انعكاسات الخلاف السُّعودي الإماراتي على الملف اليمني:
Getting your Trinity Audio player ready... |
المقدِّمة:
قاد ولي العهد السُّعودي، محمد بن سلمان، وولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، لسنوات سابقة، بالاشتراك، عدَّة جبهات إستراتيجيَّة، سياسيَّة واقتصاديَّة وعسكريَّة وأمنيَّة وثقافيَّة، في الشَّرق الأوسط؛ بعد أن ساهم محمد بن زايد في إصعاد محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد في 21 يونيو 2017م، ليصبح الرَّجلان حليفين إستراتيجيِّين يتبنَّيان ذات الرُّؤى وذات المواقف مِن قضايا وأطراف وأحداث عدَّة، ويدخل البلدان في تنسيق وتعاون كامل في ملفَّات عدَّة، مِن بينها قيادة “الثَّورات المضادَّة” في المنطقة، في كلٍّ مِن: مصر واليمن وتونس وليبيا وسوريا وغيرها، عقب “ثورات الرَّبيع العربي” الَّتي شهدتها تلك البلدان عام 2011م.
وكلا الدَّولتين عضو في “مجلس تعاون دول الخليج العربيَّة”، وعضو في منظَّمة “أوبك”، وهي منظَّمة عالميَّة تضمُّ ثلاثة عشر دولة تعتمد على صادراتها النِّفطيَّة في اقتصادها؛ وتملك الدُّول الأعضاء فيها 44% مِن النَّاتج العالمي للنِّفط، و81.5% مِن الاحتياطي العالمي للنِّفط، حسب تقديرات سبتمبر 2018م.
في نوفمبر 2016م، عقد اتِّفاق يضمُّ 23 دولة مصدِّرة للنِّفط، مِنها 13 دولة عضوًا في منظَّمة الدُّول المصدِّرة للبترول “أوبك”، بالإضافة إلى دول أخرى مصدِّرة للنِّفط خارج “أوبك”، بهدف خفض إنتاج البترول لتحسين أسعار النِّفط في الأسواق العالميَّة، فيما عُرِف بـ”أوبك بلس”. وتحتلُّ الإمارات المرتبة الرَّابعة، مِن بين أعضاء منتجي “أوبك بلس”، خلف روسيا والسُّعوديَّة والعراق.
وقد دخلت الإمارات مؤخَّرًا في خلاف مع الدُّول الأعضاء في “أوبك بلس”، وخاصَّة روسيا والسُّعوديَّة، وبدا أنَّ هناك خلافًا سعوديًّا إماراتيًّا يتَّسع بين البلدين ينعكس على مواقفهما.
فما مدى حقيقة هذا الخلاف؟ وما تأثيره على المشهد اليمني؟
اشتعال النِّفط:
تمثَّل الخلاف الأخير بين السُّعوديَّة والإمارات في:
- معارضة الإمارات الاقتراح الرُّوسي السُّعودي لتحالف “أوبك بلاس”، بشأن تمديد اتِّفاق خفض الإنتاج النِّفطي لثمانية أشهر إضافيَّة، والَّذي جرى قبوله مِن جميع الأعضاء.
- وصف الإمارات الاتِّفاق بأنَّه “غير عادل”.
- التَّراشق المتبادل بين مسئولين في البلدين ومنصَّاتهم الإعلاميَّة.
- إيقاف السُّعوديَّة جميع رحلات الطَّيران إلى الإمارات، ومِنعها مواطنيها مِن السَّفر إليها إلَّا بعد الحصول على موافقة رسميَّة، وذلك بعد أيَّام فقط مِن نشوء الخلاف، الأمر الَّذي ردَّت عليه الإمارات بالمثل.
جذور الخلاف وأبعاده:
أوَّلًا: النَّزاع الحدودي:
تعود أزمة النِّزاع الحدودي بين السُّعوديَّة والإمارات إلى عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، مع مطلع سبعينيَّات القرن الماضي. وهي تتمحور حول:
- الحدود البريَّة في منطقة “واحة البريمي” الغنيَّة بالنِّفط، ومنطقة “خور العديد” السَّاحليَّة الفاصلة بين الإمارات وقطر.
- حقل النِّفط الَّذي دشَّنته السُّعوديَّة في عام 1999م، في منطقة “الشِّيبة”، حيث احتجَّت الإمارات على عدم إشراكها في تقاسم عائدات النِّفط مِن هذا الحقل.
- أصدرت الإمارات، في عام 2006م، في كتابها السَّنويِّ، خرائط تُظهِر منطقة “خور العديد” تابعة للمياه الإقليميَّة الإماراتيَّة، ما أثار حفيظة الحكومة السُّعوديَّة في حينه.
- تغيير الإمارات خريطتها الجغرافيَّة الموجودة على بطاقات الهويَّة الإماراتيَّة لمواطنيها، ما دفع السُّعوديَّة، في عام 2009م، لإيقاف دخول المواطنين الإماراتيِّين إلى أراضيها.
- أطلق زورقان أمنيَّان تابعان للإمارات، في عام 2010م، النَّار على زورق سعوديٍّ في “خور العديد”، واحتُجِزا اثنان مِن أفراد حرس الحدود السُّعودي.
- عبَّرت الإمارات، خلال زيارة رئيس دولة الإمارات، خليفة بن زايد، للرِّياض، في ديسمبر 2004م، للجانب السُّعودي أنَّ الاتِّفاقيَّة الَّتي وقَّعتها في منتصف السَّبعينيَّات ظالمة لها، وقالت: إنَّها وقَّعتها في ظروف استثنائيَّة.
ثانيًّا: التَّنافس الاقتصادي:
يعدُّ التَّنافس الاقتصاديَّ بين البلدين في طليعة أسباب الخلاف بينهما، نتيجة حاجتهما الماسَّة لتمويل ضخم لبرامجهم الاقتصاديَّة، وهو يبرز في:
– بدأ التَّوجُّه السُّعوديُّ بمنافسة الإمارات مِن خلال تطوير قطاعات مثل السِّياحة والتُّكنولوجيا والطَّيران.
– أعلنت السُّعودية، في 5 يوليو 2021م، عن تعديلات في قواعد الاستيراد مِن الدُّول الأخرى الأعضاء في مجلس التَّعاون الخليجي، لتستبعد السِّلع المنتجة بالمناطق الحرَّة أو الَّتي تستخدم مكوِّنات إسرائيليَّة، مِن الامتيازات الجمركيَّة التَّفضيليَّة.
– أصدرت السُّعودية، في 15 فبراير 2021م، إنذارًا للشَّركات الأجنبيَّة بأنَّه يتعيَّن عليها للحصول على عقود حكوميَّة أن تنقل مقرَّها الإقليميِّ الرَّئيس إلى السُّعوديَّة بحلول عام 2024م.
ثالثًا: التَّباين الدُّبلوماسي:
يتنافس حكَّام الدَّولتين على الحصول على نفوذ أكبر في السِّياسة الإقليميَّة والدُّوليَّة، والتَّحالف مع الإدارة الأمريكيَّة باعتبارها القوَّة العظمى وراعية النِّظام العالمي الجديد. وكلٌّ مِن الدَّولتين تريد أن تجعل مِن نفسها مركزًا إقليميًّا ودوليًّا.
– تريد الإمارات أن تجعل السُّعوديَّة دولة تابعة لها، وتريد السُّعوديَّة أن تبقى هي الدَّولة ذات المركز الأوَّل والرَّئيس.
– سعت السُّعوديَّة مؤخَّرًا لتحسين علاقاتها بقطر وتركيا، ودعت لعقد قمَّة العلا، في 5 يناير 2021م، كمنطلق لإنهاء الخلاف السُّعودي القطري وخطوة نحو المصالحة، في حين غاب وليُّ عهد الإمارات عن حضورها.
– الإمارات تحافظ على علاقات سِّياسيَّة واقتصاديَّة مع إيران، رغم دعوى تحالفها مع السُّعوديَّة، في الوقت الَّذي تهدِّد فيه إيران المصالح السُّعوديَّة وتهاجمها، مِن أراضيها وعبر الأراضي العراقيَّة واليمنيَّة.
– اتَّجهت الإمارات، مطلع عام 2020م للتَّطبيع مع إسرائيل دون تنسيق مسبق مع حليفتها المفترضة.
– حسَّنت السُّعوديَّة علاقتها مع سلطنة عُمان، والَّتي توِّجت بزيارة سلطان عُمان، هيثم بن طارق، الرِّياض في 11 يوليو 2021م.
رابعا: الضَّغائن الشَّخصيَّة:
أوضحت وثائق “ويكيليكس”، المسرَّبة عن دوائر صنع القرار في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، مدى بغض وتحقير حكَّام الإمارات لحكَّام السُّعوديَّة ونظامها السِّياسيِّ سرًّا. فقادة الإمارات يرون أنَّ:
- “القيادة السُّعوديَّة لا تملك رؤية طويلة المدى”.
- “القيادة السُّعوديَّة هرمة”.
- لا توجد في الأمراء السُّعوديِّين الأصغر سنًّا أيَّ وجوه واعدة.
- “النِّظام السُّعوديُّ لا يسمح إلَّا للفاسدين وأولئك المتحالفين مع شيوخ الدِّين بالوصول إلى القمَّة”.
- بعض أمراء السُّعوديَّة “قرود”.
- “90% مِن الشَّعب السُّعودي ينتظر الأمريكيِّين بعد انتهائهم مِن العراق ليغيِّروا لهم آل سعود”.
- “السُّعوديُّون ليسوا أصدقائي –أي محمد بن زايد- الأعزاء، وإنَّما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط”.
- “الخروج عن سطوة جارتهم العملاقة، وبناء هويَّة إماراتيَّة فريدة، والسَّعي إلى إيجاد فرص قياديَّة أكبر، سواء في المنطقة أو في المجتمع الدُّولي.
مآلات الخلاف السُّعودي الإماراتي:
يتوقَّع المراقبون للخلاف السُّعوديِّ الإماراتيِّ عدَّة مآلات، تتمحور حول ثلاث مستويات:
الخلاف تحت السَّيطرة:
- ما يجمع النِّظامين الحاكمين في كلٍّ مِن السُّعوديَّة والإمارات، رغم التَّنافس الحاصل بينهما، أكثر بكثير مِمَّا قد يقطع علاقتهما ببعض ويدفع بهما للخصومة والصِّدام.
- التَّحالف بينهما تحالف إستراتيجيٌّ في عددٍ مِن الملفَّات وإن وقع تباين في التَّفاصيل.
اهتزاز العلاقة وتفكُّك التَّحالف:
- وجود حالة فتور تشهدها العلاقة بين الرَّجلين، وليا عهد الدَّولتين، نتيجة مسارات سياسات كلٍّ مِنهما مؤخَّرًا.
- تراكمات التَّنافس مِن جهة، والصِّراع مِن جهة أخرى، بين السُّعوديَّة والإمارات، آخذة في الصُّعود والتَّمدُّد في الفترة الأخيرة، في ظلِّ احتدام التَّنافس الاقتصاديِّ والتَّناقض في الخيارات الإستراتيجيَّة لكلٍّ مِن النِّظامين.
- هذا برأيِّ المحللِّين لا يعني انتهاء التَّواصل أو التَّحالف في المنظور القريب.
القطيعة الكاملة:
- الخلاف بدأ يخرج إلى العلن، وبدت تتَّسع دوائره؛ والرُّوح التَّنافسيَّة تزداد حدَّة مع وقع التَّغييرات الكبيرة الَّتي تشهدها السُّعوديَّة.
- وهذا برأي المراقبين أمر مستبعد، فإنَّ الرَّوح التَّنافسيَّة وإن ازدادت حدَّة ستظل إدارة الخلاف ومحاولة عدم المواجهة كخصمين هي السِّياسة المفضَّلة للطَّرفين، لاحتياج كلٍّ مِنهما للآخر في سياساته ومواقفه.
- النِّظامان في البلدين سيكونان حريصين على عدم تجيير فوائد الخصومة بينهما لحساب أطراف إقليميَّة أخرى تتمدَّد في المنطقة، خاصَّة مع عجز مجلس التَّعاون الخليجي عن الوقوف أمامها.
أثر الخلاف السُّعوديِّ الإماراتيِّ على المشهد اليمني:
- يتبنى النِّظام الحاكم في الإمارات سياسة غير متسامحة أبدًا مع الإسلام السِّياسيِّ والحركات الإسلاميَّة، ويرعى جميع القوى المناوئة لها في المنطقة، بما فيها القوى الطَّائفيَّة، والمليشيَّات المتمرِّدة والخارجة عن القانون، والانقلابات العسكريَّة.
- عمدت الإمارات في اليمن إلى دعم “أنصار الله” الحوثيِّين لإسقاط صنعاء، في سياق حربها ضدَّ حزب “الإصلاح” في اليمن، والَّذي تحتضنه حاليًّا السُّعوديَّة على أراضيها مع بقيَّة مكوِّنات “الشَّرعيَّة”.
- الإمارات ضمن دول “التَّحالف العربي”، الَّذي يسعى لاستعادة الدَّولة وعودة الشَّرعيَّة إلى اليمن، إلَّا أنَّها دعمت “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المناهض لـ”الشَّرعيَّة” المدعومة مِن قبل السُّعوديَّة.
- أعلنت الإمارات، في منتصف عام 2019م، انسحابها مِن اليمن، مِن جانب واحد، وهو ما أغضب الطَّرف السُّعوديَّ الشَّريك معها، كونه تمَّ دون تنسيق أو تشاور مسبق معها.
- ظلَّ التَّنافس بين الرِّياض وأبو ظبي في السَّاحة اليمنيَّة حاضرًا خلال مسار الحرب، إذ سعت الإمارات إلى زيادة نفوذها السِّياسيِّ والعسكري والاقتصادي، على حساب نفوذ السُّعوديَّة في اليمن، بحثًا عن مصالحها ومكانة خاصَّة بها.
توقُّعات تأثير الخلاف السُّعودي الإماراتي على المشهد اليمني:
- مسار بقاء التَّحالف والتَّوافق السُّعودي الإماراتي في إدارة المشهد اليمني، مع إبقاء حيز الخلاف هامشيًّا وفي أضيق الحدود، سعيًّا مِن النِّظامين الحاكمين في البلدين لتحقيق أجنداتهما السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة والأمنيَّة في اليمن. وهذا يعني بقاء الملف اليمني مرهونا بموازنات الطَّرفين وحساباتهما الخاصَّة في كلِّ محطة مِن محطات التَّفاوض السِّياسي أو التَّقدُّم العسكري؛ وهذا سيؤدِّي إلى إضعاف القرار اليمني وتقوية القوى المناهضة لـ”الشَّرعيَّة” شمالًا وجنوبًا.
- مسار التَّصادم والصِّراع وتحويل اليمن إلى ساحة معترك بين الطَّرفين: فالسُّعوديَّة ترغب في تأمين حدودها الجنوبيَّة وعودة “الشَّرعيَّة” في اليمن، والقضاء على التَّهديدات الإيرانيَّة القادمة مِن صنعاء؛ والإمارات تدفع إلى المزيد مِن ارتهان اليمن للقوى الانقلابيَّة شمالًا وجنوبًا، بتقديم الدَّعم المالي والسِّلاح والتَّدريب والمعدَّات، والدَّعم اللُّوجستي، ما يعني إغراق السُّعوديَّة أكثر في المستنقع اليمني. في ظلِّ مسار كهذا سيقدِّم كلا الطَّرفين –السُّعوديَّة والإمارات- المزيد مِن الدَّعم لحلفائهم التَّقليديِّين في اليمن لترجيح كفَّة كلٍّ مِنهما تجاه الآخر؛ وستصبح اليمن ساحة للصِّراع السُّعودي الإماراتي كما كانت مسرحًا للصِّراع السُّعودي الإيراني، منذ عام 2014م.
- مسار الحلول والمعالجات: إمَّا عبر مسار المفاوضات السِّياسيَّة بين الأطراف اليمنيَّة جميعا، أو عبر الحسم العسكري الَّذي يقضي على الانقلابات ويستعيد مشروع الدَّولة ويسمح بعودة “الشَّرعيَّة”. إذ سيدفع الخلاف بين الطَّرفين السُّعودي والإماراتي –بحسب هذا المسار- إلى إضعاف تأثيرهما على الشَّأن اليمني لصالح الحلول والمعالجات اليمنيَّة الدَّاخليَّة الصِّرفة، مِن منطلق: كلفة الصِّراع بينهما، واستحالة استمرار التَّحالف بينهما كذلك؛ وبالتَّالي يصبح انسحابهما مِن اليمن لصالح استعادة القرار اليمني لدوره وحضوره هو الأقرب مخرجًا لهما.
توصيات:
ينبغي على الجانب اليمني ما يلي:
- مراقبة الموقف السُّعودي مِن الإمارات في الشَّأن الخاصِّ باليمن، باعتباره المقياس الفعلي بمدى توجُّه الرِّياض نحو تصحيح مسار تدخُّلها العسكريِّ، لتنتهي الحرب بضمان كامل لمصالح الجمهوريَّة اليمنيَّة والسُّعوديَّة معًا.
- السَّعي لبناء استقلاليَّة القرار السِّيادي اليمني بعيدًا عن تجاذبات الأطراف الإقليميَّة وتوظيفهم له لصالح أجنداتهم الخاصَّة أو نزاعاتهم البينيَّة.
- عدم انتظار التَّغيُّرات الخارجيَّة في المواقف الإقليميَّة والدُّوليَّة كونها تعتمد أساسًا على موازين القوى في أرض الواقع، ومدى شرعيَّة الأفعال والمواقف، والقبول الجماهيري والرِّضا الشَّعبي؛ والعمل الجاد على تقوية مسار الحسم العسكري في الجبهات الَّتي يمكن للشَّرعيَّة كسبها.
- حشد الرَّأي العام الإقليمي والدُّولي في هذا الظَّرف لصالح تأييد الشَّرعيَّة ومطالبها بخروج الإمارات كلِّيَّة مِن اليمن، والتَّحرُّك دوليًّا لرفع دعاوى قضائيَّة لإدانة أفعالها في اليمن، والمطالبة بتعويضات مقابل الأضرار الَّتي تسبَّبت بها في الشَّئون الخاصَّة والعامَّة.