إنهاء الحرب في اليمن بين أماني الدَّاخل وإملاءات الخارج لمن القرار؟
Getting your Trinity Audio player ready... |
أصبح الحديث عن ضرورة إنهاء الحرب التي شنَّها “التَّحالف العربي”، بقيادة السُّعودية، منذ 26 مارس 2015م، في سبيل استعادة “الشَّرعية”، أمرًا مطروحًا مِن عدَّة أطراف محلِّية، وإقليمية، ودولية، بالإضافة إلى توجُّهات الأمم المتَّحدة بهذا الشَّأن؛ خاصَّة وأنَّ الحرب التي أدارها “التَّحالف العربي”، منذ 26 مارس 2015م، أدَّت إلى القضاء على ما تبقَّى مِن مظاهر الدَّولة، وعزَّزت وجود مليشيَّات مسلَّحة خارج سيطرة الحكومة، وفشلت في القضاء على انقلاب صنعاء الذي قامت به جماعة الحوثي، في 21 سبتمبر 2014م، بالتَّحالف مع الرَّئيس الرَّاحل، علي عبدالله صالح، والقوَّات الموالية له، وتسبَّبت في خلق أكبر أزمة إنسانية في العالم، بعد أن دمَّرت الاقتصاد ومزَّقت المجتمع، وباتت تهدِّد وحدة اليمن واستقراره.
هذه الورقة تناقش مدى إمكانية إيقاف الحرب في اليمن في ظلِّ المساعي الإقليمية والدُّولية والأممية؟ وما هي الصِّيغة التي سيتمُّ إيقاف الحرب بها؟ وإلى أيِّ مدى سيكون لليمنيِّين تأثير في تلك الصِّياغة؟
دعوات إيقاف الحرب:
دعوات أممية لإيقاف الحرب:
ظلَّت الدَّعوة إلى إيقاف الحرب في اليمن مطلبًا أمميًّا حاضرًا، على مختلف الصُّعد. فقد دعا الأمين العام للأمم المتَّحدة، “أنطونيو غوتيريش”، في وقت مبكِّر جدًّا، إلى إنهاء “الحرب العبثية” في اليمن، إذ وصف -في تصريح لمحطَّة “سي. إن. إن.”، في 10 ديسمبر 2017م- الحرب في اليمن بأنَّها “حرب عبثية”، مضيفًا بأنَّ ما نحتاج إليه هو “حلٌّ سياسي”؛ وأعرب عن آماله في أن يرفع “التَّحالف”، حصاره على مرافئ اليمن ومطار صنعاء. ودعت منظَّمة الصِّحَّة العالمية، في 3 أغسطس 2018م، أطراف الصِّراع في اليمن إلى وقف إطلاق النَّار، للسَّماح بالتَّطعيم ضدَّ الكوليرا، محذِّرة مِن عودة تفشِّي الوباء.
كما أكَّد المبعوث الأممي إلى اليمن، “هانس غروندبرغ”، في 18 أكتوبر الماضي، على أهمية إنهاء العنف في اليمن، والدُّخول في عملية سياسية شاملة، تنهي الحرب والمعاناة الإنسانية، وتُعيد الأمن والاستقرار لليمن والمنطقة.
وفي 2 يناير 2022م، دعت منظَّمة الأمم المتَّحدة للطُّفولة (اليونيسف) إلى وقف الحرب في اليمن، حتَّى يستطيع الأطفال عيش طفولتهم.
دعوات دولية لإيقاف الحرب:
كان لوصول الحزب الدِّيمقراطي للبيت الأبيض، وتولِّي “جو بايدن” رئاسة الحكومة الأمريكية، أثر في تعزيز هذا الطَّرح، خاصَّة وأنَّ سياسته اعتمدت على إنهاء دور الولايات المتَّحدة الأمريكية في العمليَّات الهجومية في اليمن، وإيقاف صفقات الأسلحة المرتبطة بذلك. وقد صرَّح عن توجُّهه هذا بشكل واضح، في 4 فبراير 2021م، بقوله: “الحرب في اليمن يجب أن تتوقَّف”، وتوجيهه “بفرض هدنة”. ودعت الولايات المتَّحدة، في 8 مايو 2021م، إلى أهمية إجماع دولي في مجلس الأمن لإنهاء الحرب في اليمن، وفق بلاغ لوزارة الخارجية. وقد قام الرَّئيس “جو بايدن”، مطلع فبراير 2022م، بتعيين الدُّبلوماسي ” تيموثي ليندركينغ” مبعوثًا خاصًّا له إلى اليمن، مِن أجل إنهاء الحرب.
مِن جهته، صوَّت البرلمان الأوربِّي، في 11 فبراير 2021م، بالأغلبية على قرار يدعو لإنهاء الحرب في اليمن، مشدِّدًا على أنَّه لا حلَّ للأزمة في اليمن إلَّا عبر المفاوضات بين أطراف الأزمة. كما شدَّد وزراء خارجية كلٍّ مِن: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والولايات المتَّحدة الأمريكية، في 19 فبراير 2021م، على الحاجة الملحَّة إلى إنهاء الحرب في اليمن، وجدَّدوا تأكيد التزامهم الثَّابت بأمن شركائهم الإقليميين، وأعربوا -خلال اجتماع عُقِد في باريس- عن تصميمهم المشترك على العمل مِن أجل تخفيف حدَّة التَّوتر في منطقة الخليج، والعمل معًا بشكل وثيق لدعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة، “مارتن غريفيث”، لإنهاء الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية. ومِن جهتها عيَّنت حكومة السُّويد “بيتر سيمبني” مبعوثًا خاصًّا بها إلى اليمن، بهدف متابعة الملفِّ اليمني، والضَّغط على الأطراف المختلفة باتِّجاه حلِّ الأزمة الرَّاهنة، والبدء في عمليَّة سلام تشارك فيها جميع أطراف الصِّراع المحلِّية.
كما لم يخف السَّفير البريطاني لدى اليمن، “ريتشارد أوبنهايم”، خلال جلسة نقاش نظَّمتها مؤسَّسة “تمدين شباب”، مطلع شهر مايو 2022م، عن مشروع قرار بريطاني بديل عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، مؤكِّدًا أنَّ مجلس الأمن سيكون جاهزًا لإصدار القرار الجديد عندما تكون هناك توافقات حقيقية حول تسوية سياسية بين الأطراف في اليمن.
دعوات إقليمية لإيقاف الحرب:
إقليميًّا، وفي ظلِّ المطالب الأممية والدُّولية المتزايدة بإيقاف الحرب، أعلن وزير الخارجية السُّعودية، الأمير فيصل بن فرحان، في 22 مارس 2021م، عن مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن، موضحًا -خلال مؤتمر صحفي بالرِّياض- أنَّ المبادرة تدعو لوقف شامل لإطلاق النَّار، تحت مراقبة الأمم المتَّحدة.
ودعت إيران الأمم المتَّحدة إلى العمل على وقف الحرب في اليمن، وأعلنت دعمها تسوية سياسية مِن شأنها وقف الصِّراع المستمرِّ منذ أكثر مِن سبع سنوات؛ وقالت الخارجية الإيرانية -في بيان لها، في 28 يناير 2022م: إنَّ وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللِّهيان، أكَّد -في اتِّصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتَّحدة، “أنطونيو غوتيريش”- دعم طهران الحل السِّياسي لإنهاء الحرب في اليمن. وتأتي هذه الدَّعوة مِن قبل إيران رغم دعم طهران لجماعة الحوثي، وتقديم الإسناد والإمداد لها طيلة سنوات الحرب.
كما دعت دولة قطر، في 7 مارس 2021م، على لسان وزير خارجيَّتها، الشيخ محمَّد بن عبدالرحمن آل ثاني، إلى ضرورة إنهاء الحرب في اليمن، وتبنِّي الحوار والحلِّ السِّياسي، مجدِّدًا -خلال استقباله نظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك في الدُّوحة- موقف قطر الثَّابت في دعم “الشَّرعية”، ووحدة وأمن وسلامة أراضي اليمن.
وتسعى سلطنة عُمان عبر جهودها الخاصَّة للوساطة بين الأطراف المحلِّية والإقليمية، بغية إيقاف الحرب في اليمن، والدُّخول في سياق الحلول السِّياسية والتَّوافق بين الأطراف المختلفة. وهي تحتضن اللِّقاءات والحوارات المتبادلة بين الأطراف المحلِّية مِن ناحية، والأطراف الإقليمية مِن ناحية أخرى. ولا تزال الوفود العُمانية تتردَّد على العاصمة صنعاء لعقد مباحثات مع قيادات جماعة الحوثي حول إنهاء الأزمة اليمنية، ونقل الآراء والأفكار المقترحة مِن الجانب السُّعودي، والأطراف الدُّولية.
وكانت صحيفة “عُمان اليوم” كشفت -في افتتاحيَّتها، في 7 يونيو 2021م- عن “توافق إقليمي ودولي، مفاده أنَّ إنهاء الحرب الدَّائرة في اليمن يأتي ضمن حزمة المتغيِّرات التي ستشهدها المنطقة خلال الأشهر القادمة”؛ وقالت: إنَّ “الحرب في اليمن هذه الأيام تحظى بزخم دبلوماسي إقليمي وعالمي ساهم في تسليط الضَّوء كثيفا على القضية اليمنية وتطوُّراتها ومسارات الحلِّ فيها، كما أنَّه مارس ضغطًا كبيرًا على الكثير مِن الدُّول المنخرطة في أزمة الحرب المشتعلة منذ عام 2014م”؛ وأكَّدت الصَّحيفة أنَّ “الأيَّام القادمة حبلى بالكثير مِن التَّفاصيل التي يمكن أن تنهي معاناة الشَّعب اليمني”، وأشارت إلى أنَّ سلطة عُمان “تشهد هذه الأيَّام حراكًا دبلوماسيًّا داعمًا، ضمن الحراك الدُّولي، مِن أجل إنهاء الحرب في اليمن”.
أطراف محلِّية دعت لإيقاف الحرب:
أمَّا محلِّيًّا، فلا تزال أصوات مختلف اليمنيين تتداعى لإنهاء الحرب القائمة اليوم نظرًا لوصولها في ظلِّ قيادة دول “التَّحالف” إلى طريق مسدود، ونتائج سلبية لا تتَّفق مع الأهداف التي أعلن عنها “التَّحالف”، عند انطلاق عمليَّات “عاصفة الحزم” العسكرية، في 26 مارس 2015م.
فقد طالب رئيس مجلس الشُّورى، أحمد عبيد بن دغر، ونائب رئيس مجلس النُّوَّاب، عبدالعزيز جباري، في بيان مشترك لهما، في 30 نوفمبر 2021م، بإنهاء الحرب فورًا، داعين إلى تحالف وطني جديد يعمل على ذلك، واصفين وضع البلاد بالكارثي، مضيفين بأنَّ الوضع ليس كلُّه مِن “صنع اليمنيين، لكنَّ علاجه يتوقَّف على اليمنيين”، وقال البيان: إنَّ الخيار العسكري انتهى “إلى طريق مسدود، يكاد يعلن عن نفسه بالفشل”.
كما سبق أيضًا للرَّئيس اليمني الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمَّد، أن دعا إلى إيقاف الحرب، في ندوة عقدها حزب التجمع الوطني التَّقدُّمي الوحدوي، في القاهرة، في مارس 2018م؛ مؤكِّدًا أنَّه لا حسم عسكري للحرب الدَّائرة؛ وقال: إنَّ الحلَّ الوحيد لهذه الحرب التي يدفع الشَّعب اليمني ثمن أوزارها هو إيقافها فورًا والشُّروع في الحوار بين أطراف الصِّراع.
كما أشار مستشار الرَّئيس عبدربِّه منصور هادي، الدُّكتور عبدالعزيز المفلحي، في 27 مارس 2020م، إلى أنَّ الوضع أصبح صعبًا، فإمَّا وضع السِّلاح أو الاتِّجاه إلى الكارثة؛ ودعا -في تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية- كلَّ الفرقاء والمتقاتلين إلى أن يضعوا السلاح جانبًا.
وطالبت النَّاشطة السِّياسية، توكُّل كرمان، منذ وقت مبكِّر (في 25 يناير 2021م)، بإيقاف الحرب في اليمن، ودعت إلى حشد ضغط دولي، بقيادة الولايات المتَّحدة، على أمراء الحرب وقادتها، في “التَّحالف” السُّعودي الإماراتي، وميليشيات الانقلاب الحوثي في صنعاء.
دعوات دينية لإيقاف الحرب:
في 9 نوفمبر 2021م، دعا “الاتِّحاد العالمي لعلماء المسلمين” إلى العمل على إيقاف الحرب في اليمن، وإيجاد حلٍّ يحقِّق لليمنيِّين الكرامة والاستقرار. وناشد الاتِّحاد على لسان أمينه العام، الشَّيخ علي قرَّة داغي، “العالم العربي والإسلامي، بل والعالم الحرَّ، والضَّمير الحي أجمع، للوقوف مع الشَّعب اليمني في محنته حتَّى يخرج مِنها، بما يحفظ كرامته ووحدته وعزَّته، ودعمهم سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وإغاثيًّا وصحِّيًّا”، كما حثَّ الأمم المتَّحدة والدُّول الإسلامية والعربية على العمل لإيقاف الجرائم الواقعة، و”التي تصل إلى جرائم حرب ضدَّ الإنسانية.
وسبق لبابا الكنيسة الكاثولوكية، “فرنسيس”، أن دعا لإنهاء الحرب في اليمن، وإحلال السَّلام فيه، وقبيل زيارته لدولة الإمارات العربية المتَّحدة بساعات، في فبراير 2019م، قائلًا: “إنَّ صرخات الأطفال والآباء في اليمن ترتفع إلى الله”.
السِّياقات:
تأتي هذه الدَّعوات الأممية، والدُّولية، والإقليمية، والمحلِّية، في ظلِّ سياقات عدَّة:
- السِّياق المحلِّي: المتمثِّل في توازن القوى، ما جعل الصِّراع يدور في حلقة مفرغة دون حسم أيِّ طرف ضدَّ الآخر، مع تعدُّد الأقطاب وتفتُّت الجبهات، وتراجع إمكانية الحسم عند كافَّة الأطراف؛ خاصَّة بين الحكومة الشَّرعية وجماعة الحوثي. هذا فضلًا عن أنَّ “المجلس الانتقالي” الجنوبي لم يتمكَّن خلال أربع سنوات مِن إتمام بسط نفوذه على المحافظات الشَّرقية والجنوبية، ليُعلن “الانفصال” كما تبنَّاه في أدبيَّاته وتصريحاته. هذا إلى جانب انهيار الجانب الاقتصادي في البلاد، والذي قد ينذر بثورة جياع هنا أو هناك، تخرج عن السَّيطرة والتَّحكُّم في بلد يتوفَّر فيه السِّلاح بكلِّ سهولة.
- السِّياق الإقليمي: والمتمثِّل في الوضع الأمني القلق الذي باتت تعاني مِنه دولتا “التَّحالف العربي” نتيجة الهجمات التي قامت بها جماعة الحوثي داخل أراضيها، وعلى مواقع حيوية وإستراتيجية، مِن خلال الطَّيران المسيَّر والصَّواريخ الباليستية، في ظلِّ انسحاب منظومة الدِّفاع الجوي وتراجع الولايات المتَّحدة عن التزاماتها الأمنية تجاه دول الخليج. هذا فضلًا عن الأوضاع الدَّاخلية للنِّظام الإيراني نتيجة استمرار الاحتجاجات الشَّعبية التي باتت تضعف مِن حالة استقرار النِّظام، وتمنح السُّعودية هامشًا مِن التَّفاوض مع جماعة الحوثي لصالح قطع علاقاتها مع طهران في مقابل تقديم الدَّعم والإسناد لها بديلًا عن طهران.
- السِّياق الدُّولي: والمتمثِّل في مضاعفات الأزمات الدُّولية على مستوى الحرب الرُّوسية- الأوكرانية، وعلى مستوى التَّوتُّرات الصِّينية- الأمريكية، وما نتج عنهما مِن تحدِّيَّات وتهديدات على مستوى الأمن الدُّولي والطَّاقة وطرق التِّجارة العالمية. فبقاء الصِّراع في اليمن وتهديد الممرَّات المائية سيصعِّب مِن حركة ناقلات النَّفط وسفن التِّجارة والسُّفن الحربية، وهو ما جعل الغرب يتِّجه لفرض قوَّة الواجب البحرية المختلطة (CTF-150)، والتي تأسَّست عام 2002م؛ وهي إحدى أربع قوَّات واجب تعمل تحت قيادة القوَّات البحرية المشتركة (CMF)، في الأسطول الأمريكي الخامس بمملكة البحرين، حيث تتمثَّل مهامها في تنفيذ عمليَّات أمنية بحرية في مناطق عمليَّات واسعة، تقدَّر بحوالي (200) مليون متر مربع، تشمل خليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، بغرض مكافحة “الإرهاب”، والأنشطة الدَّاعمة له، وللمساعدة في ضمان حرِّية الملاحة الدُّولية، وتدفُّق التِّجارة الدُّولية بأمن وأمان.
التَّداعيات:
كان نتاج هذه الدَّعوات والمطالب، الأممية والدُّولية والإقليمية والمحلِّية، الرَّسمية والشَّعبية، عدَّة أمور:
1- تنافس كلٍّ مِن السُّعودية والإمارات على تعزيز نفوذهما في المحافظات الجنوبية، وفرض القوى الموالية لهما، وصبغ الشَّرعية عليها، خلال محطَّات عدَّة، والسَّعي في القضاء على أيِّ قوَّة مناهضة لنفوذهما، على المستوى السِّياسي والعسكري والاجتماعي.
2- إعلان السُّعودية، مِن جانب واحد، وعلى لسان وزير خارجيَّتها، الأمير فيصل بن فرحان، عن مبادرة تدعو لوقف شامل لإطلاق النَّار في اليمن، تحت مراقبة الأمم المتَّحدة، وتأكيدها تنفيذه فورًا عند موافقة الحوثيين على المبادرة، وذلك في 22 مارس 2021م. وفي حين أكَّدت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا دعمها للمبادرة، أعلنت جماعة الحوثي عن رفضها للمبادرة كونها لم تأتِ بجديد.
3- الإعلان عن هدنة مؤقَّتة، جرت بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، مدَّتها شهران، قابلة للتمديد، في 2 أبريل 2022م، وذلك برعاية الأمم المتَّحدة. وتضمَّنت الهدنة “وقف جميع العمليَّات العسكرية الهجومية، البرِّية والجوِّية والبحرية، داخل اليمن وخارجه، وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض”. وقد جرى تمديدها لمرَّتين، لمدَّة شهرين في كلٍّ مِنهما.
4- إزاحة عبدربِّه منصور هادي، عن الرِّئاسة، وتشكيل “مجلس قيادة رئاسي”، بضغوط سعودية إماراتية، بإعلان دستوري نصَّ على تفويض الرَّئيس “هادي” كلَّ صلاحيَّاته، وصلاحيَّات نائبه، لمجلس قيادة رئاسي يضمُّ قيادات مختلفة، مِن بينها قيادات تتزعَّم مليشيَّات مسلَّحة جرى تشكيلها خارج القانون ومؤسَّسات الدَّولة. ونصَّ الإعلان، في المادَّة (7)، حول الحلِّ السِّياسي الشَّامل، على أن “يتولَّى مجلس القيادة الرِّئاسي التَّفاوض مع (أنصار الله) الحوثيين، لوقف إطلاق نار دائم، في كافَّة أنحاء الجمهورية، والجلوس على طاولة المفاوضات للتَّوصُّل إلى حلٍّ سياسي نهائي وشامل، يتضمَّن مرحلة انتقالية، تنقل اليمن مِن حالة الحرب إلى حالة السَّلام”.
5- إجراء جولات مِن المفاوضات بين السُّعودية وجماعة الحوثي، بالتَّوازي مع مباحثات إقليمية ودولية متسارعة، إذ تردَّد على زيارة صنعاء خلال شهري ديسمبر الماضي، ويناير الماضي، وفد عُماني وسيط بين دولتي “التَّحالف”، السُّعودية والإمارات، وجماعة الحوثي، بهدف وضع اللَّمسات الأخيرة على الاتِّفاق. ولولا تعنُّت الحوثيين كما أشار المبعوث الأممي لجرى الاتِّفاق بين السُّعودية وجماعة الحوثي. وقد قال المبعوث الأمريكي إلى اليمن، في كلمة افتتاحية بمؤتمر خاصٍّ باليمن، عُقِد بالعاصمة واشنطن، في 9 يناير 2023م: إنَّهم يعملون مع سلطنة عُمان، وينخرطون مع السُّعودية لإنهاء الحرب، منبِّهًا إلى أنَّ الواقع “معقَّد جدًّا”، ولفت إلى أنَّ “مطالبات الحوثيين هي ما أدَّت إلى تفاقم الصِّراع، وفشل جهود الهدنة”.
المفاوضات السُّعودية الحوثية لإنهاء الحرب:
في 6 نوفمبر 2019م، أعلن مسئول سعودي، عن وجود “قناة مفتوحة” مع جماعة الحوثي منذ 2016م، لدعم إحلال السَّلام في اليمن، وأكَّد للصَّحفيِّين أنَّ بلاده لا تُغلِق أبوابها مع الحوثيين. وكان هذا أوَّل تأكيد لمصدر سعودي مسئول عن وجود اتِّصالات ومحادثات مع جماعة الحوثي منذ وقت مبكِّر للحرب.
وفي اليوم التَّالي، 7 نوفمبر 2019م، أكَّد مصدر مُقرَّب مِن جماعة الحوثي عقد محادثات غير معلنة، بين الجماعة والسُّعودية، في مسعى لإنهاء الحرب في اليمن؛ ونقلت وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ.) عن المصدر قوله: هناك محادثات سرِّية تجرى بين قيادة الحوثيين ومسئولين سعوديين رفيعي المستوى، في العاصمة العُمانية (مسقط)، عن طريق وسطاء. موضحًا أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية، والمبعوث الأممي “مارتن غريفيث”، والصَّليب الأحمر، ورئيس الوزراء الباكستاني عُمران أحمد خان، ضمن الوسطاء في هذه المحادثات؛ كما نوَّه بأنَّ هناك عدَّة ملفَّات تمَّ وضعها خلال المباحثات للوصول إلى حلٍّ نهائي للأزمة اليمنية.
استمرَّت هذه المباحثات والاتِّصالات وصولًا إلى الوقت الرَّاهن، وكانت عدَّة مصادر قد ذكرت توصُّل السُّعودية وجماعة الحوثي إلى اتِّفاق مشترك، في سبيل إيقاف الحرب، في نقاط عديدة تعهَّد بها الطَّرفان لبعضهما البعض؛ وأنَّ المباحثات التي تجري في كلٍّ مِن صنعاء ومسقط بوساطة عُمانية آتت ثمارها مع وجود ضغوط دولية على الطَّرفين للسَّير في المفاوضات قدُمًا. وقد كشف وزير الخارجية السُّعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عن تحقيق تقدُّم صوب إنهاء -ما وصفها بـ- “حرب اليمن”، خلال حديثه بإحدى جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في “دافوس”، في 19 يناير الماضي (2023م).
وقال تقرير صادر عن “مجموعة الأزمات الدُّولية”: إنَّ إنهاء القتال في اليمن يعتمد غالبًا على مسار المباحثات الحوثية – السُّعودية، التي يسَّرتها سلطنة عُمان. وأضاف أنَّ على السُّعودية ضمان أنَّ أيَّ اتِّفاق مع جماعة الحوثي سيؤدِّي إلى إعادة توجيه المفاوضات نحو الأمم المتَّحدة؛ مؤكِّدة أنَّه يجب على الأمم المتَّحدة والقوى الخارجية دفع السُّعوديين والحوثيين إلى العثور على أرضية مشتركة، بينما يستعدُّون لمحادثات متعدِّدة الأطراف، وتوضيح أنَّ اتِّفاقًا حوثيًّا- سعوديًّا بحدِّ ذاته لا يحقِّق السَّلام في البلاد.
ورغم اللِّقاءات والزِّيارات المتبادلة والمباحثات إلَّا أنَّها انتهت إلى الفشل بحسب مصادر مختلفة، نتيجة تعنُّت جماعة الحوثي في مطالبها، وتمسُّكها بأجنداتها الخاصَّة؛ وهو ما أعاد جهود مبعوث الأمم المتَّحدة، والمبعوث الأمريكي، للصَّدارة.
وقد جاء الحديث عن المباحثات السُّعودية- الحوثية في ظلِّ توتُّر أمني تشهده المنطقة، عقب تحذير أمريكي وأوربِّي، وحتَّى مِن رئيس الوكالة الدُّولية للطَّاقة الذَّرِّية، مِن أنَّ إيران قد تصل إلى مستوى 90% مِن اليورانيوم المخصَّب في غضون أسابيع قليلة، ما يعني إمكانية الوصول لإنتاج قنبلة ذرِّية. فقد
وكان الجيش الإسرائيلي قد أجرى مناورة جوِّية مشتركة، مع الجيش الأمريكي، لمحاكاة الهجمات على إيران ووكلائها، في نوفمبر الماضي (2022م). ومِن جهته حذَّر رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” الأسبق، “زوهار بالتي”، مِن أنَّ إيران على بعد أيَّام إلى أسابيع مِن الحصول على “قنبلة نووية”، وأن بلاده يجب أن تستعدَّ لهجوم “وشيك” على المنشآت النَّووية الإيرانية، وذلك في مقابلة نشرتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، في 25 ديسمبر الماضي (2022م).
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو”، حدَّد ثلاثة أهداف لحكومته، بينها منعُ إيران مِن امتلاك سلاح نووي؛ في حين طلبت وزارة الدِّفاع الإسرائيلية مطلع يناير الماضي رفع ميزانيَّتها تحضيرًا لاحتمال ضرب إيران؛ وقد قال، في وقت سابق، قائد أركان الجيش الإسرائيلي، “أفيف كوخافي”: إنَّ قوَّاته حسَّنت جاهزيَّتها لضرب أهداف نووية إيرانية؛ مؤكِّدًا أنَّ مستوى الاستعداد لعملية ضدَّ إيران قد تحسَّن بشكل كبير.
وذكر موقع “ولاه” الإسرائيلي، في يناير الماضي، أنَّ سلاح الجو في جيش الاحتلال الإسرائيلي بدأ مؤخَّرًا بشراء وصيانة مقاتلات حربية وطائرات شحن مِن الولايات المتَّحدة، مشيرًا إلى أنَّ هذا الأمر “جزء مِن الاستعدادات الإسرائيلية المعلن عنها في أكثر مِن مناسبة، لبناء خيار عسكري مستقل، لضرب البرنامج النَّووي الإيراني”.
وقد حذَّر رئيس الوزراء القطري الأسبق، الشَّيخ حمد بن جاسم، على صفحته بتويتر، منتصف يناير الماضي، مِن “عمل عسكري” محتمل قد يهزُّ منطقة الخليج، مصحوبًا بـ”عواقب اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وخيمة”. وشهدت المنطقة حراكًا دبلوماسيًّا، وزيارات أمنية متبادلة، واجتماعات قمَّة استثنائية، حيث اجتمع قادة كلٍّ مِن الإمارات العربية المتَّحدة، ودولة قطر، ومملكة البحرين، وسلطنة عُمان، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية مصر العربية، في العاصمة الإماراتية (أبو ظبي)، في لقاء حمل عنوان “الاستقرار والازدهار في المنطقة”، في حين غابت عنه الكويت والسُّعودية.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت، مطلع يناير الماضي، أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو” سيزور الإمارات خلال أيَّام، في أوَّل زيارة له إلى الخارج، بعد تولي حكومته مهامها رسميًّا؛ وقالت القناة الإسرائيلية (14): إنَّ نتنياهو سيتوجَّه إلى الإمارات على رأس وفدٍ يضمُّ رئيس مجلس الأمن القومي الجديد، “تساحي هنغبي”، وعددًا مِن الوزراء. وأضافت أن المحادثات مع المسئولين الإماراتيين ستركِّز على توطيد العلاقات الثُّنائية وملفِّ إيران.
ويأتي هذا التَّهديد بضرب إيران في ظلِّ استمرار المظاهرات والاحتجاجات المستمرَّة في المدن والقرى الإيرانية، مطالبة بإسقاط النِّظام، إذ باتت حكومة طهران واقعة تحت ضغوط داخلية متصاعدة، خاصَّة في ظلِّ التَّدهور الاقتصادي. فضلًا عن ذلك، هناك سخط غربي على النِّظام الإيراني في مواقفه الدَّاعمة لروسيا في حربها ضدَّ أوكرانيا، وقيامها بتزويدها بطائرات مسيَّرة وعتاد عسكري.
هذه المعطيات تدفع السُّعودية لمحاولة شراء ولاء جماعة الحوثي، وقطع صلتها بإيران، وإقناعها بجدوى الانخراط معها في تشكيل المشهد اليمني بتوافقات خاصَّة بين الطَّرفين. كما أنَّها تفسِّر تراخي جماعة الحوثي عن الهجوم عسكريًّا وإعلاميًّا ضدَّ السُّعودية وانصرافها للشُّئون الدَّاخلية وتقويَّة موقفها أمام خصومها.
مؤتمر واشنطن في مواجهة “التَّحالف”:
سعى “التَّحالف العربي” خلال الفترة الماضية إلى إقصاء كافَّة القوى اليمنية، والانفراد بتشكيل المشهد، بعيدًا عن المؤسَّسات الدُّستورية والقانونية، متمسِّكًا بغطاء “الشَّرعية” التي استخدمها لتمرير أجنداته الخاصَّة وفرض توجُّهاته السِّياسية والعسكرية. وظلَّت السَّاحة اليمنية خلال فترة الحرب محكومة بإرادتين: جماعة الحوثي التي تصدَّرت مشهد مقاومة ما وصفته بـ”العدوان” السُّعودي، و”التَّحالف” الذي تصدَّر مشهد مقاومة ما وصفه بـ”العدوان” الإيراني، وتحكَّم بجميع الأطراف اليمنية. واليوم يجري الاتِّفاق بين طرفي الصِّراع بعيدًا عن أي دور للقوى السِّياسية والاجتماعية اليمنية التي سُلِبت القرار، في ظلِّ تبعية “مجلس القيادة الرِّئاسي” والحكومة اليمنية لإرادة “التَّحالف”.
وفيما تسابق المملكة العربية السُّعودية الزَّمن في سبيل تحقيق اتِّفاق بينها وبين جماعة الحوثي، بعيدًا عن أنظار الأطراف اليمنية، وبوساطة عُمانية، بهدف إنهاء الحرب، وضمان سلامة أراضيها عُقِد في العاصمة الأمريكية “واشنطن”، مؤتمر دولي حول اليمن، ناقش فيه المشاركون سبل إنهاء الحرب الجارية منذ ثمان سنوات، وإحلال السَّلام الدَّائم والدِّيمقراطية، وتحقيق العدالة الانتقالية، وإعادة بناء اليمن. وقد انطلقت أعمال المؤتمر، في 9 يناير الماضي، تحت عنوان “نحو سلام وديمقراطية مستدامين في اليمن”، وبمشاركة نخبة مِن السِّياسيِّين اليمنيِّين، والباحثين والمسئولين الغربيين، وعلى رأسهم المبعوث الأمريكي إلى اليمن، “تيم ليندركينغ”. وتضمَّن المؤتمر أربع جلسات نقاش لتقييم مواضيع تتعلَّق بالوضع الرَّاهن في اليمن، وتحقيق السَّلام الدَّائم والدِّيمقراطية، والعدالة الانتقالية، ودور المجتمع الدُّولي.
المؤتمر الذي استضاف خمسة متحدِّثين رئيسيين، هم: نائب رئيس مجلس النُّواب اليمني، عبدالعزيز جباري، ووزير الخارجية اليمنية الأسبق، خالد اليماني، ووزير النَّقل اليمني الأسبق، صالح الجبواني، ومحافظ سقطرى السَّابق، رمزي محروس، وعضو مجلس الشُّورى اليمني، عصام شريم، عُقِد بالتَّوازي مع المساعي السُّعودية للاتِّفاق مع جماعة الحوثي لن يكون المبادرة الأولى ولا الأخيرة، فهناك مبادرات مختلفة جرى إطلاقها خلال الفترة القصيرة الماضية، منادية بضرورة إيقاف الحرب التي يشنُّها “التَّحالف العربي” في اليمن، باعتبارها -حسب وصفهم- “حربًا عبثية”، “فقدت شرعيَّتها”، و”انحرفت عن مسارها”.
هذا التَّوجُّه دفع نخبًا يمنية عدَّة للحراك باتِّجاه تقديم رؤية مغايرة لما يريد “التَّحالف” تمريره على اليمنيِّين، دون الرُّجوع إليهم، ودون ملاءمته لطموحاتهم ومطالبهم. وقد جاء مؤتمر واشنطن ليقتنص فرصة إصرار الإدارة الأمريكية على جعل عام 2023م، هو عام إيقاف الحرب في اليمن؛ وهو ما أعرب عنه المبعوث الأمريكي إلى اليمن، “تيم ليندركينج”، في افتتاح المؤتمر، بأنَّ بلاده “ملتزمة” بإيجاد حلٍّ للأزمة، رغم عدم وضوح تصوُّرات التَّوصُّل إلى السَّلام، وأنَّها تعتقد أنَّ عام 2023م سيقدِّم فرصة لإنهاء الصِّراع بشكل نهائي.
وقد عبَّرت توكُّل كرمان، في كلمتها بالمؤتمر، عن ضرورة إيقاف “الحرب القبيحة”، حسب تعبيرها، والتي استمرَّت لثمان سنوات، وأضافت “نحن هنا اليوم للتَّعريف بشروط إنهاء هذه الحرب”، وأنَّ “الحرب لن تنتهي في اليمن بصفقات بين قادة الحرب، والمعادلة بينهم ومشغليهم”. وقالت: إنَّ مِن المهم أن تنتهي الحرب “بضمانات لإعادة الجمهورية وسيادتها، ورفض أيِّ اتِّفاق سلام يؤذي وحدة اليمن”، مع ضرورة “إقامة نظام ديمقراطي”. وقالت “كرمان”: إنَّ استمرار الأسلوب القائم في التَّعامل مع الملفِّ اليمني مِن قبل المجتمع الدُّولي والأمم المتَّحدة يجعل السَّلام غير ممكن؛ مشيرة إلى أنَّ جهود المجتمع الدُّولي تقود إلى أنَّ هناك رغبة واضحة بترك اليمن لمليشيا الحوثي مِن جانب، و”التَّحالف” مِن جانب آخر، والنَّتيجة أنَّ القوى العظمى والحكومات الغربية قاموا -بشكل خفي أو علني- بدعم استمرار حرب “التَّحالف” ضدَّ اليمن، واحتلاله، وهذا غير مقبول.
مِن جهته، قال نائب رئيس مجلس النُّواب، عبدالعزيز جباري: إنَّ السُّعودية لم تقطع يد إيران، بل دمَّرت مقدَّرات اليمن ومزَّقته. وأفاد أنَّه يجري تفتيت اليمن، وتشكيل مجموعات مسلَّحة تنفِّذ توجيهات دول “التَّحالف”، ولا تتبع الجيش الوطني، وجرى إزاحة القيادات الوطنية التي تعمل لمصلحة بلادها وفرض شخصيات تنفِّذ ما يطلب مِنها، وأنَّ تمَّ الوصول إلى إزاحة رئيس الدَّولة بطريقة غير دستورية. وقال وزير النَّقل السَّابق، صالح الجبواني: إنَّ “التَّحالف العربي”، السُّعودي الإماراتي، أصبح طرفًا في الصِّراع، بعد أن كان داعمًا ومساندًا لـ”الشَّرعية” اليمنية، وأنَّه لم يعد معنيًّا بالحرب مع جماعة الحوثي منذ توقيع الهدنة معها، في أبريل 2022م، وأغلب الظَّنِّ أنَّ الحرب بين جماعة الحوثي والسُّعودية والإمارات قد انتهت، ومهمَّة “التَّحالف” الحالية هي تقاسم مناطق النُّفوذ في جنوب اليمن، ورعاية جيوب في الشَّمال لإشغال الحوثيِّين، وجعل سيطرتهم منقوصة على الجغرافيا الشَّمالية، لإبقاء الجرح اليمني مفتوحًا على كلِّ الاحتمالات، وإعادة تشكيل اليمن بما يخدم أهدافهما في تقسيم البلاد وتقاسمها. أمَّا وزير الخارجية الأسبق، خالد اليماني، فقد قال: إنَّ المشهد السِّياسي والاجتماعي والإنساني، مع بداية العام التَّاسع للحرب، يشكِّل مواصلة لحالة السُّقوط الحرِّ في هاوية سحيقة؛ منتقدًا تشكيل مجلس القيادة الرِّئاسي، وأدائه وإدارته للملفَّات المختلفة.
هذه اللُّغة الواضحة والموجَّهة إلى النُّخب الغربية، في العاصمة الأمريكية، ومِن شخصيَّات يمنية ذات توجُّهات مختلفة، بعضها شارك في مناصب حكومية ودبلوماسية لـ”الشَّرعية”، أثارت حفيظة الإعلام السُّعودية والإماراتي تجاهه، والذي عمل على مهاجمة المؤتمر والمنسِّقين له، فقد جاء البيان الختامي على خلاف ما ترغب به دولتا “التَّحالف”.
فقد أشار البيان الختامي لمؤتمر واشنطن إلى أنَّ عقد المؤتمر جاء نتيجة: امتداد الحرب المروِّعة ودخولها عامها التَّاسع، وما خلًّفته مِن أكثر مِن نصف مليون قتيل وجريح ومعاق ومصاب، مع انسداد الوضع العسكري والسِّياسي، وانتهاء دور الإقليم والمجتمع الدُّولي في حلِّ الأزمة، وتعنُّت الحوثيِّين وعدم تجديدهم للهدنة والتَّلويح مجدَّدًا بخيار الحرب، وانحراف دور “التَّحالف العربي” عن المهمَّة التي جاء مِن أجلها،
وأكَّد المشاركون -في البيان الختامي- على أنَّ الوصول للسَّلام الحقيقي يتطلَّب الوفاء مِن قبل الأطراف المحلِّية والإقليمية، المنخرطة في هذه الحرب، وفي المقدِّمة مِنها “التَّحالف العربي” والمجتمع الدُّولي، الالتزامات بالوحدة اليمنية، والنِّظام الجمهوري، والسِّيادة، ومشروع الدَّولة الاتِّحادية المدنية الدِّيمقراطية، كما نُصَّ على ذلك في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشَّامل؛ وعقد مؤتمر وطني يمني يضمُّ كافَّة الأطياف اليمنية، لإنتاج قيادة يمنية جديده، تعبِّر عن مصالح الشَّعب اليمني، بآليَّات تتَّفق مع روح الدُّستور اليمني، وبتوافق وطني شامل، لقيادة المرحلة القادمة، للبدء في مفاوضات السَّلام؛ في رسالة واضحة لرفض “مجلس القيادة الرِّئاسي” المعيَّن بنظر “التَّحالف العربي”، وتحت إملاءاته.
كما أكَّدوا على ضرورة سحب سلاح المليشيات، وجعل كلِّ القوَّات في إطار وزارتي الدِّفاع والدَّاخلية، للخروج مِن حالة التَّشظِّي، وأن تكون الدَّولة وحدها صاحبة الحقِّ الحصري في امتلاك السِّلاح؛ وأن تتأسَّس أيُّ تسوية سياسية مقبلة على ما تمَّ التَّوافق عليه في مخرجات الحوار الوطني الشَّامل، والذي أنتج مشروع مسوَّدة دستور الدَّولة الاتِّحادية، قبل أن يتم تقويضه بالانقلاب والحرب؛ بالإضافة إلى وجود مسار واضح للعدالة الانتقالية، باعتباره أحد سبل القضاء على مسبِّبات إعادة إنتاج الحروب.
كما شدَّد البيان الختامي على ضرورة رفع كافَّة أنواع الحصار عن الجمهورية اليمنية، بشقَّيه الدَّاخلي بين المدن الذي تفرضه الميليشيَّات، والخارجي الذي تفرضه السُّعودية والإمارات، بما فيه رفع الحظر عن تصدير الغاز والمشتقَّات النَّفطية؛ وعلى خروج كافَّة القوَّات الأجنبية مِن اليمن، وتسليم الموانئ والجزر والقواعد العسكرية الأجنبية لليمنيين.
السِّيناريوهات المحتملة:
في ظل الجهود المستمرَّة لإغلاق ملفِّ الحرب في اليمن، مِن قبل الجهات الأممية والأطراف الدُّولية، بعد ثمان سنوات أضعفت الدَّولة اليمنية، وتسبَّبت في انهيار اقتصادي، وتفكُّك اجتماعي، وتمزيق الوطن، ومع وجود مباحثات سعودية-حوثية مِن جهة، ومباحثات يقوم بها المبعوث الأممي، والمبعوث الأمريكي، مِن جهة أخرى، مع الأطراف اليمنية، فإنَّ مسار إنهاء الحرب في اليمن يتَّجه نحو عدَّة سيناريوهات:
سيناريو: إنهاء الحرب وفق رؤية “التَّحالف”:
بحيث تتمكَّن “التَّحالف العربي”، بقيادة السُّعودية، مِن عقد اتِّفاق مع جماعة الحوثي، بوساطة عُمانية، يمنحها السَّبق في تحقيق أجنداتها وأهدافها، مع تقديم تنازلات لجماعة الحوثي، في مقابل التزامات تقدِّمها الجماعة للنِّظام السُّعودي. وسوف تحرص السُّعودية على تمرير الاتِّفاق مِن خلال “مجلس القيادة الرِّئاسي” التَّابع لـ”التَّحالف”، والمرهون لتوجُّهاته.
سيناريو: إنهاء الحرب وفق رؤية المساعي الأممية والدُّولية:
وذلك في حال تمكَّنت جهود المبعوث الأممي، والمبعوث الأمريكي، مِن إقناع الأطراف اليمنية بقبول اتِّفاق يتمُّ بموجبه إنهاء الحرب بين الأطراف المتصارعة، وفق رؤية أممية (أمريكية.. بالحقيقة)، مع مراعاة مصالح القوى الأخرى، وتطمين مخاوف دول الإقليم؛ أو في حال صدر قرار مِن مجلس الأمن بفرض حالة وقف الحرب والانصياع للمباحثات بهدف الوصول إلى اتِّفاق وانتقال لعملية سياسية تنخرط فيها جميع الأطراف.
سيناريو: إنهاء الحرب وفق رؤية يمنية خالصة:
وهذا في إحدى حالتين:
الحالة الأولى: أن تتمكَّن القوى والأطراف اليمنية المتصارعة مِن تحقيق توافقات وتفاهمات بينيَّة، وصولًا إلى اتِّفاق ينهي الحرب، ويؤسِّس لعملية سياسية توافقية ومرحلة انتقالية. وهو افتراض بعيد جدًّا في ظلِّ التَّعنُّت الذي تبديه أطراف عدَّة بشأن مطالبها وأجنداتها.
الحالة الثَّانية: فرض متغيِّرٍ جديد يقضي على الانقلاب بصنعاء، مِن خلال خيار عسكري نجاز وحاسم، بهدف قطع أي مبرِّر لاستمرار الحرب؛ وأن يكون ذلك برؤية وطنية خالصة، ومستقلَّة عن أيِّ إملاءات. وهو وإن كان افتراض ممكن لكنَّه بعيد المنال، لنظرًا لتعقُّد المشهد وحمولة الخصومات بين الأطراف اليمنية المناوئة للانقلاب الحوثي.
المحدِّدات المرجِّحة:
هناك محدِّدات سياسية وعسكرية تؤثِّر في التَّرجيح بين هذه السِّيناريوهات، وتوضيح إلى أيِّ مسار يمكن أن تتَّجه الأمور بشأن إيقاف الحرب اليمن؛ ويمكن تلخيصها فيما يلي:
- قدرة “التَّحالف العربي”، بقيادة السُّعودية، في تمرير اتِّفاق مع جماعة الحوثي بشأن إنهاء الحرب، دون اعتراض مِن الأطراف اليمنية، أو المجتمع الدُّولي. إذ أنَّ أيَّ اتِّفاق مع جماعة الحوثي لا يضمن استعادة الدَّولة ووحدة البلاد وعودة الجمهورية سيكون محلَّ سخط تيَّار عريض مِن القوى السِّياسية والاجتماعية، وقد يحدث شرخًا في علاقة بعض الأطراف بـ”التَّحالف”، خاصًّة أنَّه نكث بكلِّ الوعود التي تعهَّد بها للأطراف اليمنية.
- قدرة المجتمع الدُّولي على إحداث سبق للتَّوصُّل إلى اتِّفاق بين الأطراف اليمنية، دون اعتراض “التَّحالف العربي”، مع إبقاء السُّعودية والإمارات حاضرتين في الملفِّ اليمني، وممسكتين به، خاصَّة وأنَّهما مَن تحمَّلا كلفة الحرب التي جرت خلال ثمان سنوات، وأنَّ أيَّ اتِّفاق لن يلبِّي أجندات الدَّولتين لن يحظ بقبولهما، أو بقبول الأطراف التَّابعة والموالية لهما ميدانيًّا.
- قدرة اليمنيِّين على تجاوز الأطراف الإقليمية والدُّولية لفرض معادلة تفضي إلى إنهاء الحرب، أو الدُّخول في مباحثات ومفاوضات سياسية بينيَّة، للوصول إلى توافقات. وهو محدِّد يُضعف وقوعه حجم التَّباينات والعداوات والخصومات القائمة بين الأطراف اليمنية، وارتباط عدد مِنها وظيفيًّا بقوى إقليمية أو دُّولية، وتغليبها الأجندات والأهداف الخاصَّة، وغياب كثير مِن الأحزاب السِّياسية عن المشهد لصالح القوى الميليشاوية المسلَّحة، وعدم تقديمها لأيِّ مبادرات لحلِّ الأزمة، وعدم تنديدها بالمساعي الإقليمية والدُّولية الجارية لوقف الحرب بعيدًا عن أيِّ أجندات ومصالح وطنية.
- إيقاف الدَّعم العسكري عن القوى المتصارعة، سواء مِن قبل إيران ومَن في صفِّها، أو مِن قبل دولتي “التَّحالف العربي” السُّعودية والإمارات؛ وهو ما يعني تحجيم وإضعاف قدرة هذه الأطراف على الدُّخول في صراع جديد. وهو ما بدأت تقوم به السُّفن العاملة في مجال المراقبة في خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، ومنافذ العبور الدَّاخلية مِن جهة سلطة عُمان، والتي بدأت برصد وكشف قوافل الأسلحة المهرَّبة إلى جماعة الحوثي.
السِّيناريو المرجح:
ممَّا سبق يظهر أنَّ فرصة إنهاء الحرب وفق رؤية محلِّية، وتوافق يمني- يمني، غير ممكنة؛ كما أنَّ أغلب القوى المؤثِّرة في الصِّراع مرتبطة بدول الإقليم (السُّعودية- الإمارات- إيران)، الدَّاعمة والمموِّلة لها، والمستندة عليها في تحقيق أجنداتها وأهدافها، ما يجعل دول الإقليم الأكثر تأثيرًا في قرار إنهاء الحرب أو استمرار الصِّراع، وخصوصًا دولتي “التَّحالف” (السُّعودية والإمارات)، كونهما مسنودتان مِن القوى الكبرى.
وعليه، فإنَّ السِّيناريو المرجَّح هو أنَّ إنهاء الحرب سيكون وفق رؤية “التَّحالف”، ذلك أنَّ دولتا “التَّحالف” أحكمت هيمنتها ونفوذها على المشهد اليمني، على المستوى السِّياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، مدمِّرة أيَّ مقوِّمات للدَّولة اليمنية، ومغيِّبة القوى الوطنية عن التَّأثير، في ظلِّ تشتُّتها وضعفها؛ فضلًا عن الظُّروف الدُّولية التي أتاحت لهما (السُّعودية والإمارات) فرض أجنداتهما في المنطقة مِن خلال نفوذهما الاقتصادي على المستوى العالمي، وتأثيرهما على أسواق الطَّاقة، في فترة حرجة تواجهها الدُّول الغربية في ظلِّ الحرب الرُّوسية ضدَّ أوكرانيا. ولهذا، فإنَّ المبعوث الأممي، والمبعوث الأمريكي، لم يكونا حاضرين بشكل كامل في أثناء المباحثات التي جرت بين السُّعودية مِن جهة وجماعة الحوثي مِن جهة أخرى. وهي قوَّة الواجب (CTF-151)، وقوَّة الواجب (CTF-152)، وقوَّة الواجب (CTF-153). وقد أُعلِن عنها في البيان الختامي لـ”قمَّة جدَّة للأمن والتَّنمية”، بحضور الرَّئيس الأمريكي، “جو بايدن”، وزعماء دول مجلس التَّعاون الخليجي، وكلٍّ مِن مصر والأردن والعراق. مجموعة الأزمات الدُّولية (International Crisis Group): هي منظَّمة دولية غير ربحية، وغير حكومية. تعنى بتسوية النِّزاعات الدَّموية حول العالم، ومَنعها، مِن خلال تحليلات ميدانية، ومِن خلال إسداء المشورة. تأسَّست عام 1995م، بمبادرة مِن شخصيَّات سياسية ودبلوماسية غربية، ومقرُّها العاصمة البلجيكية (بروكسل). تعدُّ المجموعة مِن المصادر العالمية الأولى للتَّحليلات والمشورة التي تقدِّمها للحكومات، والمنظَّمات الدُّولية، كالأمم المتَّحدة، والاتِّحاد الأوربِّي، والبنك الدُّولي. (انظر: https://www.crisisgroup.org). نظَّم المؤتمر بالتَّنسيق بين مؤسَّسة توكُّل كرمان، ومركز الدِّراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون، ومنظَّمة الدِّيمقراطية بالعالم العربي الآن.المصادر
انظر: كيف يمكن للمفاوضات الحوثية – السعودية أن تنقذ اليمن أو تغرقه، مجموعة الأزمات الدُّولية، إحاطة حول الشرق الأوسط (رقم: 89)، في: 29/12/2022م، متوفر على الرابط التالي:
بالإضافة إلى: مديرة منظَّمة “الدِّيمقراطية في العالم العربي الآن”، “سارة ليي وايتسون”، وعميد كلِّية الخدمة الخارجية في جامعة جورجتاون، “جويل هيلمان”.
بحسب تغريدة لعصام شريم، عضو مجلس الشُّورى، على حسابه في “تويتر”، (@Dr_EsamSharem)، بتاريخ: 10 يناير 2022م، نفى مشاركته في المؤتمر.