انهيار سعر العملة اليمنية: المسار والتداعيات

Getting your Trinity Audio player ready...

 

 

مقدمة: 

يعيش اليمن وضعًا كارثيًا جرَّاء تهاوي سعر العملة اليمنيَّة بشكل غير مسبوق، حيث تخطَّى سعر الدُّولار الأمريكي الواحد حاجز الألف وسبعمائة ريـالٍ يمنيٍّ، في مناطق الحكومة الشَّرعيَّة، قبل أن يعود إلى ما يقرب مِن (1.400) ريـال منتصف ديسمبر الجاري. هذا الأمر أدَّى إلى ارتفاع مهول في أسعار السِّلع والخدمات، وفاقم مِن الأزمة المعيشيَّة والإنسانيَّة بشكل يفوق كثيرًا ما تتضمَّنه تقارير المنظَّمات الدُّوليَّة والإنسانيَّة.

وفي ظلِّ عجز الحكومة الشَّرعيَّة، وعدم صرف مرتبات قطاع واسع مِن موظَّفي الدَّولة، وتآكل قيمة المرتَّبات لمن يدفع لهم أمام غلاء السِّلع والخدمات، اقتربت اليمن مِن مجاعة محقَّقة وانفجار شعبيٍّ وشيك، مع غياب أيِّ تدخُّل سعودي حتَّى اللَّحظة يمكن أن يساهم في استنقاذ الوضع.

يبحث تقدير الموقف هذا في مسار التَّحوُّل في أسعار العملة اليمنيَّة، وأسباب انهيار الرِّيـال اليمني، وما نتج عن ذلك مِن آثار كارثيَّة، والتَّداعيات المحتملة لهذا الوضع.

مسار سعر صرف الرِّيال اليمني:

على الرَّغم ممَّا عانته اليمن نتيجة الصِّراع السِّياسي في عام 2011م، إلَّا أنَّ حكومة الوفاق الوطني استطاعت أن تحافظ على قيمة العملة اليمنيَّة في حالة استقرار نسبي، حيث كان سعر الصَّرف الرَّسمي يدور حول (215) ريـالًا للدُّولار الواحد.

غير أنَّ سعر الرِّيـال تعرَّض لتدهور مستمرٍّ على أثر الحروب الَّتي دشَّنها الحوثيُّون منتصف عام 2013م، والَّتي انتهت بسقوط العاصمة صنعاء بأيدي مليشيَّاتهم، في 21 سبتمبر 2014م، وما تبع ذلك مِن تدخُّل عسكري خارجي بقيادة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، في 26 مارس 2015م.

ساهمت ظروف الحرب في إيقاف عجلة التَّنمية، وتدهور حالة الاقتصاد، وتراجعها إلى الخلف بصورة مخيفة، وذلك بفعل تدمير البنى التَّحتيَّة، وتوقُّف معظم القطاعات الاقتصاديَّة، الحكوميَّة والأهليَّة، وفرار رأس المال الوطني والخارجي، والعبث بموارد الدَّولة ونهبها مِن قبل أطراف عدَّة فرضت سيطرتها على الأرض. كما خلَّفت الحرب تداعيات إنسانيَّة مروِّعة، نتيجة القتل والتَّهجير والنُّزوح والإصابات. كما حُرمت اليمنَ مِن الحصول على النَّقد الأجنبي نتيجة توقُّف الصَّادرات، في ظلِّ توقُّف الموانئ وتعطيلها.

وفي حين أنَّ اليمن تعتمد على استيراد 90% مِن السِّلع مِن الخارج، فقد استنزف تمويل شراء الاحتياجات والسِّلع الضَّروريَّة الاحتياطي النَّقد الأجنبي في البنك المركزي اليمني، ليتراجع مِن (4.6) مليار دولار مع نهاية 2014م إلى (700) مليون دولار فقط بحلول شهر سبتمبر 2016م. وهو ما دفع الحكومة الشَّرعيَّة لاتِّخاذ قرار بنقل البنك المركزي إلى عدن، في ذات الشَّهر.

ونظرًا لغياب موارد دخل للحكومة الشَّرعيَّة اتَّجهت إلى تغطية الرَّواتب مِن خلال إصدار طبعات جديدة مِن العملة الوطنيَّة. فقد تلقَّى البنك المركزي بعدن -في يناير 2017م- دفعة مِن الأوراق النَّقديَّة الجديدة (جرى طباعتها في روسيا) بلغت (200) مليار ريـال يمني. ومع نهاية عام 2019م، بلغت قيمة الأوراق النَّقديَّة الَّتي جرى طباعتها (1.7) تريليون ريـال يمني. ونتيجة لزيادة المعروض مِن العملة الوطنيَّة في مقابل محدوديَّة ما تحصل عليه الحكومة مِن عملة صعبة تراجع سعر الرِّيـال مِن (215) ريال للدُّولار الواحد نهاية 2014م، إلى (516) ريـال نهاية عام 2018م.

في تلك الفترة ساهمت الحكومة السُّعوديَّة بضخِّ وديعة بنكيَّة، قدرها (2) مليار دولار أمريكي، في مارس 2018م، لمساعدة البنك المركزي في عدن للحفاظ على درجة معقولة مِن الاستقرار في أسعار الصَّرف. وقد جرى توظيف الوديعة لدعم آليَّة تمويل الاستيراد، وفتح خطابات الاعتماد، لضمان توفير السِّلع الغذائيَّة الأساسيَّة في البلاد (كالقمح، والسُّكر، والأرز، والحليب، وزيت الطَّبخ)، وذلك مِن خلال سعر صرف تفضيلي. وهو ما ساهم في الحفاظ على استقرار نسبيٍّ لأسعار الصَّرف خلال الفترة مِن 2018م وحتَّى نهاية 2020م.

أسباب تدهور قيمة العملة اليمنيَّة:

إلى جانب الحرب وتداعياتها، ساهمت عوامل أخرى في تدهور الأوضاع الاقتصاديَّة، وانهيار سعر العملة، وغلاء تكاليف المعيشة. مِن هذه العوامل:

  • امتناع الحوثيِّين عن توريد موارد الدَّولة:

فقد احتفظ الحوثيُّون بالبنك المركزي في صنعاء، وشكَّلوا حكومة خاصَّة بهم، واستماتوا في جباية موارد ماليَّة مهولة، رافضين في الوقت ذاته تحويل تلك الموارد الخاصَّة بالدَّولة إلى البنك المركزي في عدن. وفي ذات الوقت امتنع الحوثيُّون عن دفع مرتَّبات الموظَّفين، وانخرطوا في حرب عملات متبادلة مع الحكومة الشَّرعيَّة. فقد حظروا في منتصف عام 2017م التَّعامل مع الاصدار الجديد للعملة اليمنيَّة، بعد أن كانوا قد سمحوا بالتَّعامل بها. كما نفَّذوا خلال عامي 2018م و2019م حملات واسعة لمنع تداول الطَّبعات الجديدة، وصادروا كميَّة كبيرة مِنها.

أنتج هذا الوضع نظامين مصرفيِّين متنافسين، وعمولات للحولات مبالغًا فيها، ومعاناة واسعة للمواطنين، وتدهورًا مستمرًّا في قيمة العملة.

وفي الوقت الَّذي استفاد الحوثيُّون مِن الوديعة السُّعوديَّة الَّتي ضمنت توفير السِّلع الأساسيَّة بأسعار معقولة في عموم مناطق البلاد، استفادوا كذلك مِن سيطرتهم على العاصمة صنعاء الَّتي تعدُّ المركز المالي الأكبر في البلاد، ومِن منعهم لوصول الطَّبعة الجديدة مِن العملة، وفرض رسوم باهضة لنقل الحوالات، في إبقاء سعر الصَّرف في مناطق سيطرتهم في حدود (600) ريـال يمني للدُّولار الواحد.

  1. إعاقة “المجلس الانتقالي” للحكومة الشَّرعيَّة:

عمد “المجلس الانتقالي” بسيطرته على مدينة عدن، ومناطق أخر في المحافظات الجنوبيَّة، إلى تعطيل مؤسَّسات الدَّولة، وإعاقة الحكومة الشَّرعيَّة عن ممارسة مهامها، والقيام بمسئوليَّاتها. وهو ما أثر سلبًا على مجمل الأوضاع الاقتصاديَّة للبلاد وخاصَّة في المناطق المحسوبة على “الشَّرعية”. فقد أعلن “المجلس الانتقالي”، في 25 أبريل 2020م، مَّا أسماه “الإدارة الذَّاتيَّة”، و”حالة الطَّوارئ” في المحافظات الجنوبيَّة. وأصدر رئيس ما سمِّي بـ”الإدارة الذَّاتيَّة”، أحمد بن بريك، قرارًا يفوِّض بموجبه جميع المؤسَّسات والأجهزة الإداريَّة في المحافظات الجنوبيَّة بإيداع إيراداتها في حساب بنكيٍّ خاصٍّ بـ”المجلس الانتقالي”، في البنك الأهلي اليمني. وجرى إجبار مكاتب الجمارك والضَّرائب، الَّتي تعمل في المنطقة الحرَّة بالمعلا وميناء الزِّيت في عدن، بايداع إيراداتها في ذات الحساب، وليس في البنك المركزي. كما أغلِقت مكاتب البنك المركزي في ميناء عدن، وصودر مبلغ (639) مليون ريـال يمني مِن إيرادات الرُّسوم الجمركيَّة، وتحويلها إلى حساب “المجلس الانتقالي” بالبنك الأهلي.

  • منع تصدير الغاز والنَّفط:

تبنَّت حكومة الإمارات العربيَّة المتَّحدة، الشَّريك الثَّاني في “التَّحالف العربي” والعمليَّات العسكريَّة في اليمن بعد السَّعودية، سياسة السَّيطرة على عدد مِن المواني اليمنيَّة، وتعطيل الحكومة الشَّرعيَّة عن تصدير الغاز والنَّفط؛ إذ تسيطر القوَّات الإماراتيَّة -حتَّى اليوم- على ميناء “بلحاف” بمحافظة شبوة، وتمنع تصدير الغاز والنَّفط مِنه. هذه السِّياسة الإماراتيَّة حرمت بدورها الحكومة اليمنيَّة ممَّا يقارب (6) مليار دولار سنويًّا، كان يمكن تحصيلها كعائدات لبيع النَّفط والغاز؛ أي مِن ثلثي دخل الحكومة مِن العملات الصَّعبة. وهو ما أدَّى إلى تدهور سعر الريـال اليمني، وفاقم مِن أزماته.

  • فساد وإهمال الحكومة الشَّرعيَّة:

اقتصر دور الحكومة الشَّرعيَّة في معالجاتها للوضع الاقتصادي والمالي على إصدار طبعات جديدة مِن العملة الوطنيَّة، والتَّعويل على الدَّعم الخارجي والمعونات الأجنبيَّة، مع غياب للحوكمة والشَّفافيَّة وإجراءات المراجعة لأداء البنك المركزي، وتفشٍّ واسع للفساد في مؤسَّساتها المختلفة؛ هذا مع انتظام صرف رواتب المسئولين بالدُّولار! وهناك شبهات حول طريقة إدارة الحكومة الشَّرعيَّة للوديعة السُّعوديَّة، إذ اتَّهم فريق الخبراء التَّابع لمجلس الأمن الدُّولي، في تقرير نشره في 25 يناير 2020م، كلًّا مِن الحكومة الشَّرعيَّة والبنك المركزي والتُّجَّار المستوردين للسَّلع الغذائيَّة بتسهيل اختلاس (423) مليون دولار مِن الوديعة السُّعوديَّة؛ وقلَّل مِن الاستفادة مِن نظام خطابات الاعتماد. مؤكِّدًا أنَّ أسعار السِّلع المستوردة بناء على السِّعر التَّفضيلي لم تكن ملموسة على نحو كبير.

انفجار وشيك وحلول ترقيعيَّة:

بالرَّغم مِن أنَّ قيمة الرِّيـال اليمني استمرَّت في التَّدهور، إلَّا أنَّها تهاوت بشكل سريع خلال الثَّلاثة الأشهر الأخيرة. فقد وصلت قيمة الدُّولار الواحد في المناطق التَّابعة للحكومة الشَّرعيَّة إلى أكثر مِن (1.700) ريـال يمني للدُّولار الواحد، قبل أن تعود إلى (1.400) ريـال يمني. هذا الانهيار أدَّى إلى ارتفاع صارخ في أسعار السِّلع والخدمات، ووسَّع مِن دائرة البؤس والحرمان، وجعل أعدادًا كبيرة مِن المواطنين على باب مجاعة محقَّقة؛ لا سيَّما وأنَّ قطاعًا كبيرًا مِنهم لم يستلم مستحقَّاته مِن المرتَّبات منذ ما يزيد على خمس سنوات تقريبًا، في حين لا تفي المرتَّبات لتوفير متطلَّبات الحياة الضَّروريَّة لمن يستلمها مِنهم!

وقد كان برنامج الأغذيَّة العالمي حذَّر مِن ارتفاع نسبة المجاعة في اليمن، وتدميرها لملايين العائلات؛ وأكَّد تقرير للبنك الدُّولي في نوفمبر الماضي أنَّ أكثر مِن 80% مِن المواطنين الآن تحت خطِّ الفقر، ومِن المتوقَّع أن تزداد النِّسبة نتيجة استمرار تردِّي الأوضاع المعيشيَّة.

ويهدِّد ارتفاع سعر الصَّرف وانهيار العملة الوضع التَّمويني في اليمن، ويجعله في حالة سيِّئة للغاية؛ فالمخزون الغذائي يشهد تناقصًا مستمرًّا. وقد حذَّرت الغرفة التِّجاريَّة والصِّناعيَّة في مدينة عدن -في السَّادس مِن شهر ديسمبر الجاري- مِن نقص مخزون السِّلع والمواد الغذائيَّة، وإفلاس عدد مِن الشَّركات، لعدم قدرة التُّجَّار على مجاراة الانهيار المتسارع للعملة، وضعف القدرة الشِّرائيَّة للمواطنين.

وقد تصاعدت ردود الأفعال الشَّعبيَّة نتيجة لذلك، فشهدت محافظات تعز وأبين احتجاجات شعبيَّة شارك فيها آلاف المواطنين؛ كما شهدت حضرموت -منذ السَّادس مِن الشَّهر الجاري- احتجاجات واسعة، وإضراب عدد مِن الشَّركات والمصانع والمؤسَّسات الحكوميَّة والأهليَّة، بدعوة مِن الهيئة الحقوقيَّة الحضرميَّة الشَّاملة.

في المقابل تفاعل عدد محدود مِن الشَّخصيَّات الرَّسميَّة مع قضيَّة انهيار العملة، فقد طالب ستَّة عشر عضوًا في مجلس النُّوَّاب، مِن مختلف الكتل السِّياسيَّة، باستجواب رئيس الوزراء؛ وهدَّد وزير الصِّحَّة، قاسم بحيبح، بتقديم استقالته في حال لم تقم الحكومة بمعالجات حقيقيَّة للوضع الاقتصادي.

وبالرَّغم مِن الوضع الكارثي الَّذي وصلت إليه الأوضاع الاقتصاديَّة في اليمن، لم تقم دول “التَّحالف العربي”، خاصَّة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، بأيِّ عمل مِن شأنه إيقاف التَّدهور الحاصل، بالرَّغم مِن مسئوليَّتها الأخلاقيَّة والقانونيَّة عن التَّطوُّرات الحاصلة فيه. وبخلاف ذلك، أعلنت الرِّياض أنَّها مستمرَّة في دعم الاحتيطات الأجنبيَّة للدُّول المحتاجة أثناء جائحة كورونا، فـ”قدَّمت في نوفمبر 2021م وديعة بقيمة (3) مليار دولار للبنك المركزي المصري، بالإضافة إلى تمديد الودائع السَّابقة بمبلغ (2.3) مليار دولار”، وأودعت كذلك (3) مليارات دولار في البنك المركزي الباكستاني، مع تقديم (1.2) مليار دولار لتمويل التِّجارة لدعم ميزان المدفوعات لباكستان.

أمَّا الحكومة الشَّرعيَّة فقد تركَّزت جهودها حول المسارات التَّالية:

  1. طلب مساعدة سعوديَّة عاجلة: حيث سلَّم رئيس الجمهوريَّة، ونائبه، السَّفير السُّعودي لدى اليمن، رسالة إلى وليِّ العهد السُّعودي، محمَّد بن سلمان، طلبا فيها تدخُّلًا عاجلًا مِن المملكة لإنقاذ العملة اليمنيَّة.
  2. إعفاء محافظ البنك المركزي السَّابق، وتعيين محافظ جديد للبنك وهو (أحمد المعبقي)، وتعيين عدد مِن الأعضاء الجدد في مجلس إدارة البنك؛ والطَّلب مِن جهاز الرَّقابة والمحاسبة مراجعة أنشطة البنك.
  3. إقرار دعم الأفران والمخابز، وذلك بعد ارتفاع سعر رغيف العيش الواحد إلى مائة ريـال يمني، حيث كلَّفت الحكومة وزارة الصِّناعة والتِّجارة بإعداد تصوُّر شامل حول ذلك، وتقديمه بشكل عاجل للمناقشة والإقرار.

السِّيناريوهات المحتملة:

لا ترقى المعالجات الَّتي قامت بها الحكومة الشَّرعيَّة إلى مستوى الأزمة الَّتي تعيشها اليمن، رغم أنَّها أحدثت تعافيًا طفيفًا في قيمة الرِّيال اليمني؛ غير أنَّ هذا لا يعني معالجة جذور المشكلة، ولهذا فإنَّ الآثار الكارثيَّة للأزمة لا زالت قائمة، وقد تفضي إلى تداعيات واسعة لا يمكن السَّيطرة عليها، وقد تأخذ المسارات المحتملة لهذه الأوضاع إحدى السِّيناريوهات التَّالية:

السِّيناريو الأوَّل: تدخُّل سعودي وإجراءات حكوميَّة محدودة:

يفترض هذا السِّيناريو تدخُّل السُّعوديَّة للحدِّ مِن انهار قيمة الريـال اليمني، مِن خلال كلِّ أو بعض المعالجات التَّالية:

  1.  تقديم وديعة ماليَّة سعوديَّة جديدة للبنك المركزي في عدن.
  2. الضَّغط باتِّجاه انسحاب القوَّات الإماراتيَّة مِن ميناء بلحاف، والسَّماح للحكومة الشَّرعيَّة بتصدير الغاز والنَّفط.
  3. الضَّغط على الحكومة الشَّرعيَّة لتنظيم الصَّرفيَّات وضمان درجة معقولة مِن الحوكمة والشَّفافيَّة.
  4. ممارسة الضَّغط على حكومة الإمارات، و”المجلس الانتقالي”، للسَّماح للحكومة بالقيام بمهامها وأعمالها.

هذا السِّيناريو مِن شأنه أن يحدَّ مِن انهيار العملة، ويخفِّف مِن حدَّة الأوضاع الاقتصاديَّة، ويبقي أسعار الصَّرف والسِّلع والخدمات في حدود معقولة؛ وهو ما سينعكس إيجابيَّا على الاستقرار النِّسبي، لكنَّه لا يضمن استقرار الأوضاع الاقتصاديَّة على المدى البعيد.

يؤيِّد هذا السِّيناريو شواهد عدَّة:

  1. خشية السُّعوديَّة والمجتمع الدُّولي مِن ردود أفعال شعبيَّة قد تُغرق اليمن والمنطقة في فوضى واضطرابات، وتدفع باتِّجاه اللُّجوء إلى دول الجوار.
  2. تقديم الرِّئاسة اليمنيَّة طلبًا للحكومة السُّعوديَّة للحصول على وديعة بنكيَّة.
  3. الضُّغوط الدُّوليَّة على السُّعوديَّة باعتبارها مسئولة سياسيًّا وقانونيًّا عن التَّطوُّرات الجارية في اليمن منذ مارس 2015م.

ويعترض هذا السِّيناريو عدَّة عوامل، مِنها:

    1. التَّجاهل السُّعودي، إمَّا اعتراضًا على طريقة إدارة الوديعة السَّابقة، أو نتيجة سلوك “المجلس الانتقالي” الَّذي رفض الانصياع لتنفيذ “اتِّفاق الرِّياض”، أو لرغبتها في إبقاء الوضع في اليمن في حالة خطرة لتخفيف الضُّغوط الدُّوليَّة التي تتعرض لهل لإيقاف الحرب، أو لعدم رغبتها في التَّورُّط أكثر في الواقع اليمني، أو لكلِّ العوامل السَّابقة.
  • ضعف جدِّيَّة الحكومة الشَّرعيَّة، وتواكلها على الدُّور السُّعودي، الأمر الَّذي لا يحفِّز الرِّياض للمضيِّ قدمًا في مثل هذا الإجراء.

السِّيناريو الثَّاني: تجاهل سعودي وتعاطٍ حكوميٍّ جادٍّ:  

يقوم هذا السِّيناريو على غياب التَّدخُّل السُّعودي، واستشعار الحكومة الشَّرعيَّة للمخاطر المتوقَّعة، فتبادر إلى اتِّخاذ إجراءات جدِّيَّة، مِنها عودة عدد كبير مِن المسئولين الحكوميِّين إلى المناطق المحرَّرة، وتسليم رواتبهم بالرِّيال اليمني، بدلًا عن الدُّولار، واتِّخاذ إجراءات للحدِّ مِن الفساد والمحسوبيَّة، وضبط مصروفات الحكومة، والضَّغط على دول التَّحالف للسَّماح بتصدير الغاز والنَّفط.

في ظلِّ هذا السِّيناريو سيظلُّ الوضع الاقتصادي يعاني مِن الصُّعوبات، لكنَّ المواطن اليمني سيلمس قدرًا مِن جدِّيَّة الحكومة؛ وهو ما سيخفض إلى حدٍّ ما مِن الاحتقان الشَّعبي في المناطق التَّابعة للشَّرعيَّة.

السِّيناريو الثَّالث: تجاهل سعودي ومعالجات حكوميَّة غير كافية:

يفترض هذا السِّيناريو استمرار السُّعوديَّة في تجاهل الأزمة الاقتصاديَّة والوضع المعيشي الصَّعب في اليمن، وعجز الحكومة اليمنيَّة عن التَّعاطي مع التَّداعيات الكارثيَّة لهذه الأزمة، أو قيامها بمعالجات محدودة لا تتَّسق مع حجم الكارثة، ولا تلامس المطالب الشَّعبيَّة، ولا تمسُّ الامتيازات الماليَّة الخاصَّة بالمسئولين الحكوميِّين، ممَّا قد يؤدِّي إلى استمرار تردِّي الوضع المعيشي وتنامي حالة السَّخط الشَّعبي، واتِّساع دائرة الاحتجاجات وإضراب المؤسَّسات والشَّركات والمصانع، وتوقُّفها عن العمل. وقد يدفع ذلك إلى انفجار الوضع، وحدوث ثورة جياع، تغرق اليمن والمنطقة في حالة مِن الفوضى.

ويستند هذا السِّيناريو إلى الشَّواهد التَّالية:

  1. تجاهل السُّعوديَّة لما يجري.
  2. مماطلة الحكومة اليمنيَّة في اتِّخاذ إجراءات جادَّة، تحت الادعاء بأولوية المعركة مع الحوثيِّين.
  3. تعويل الحكومة اليمنيَّة على إمكانيَّة حدوث تدخُّل سعودي.
  4. الرِّهان على إمكانيَّة تلاشي الغضب الشَّعبي.

السِّيناريو المرجَّح:

ترجِّح المؤشرات في الأرض السِّيناريو الثَّالث؛ إذ لم يصدر عن السُّعوديَّة حتَّى الآن ما يشير إلى إمكانيَّة تدخُّلها بتقديم وديعة جديدة. وتقوم الحكومة بعدد مِن الإجراءات غير أنَّها لا تصل إلى ترتيب حقيقي لماليَّة الدَّولة بحيث تحدُّ مِن الفساد وسوء الإدارة وتضمن قدرًا مِن التَّقشُّف والشَّفافيَّة.

ما يعني بقاء المعاناة والسَّخط الشَّعبي في أعلى مستوياتهما، وهو ما قد يوسِّع مِن حركة الاحتجاجات الشَّعبيَّة، ويضع اليمن في حافة الانفجار؛ ويبقى حجم الانفجار مرتبطًا بالسِّياسات التَّدخُّليَّة السُّعوديَّة واتِّخاذ الحكومة اليمنيَّة لإجراءات تصحيحيَّة مؤلمة مِن عدمه.

توصيات:

للحكومة السُّعوديَّة: حيث أن المملكة تتحمل كامل المسؤولية عن التطورات في اليمن، وفي سياق الكارثة الشعبية الناتجة عن تدهور سعر الصرف، هناك أولوية للعمل في ثلاث مسارات متكاملة: تقديم وديعة بنكية سعودية إلى البنك المركزي في عدن بصورة عاجلة، ممارسة ضغوط على دولة الإمارات لتمكين الحكومة الشرعية من تشغيل ميناء بلحاف، والعمل بهامش واسع في العاصمة المؤقتة عدن، والضغط باتجاه ضمان قدر معقول من الحوكمة والشفافية في تعاطي الحكومة الشرعية مع المالية العامة للدولة.

للحكومة اليمنيَّة: يمثِّل استعادة الدَّولة وإداراة الموارد المتاحة والتعاطي مع التحديات المختلفة شأنًا يمنيًّا صرفًا، وعليه فالحكومة الشَّرعيَّة مطالبة بترتيب ماليَّة الدَّولة، والحدِّ مِن الفساد، وإعادة النَّظر في الصَّرفيَّات المبالغ فيها، والاهتمام بحاجات الشَّعب وضروريَّات عيشه، والتفكير الجدي في عودة معظم مسؤلي الدولة إلى المناطق المحررة. 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى