إمكانية توقيع هدنة موسعة في اليمن في ظل الاضطرابات الإقليمية
Getting your Trinity Audio player ready... |
تتواتر أنباء عن دفع السعودية الأطراف اليمنية نحو اتفاق وشيك يجدد ويوسّع الهدنة الإنسانية التي جرى التوافق عليها في أبريل 2022م، ويطلق عملية سياسية شاملة بين هذه الأطراف؛ فقد أكدت مصادر متعددة استدعاء جميع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، يوم الثلاثاء 14 نوفمبر الجاري (2023م)، إلى الرياض، وسط توقعات بارتباط هذه الدعوة بتطورات ملف المشاورات الجارية بشأن تسوية سياسية في اليمن.
وفي اليوم التالي لوصول مجلس القيادة الرئاسي إلى الرياض، تم اجتماع رئيس المجلس وأعضائه -في لقاءات منفصلة- مع كل من: المبعوث الأممي إلى اليمن، “هانس جروندنبرج”، والمبعوث الأمريكي إلى اليمن، “تيموثي ليندركينغ”، ووزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، الذي كتب على حسابه في منصة (إكس): إنه التقى برئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني، واستعرض معهم “الجهود المبذولة في الشأن اليمني، وبحث معهم التعاون والتنسيق بشأن خارطة الطريق بين الأطراف اليمنية، لإنهاء الأزمة بإشراف الأمم المتحدة”، مشددا على “أهمية تغليب المصلحة الوطنية من جميع الأطراف اليمنية للوصول لسلام شامل ودائم”[1].
وخلافا للتوتر الذي تتحدث عنه وسائل الإعلامـ بسبب تبني جماعة الحوثي إرسال صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية -الثلاثاء الماضي- عن زيارة لمبعوثها الخاص إلى اليمن، “تيموثي ليندركينغ”، إلى دول الخليج لتعزيز جهود السلام الجارية بقيادة الأمم المتحدة في اليمن، ودعم التنسيق الإقليمي، للتوصل إلى نهاية دائمة للصراع. وأفاد بيان صادر عن مكتب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية أن “الولايات المتحدة ملتزمة بتأمين حل سلمي للصراع في اليمن”، وأن مسئوليها يعملون “بشكل وثيق” مع شركاء أمريكا في المنطقة، “لدعم جهود السلام في اليمن، تحت رعاية الأمم المتحدة، وتخفيف المعاناة الهائلة التي سببها الصراع”.
هذه الورقة تبحث في الفرص المتاحة للتوقيع على اتفاق هدنة موسعة؟ والتداعيات التي يمكن أن تترتب عليها؟
خلفية عامة:
بعد سنوات من دعمها للحرب، تبنت الرياض -منذ عام 2021م، تقريبا- سياسة جديدة تدفع باتجاه وقف الحرب في اليمن، والانسحاب منها، فقد أعلنت في 22 مارس 2021م، مبادرة لها لإنهاء الحرب في اليمن. وقد تتابعت الجهود السعودية في هذا الجانب؛ فقد دعمت -في 7 أبريل 2023م- هدنة إنسانية تزامنت مع الإعلان عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، والذي حدد الإعلان الرئاسي لتشكيله غاية بشأن تولي “التفاوض مع (أنصار الله) الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية، والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل، يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام”[2].
وفي 8 أبريل (2023م) قام وفد من السعودية، برئاسة السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، بزيارة إلى صنعاء، بمعية وفد عماني. وقد أجرى السفير خلالها مباحثات مع قيادة جماعة الحوثي، استمرت ستة أيام، وهدفت إلى وضع اللمسات الأخيرة على تصور تسوية شاملة، كان قد تم التفاوض بشأنها بين الطرفين في العاصمة العمانية (مسقط). وفي شهر سبتمبر الفائت (2023م) قام وفد من جماعة الحوثي بزيارة إلى العاصمة السعودية، استمرت لمدة خمسة أيام.
وفي حين كان يتوقع أن تترك الحرب الإسرائيلية على غزة، وتطوراتها، خاصة ظهور مستوى الارتباط الكبير بين جماعة الحوثي وما يعرف بمحور المقاومة الذي تقوده إيران، والعمل الدعائي الذي قام به الحوثيون من خلال إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة نحو إسرائيل، موقفا سلبيا لدى السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وأن تؤدي إلى تجميد المفاوضات الخاصة بالهدنة وإيقاف الحرب، إلا أن الأمور سارت خلاف ذلك، فقد تتابعت جهود الرياض في إنجاز الهدنة والدفع نحو مفاوضات بين الأطراف اليمنية؛ وحدث الأمر نفسه بالنسبة للولايات المتحدة؛ فقد استدعت السعودية أعضاء مجلس القيادة إلى الرياض للالتقاء بهم. وقد تضمن اللقاء الذي جمعهم بوزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، بحث “التعاون والتنسيق بشأن خارطة الطريق بين الأطراف اليمنية، لإنهاء الأزمة”، و”أهمية تغليب المصلحة الوطنية من جميع الأطراف اليمنية للوصول لسلام شامل ودائم”[3].
وتشير مصادر إعلامية إلى أن اتفاق تجديد الهدنة، والذي يتم التشاور حوله، يتمحور حول خريطة السلام الأولى التي قدمتها السعودية للحوثيين، وذلك أثناء زيارة سفيرها إلى صنعاء، بعد إجراء تعديلات وملاحظات عليها من قبل الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي. فقد عرضت الخريطة -قبل شهر من الآن- على مجلس القيادة الرئاسي، لكنه رفض الصيغة المقدمة، وجرى التعديل عليها، وأرسلت الملاحظات إلى جماعة الحوثي، بانتظار رد منهم. وقد قبل الحوثيون بتعديلات حول مسألة آلية تحصيل الضرائب والجمارك في ميناء الحديدة، وآلية صرف الرواتب في الصيغة الأساسية الأولى لخريطة السلام، وأن الموقف النهائي يعتمد على المناقشات وطبيعة الرد الحوثي بشأن خريطة السلام وبنوده. وفي حال التوافق على الأمور كافة سيجري التوقيع على خريطة السلام، لوقف الحرب في البلاد، بحضور وفد الحوثيين[4].
الدوافع المحركة:
تحرك السعودية وجماعة الحوثي، عدة دوافع تتمثل فيما يلي:
أولا: دوافع السعودية:
تتعدد الدوافع المحركة للسعودية نحو هدنة موسعة بين الأطراف اليمنية؛ مع ملاحظة أن السعودية هي الطرف المحرك للملف، إذ أنه بالرغم من أن التطورات الإقليمية والدولية تضغط باتجاه تجميد الملف اليمني، أو على الأقل تأجيله، إلا أن السعودية هي من يدفع باتجاه تحريكه، وتتمثل أبرز دوافعها فيما يلي:
- تسريع الانسحاب من الحرب:
فالسعودية -فيما يبدو- مصممة على إنهاء الحرب، والانسحاب منها، وهذا يمثل أولوية قصوى بالنسبة لها؛ ولهذا فإنها تدفع الأمور نحو التوقيع على هدنة مع جماعة الحوثي، برغم الظروف التي تعصف بالمنطقة، وهذا ليس موقفا لحظيا بل هو على الأرجح اتجاه ثابت منذ عام 2021م على الأقل، فقد أعلنت مبادرتها لإيقاف إطلاق النار في مارس 2022م، أي في الوقت الذي كانت جماعة الحوثي تعلن شن ضربات هجومية واسعة على منشئاتها الحيوية، في مصفاتي بقيق وخريص، في المنطقة الشرقية بالسعودية[5].
- التفرغ لاستحقاقات رؤية 2030م:
تهدف السعودية إلى تحييد التطورات الإقليمية عن التأثير على جهودها لتحقيق رؤية 2030م، ولذا فهي تدعم بقوة سياسات خفض التصعيد الإقليمي؛ وفي هذا المجال تعمل على إنهاء الحرب في اليمن، أو على الأقل الانسحاب منها، ويندرج في هذا الأمر أيضا سياساتها للحد من التداعيات السلبية للحرب الإسرائيلية على غزة.
- التقليل من إمكانية توظيف قوى دولية للحوثيين للإضرار بأمن ومصالح السعودية.
ثانيا: دوافع مجلس القيادة الرئاسي:
- التجاوب مع التوجهات السعودية، في ظل حالة عالية من الموثوقية بها.
- امتصاص الضغوط الدولية الواقعة عليه.
- التخفيف من حجم المعاناة الإنسانية الواسعة للمواطنين سواء في مناطق سيطرته أو في اليمن عموما.
- التعويل على أن جماعة الحوثي لا ترغب في السلام، ومحاولة إقناع المجتمع الدولي بذلك.
- هناك رغبة داخل مجلس القيادة، لممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي، في الدفع بما يسمى “القضية الجنوبية” لتكون حاضرة في طاولة المفاوضات النهائية.
ثالثا: دوافع جماعة الحوثي:
- التخلص من الضغوط الشعبية الواسعة، بسبب عدم صرف المرتبات.
- الحصول على مكاسب إضافية من خلال دفع المرتبات من خارج الموارد التي تسيطر عليها الجماعة، وفتح الموانئ، والمطارات وغيرها.
- تسويق توقيع الهدنة لدى أتباعها على أنه انتصار إضافي انتزعته بالرغم من سياساتها تجاه غزة، والتي تبدو وكأنها كانت متصادمة مع التوجهات الأمريكية.
- اكتساب شرعية دولية، وتقديم نفسها كقوة إقليمية شرعية.
احتمالات التوقيع على الهدنة:
يشير الحراك الواسع الذي تشهده الرياض حول الملف اليمني إلى توفر فرصة كبيرة لإمكانية التفاهم حول اتفاق وشيك للهدنة، وإطلاق خارطة للمفاوضات. وثمة أمور تدعم ذلك، ومنها:
- استدعاء جميع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي على وجه السرعة إلى الرياض.
- تقاطر المبعوث الأمريكي، ومبعوث الأمم المتحدة، إلى الرياض، بما يومئ إلى التقاطهما إشارة إلى قرب التوقيع على اتفاق الهدنة.
- نهج السعودية الذي يعمل على تحييد المؤثرات السلبية للأوضاع في المنطقة على مسار سياساتها، على النحو الذي ذكرنا.
- الضغط الذي تتعرض له جماعة الحوثي بسبب الدعوات الأخيرة لأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي لإعادة تصنيفها جماعة إرهابية.
ومع هذا، فإن توافر المؤشرات أعلاه لا يعني حتمية المضي في مسار التوقيع، إذ من الوارد تأجيله أو حتى ترحيله؛ ولعل ما يدعم ذلك:
- الأحداث التي تعصف بالمنطقة، نتيجة الاعتداءات الوحشية التي تقوم بها إسرائيل على غزة، والتي تجعل التطورات في المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات، ومنها حادثة سيطرة الحوثيين على سفينة في عرض البحر الأحمر.
- حالة الزهو التي تعيشها جماعة الحوثي، فقد مكنتها حرب غزة من الهروب من استحقاقاتها الداخلية، وأكثر من ذلك فقد استغلتها للقيام بعمل دعائي واسع، أثرت به على الموجوعين من ضربات إسرائيل لغزة، وقد يدفعها هذا إلى رفع سقف مطالبها ما قد يفوت هذه الفرصة.
- سياسية الولايات المتحدة الأمريكية، والتي وإن كانت تظهر دعمها للتوقيع على الهدنة إلا أنها قد لا تكون متحمسة في هذه المرحلة لما يمكن أن يظهر بأنه تشجيع للحوثيين على أعمالهم.
التداعيات المحتملة:
ينبني على المضي في مسار تجديد وتوسيع الهدنة والمفاوضات بين الأطراف اليمنية عدد من النتائج الأولية، والتي يمكن أن نشير هنا إلى أهمها، وهي:
تثبيت انسحاب السعودية من الحرب:
فإذا ما جرى التوقيع على الهدنة فإن النتيجة الأولية لها هي انسحاب السعودية من الحرب. وحتى في حال ما تعثرت المفاوضات بعد ذلك، واندلعت الحرب من جديد، فعلى الأغلب أنها ستكون حربا بين الأطراف اليمنية، وستبقى فرص مشاركة السعودية في أي جولة جديدة من الحرب في أضيق الحدود.
التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية:
وفقا للصيغة المسربة للهدنة الموسعة فإن السعودية ستتكفل بصرف مرتبات الموظفين الحكوميين، في عموم اليمن، لمدة سنة كاملة؛ وسيتم السماح بتصدير النفط والغاز، وفك الحصار عن مدينة تعز، ورفع الحظر عن المطارات والموانئ، وأمور أخرى؛ وكل ذلك سيسهم إلى حد كبير في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي تفتك بغالبية اليمنيين.
تدعيم اختلال ميزان القوة لصالح جماعة الحوثي:
من الواضح أن جماعة الحوثي ستكون أكثر الأطراف استفادة من الهدنة، وحزمة الإجراءات المصاحبة لها، فهذه الإجراءات ستنهي حالة السخط الشعبي التي تؤرقها، وتمكنها من تسويق هذا التطور بين أنصارها على أنه محصلة لما تتمتع به من قوة مكنتها من فرضه على السعودية، وانتزعت الكثير من المكاسب. وهذا يأتي مترافقا مع العمل الدعائي الكبير الذي حققته في الحرب على غزة.
وضع اليمن في مسار معقد وغير مثمر من المفاوضات:
تشير الحقائق في الأرض إلى أن العوامل التي تدفع نحو الحرب لا زالت أكبر بكثير من العوامل التي تدفع نحو تسوية سياسية، خاصة فيما يتعلق بالمخاوف المتبادلة. زد على ذلك انعدام الثقة والدوافع التي تحرك كل طرف تجاه الآخر. ومن المتوقع أن تثير المفاوضات الكثير من التناقضات التي تعاني منها البيئة اليمنية أجمالا، ما قد يخلق الكثير من التعقيدات. ويكفي هنا الإشارة إلى أن الاتفاق على تجديد وتوسيع الهدنة احتاج إلى قرابة عام ونصف العام، فكيف سيكون الأمر بمفاوضات شاملة تستهدف بناء تسوية سياسية تنهي الحرب وتؤسس لسلام دائم.
المصادر
حراك إقليمي ودولي لإنجاح خريطة السلام في اليمن، مصدر للشرق الأوسط: المضي قدما يعتمد على تجاوب الحوثيين، صحيفة الشرق الأوسط، في: 15/11/2023م، متوفر على الرابط التالي: https://cutt.us/pXAcL
[5] هجمات أرامكو.. الحوثيون يؤكدون مسئوليتهم ومصدران أمريكي وعراقي يكشفان مصدرها، الجزيرة نت، في: 16/9/2019م، متوفر على الرابط التالي: https://cutt.us/JpW8c
Your article helped me a lot, is there any more related content? Thanks!
Thank you for your sharing. I am worried that I lack creative ideas. It is your article that makes me full of hope. Thank you. But, I have a question, can you help me?