الهدنة في اليمن السياقات والمآلات

Getting your Trinity Audio player ready...

السياقات والمآلات

أعلن المبعوث الأممي المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في الأول مِن أبريل 2022م، عن موافقة أطراف الصراع في اليمن على مقترح الأمم المتحدة بشأن عقد هدنة تبدأ في الثاني مِن أبريل ولمدة وتمتد شهرين، وهي قابلة للتمديد، وتقضي بوقفتُوقف بموجبها جميع العمليات العسكرية، الجوية والبرية والبحرية الهجومية، داخل اليمن وعبر حدوده، ويتمّ بتيسير دخول (18) سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة، والسماح برحلتين جويتين مِن وإلى مطار صنعاء وإليه كل أسبوع.

تسلط الورقة الضوء علىتحلّل الورقة خلفيات هذه  هذه الهدنة وأسبابها، ومدى أهميتها في سياق جهود السلام، وتستكشف كذلك فرص نجاحها والتحديات التي تواجهها.

أولًا: سياق الهدنة السياقات (لماذا الآن؟!):وأسبابها

لم تأت جاءت هذه الهدنة الحالية بين أطراف الصراع في اليمن فجأةً، ولا بحسب رغبة أحد الأطراف فقط، وإنما جاءت كنتيجة لعوامل عديدة، محلية وإقليمية ودولية، وجهود مشتركة قادها هانس غروندبرغ، الذي أعلن الهدنة في بيان للأمم المتحدة، وأشار فيه إلى تعاون جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والسعودية وسلطنة عُمَان في تحقيقها. كما جاءت الهدنة بعد نقاشات استمرت  بعد نقاشات استمرت أشهرًا، كما أكدبحسب كبير مفاوضي جماعة الحوثي، محمد عبد السلام، لوكالة رويترز، في 30 مارس الماضي2022.؛ وهي نتيجة جهود مشتركة، فقد أشار بيان المبعوث الأممي -الذي أعلن فيه الهدنة- إلى تعاون الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والسعودية وسلطنة عُمَان لتحقيقها. ويبدو أن الأخيرة مسقط لعبت، وما زالت تلعب، دورًا مهمًّا، في وصول الأطراف إلى هذه الهدنة؛ إذ أشار إليها البيان أعلاه تحديدًا، كما خصها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالشكر (إلى جانب السعودية) على جهودها. ووهذا ما يشير إليه تخصيصها (إلى جانب السعودية) بالشكر مِن قبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن؛ وتؤكده جهودها اللاحقةبعد إعلان الهدنة على احتمال استمرار دورها في سير الهدنة والتقدم المحرز في تنفيذها، وربما في تسوية النزاع في اليمن مستقبلًا، ؛ فقد التقى وزير الخارجية العماني، ‎بدر البوسعيدي، وكبار المسؤئولين العمانيين، يوم الأحدفي 10 أبريل (الجاري)، بغروندبرغبالمبعوث الأممي، والذي التقى بدوره أيضًا في مسقط بكبير المفاوضين الحوثيين، بمحمد عبد السلام. وهي لقاءات مخصصة لبحث سير الهدنة والتقدم المحرز في تنفيذها.

ما كان لهذه الجهود المشتركة أن تنجح تسفر عن إعلان الهدنة لولا توافر بعض الظروف والعوامل التي ما برحت تضغط على جميع أطراف الصراع والفاعلين فيه:، منها:

  1. ففيما يخصبالنسبة إلى الحوثيين، فهم يواجهون فشلًا في محاولاتهم العسكرية المستمرة للسيطرة على مأرب، ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، هناك فشل محاولاتهم العسكرية المستمرة، منذ نحو سنتين، أي منذ أبريل 2020م؛ وهو ما أوصلهم، ربما، إلى اقتناع، في السيطرة على مأرب، هذا الفشل ربما أوصلهم إلى قناعة باستحالة تحقيق أي اختراق في هذا المسعى عدا عنما لم يحدث تغيير موازين القوى على الأرض. 
  2. ومِن جهة أخرى،كما تعاني مناطق سيطرتهم مِن أزمةه طاحنة في الوقود، انعكست على كل مناحي الحياة، وهو وضع ينطوي على مخاطر تأزيم الوضع الداخلي على نحو أكبر. ، وهي مخاطر لا يريدون اختبارها.
  3. وغير ذلك،وفضلًا عن ذلك،  يهم الحوثيون تجنُّب تصنيفهم كجماعة “إرهابية”، مِن قبل واشنطن الولايات المتحدة وبريطانيا، وموافقتهم على هدنة كهذه تعمل على كبح أي توجهات في هذا الشأن، كونها تعطي أملًا وإيحاءً بأنهم في طريق تغيير نهجهم.
  4. أما السعودية والإمارات، فبالإضافة إلى سعيهما وحاجتهما المتنامية إلى الخروج مِن المأزق اليمني، لديهما اعتبارات طارئة، فهما حريصتان على تجنُّب التعرض لمزيد مِن الهجمات الحوثية التي بدأت تطال مناطق ومنشآت حساسة في داخل أراضيهما.
  5. ويأتي الإعلان عن هذه الهدنة بالتزامن مع جهود سلام نشطة؛ فقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط، في 7 أبريل (الجاري)، عن السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، مثلًا، أن هناك مساعيٍ لعقد مفاوضات يمنية جديدة، وتوقَّع أن تبدأ في الصيف المقبل. وقد وتعزز هذا مع زيارة غروندبرغ المبعوث الدولي إلى العاصمة اليمنية، وهي الزيارة الأولى له إلى صنعاء منذ تعيينه في منصبه. وهذا يشير إلى تغيُّر في موقف الحوثيين الذين ظلوا يرفضون استقباله.
  6. وأخيرًا، فقد تزامن الإعلان عن هذه الهدنة مع حوار يمني يجريجرى في العاصمة السعودية (الرياض)، وبرعايتها؛ لكن لم يثبت أنَّ ثمة علاقة بين هذين التطورين. ولا بد مِن الإشارة إلى أن ثمة من يفترض وجود مباحثات سلام خلفية، جارية بين جماعة الحوثي والسعودية، وأن هذه الهدنة ليست إلَّا نتيجة لها، وخطوة متَّفق عليها لإثبات حسن النوايا، وكذلك لبناء الثقة. غير أن الأمر يبقى في نطاق التحليلات التخمينية حتى تتوافر شواهد معقولة على مباحثات كهذهالتوقعات حتى الآن.
  7. أما إقليميًا، فهناك افتراض بأن الحوثيين ما كانوا ليقبلوا بهدنة لو لم تكن إيران موافقة عليها؛ إذ تربط بعض التحليلات الهدنة بما يجري في مفاوضات “فييَّنا”، فربما تأتي ضمن صفقة تبادلت فيها طهران وواشنطن بعض التنازلات. في هذا السياق، رحبت إيران بالهدنة على لسان المتحدث باسم خارجيتها، سعيد خطيب، وقالت: إنها تأمل أن تشكل أرضية للبدء بمبادرة سياسية لحل الأزمة، وتمهيدًا للرفع الكامل للحصار، وإقرار وقف دائم لإطلاق النار.

التطورات على الصعيد الدولي بدورها وفَّرت سياقًا يدعم الهدنة، ومن ذلك:

  1. اشتعال الأزمة الأوكرانية، وما تسببت به مِن ارتدادات متعلقة بأمن الطاقة وإمداداتها، وهو ما مَثَّلَ قوة دفع إضافية للتوصل إلى هذه الهدنة، . فالمجتمع الدولي لديه مخاوف مِن تضرر إمدادات الوقود الخليجية للأسواق العالمية نتيجة هجمات الحوثيين، خصوصًا بعد تحذير الرياض مِن أنها لن تكون مسئؤولة عن أي أزمة في الإمدادات النفط،بسبب وتعطل الإنتاج نتيجة هذه الهجمات. 
  2. وضعومن المحتمل أن  كهذا دفع الوضع دفع المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده وضغوطه، وربما جعله يوصِل تحذيرًا إلى الحوثيين. ولعل هذه الصلةهذا العامل تيصبح أكثر وضوحًا مع تراجع أسعار النفط في التعاملات الآسيوية جزئيًا عقب إعلان الحوثيين ترحيبهم بالهدنة، ويلاحظ عمومًا أن هذه الهدنة حظيت بتأييد دولي وإقليمي لافت.

وفي السياق، وعلى أساس أن الحوثيين ما كانوا ليقبلوا بهدنة كهذه لو لم تكن إيران موافقة عليها، تربط بعض التحليلات الهدنة بما يجري في مفاوضات “فينَّنا”، وترى أنه ربما تأتي ضمن صفقة تبادلت فيها أيران وواشنطن بعض التنازلات، وقد رحبت طهران بالهدنة على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب، وقالت: إنها تأمل أن تشكل أرضية للبدء بمبادرة سياسية لحل الأزمة، وتمهيدًا للرفع الكامل للحصار، وإقرار وقف دائم لإطلاق النار.

  1. ثانيًا: مدى أهمية ويأتي الإعلان عن هذه الهدنة بالتزامن مع جهود سلام نشطة؛ فقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط، في 7 أبريل (الجاري)، عن السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، مثلًا، أن هناك مساعٍ لعقد مفاوضات يمنية جديدة، وتوقَّع أن تبدأ الصيف المقبل. وقد تعزز هذا مع زيارة المبعوث الدولي إلى العاصمة اليمنية، وهي الزيارة الأولى له إلى صنعاء منذ تعيينه في منصبه. وهذا يشير إلى تغيُّر في موقف الحوثيين الذين ظلوا يرفضون استقباله.
  2. وأخيرًا، فقد تزامن الإعلان عن هذه الهدنة مع حوار يمني يجري في العاصمة السعودية (الرياض)، وبرعايتها؛ لكن لم يثبت أنَّ ثمة علاقة بين هذين التطورين. ولا بد مِن الإشارة إلى أن ثمة من يفترض وجود مباحثات سلام خلفية، جارية بين جماعة الحوثي والسعودية، وأن هذه الهدنة ليست إلَّا نتيجة لها، وخطوة متَّفق عليها لإثبات حسن النوايا، وكذلك لبناء الثقة. غير أن الأمر يبقى في نطاق التحليلات التخمينية حتى تتوافر شواهد معقولة على مباحثات كهذه.

الهدنة المهمة: 

مع أن الهدنة تأتي بالتزامن مع جهود سلام دولية تخص الأزمة في اليمن، إلَّا أنه فما مِن شيء يشير إلى أنها هدنة كهذه مؤسسة على تفاهمات ذات صلة، أو أنه تم التوصل إليها في سياق، خارطة طريق تخصُّ هذه الجهود السلام. ومع ذلك، ما زالت تحظى الهدنة بأهمية لجهة ما لها مِنبسبب دلالاتها مهمَّة التي تتعلق بالمسار السياسي، ولجهة والخدمات التي يفترض أنها تقدمها في هذا السياق. وقد جاء في بيان غروندبرغ المبعوث الأممي الذي أصدره بشأن الهدنة أن هدفها الهدنة توفير بيئة مواتية للتوصُّل إلى تسوية سلمية للنزاع. ؛ فهي تعدُّ الهدنة الأولى على مستوى البلاد، منذ ستِّ سنوات، إذ فقد حدث آخر وقف منَّسق لإطلاق النار أثناء محادثات الكويت، عام 2016م.

 وبالإضافة إلى أنها الهدنة الحالية مدتها طويلة نسبيًّا، وقابلة للتمديد، فقد تجاوزت هذه الهدنة مسألة وقف إطلاق النار إلى قضايا أخرى مهمَّة، كفتح مطار صنعاء لأوَّل مرَّة منذ إغلاقه، وذلك بعد رفض مستمرٍّ ، وممانعة طويلة لفتحه؛ وكذلك وفتح ميناء الحديدة أمام سفن الوقود، وهذا وذاكما يعني الاستجابة الجزئية للمطالب التي ما برح الحوثيون يرفعونها كشرط للدُّخول في عملية سياسية تستهدف وقف الحرب، . ويشير وكلُّ ما سبق إلى يجعل هذه الهدنة تعد مِن صنف الخطوات التي قد تشجع على اتِّخاذ غيرها.

وهذه الهدنة، مِن جهة أخرى، يمثل الوصول إلى هذه الهدنة شاهدًا على مرونة إمكانية أن يتحلى طرفيا الصراع ببعض المرونة، واستعدادهما تقديم تنازلات، وبالتالي على أنَّوحتى وقف الحرب ليس مستحيلًا، وهي مرونة أشار إليها وأكَّدها -مثلًا- المبعوث الأمريكي لليمن، تيموثي ليندركينغ، في مقابلة مع قناة “بلومبرغ”، في 4 أبريل (الجاري)؛ وأشار إليها كذلك السفير الفرنسي لدى اليمن، “جان ماري صفا”، في تصريحات إعلامية له، في 6 أبريل، فقد أكَّد أنه لمس تغيُّرًا في لهجة الحوثيين تجاه التهدئة، وذلك خلال تواصله مع قياداتهم في صنعاء مؤخرًا -كما يقول، وتوقَّع السفير قبول هؤلاء بالمشاركة في أي مشاورات مقبلة. وهي مرونة يؤكِّدها -أيضًا-كما يؤكد ذلك أيضًا تزامن إعلان هذه الهدنة تقريبًا مع الإعلان عن اتِّفاق لتبادل كبير للأسرى، عقب إعلان طرفي الصراع هدنة من قبلهما.. ففي 26 مارس (الماضي)، أعلن الحوثيون هدنة مِن طرف واحد لثلاثة أيام، وفي 29 مارس -أيضًا، أي بعد ثلاثة أيام، أعلن “التَّحالف العربي”، بقيادة المملكة العربية السعودية، وقف العمليات العسكرية بالداخل اليمني مِن جانب واحد؛ وبرَّر الطرفان هدنتيهما بإثبات حسن النية، والحرص على الدفع نحو السلام.

ووما زالت هذه الهدنة تمثل فرصة للتهدئة، فهيتعد هذه الهدنة خطوة مهمة لبناء الثقة، خصوصًا وقد أنها فتحت بابًا اللتمديد، وهو تمديد إن تمَّما يرفع يزيد مِن فرص التأسيس لحالة وقف إطلاق نار دائمة. ومِن منظور آخر،كما يفترض أن هذه الهدنة تقدِّم طريقة لاختبار نوايا أطراف الصراع، واستعدادهم للسلام، وهو اختبار مهم كونه سيعمل على تصويب مساعي السلام، وإعادة توجيهها، ويجعلها أكثر وعيًا بتحدِّياته السلام، وفرصه ومكامنها، وهو ما يفترض أن ينتهي بدوره بتبني الدبلوماسية الدولية مقاربات سلام أكثر واقعية. 

وبطبيعة الحالأخيرًا، تتجاوز أهمية الهدنة كهذه الجوانب السياسية إلى غيرها، فقد حملت معها انفراجة لأوضاع إنسانية واقتصادية ما برحت تتدهور على وجه الخصوص بسبب أزمة الوقود الناتجة عن احتجاز التحالف للسفن الحاملة له، وهي أزمة ألحقت الأذى بكل مناحي الحياة.

ثالثًا: هل تصمدفرص نجاح الهدنة: وتحدياتها

تمتلك الهدنة جملةثمة عدد  من العوامل الفرص التي تدعم احتمال الداعمة لاستمرارها الهدنة الحالية في اليمن، بينما هناك تحديات قد تؤدي إلى تعطيلها أو فشلها، ويمكن إجمال ذلك فيما يلي: وتعترضها في ذات الوقت تحديات قد تفشلها:

  1. أوَّلا: الفرص:

ثمَّة ما يدفع باتجاه صمود هذه الهدنة، وعلى رأس ذلك:

  1. استمرار صلاحية الظروف والعوامل المحلية والإقليمية والدولية التي يفترض أنها دفعت إلى توقيعهاالوصول إلى الهدنة، فهي فعلى الأغلب أنها -أي الهدنة- ستبقى مهمة للجميع في الداخل والخارجللأطراف جميعًا.
  2. سوف يخاطر الطرف الذي ينقض الهدنة باستفزاز المجتمع الدولي، وإضعاف موقفه الخارجي، نظرًا وبالنظر إلى الحالة النزقة التي يعيشها المجتمع الدولي، والواقع الراهن المرتبط المرتبطة بالمخاوفه إزاء  على إمدادات النفط، سيخاطر الطرف المنقلب على هذه الهدنة باستفزاز المجتمع الدولي، وبالتالي بإضعاف موقفه الخارجي. و
  3. في حال كان الحوثيون هم مَن انقلب على الهدنة، فمِن غير المستبعد أن ينتهي ذلك بممارسة مزيد مِن الضغوط عليهم، بما في ذلك السماح بعمليات عسكرية واسعة ضدهم.
  4. ومن نافل القول: إنَّ فرص نجاح الهدنة تزيد حال نجحت جهود السلام في تحقيق اختراق ما في مساعيها باتجاه إقناع أطراف الصراع بتدشين مباحثات سلام.

    التحديات:

ومع ذلك، تبقى هذه الهدنة هشَّة، وتظل في خطر، وهذا ما يعترف به المبعوث الأممي نفسه، أما الأسباب فعديدة:

  1. فبالإضافة إلى أنهاالهدنة  غير مؤسسة على تفاهمات طويلة الأجل، كما سبقت الإشارة، مِن الواضح أنها أيضًاكما أنها أُعلنت على عجل دون الاتفاق على الترتيبات الضرورية لنجاحها، بما في ذلك آلية للإأشراف على وقف إطلاق النار ومراقبته. فبعد أيام من إعلانه الهدنة، قال المبعوث الأممي: إن العمل ما زال جار على إنشاء آلية للتنسيق بين الأطراف لتجنُّب وقوع الحوادث وإدارتها حال وقوعها، وغياب آلية كهذه بطبيعة الحال تشكِّل نقطة ضعف خطيرة، فهو يجعل منف من السهل انجرار الأطراف الصراع إلى التصعيد كرد فعل على أي حوادث عرضية.
  2. قد يتسبب بتعثُّر الهدنة، أو حتى الانقلاب عليها، إن تأخُّر أو عدم الوفاء بالالتزامات غير العسكرية التي نصَّت عليها الهدنة، خصوصًا فيما يتعلَّق بمثل فتح مطار صنعاء ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، . قد يتسبب بتعثُّر الهدنة، أو حتى الانقلاب عليها، وحتى الآن ثمَّة تبرُّم في صنعاءلدى الحوثيين مِن تأخُّر فتح المطار. وقد اتهمت شركة النفط في صنعاء أيضًا التحالف باحتجاز سفينة البنزين “سي هارت”، ومنعها مِن الدخول إلى ميناء الحديدة رغم تفتيشها، وحصولها على التصاريح الأمميةالدولية.
  3. ومِن جهة أخرى، ثمَّة أزمة ثقة بين أطراف الصراع، فعلى الرغم مِن تأكيد المتحدث العسكري باسم الحوثيين على الالتزام بالوقف الشامل للعمليات العسكرية طالما التزم الطرف الآخر بها، إلا أنفإن الخبرة تعطي أسبابًا تبرِّر شكوك الحكومة الشرعية والتحالف بالتزامهم بالهدنة، فالحوثيون يمتلكون سجلًا كثيفًا في الانقلاب على الاتفاقات، وأثبتوا في كل الحالات تقريبًا أنهم كانوا يستغلون الهدن لالتقاط الأنفاس وللتمدد.
  4. وقد يكون عنصر التكتيك هذه المرة حاضرًا في دوافع الحوثيين، فمأرب -مثلًا- كانت، ولا زالت، هدفًا ثمينًا لهم. وربما يتقصَّدون إبعاد طيران التحالف ليتمكَّنوا مِن تنفيذ هجوم واسع لإسقاط المدينة. وحتى لو لم تكن تلك نيَّتهم، فغياب الطيران عن سماء المواجهات وركون خصومهم إلى الهدنة قد يغريهم باستغلال الوضع والتحرك في الجبهات التي تهمهم. ويعزز هذا الاحتمال قيام الحوثيين ببناء تحصينات ترابية كبيرة، بحسب تقارير صحفية، بما في ذلك حفر خنادق في خطوط المواجهة في جبهة مأرب، ما يعكس توقُّعهم عملية عسكرية واسعة مِن قبل خصومهم.
  5. ومثلما تغيب ثقة الحكومة والتحالف بالحوثيين، لدى هؤلاء الحوثيين أيضًا مِن جهتهم شكوكهم في نوايا خصومهم، ؛ وسبق إذ سبق أن وعبَّروا عن اعتقادهم بأنَّ التحالف والحكومة بصدد التحضير لتصعيد واسع؛ حتى فعلى سبيل المثال اعتبرأنَّ محمد عبد السلام في 7 أبريل أن مجلس القيادة الرئاسي الذي أعلن بعد مؤتمر المشاورات اليمنية في الرياض مؤخرًا الأخير، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، من وجهة نظرهم، إنَّما يأتيان في سياق إعادة ترتيب الصفوف، وأن هذا المجلس المـُشكَّل هو مجلس حرب، كما جاء في تصريح لرئيس المفاوضين الحوثيين، محمد عبدالسلام (تويتر: 7/4/2022م)، الذي اعتبر وأن طريق السلام يكون بوقف العدوان، ورفع الحصار، وخروج القوات الأجنبية من البلاد، ودون ذلك محاولة يائسة لإعادة ترتيب صفوف -من وصفهم- بـ “المرتزقة” للدفع بهم نحو مزيد من التصعيد. 
  6. ولعلَّ ما أسهم في إثارة شكوك الحوثيين تسريبات تقول بأن السعودية بصدد التحضير لمرحلة جديدة مِن الحرب، معتمدة على تكتيك يقوم على انسحابها مِن المشهد العسكري، وإيكال مهمة التصدي للحوثيين للقوات اليمنية التي تعمل (السعودية) على تجهيزها بمختلف الأسلحة بما في ذلك الطيران. 
  7. وفي هذا السياق، جاء تصريح نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، والذي أكَّد فيه على استمرار السعودية بدعم الشرعية في اليمن، ودعم مجلس القيادة الرئاسي الـمُشكَّل، على كافة الأصعدةالصعد، بما في ذلك الدعم العسكري، لحين الوصول إلى حلٍّ سياسي ينهي الأزمة.
  8. وما ذكرته تقارير صحفية حول قيام الحوثيين ببناء تحصينات ترابية كبيرة، بما في ذلك حفر خنادق في خطوط المواجهة في جبهة كمأرب، ما يعكس توقُّعهم عملية عسكرية واسعة مِن قبل خصومهم.
  9. وبالإضافة إلى حالة التوجُّس التي تجعل الجميع يتوقع الانقلاب على الهدنة في أي لحظة، مازالت شبهة العبث والمراوغة قائمة، والمرونة التي أظهرتها أطراف الصراع قد لا تعكس حقيقة المواقف والنوايا، لذا يلاحظ أنه -وعلى الرغم مِن أهميتها- لم تُظهر هذه الأطراف احتفاءً بهذه الهدنة يوازي أهميتها.

وعلى كل حال،يعزز هذه التحديات  مع أنَّه رغم انحسار  المواجهات على جبهات القتال الرئيسة شهدت انحسارًا في المواجهاتبعد إعلان الهدنة، إلَّا أفإن المواجهات لم ها لم تتوقف تمامًا، ولم تمرُّ عدَّة أيام مِن إعلان الهدنة حتىففي 5 أبريل (الجاري)  بدأ طرفا الصراع بتبادل الاتهامات بخرقها. فقد اتهم وزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك، الحوثيين بخرق الهدنة بتنفيذهم انتشارًا عسكريًّا، وقيامهم بحشد القوات والمركبات، وبتنفيذ هجمات بالمدفعية والطائرات المسيرة. وفي نفس اليوم، أي في 5 أبريل (الجاري)، قال بيان صادر عن المركز الإعلامي للجيش اليمني: إنه رصد (130) خرقًا حوثيًّا للهدنة. ومِن جهتها تحدَّثت وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثي عن رصد خروقات عديدة مِن قبل خصومها للهدنة، وقالت: إن التحالف شنَّ عددًا مِن الهجمات في شمال وغرب البلاد، وذلك يومي (3 و/ 4) أبريل. واعترف المبعوث الدولي نفسه بتواتر تقارير تشير إلى وجود بعض النشاطات العسكرية العدائية حول مأرب، وكرَّر التعبير عن قلقه مما يجري على الأرض، في يومي (7 و/8) أبريل. ومع ذلك، لا تزال هذه الخروقات غير خطيرة ومتوقعة، لكن الفترة القادمة ستظهر مدى صمود الهدنة خصوصًا على جبهة مأرب.

ومهما يكن مِن أمر، فما زالت هذه الخروقات متواضعة، وغير خطيرة حتَّى الآن، بل هي في حقيقة الأمر متوقَّعة. ومِن أجل الحكم على وجهة الأمور، ما زال الأمر بحاجة إلى مراقبة تطوُّرات الأيام القليلة القادمة، السياسية مِنها والميدانية، خصوصًا في مأرب.

الخلاصة

بالنظر إلى ظروف إعلان الهدنةها، وبالنظر كذلك إلى والقضايا التي شملتها وتعاملت معها، لهذه فإن لها الهدنة دلالات مهمة، كما أنَّها تتمتع بأهمية كبيرة في سياق مساعي وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن. وبقدر ما هي جريئة وتفتح أبواب التفاؤل، إلا أنها هذه الهدنة تبقى في نفس الوقت غامضة ومتحفظةمن حيث النتائج النهائية، . ولذلك، فهي تحمل الأمل وتحمل ونقيضه،؛ ففرص نجاحها متواضعة حتى الآن على الأقل، . وإذا كانت الهدنة بالأساس وقبل أي شيء آخرقد أعلنت بالأساس نتيجة لضغوط المجتمع الدولي، ففشلها سربما يكون نتيجة لمراوغة أو خروقات واضحة لأطراف الصراع محليًا وإقليميًا. كل مِن الداخل والإقليم.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى