الوجود الإماراتي في اليمن .. قراءة في الممارسة والآثار
Getting your Trinity Audio player ready... |
المقدِّمة:
شاركت الإمارات العربيَّة المتَّحدة في “التَّحالف العربي” لدعم الشَّرعيَّة في اليمن، باعتبارها ثاني أبرز قوَّة بعد المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، وقد برز هذا الدَّور مِن خلال “عاصفة الحزم” الَّتي أطلقتها السُّعوديَّة في مارس 2015م، والَّتي جاءت لمواجهة انقلاب تحالف جماعة الحوثي وصالح على السُّلطة الشَّرعيَّة في اليمن، ودعم السُّلطة الشَّرعيَّة في القضاء على الانقلاب والعودة إلى صنعاء. وقد كان المجتمع اليمني يتطلَّع مِن خلال هذا التَّدخُّل إلى تسوية الوضع السِّياسي والأمني، بما يحقِّق مصلحة اليمن ووحدتها، ويحفظ الأمن القومي الإقليمي، ويحافظ على استقرار المنطقة.
وقد مرَّت “عاصفة الحزم” بعدد مِن المراحل المختلفة ابتداء بالتَّحالف مع القوى الوطنيَّة اليمنيَّة، حيث أسهمت الإمارات مع المقاومة الشَّعبيَّة والجيش الوطني في إخراج الحوثيِّين مِن عدد مِن المحافظات الجنوبيَّة. تلت هذه العمليَّة بعض الإجراءات السِّياسيَّة والعسكريَّة الَّتي قامت بها الإمارات منفردة، واعتبرتها “الشَّرعيَّة” أنَّها بعيدة عن أهداف التَّحالف المعلنة؛ وهو ما وضع تساؤلات عدَّة عن مراحل الوجود الإماراتي في اليمن، ومدى وجود أجندات إماراتيَّة خاصَّة أخرى لا تتَّفق مع أهداف “الشَّرعيَّة” اليمنيَّة؛ وعن طبيعة علاقة الإمارات بالأطراف السِّياسيَّة اليمنيَّة، وعلاقاتها بالتَّشكيلات المسلَّحة غير الرَّسميَّة في اليمن.
جاءت هذه الدِّراسة لتجيب على هذه الأسئلة إجابة موضوعيَّة، مِن خلال تحليل الإجراءات الَّتي تقوم بها الإمارات في اليمن، والاستماع إلى شهادات حقيقيَّة مِن سياسيِّين ومواطنين يمنيِّين كانت لهم علاقة مباشرة بالوجود الإماراتي في اليمن، ولامسوا أداءه السِّياسي والعسكري. حيث اعتمدت هذه الدِّراسة على أدوات ميدانيَّة، كالمقابلات والشَّهادات والبيانات والتَّقارير واستطلاعات الرَّأي، متوخِّين مِن خلالها الالتزام بالمهنيَّة وبيان الحقيقة كما هي، بعيدًا عن التَّهويل والتَّهوين، مستندين على عمليَّة منهجيَّة بحثيَّة قائمة على مبدأ الاقتراب المباشر مِن الأحداث، والاعتماد على الأخبار والمعلومات والبيانات الموثَّقة وذات المصداقيَّة، مع الابتعاد عن المصادر غير الموثوقة.
حاولنا جاهدين الحرص على الاستفادة مِن المصادر الأصليَّة، سواء الدِّراسات أو اللِّقاء بشخصيَّات أو المقابلات أو التَّصريحات أو استطلاعات الرَّأي، وابتعدنا عن الأحكام غير المسنودة لأدلَّتها، ولغة الاتِّهام غير المثبتة. وراعينا في هذه الدِّراسة إيصال الفكرة بلغة علميَّة موضوعيَّة، مِن خلال تسلسل الأفكار بين العناوين الفرعيَّة والعناوين الأصليَّة، واستخدام المصطلحات البحثيَّة والقانونيَّة والسِّياسيَّة الرَّصينة.
وتهدف هذه الدِّراسة إلى مناقشة محطَّات الوجود الإماراتي في اليمن، في أربعة فصول رئيسة، حيث جاء الفصل الأوَّل مِنها لبيان محطَّات الوجود الإماراتي في اليمن، قبل وبعد “عاصفة الحزم”، وترصد أبعاد وجودها قبل العاصفة، وعوامل تمكينها بعد العاصفة، وموقفها إزاء قضايا جوهريَّة في الملفِّ اليمني، وتسليط الضَّوء على مكامن التقاء الممارسات والإستراتيجيَّات الإماراتيَّة مع الممارسات والإستراتيجيَّات السُّعوديَّة، ومدى تقاطعها معها، وأثر ذلك على سير عمليَّات “التَّحالف العربي” في اليمن -بشكل خاصٍّ، وعلى أمن المنطقة بشكل عامٍّ.
وجاء الفصل الثَّاني لدراسة علاقة النِّظام الحاكم في الإمارات بالأطراف السِّياسيَّة اليمنيَّة، مِن خلال إعادة قراءة علاقة الإمارات بالشَّرعيَّة اليمنيَّة، ومؤسَّساتها المختلفة (الرِّئاسة، ومجلس النُّوَّاب، ومجلس الوزراء)، وبيان العلاقة بينها، ثمَّ بيان العلاقة بين الإمارات والأحزاب السِّياسيَّة اليمنيَّة الموالية للشَّرعيَّة، وعلى رأسها: المؤتمر الشَّعبي العام، والتَّجمُّع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، والكيانات السِّياسيَّة السَّلفيَّة، ثمَّ العوامل المؤثِّرة في علاقة الإمارات بهذه الأطراف.
كما ناقش الفصل الثَّالث علاقة الإمارات بالتَّشكيلات المسلَّحة غير الرَّسميَّة في اليمن، مِن خلال تحليل العلاقة بين الإمارات والأحزمة والنُّخب الأمنيَّة والعسكريَّة والقوَّات المشتركة (حرَّاس الجمهوريَّة/ ألوية العمالقة/ المقاومة التَّهاميَّة)، ودور الإمارات في تأسيسها، والأهداف الحقيقيَّة مِن ورائها، والمحاولات الإماراتيَّة لتشكيل أحزمة أمنيَّة في بقيَّة المحافظات المحرَّرة. كما ناقش هذا الفصل علاقة الإمارات بالجماعات الدِّينيَّة (السَّلفيِّين/ القاعدة) والتَّخادم بين الإمارات ومليشيا “أنصار الله” الحوثيَّة.
وتطرَّق الفصل الرَّابع للممارسات الإماراتيَّة في اليمن، في ضوء تقارير المؤسَّسات الدُّوليَّة، وخصوصًا ما يتعلَّق بالوجود العسكري الإماراتي في الجزر اليمنيَّة، أو علاقة الإمارات بالسُّجون غير القانونيَّة في اليمن، وأوضاع هذه السُّجون، وأوضاع السُّجناء، إضافة إلى علاقة الإمارات بالشَّركات الأمنيَّة الخاصَّة ودورها في الانتهاكات.
نأمل أن تشكِّل هذه الدِّراسة مفتاحًا لمعرفة الواقع اليمني الحالي، فيما يتعلَّق بزاوية الوجود الإماراتي في اليمن، كما هي عليه في الواقع، وأن تكون كاشفة للحقيقة كما هي، مِن خلال الأدوات البحثيَّة الجادة، والمنهجيَّة الموضوعيَّة الَّتي اتَّبعتها الدِّراسة.