموانئ على بحر العرب، فضلًا عن امتلاكها حدودًا طويلة مشتركة مع السعودية.

وسنعمل في هذه الورقة التحليلية على استقصاء أهم دوافع ذلك التنافس ومظاهره وانعكاساته في واقع المحافظة، واستشراف مساراته المستقبلية.

دوافع الاهتمام السعودي الإماراتي بحضرموت:

اهتمام السعودية بمحافظة حضرموت قديم ومُتعدد الأوجه، فهي تشترك معها في شريط حدودي طويل، يُقدر بأكثر من (700) كم، أي قرابة نصف الحدود السعودية اليمنية، وترتبط المملكة بصلات تاريخية متينة ووثيقة وممتدة مع كبريات القبائل في المحافظة؛ كما أنه يوجد عدد كبير من أبناء محافظة حضرموت هاجروا إلى السعودية، منذ منتصف القرن الماضي، وعقب قيام نظام الحكم الاشتراكي في الجنوب، واستوطنوا بها، وحصلوا على الجنسية السعودية، ولا يزال لهؤلاء ارتباط وثيق وعلاقات مستمرة مع عوائلهم ومناطقهم التي ينحدرون منها. ومن هؤلاء عوائل ورجال أعمال يمتلكون استثمارات ضخمة بالسعودية، كعائلة بن لادن، وابن محفوظ، وبقشان، والعمودي، وآخرين.

كما أن هناك دوافع جيوسياسية للاهتمام السعودي بحضرموت، ترتبط بالموقع الإستراتيجي للمحافظة، وإطلالاتها البحرية على بحر العرب المفتوح على المحيطات المهمة في العالم، وهو ما يوفر إمكانات جيوسياسية قد تحتاجها السعودية لتأمين إمكانية دائمة للوصول البحري إلى المراكز التجارية في العالم دون التعرض لمخاطر المرور بالمضائق البحرية، كمضيقي هرمز وباب المندب، اللذان يتعرضان لمخاطر تهديدات الإغلاق حال نشوب أزمات وصرعات في المنطقة.

في المقابل، لم يكن للإمارات أي ارتباط ذي شأن بحضرموت قبل مشاركتها في “التحالف العربي”، عام 2015م، والتي وجدتها فرصة للوجود سياسيا وعسكريا في اليمن، خدمة لسياسة الانتشار الإستراتيجي الإماراتي خارج حدودها؛ فالسياسة الخارجية الإماراتية تركز على الجمع بين الأهداف العسكرية والتجارية المتداخلة. وفي هذا السياق تكمن الدوافع الإماراتية في التركيز على جنوب اليمن، خاصة السواحل والموانئ والجزر ذات الأهمية الإستراتيجية، وتعده عاملًا رئيسًا في إستراتيجيتها الهادفة لزيادة تأثيرها الجيوسياسي في القرن الأفريقي والمحيط الهندي، ومحطة للانطلاق نحو صنع النفوذ في الخليج وأفريقيا وآسيا، لذا سعت الإمارات منذ وقت مبكر من تدخلها في اليمن على السيطرة -بشكل مباشر، وعبر قوات محلية مرتبطة بها- على السواحل والموانئ والجزر اليمنية، الممتدة من حضرموت شرقًا وحتى ما بعد باب المندب غربًا، بما يمنحها مزايا توظيف الموقع البحري الإستراتيجي لليمن في رسم معالم التجارة البحرية في المنطقة عمومًا، لا سيما إذا بدأت مجموعة موانئ دبي العالمية بتطوير وتشغيل تلك الموانئ لفتح خطوط شحن جديدة، والاستحواذ على حصص سوقية جديدة في التجارة البحرية.

من جهة أخرى، تعد السيطرة -المباشرة أو غير المباشرة- على الموانئ وحقول إنتاج النفط والغاز والمصافي ومحطات التصدير، والبنى التحتية البحرية، في جنوب اليمن، من أهم الدوافع الكامنة وراء الاهتمام الإماراتي. واللافت أنه منذ مطلع عام 2018م تحولت السيطرة وحماية هذه البنى التحتية والأصول إلى مصلحة إماراتية، حيث أقامت منظومة أمنية وإدارية بطريقة -مباشرة وغير مباشرة، تؤمن الترابط بين المدن والمرافئ الكبرى، عدن والمكلا والمخا وبئر علي ومحطة بلحاف لتصدير الغاز المسال، وحقول النفط في المسيلة ومحطة التصدير في الشحر بحضرموت. وبحسب “إليونورا أردماغني”، المحللة الإستراتيجية في الكلية الدفاعية التابعة لحلف الناتو، صارت المناطق الواقعة جنوب اليمن المنصة الفضلى للإمارات لتعزيز سياستها القائمة على “الاستدارة نحو الشرق”، وفق ما تُظهره الشراكة الشاملة التي وقعتها مع الهند في يناير 2017م لزيادة التعاون المالي وفي مجال الطاقة. وعلى سبيل المثال، قبل عام 2015م، كانت محطة بلحاف للغاز الطبيعي المسال تُصدر معظم إنتاجها من الغاز إلى آسيا، كما أن الصين كانت من أبرز مستوردي النفط اليمني.

يرتبط الاهتمام السعودي بحضرموت بالموقع الاستراتيجي للمحافظة وإطلالاتها البحرية على بحر العرب المفتوح على المحيطات الهامة في العالم

التأسيس للوجود الإماراتي في حضرموت:

رغم أن حضرموت بعيدة عن مناطق العمليات القتالية مع جماعة الحوثي الانقلابية، إلا أن الإمارات عملت منذ وقت مبكر من تدخلها العسكري في اليمن على السيطرة على أجزاء من المحافظة، خاصة الموانئ ومناطق إنتاج وتصدير النفط والغاز، مستغلة غطاء محاربة “تنظيم القاعدة” الذي سيطر على مدينة المكلا -عاصمة المحافظة، في أبريل 2015م.

وبحسب وكالة “أسوشيتد برس” فإنه، وبعد عام من سيطرة تنظيم “القاعدة”، على مدينة المكلا، أدارت وساطة قبلية التفاوض بين قادة التنظيم والمسئولين الإماراتيين بعدن، وذلك بهدف إبرام صفقة تجنب المدينة الدمار الذي قد تتعرض له نتيجة العمليات القتالية؛ حيث فضلت الإمارات والتنظيم انسحابًا آمنًا، يسمح بموجبه الخروج الآمن لمقاتلي التنظيم من المدينة، واحتفاظهم بجميع الأسلحة والأموال التي حصلوا عليها خلال سيطرتهم على المكلًا! وقد غادروا المدينة بالسيارات متجهين نحو غرب المدينة، عبر نفس الطريق الذي سلكوه قبل عام للدخول إليها.

عقب ذلك أسست الإمارات لوجود عسكري مرتبط بها من خلال تشكيل “قوات النخبة الحضرمية”، والتي سيطرت في 24 أبريل 2016م على المدينة، كما سيطرت تلك القوات التي باتت تابعة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعوم منها، على المنطقة العسكرية الثانية المرابطة في مديريات الشريط الساحلي في المحافظة.

وعلى الصعيد الأمني تولت القوات الإماراتية إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية في المحافظة، وقدمت ما يزيد على (100) سيارة عسكرية، إضافة إلى تأهيل وتدريب أفراد الوحدات الأمنية، واعتماد مرتباتهم، ودعمهم عسكريا ومعلوماتيا، ومساندتهم في الحملات الأمنية، وصيانة وتأثيث (22) مركز شرطة، و(8) إدارات تخصصية، وقدمت (157) مركبة، من ضمنها (4) آليات للدفاع المدني و(60) دراجة نارية، ووفرت التجهيزات العسكرية والاحتياجات المادية اللازمة للسيطرة الأمنية على مدن ومناطق ساحل حضرموت.

وعلى صعيد الوجود السياسي المرتبط بها، نقلت الإمارات -في فبراير 2019م- قيادات “المجلس الانتقالي الجنوبي”، بطائرة إماراتية خاصة إلى مدينة المكلا. وسبق ذلك وصول عشرات العربات العسكرية من مدينة عدن لاستخدامها في تنقلات القيادات خلال جولاتهم في المدينة، بموكب استعراضي. وفي مايو 2023م، زار رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي”، عيدروس الزبيدي، مدينة المكلا بموكب استعراضي يشبه مواكب رؤساء الدول؛ حيث عُقدت الدورة السادسة من الجمعية الوطنية للمجلس (تشبه برلمان غير منتخب)، والتي أعلن فيها عن تأكيد انطلاق مسار الانفصال عن الجمهورية اليمنية واستعادة ما يُسمى بـ”الدولة الجنوبية”.

تمكنت الإمارات من تأسيس وجود عسكري وأمني مرتبط بها من خلال قوات النخبة الحضرمية وقوات المجلس الانتقالي الذي يسيطر على المنطقة العسكرية الثانية المرابطة في مديريَّات الشريط الساحلي في المحافظة.

مصفوفة سياسات ومبادرات سعودية منافسة:

بعد سنوات من التغلغل الإماراتي في حضرموت يبدو أن السعودية وصلت لقناعة بحاجتها الملحة لوضع حدود لمتتالية اتساع وتزايد ذلك النفوذ، لا سيما وأن تطلعات الإمارات للسيطرة على المحافظة لم تقف عند استجلاب قوات عسكرية تتبع “الانتقالي”، تضم مجندين وعناصر مقاتلة ينحدرون من محافظات جنوبية أخرى، ولا تخضع للحكومة الشرعية، بل إنها سعت لتعزيز سيطرة “الانتقالي” من خلال إنشاء مكونات اجتماعية حضرمية، وضم شخصيات حضرمية فاعلة لقيادة “الانتقالي”، كما حصل بانضمام محافظ حضرموت الأسبق، اللواء أحمد سعيد بن بريك، والذي بات يرأس الجمعية الوطنية لـ”الانتقالي”؛ ثم انضمام محافظ حضرموت السابق وعضو مجلس القيادة الرئاسي حاليا، اللواء فرج سالمين البحسني، والذي بات يشغل منصب نائب رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي”.

وقد انتهجت السعودية مصفوفة من السياسات والمبادرات تهدف لتقليص النفوذ الإماراتي في المحافظة وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية والمكونات المجتمعية الحضرمية الموالية لها، حيث استدعت المملكة شخصيات حضرمية فاعلة، ورعت مشاورات شاملة لمدة شهر، بغية الخروج برؤية موحدة بشأن مستقبل المحافظة في إطار ترتيبات الحل النهائي للنزاع الدائر في اليمن. وأسفرت المشاورات عن الإعلان عن تشكيل “مجلس حضرموت الوطني”، في يونيو 2023م، كحامل سياسي للتعبير عن طموحات المجتمع الحضرمي. ووفقًا للوثيقة السياسية والحقوقية لـ”مجلس حضرموت الوطني” فإن تأسيس المجلس جاء استجابة لدعوة الحكومة السعودية، ومساعيها المخلصة في دعم “مجلس القيادة الرئاسي” والحكومة الشرعية والشعب اليمني، لتوحيد الصف، وتغليب نهج الحوار لحل الخلافات، والتفرغ للإصلاحات الاقتصادية والخدمية، وحشد الجهود لاستعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب ميليشيا جماعة الحوثي، المدعومة إيرانيا، واستعادة السلام والاستقرار في اليمن، وذلك حرصًا من القوى والمكونات الحضرمية على النأي بحضرموت عن أي توترات أو خلافات بينية من شأنها تحويل حضرموت إلى مسرح للصراع، وتداعيات ذلك على السكينة العامة والسلم الاجتماعي في حضرموت ومصالح مواطنيها، وأمن واستقرار المناطق المحررة، ودول الجوار، وخطوط الملاحة العالمية. ونصت الترتيبات الضامنة للوثيقة على تعزيز القوات المسلحة والأمن بدماء جديدة من أبناء حضرموت، وتحسين موقفها الميداني والتسليحي، ومنع إنشاء أي تشكيلات عسكرية خارج مؤسسات الدولة.

وفي ذات الإطار هيئت السعودية لزيارة ناجحة قام بها رئيس “مجلس القيادة الرئاسي”، د. رشاد العليمي، لمحافظة حضرموت في يونيو 2023م، برفقة مسئولين سعوديين، وعد فيها بمنح أبناء حضرموت الإدارة الذاتية لتولي الشئون المالية والإدارية والأمنية للمحافظة، وقام بوضع حجر الأساس وتدشين (20) مشروعًا تنمويا وحيويا، بأكثر من (266.6) مليون دولار، بتمويل وإشراف البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. وبحسب مساعد المشرف العام للبرنامج، حسن العطاس، فإن السعودية تطلق حزمة مشاريع ومبادرات حيوية بقيمة تتجاوز (1.2) مليار ريال سعودي، لتحظى حضرموت بتجربة تنموية واستثمار مباشر في المجالات التنموية؛ وشدد العطاس على أن السعودية لن تتوانى في تقديم الدعم لتعزيز التعافي الاقتصادي في حضرموت.

انتهجت السعودية مصفوفة مِن السياسات والمبادرات تهدف لتقليص النفوذ الإماراتي في المحافظة وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية والمكونات المجتمعية الحضرمية الموالية لها.

ردود مستفزة تهدد السلم والنسيج الاجتماعي:

لمواجهة المبادرات والسياسات السعودية، دفعت الإمارات بـ”الانتقالي” إلى إعلان رفضه لـ”مجلس حضرموت الوطني”، ونددت قيادة “الانتقالي” بالمحافظة، في اجتماع عقد بالمكلا، برعاية رئيس “المجلس الانتقالي” وعضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، بما وصفته “تفريخ المكونات”. وجرى توجيه تحذير للسلطة المحلية بحضرموت من الانحياز لما وُصف بالأجندات الساعية لغزو الجنوب. وفي ذات السياق الرافض لـ”مجلس حضرموت الوطني”، وجه عضو مجلس القيادة الرئاسي نائب رئيس “المجلس الانتقالي” ومحافظ حضرموت السابق، فرج البحسني، نقدًا حادا يُعبر عن مستوى الغضب من هذه المبادرة، حيث قال: “إن مَن لا يدرك شيئًا سيظل كما هو ولن يُقدم شيئًا لحضرموت سوى المزيد من التشرذم.. إن تعدد المشاريع والرؤى والإقصاء وغيرها من المشاريع الأخرى لن تزيد حضرموت إلا تفككًا، وحضرموت ليست في حاجة إلى ذلك”. واعتبر مسئول “الانتقالي” بحضرموت تشكيل “مجلس حضرموت الوطني” مؤامرة تهدف إلى استبعاد المحافظة من خارطة الدولة الجنوبية التي يُطالب “الانتقالي” باستعادتها، وفقًا للحدود السابقة للوحدة. كما اتخذ “الانتقالي” خطوات تصعيدية، ونظم فعاليات ومظاهرات استفزازية ومسيرات استعراضية عدة، وانتهى بعضها بالصدام مع أهالي المحافظة، وبعدد من القتلى.

لمواجهة المبادرات والسياسات السعودية، دفعت الإمارات بـ’الانتقالي’ إلى إعلان رفضه لـ’مجلس حضرموت الوطني’، ووصف رئيس الانتقالي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، ذلك بــ “تفريخ المكوِّنات”.

التنافس على مسرح انتشار القوات:

يُشير مسرح انتشار القوات المختلفة في محافظة حضرموت إلى أن الإمارات تسيطر -من خلال “المجلس الانتقالي الجنوبي”، والقوات المرتبطة به- على مدينة المكلا عاصمة المحافظة، وعلى المنطقة العسكرية الثانية. ورغم أن “اتفاق الرياض” الموقع بين الحكومة الشرعية و”الانتقالي”، في نوفمبر 2019م، نص على إنهاء الانقسامات بين التشكيلات العسكرية، وإعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع الحكومية، وإعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية، إلا أن ذلك لم ينعكس على الواقع العسكري والأمني في محافظة حضرموت، بل الحاصل هو النقيض من ذلك، حيث يعمل “الانتقالي”، والقوات التابعة له، على مضايقة قوات المنطقة العسكرية الأولى، وهي قوات تابعة للحكومة الشرعية اُعتمدت منطقة عسكرية مستقلة عام 2013م، ولها انتشارها في مديريات وادي وصحراء حضرموت الداخل، وعلى الحدود اليمنية السعودية، وتتخذ من مدينة سيئون مقرا لها، وتتشكل من (7) تكوينات أساسية، هي: قيادة المنطقة العسكرية، ومحوري ثمود والخشعة، وخمس ألوية عسكرية أخرى.

وتشير مجمل تحركات “الانتقالي” إلى أنه يعمل على إثارة التوتر وخلق بيئة مضطربة وتصعيد التحريض والاستفزاز تجاه القوات الحكومية في المنطقة العسكرية الأولى، بزعم أنها قوات شمالية، فضلًا عن تشويه صورتها واتهامها بالعمل مع “تنظيم القاعدة”. وفي هذا السياق طالب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، أحمد المحمدي، في يوليو 2023م، في كلمة ألقاها خلال مظاهرة بمدينة المكلا، بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت؛ كما طالب بمغادرة القوات الحكومية من القصر الرئاسي بمدينة المكلا، وأعلن أن “الانتقالي” لن يحيد عن أهدافه في تحرير مديريات حضرموت الداخل، وطرد قوات المنطقة العسكرية الأولى، وسيمضي قدمًا لإقامة دولة جنوبية كاملة السيادة.

يُشير مسرح انتشار القوَّات بحضرموت إلى أنَّ الإمارات تسيطر -مِن خلال “المجلس الانتقالي”، والقوات المرتبطة به- على مدينة المكلًّا عاصمة المحافظة، وعلى المنطقة العسكرية الثانية، ويعمل على إثارة التوتُّر وخلق بيئة مضطربة وتصعيد التحريض والاستفزاز تجاه قوَّات الحكومة الشرعية في المنطقة العسكرية الأولى المنتشرة في مديريات حضرموت الوادي والصحراء.

وفي مقابل ذلك قامت الحكومة الشرعية، بدعم من السعودية، بتعزيز موقف “مجلس حضرموت الوطني” وإسناده بنشر قوات “درع الوطن” التي يعد معظم أفرادها في حضرموت من أبناء المحافظة، وقوات “درع الوطن” هي وحدات عسكرية نص قرار إنشائها على أنها تلتزم بقانون الخدمة في القوات المسلحة اليمنية، وبتوجيهات القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتحظى قوات “درع الوطن” بدعم سعودي على مستوى التسليح ودفع المرتبات، وكذا التدريب والتأهيل. ويبدو أن هذا الدعم يأتي أيضًا في إطار الرد على خطوات قوات “الانتقالي” المدعوم من الإمارات للاقتراب من الجدار الحدودي السعودي؛ فبحسب وكالة الأنباء السعودية قام قائد القوات المشتركة السعودية، الفريق أول ركن مطلق بن سالم الأزيمع، برفقة وفد من القوات المشتركة، بزيارة تفقدية لأحد ألوية الفرقة الأولى من قوات “درع الوطن” الواقع في منطقة الوديعة بحضرموت، واطلع على سير العملية التدريبية والجاهزية القتالية العالية.

وتتمركز قوات “درع الوطن” بشكل أساسي في وادي حضرموت، ويبدو من تشكيل وحجم ومهام هذه القوات أنها تسعى للانتشار بشكل أوسع في بقية المحافظة، بما في ذلك مدينة المكلا بمنطقة الساحل على بحر العرب، ومن المحتمل أن ينعكس تناقض مهام قوات “درع الوطن” التي أُسست على عقيدة عسكرية ملتزمة بوحدة اليمن، مع مهام قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” التي أُسست على عقيدة عسكرية انفصالية، وهو ما ينذر بتحول حضرموت إلى مسرح للصراع بين تلك القوات. ففي يناير 2024م، منعت قوات “النخبة الحضرمية”، التابعة لـ”الانتقالي، والمتمركزة في المكلا، عشرات الآليات العسكرية التابعة لقوات “درع الوطن” من دخول المدينة، رغم صدور توجيهات محافظ حضرموت، مبخوت مبارك بن ماضي، بتسهيل مرور تلك القوات.

وفي خطوة تظهر حجم الاستياء الإماراتي، نشرت صحيفة “العرب” -المحسوبة على الإمارات- أن الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية لـ”الانتقالي”، بمديرية سيئون، أصدرت بيانًا حذرت فيه من انتشار قوات “درع الوطن”، ورفضت استقدام أي قوات تعارض صلاحيات قوات “النخبة الحضرمية”، محذرة من أن ذلك يثير الفوضى والفتن في مديريات ساحل وهضبة حضرموت. وذكرت الصحيفة أن إعادة محاولة نشر قوات “درع الوطن” التي أنشئت بجهد سعودي لمنع استكمال سيطرة قوات “الانتقالي” على المحافظة، لا سيما منطقة الساحل الأكثر حيوية، تثير التوتر في المحافظة، وأن إصرار الحكومة اليمنية على الإبقاء على حضور أمني وعسكري هناك تقف وراءه السعودية في إطار طموحها لتركيز نفوذها في المحافظة ذات الموقع الإستراتيجي المهم لها بفعل انفتاحه على بحر العرب.

ترجيحات خيارات الوحدة والانفصال:

الحفاظ على الوحدة اليمنية، ومساعي تحقيق الانفصال، من أهم التداعيات التي برزت بقوة بعد مضي سنوات من تدخل “التحالف العربي” في اليمن، بقيادة السعودية والإمارات.

فالإمارات تبدو متماشية مع ما يعلنه “المجلس الانتقالي الجنوبي” من إقامة دولة انفصالية مستقلة على حدود ما قبل 1990م، وتراه متسقًا مع أجندتها للاحتفاظ بالسيطرة والنفوذ الذي رسخته على امتداد الساحل الممتد من حضرموت شرقًا وحتى ما بعد باب المندب غربًا؛ وتعتبر ذلك أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز مكانتها في التجارة الدولية والأمن البحري في المنطقة. وفي هذا الإطار يمكن تفسير دعمها السياسي الكبير لـ”الانتقالي”، وبناء قدراته العسكرية الانفصالية.

ورغم عدم صدور تصريح بدعم الانفصال من مصدر رسمي إماراتي مخول إلا أن شخصيات إماراتية مقربة من صنع القرار، وأخرى تشغل مناصب رسمية لا تُخفي دعمها للانفصال؛ فمن ذلك ما كتبه المستشار السياسي السابق، الدكتور عبدالخالق عبدالله، من أن “وحدة اليمن لم تكن ضمن أولويات التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن”، ونشر بعد ذلك خريطة سماها “خريطة محافظات ومديريات الجنوب العربي”، وتتضمن العلم والشعار الذي كان لدولة “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، كما تضمنت الخريطة حدودًا سياسية فاصلة بين شمال اليمن وجنوبه، وعلق على الخريطة بقوله “لماذا يصر البعض على تسليم الجنوب العربي لجماعة الحوثي الايرانية الانقلابية بصنعاء. قضية الجنوب العربي ليست قضية انفصال، بل هي قضية تحرر وطني، يسعى شعب الجنوب لتأسيس وطنه الحر ودولته المستقلة، ويستحق دعم دول العالم وشعوب المنطقة، وفي المقدمة دول وشعوب الخليج العربي. دولة ولها عنوان”. كذلك عادة ما يُصرح نائب رئيس الشرطة والأمن العام بدبي، الفريق ضاحي خلفان، بضرورة استقلال جنوب اليمن في جمهورية مستقلة ذات سيادة، وانفصالها عن الشمال والاعتراف بها.

وكان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، أعلن -في 25 أبريل 2020م، من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، عن الإدارة الذاتية للجنوب، وفرض حالة الطوارئ العامة في عدن وعموم محافظات الجنوب، وتكليف القوات العسكرية والأمنية الجنوبية بالتنفيذ، الأمر الذي أثار غضب الحكومة الشرعية، وجرى التراجع عنه تحت ضغط القيادة السعودية على الإمارات و”الانتقالي” معًا. وقد صدر بيان رسمي باسم “التحالف العربي”، أكد فيه على ضرورة إلغاء أي خطوة تخالف “اتفاق الرياض”، والعمل على التعجيل بتنفيذه، باعتباره الإطار لتوحيد صفوف اليمنيين؛ كما طالب بوقف أي نشاطات أو تحركات تصعيدية، والعودة لاستكمال تنفيذ الاتفاق فورًا ودون تأخير، وتغليب مصلحة الشعب اليمني على أي مصالح أخرى، والعمل على تحقيق هدف استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.

وعلى النقيض من الإمارات، ترى السعودية أن ضمان مصالحها في اليمن عمومًا، وحضرموت على وجه الخصوص، يتسق مع دور واعد لحضرموت في إطار دولة يمنية واحدة؛ فحتى الآن تبدو السعودية رافضة لانفصال جنوب اليمن. ورغم اتساع تعاملها سياسيا مع “الانتقالي”، الذي يعمل لتحقيق مشروع الانفصال، إلا أنها تتبع سياسة النفس الطويل، فمن جهة هي لا ترغب في الاصطدام الحاد والمباشر مع الإمارات، ومن جهة أخرى تعمل على صنع بيئات محلية من شأنها إفشال مشروع الانفصال، من قبيل الحيلولة دون سيطرة “الانتقالي” على المحافظات الجنوبية الغنية بالموارد والثروات النفطية، من خلال دعم تشكيل قوات عسكرية وأمنية، ومجالس وهيئات سياسية جهوية في تلك المحافظات رافضة لـ”الانتقالي” ومشروع الانفصال.

ربما يكون من حظ اليمن، الذي تعاني حكومته الشرعية (مجلس القيادة الرئاسي، ومجلس النواب، والحكومة) من ضعف واضح، أن يرتبط رفض السعودية لمشروع الانفصال بضرورات وحاجيات المصلحة والأمن القومي السعودي، والنظر إلى الوحدة اليمنية كضامن للاستقرار في اليمن على المدى الطويل، إذ أن الانفصال سيؤدي لدخول اليمن في جولات جديدة من الفوضى والاقتتال وعدم الاستقرار، وهذا بدوره سيلحق بالمنطقة مخاطر أمنية وسياسية عالية، فمن شأن الانفصال أن يفتح المجال واسعًا لتشظي جنوب اليمن لدويلات عدة متناحرة تضر بالاستقرار في المنطقة. ومن جهة أخرى يحتمل تحت ضغط انفصال الجنوب -إن حصل- أن تضطر محافظات شمالية ما زالت خارج سيطرة الحوثي إلى إعلان الانفصال هروبًا من سياسات الحوثيين الطائفية والإقصائية المفروضة بموجب القوة والهيمنة؛ وهو ما يفتح الباب لصراعات وحروب دائمة. والمتوقع أيضًا أن يصاحب هذا التشظي جولات من الفوضى والحروب البينية على امتداد الجغرافيا اليمنية؛ كما تخشى السعودية من أن يساهم الانفصال في ميلان ميزان القوى العسكري والسياسي والإستراتيجي لصالح جماعة الحوثي المرتبطة بإيران بشكل يُهدد أمنها القومي.

وعلاوة على ما سبق، يتناقض الانفصال مع مبدأ ثابت في السياسة الخارجية السعودية وهو احترام وحدة أراضي الدول المعترف بها، وعدم المساس بوحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية. وتدرك السعودية مخططات تقسيم دول المنطقة، ومخاطر العدوى السياسية، فمنذ ثلاثة عقود طرحت دوائر أمريكية مخططًا لتقسيم السعودية إلى عدة دويلات، وهناك خرائط في مراجع أمريكية، كمجلة الجيش الأمريكي، الصادرة في عام 2007م، تظهر السعودية مقسمة إلى خمس دويلات؛ وفى سبتمبر 2013م، أعادت صحيفة “نيويورك تايمز” نشر الخريطة مرة أخرى، متضمنة تقسيم السعودية والعراق وسوريا وليبيا ومصر إلى (14) دويلة، ومعها مقال يحلل فوائد هذا التقسيم على أمن المنطقة، وأمن المصالح الأمريكية معًا.

تبدو الإمارات متماشية مع ما يعلنه “المجلس الانتقالي” مِن إقامة دولة انفصالية مستقلَّة عن اليمن، وتراه متَّسقًا مع أجندتها للاحتفاظ بالسيطرة والنفوذ الذي رسخَّته على امتداد الساحل الممتد مِن حضرموت شرقًا وحتَّى ما بعد باب المندب غربًا.

سيناريوهات مسارات التنافس:

ترتبط سيناريوهات مسارات التنافس السعودي الإماراتي في حضرموت حدة وتوافقًا بالتنافس الأوسع بين البلدين في المنطقة، خاصة في الملفات “الجيو-اقتصادية”، وتطلعات قيادة العالم العربي. وفي هذا الإطار يمكن استشراف ثلاث سيناريوهات من المحتمل أن يؤول إلى أحدها مسار التنافس.

السيناريو الأول: ينصرف إلى إبقاء الوضع الراهن في محافظة حضرموت على ما هو عليه، بحيث يحتفظ “المجلس الانتقالي” المدعوم من الإمارات بالسيطرة العسكرية والأمنية والإدارية في مديريات ومناطق حضرموت الساحل، ومركزها مدينة المكلا، فيما تحتفظ الحكومة الشرعية ومجلس حضرموت الوطني، وربما مكونات اجتماعية أخرى مدعومة من السعودية، بالسيطرة العسكرية والأمنية والإدارية على مديريات حضرموت الوادي والصحراء، ومركزها مدينة سيئون. ويقتضي هذا السيناريو تجنب البلدين المتنافسين استحداث أي سياسات أو ممارسات تشجع الأطراف المحلية على السير في خطوات تصعيدية تستهدف تغيير موازين القوى السياسية والعسكرية والأمنية القائمة في المحافظة، مع احتفاظ الأجهزة السياسية والإدارية والتشكيلات العسكرية والأمنية بقنوات مرجعية في البلدين المتنافسين لتهدئة أي تصعيد أو صراع قد ينشب في المحافظة. ومن المحتمل أن يستمر هذا السيناريو حتى تحصل ظروف ومتغيرات محلية وإقليمية ودولية تستدعي تسوية الأزمة اليمنية برمتها في إطار حل شامل ينهي الحرب الدائرة منذ عشر سنوات.

السيناريو الثاني: وهو ينصرف إلى احتمال توافق الدولتين المتنافستين على تخفيض حدة التنافس القائم في المحافظة، والوصول لتسويات تحقق مصالح البلدين في إطار دولة يمنية واحدة. وفي هذا السياق يمكن للإمارات أن تستخدم نفوذها على “المجلس الانتقالي” للتخفيف من حدة خطابه وسياساته تجاه مؤسسات الدولة اليمنية، السياسية والعسكرية والأمنية، في حضرموت، وكذا دعم الأصوات الأكثر واقعية في “الانتقالي”، والتي لديها القابلية لعقد تسويات مع الحكومة الشرعية، للإسراع في تطبيق “اتفاق الرياض” الذي نص على إنهاء الانقسامات بين التشكيلات العسكرية، وإعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع اليمنية، وإعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية، وكذا تحقيق الانسجام والتكامل داخل مجلس القيادة الرئاسي. وفي هذا السيناريو من المتوقع أن ترعى الدولتان المتنافستان جهود توحيد المكونات السياسية اليمنية المنضوية في الحكومة الشرعية،  بحيث يعمل الجميع على صياغة رؤية وطنية يمنية متفق عليها لحل القضية الجنوبية في إطار دولة يمنية اتحادية تُعطي صلاحيات واسعة للأقاليم والمحافظات، ومدعومة من البلدين المتنافسين، ومن جهة أخرى تبني سياسة موحدة للتعامل مع جماعة الحوثي، والانطلاق في مسار تسوية سياسية تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة بناء الدولة اليمنية، ومؤسساتها الدستورية المركزية والمحلية، وصولًا لتحقيق السلام والاستقرار المستدام في اليمن.

السيناريو الثالث: يشير إلى احتمال تصاعد حدة التنافس بين دولتي “التحالف” -السعودية والإمارات، بحيث يعمل كل طرف على تعزيز نفوذه على حساب الطرف الآخر، وربما إزاحته من المحافظة. وفي هذا السيناريو يحتمل أن تقوم المملكة بدعم وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية في عموم مديريات ومناطق المحافظة. ومن المؤشرات الداعمة لهذا السيناريو زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، للمحافظة في شهر يوليو 2024م، وعقده اجتماعًا في المكلا مع المحافظ   وقيادات السلطة المحلية، لتأكيد حضور مؤسسات الدولة، ودعم الحكومة لجهود السلطة المحلية لتحقيق الأمن والاستقرار، والوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين. وفي هذا السيناريو من المتوقع أن توعز المملكة لرجال أعمال سعوديين، منحدرين من أصول حضرمية، بإعادة استئناف تنفيذ المشاريع التنموية والاستثمارية الكبرى التي بدؤوا بتنفيذها في المحافظة في سنوات ما قبل الانقلاب الحوثي، وبحسب تصريح سابق لرجل الأعمال الحضرمي السعودي، المهندس عبدالله بقشان، فإن حجم استثمارات رجال الأعمال السعوديين في حضرموت تبلغ ما بين (300) إلى (350) مليون دولار، كما تحدث عن مشاريع جديدة كبيرة في قطاعات الأسماك والأسمنت والتطوير العقاري.

وعلى الصعيد العسكري والأمني، يتوقع أن تقوم المملكة بتعزيز قدرات قوات “درع الوطن”، لتضييق الفجوة الناجمة عن اختلال ميزان القوى العسكري بين التشكيلات العسكرية التابعة لـ”الانتقالي” والتشكيلات التابعة للحكومة الشرعية؛ ففي يوليو 2024م، عبرت تعزيزات عسكرية سعودية منفذ الوديعة بحضرموت، ووصلت إلى قاعدة تابعة لقوات “درع الوطن”، في مدينة عدن، قدرتها بعض المصادر بـ(100) مركبة عسكرية، إضافة إلى توسيع مناطق انتشار هذه القوات في المحافظة. ففي 22 أغسطس 2024م، تسلمت قوات “درع الوطن” من اللواء (141) معظم مواقع ميناء الوديعة البري الذي يربط بين اليمن والسعودية، من بينها نقطة الجوازات، وساحة الجمارك، والبوابة الوسطى، والنقطة الفاصلة بين المنفذين اليمني والسعودي، وهذا المنفذ هو الوحيد الذي ظل يعمل خلال سنوات الحرب.

وفي المقابل يتوقع هذا السيناريو أن تدفع الإمارات بـ”الانتقالي” لمضايقة وجود الحكومة الشرعية في حضرموت، وتصعيد حدة خطاب الانفصال؛ ومن المؤشرات الداعمة لهذا السيناريو عدم مرافقة اللواء عوض البحسني، نائب رئيس المجلس الانتقالي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، أثناء زيارته للمكلا، في يوليو 2024م، وقد علق مدير مكتب “البحسني” على الزيارة بالقول: إن “الزيارة تثير الكثير من الاستغراب بسبب غموض أهدافها، ولا يتوقع أن تحقق شيئًا يذكر لحضرموت”.

من جهة أخرى، من المتوقع أن تعمل الإمارات على تأسيس وجود اقتصادي كبير في المحافظة، يحد من تفوق النفوذ الاقتصادي السعودي؛ ومن أبرز المؤشرات على ذلك ما صرح به وزير النفط اليمني، في يناير 2024م، بشأن انتهاء الدراسات الإنشائية لمشروعين كبيرين ستوقع الاتفاقات النهائية لهما عبر مستثمرين من القطاع الخاص اليمني، بشراكة إماراتية، الأول لإنشاء مصفاة مع منطقة صناعية بمنطقة الضبة، بقدرة إنتاجية تبلغ نحو (25) ألف برميل في مرحلتها الأولى، والثاني لإنشاء مشروع للغاز المنزلي في قطاع المسيلة.

كذلك يحتمل أن تقوم الإمارات بضخ استثمارات ضخمة لتطوير ميناء المكلا الذي تسيطر عليه قوات “الانتقالي”، ليكون مركزًا لوجستيا وتجاريا مهما في إطار رؤيتها للسيطرة على الموانئ الأساسية، وتشغيلها على طول طرق التجارة البحرية الرئيسة، لا سيما الموانئ التي استحوذت عليها في منطقة البحر الأحمر وبحر العرب وشرق أفريقيا.

وفي ذات السياق يحتمل في مرحلة متقدمة من التنافس الحاد أن تُفعل الإمارات أدوات تدخلها العسكري والأمني في المحافظة، مستفيدة من اتفاق “التعاون العسكري والأمني ومحاربة الإرهاب” الذي وقعه وزير العدل الإماراتي مع وزير الدفاع في الحكومة الشرعية اليمنية، الفريق الركن محسن محمد الداعري، بمقر وزارة الدفاع الإماراتية، في ديسمبر 2022م.

خاتمة:

بصورة إجمالية يمكن القول: إن تحليل أحداث وانعكاسات التنافس السعودي الإماراتي في حضرموت آخذة في التصاعد، يصاحبها هواجس كبيرة لدى المجتمع الحضرمي من أن يُؤدي ذلك إلى هز الاستقرار النسبي ووحدة النسيج الاجتماعي المتميز الذي تنعم به المحافظة، وخروجه عن السيطرة، وبما يُهدد بتصعيد النزاع بين المكونات المحلية الاجتماعية والسياسية والتشكيلات العسكرية المرتبطة بالدولتين، وهذا يتطلب من الحكومة اليمنية أن تكون أكثر فاعلية في ممارسة سلطاتها السيادية في المحافظة، سياسيا وأمنيا وإداريا وخدميا. ومن جهة أخرى ينبغي على الحكومة والمكونات السياسية والاجتماعية والقيادات الحضرمية، والدولتين المتنافستين، العمل على صياغة سياسات تهدئة، وإنجاز تسويات تضمن المصالح المشروعة للجميع، في إطار يمن مستقل وموحد وآمن ومستقر.

المصادر

  السعودية والإمارات: ما الذي يقف وراء الخلاف؟، محمد علوش، البيت الخليجي للدراسات والنشر، في: 18/10/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://gulfhouse.org/posts/6099/

  السعودية وحضرموت: حدود آمنة توثقها علاقة تاريخية، عارف با مؤمن، العربي الجديد، في: 2/5/2015م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/HkP44sju

  تشابُك المصالح الأمنية والاقتصادية للإمارات في اليمن، إليونورا أردماني، مركز كارنيغي، في: 19/7/2018م، متوفر على الرابط التالي:

  تخريج دفعة الأمن العام بحضرموت بتمويل إماراتي، وكالة أنباء الإمارات، في: 9/8/2018م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.wam.ae/pt/details/1395302702953

  زيارة استعراضية لانتقالي الجنوب إلى حضرموت.. أي دلالات؟، الجزيرة نت، في: 15/2/2019م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/ra74qrLK

احتفاء شعبي بزيارة الزبيدي إلى حضرموت يطغى على محاولات التشويش، صحيفة العرب، في: 20/5/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/1jWeACDe

 العليمي يدشن مشاريع تنموية في حضرموت تتجاوز قيمتها (266) مليون دولار، صحيفة الشرق الأوسط، في: 25/6/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/uq9mtmNr

 رسائل تحذيرية من الانتقالي لمجلس حضرموت الوطني والسلطة المحلية وقوات المنطقة العسكرية الأولى، المشهد اليمني، في: 15/7/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.almashhadnews.com/258993

  مجلس حضرموت الوطني: تيار جنوبي ثالث أم منافس للمجلس الانتقالي، صحيفة العرب، في: 22/6/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/pzhLyAQP

  المجلس الانتقالي اليمني ينظم مظاهرات في حضرموت، وكالة سبوتنيك، في: 8/7/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/qKGAyBlf

  لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في الاعتداء على ساحة مهرجان “يوم الأرض”، صحيفة الأيام، في: 9/7/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.alayyam.info/news/9GZGONVP-PNCQJI-64BE

 صراع إماراتي سعودي.. ماذا يجري في حضرموت؟، خالد عبدالواحد، نون بوست، في: 11/7/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.noonpost.com/47481/

  قائد القوات المشتركة يزور أحد ألوية الفرقة الأولى من قوات درع الوطن بمنطقة الوديعة، وكالة الأنباء السعودية (واس)، في: 9/5/2023م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.spa.gov.sa/ja/d958e0f49cq

 النخبة الحضرمية تمنع قوات تابعة لـ”درع الوطن” دخول المكلا والانتقالي يهدد بالتصعيد، يمن شباب، في: 18/1/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://yemenshabab.net/news/90716

 تحريك قوات درع الوطن في حضرموت يرفع منسوب التوتر بين الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية، صحيفة العرب، في: 4/6/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/ARrBbvFk

 انظر: حسابه على منصة (X)، على الرابط التالي:

https://x.com/Abdulkhaleq_UAE

  انظر: حساب د. عبدالخالق عبدالله على منصة (X)، في: 17/9/2023م، على الرابط التالي:

https://2u.pw/GOPFq0uk

  انظر: حسابه على منصة (X)، على الرابط التالي:

https://x.com/Dhahi_Khalfan

  اليمن: الانتقالي الجنوبي يعلن من أبو ظبي حكما ذاتيا للجنوب برعاية إماراتية ويضع الرياض في ورطة سياسية، خالد الحمادي، صحيفة القدس العربي، في: 26/4/2020م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/nfY4T8wD

  تحالف السعودية يرفض إعلان الانفصاليين “الإدارة الذاتية” في جنوب اليمن، موقع قناة الحرة، في: 27/4/2020م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.alwatan.com.sa/article/1044336

  من يريد تقسيم السعودية؟، حسن أبو طالب، صحيفة الوطن، في: 26/5/2015م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.elwatannews.com/news/details/738074

 رئيس مجلس القيادة يعقد اجتماعاً بقيادة السلطة المحلية والمكتب التنفيذي بمحافظة حضرموت، الموقع الرسمي لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، في: 29/7/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://presidentalalimi.net/news1335.html

  ضخ استثمار سعودي في حضرموت بـ(350) مليون ريال، صحيفة الرياض، في: 3/4/2005م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.alriyadh.com/53326

 بعد وصول تعزيزات لقوات درع الوطن.. شاهد: دعم عسكري سعودي جديد للشرعية في عدن، المشهد نت، في: 28/7/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://www.almashhadnews.com/287192

  حضرموت.. قوات درع الوطن تتسلم معظم مواقع ميناء الوديعة البري الرابط بين اليمن والسعودية، المصدر أونلاين، في: 22/8/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://almasdaronline.com/articles/300850

  غضب في حضرموت يعكس مزاجا سلبيا إزاء الشرعية اليمنية، صحيفة العرب، في: 29/7/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/F9oix5oQ

 وزير النفط اليمني لـ”الشرق الأوسط”: نخطط لإنشاء مصافٍ في شبوة وحضرموت، الشرق الأوسط، في: 17/1/2024م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/6xvNY35j

وزير العدل ووزير الدفاع اليمني يبحثان التعاون ويوقعان اتفاقية في المجال الدفاعي ومواجهة الإرهاب، الموقع الرسمي لوزارة العدل الإماراتية، في: 8/12/2022م، متوفر على الرابط التالي:

https://2u.pw/lNhKBZA4


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى