النفط في اليمن دراسة حقائق ومؤشرات

Getting your Trinity Audio player ready...

مقدِّمة:

بدأ إنتاج النَّفط في اليمن عام 1986م، وبدأ في الانخفاض -وما زال- منذ عام 2003م، ما أدَّى إلى وضع اليمن أمام تحدِّيَّات كبيرة، أبرزها صعوبة قيام الدَّولة في تمويل مشاريعها التَّنموية والإيفاء بذلك أمام المجتمع.

لعلَّ مِن الأسباب الرَّئيسة في تردِّي الوضع العام لقطاع النَّفط في فترة ما قبل الحرب الحالية وجود ضعف في البنية المؤسَّسيَّة والتشريعية، وغياب بعض السِّياسات والبرامج الهادفة في تنمية الثَّروة النَّفطيَّة، كغياب خطَّة إستراتيجية طويلة الأجل لقطاع النَّفط، وجمود سياسات وبرامج الحكومات المتعاقبة منذُ قيام الوحدة اليمنية، وعدم قدرتها على توفير الأموال والتَّقنيات الحديثة اللَّازمة للنُّهوض بالقطاع النَّفطي، وحاليًّا لم تتمكَّن الحكومة “الشَّرعيَّة” حتَّى الآن مِن بلوغ الهدف المحدَّد في تنمية الثَّروة النَّفطيَّة، بسبب ما تواجهه مِن معوِّقات وتحدِّيات وعقبات فرضتها ظروف الحرب والصِّراع.

وممَّا زاد مِن مشكلة تنمية الثَّروة النَّفطيَّة في اليمن انعدام الأمن، وتعرُّض بعض المنشآت النَّفطيَّة للتَّخريب والتَّدمير، واعتماد الدَّولة بشكل كلِّي على قطاع النَّفط في تمويل الموازنة العامة، في ظلِّ إهمال شبه تامٍّ مِن قبل الحكومات المتعاقبة في تنمية القطاعات الواعدة الأخرى الصِّناعيَّة، والسِّياحيَّة، والزِّراعيَّة، والسَّمكيَّة.

وخلال السَّنوات المنصرمة، وتحديدًا في فترة ما قبل عام 2014م، لعب قطاع النَّفط في اليمن دورًا ملحوظًا في النَّشاط الاقتصادي، وتمويل محدود لبرامج التَّنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. فقد ساهم قطاع النَّفط بـ24.1% مِن النَّاتج المحلِّي الإجمالي، وما يقارب 90% مِن الصَّادرات السِّلعيَّة الخارجيَّة، و75% مِن إجمالي إيرادات الموازنة العامَّة للدَّولة، وتعتبر عائدات النَّفط أهمَّ مصادر تدفُّق العملة الصَّعبة الَّتي تغذِّي الاحتياطيَّات الخارجيَّة مِن النَّقد الأجنبي، وتموِّل واردات السِّلع الغذائيَّة وغير الغذائيَّة، وتدعم استقرار سعر الصَّرف.

أمَّا الفترة (2015م-2020م) فقد مثَّلت مرحلة تحوُّل استثنائيَّة في تاريخ قطاع النَّفط في اليمن واقتصاده الوطني، بسبب انسحاب الشَّركات النَّفطيَّة المشغِّلة مِن معظم القطاعات النَّفطيَّة، وتوقُّف أعمال الاستكشاف كليًّا، وإعلان تلك الشَّركات حالة القوَّة القاهرة في تلك القطاعات، وتوقف الإنتاج النَّفطي جزئيًّا في بعض القطاعات الإنتاجية، ومِن ثمَّ ترتَّب على ذلك أثار سلبيَّة، وخسائر اقتصاديَّة كبيرة، على اليمن والقطاع الخاص المستثمر. وتقدَّر هذه الخسائر بعشرات المليارات مِن الدُّولارات. فقد انكمش النَّاتج المحلِّي لقطاع النَّفط والغاز بحوالي 74.5% عام 2015م، ليصل الانكماش التَّراكمي عام 2019م إلى 80.1%، مقارنة بما كان عليه في عام 2014م.

ويكتسب إعادة دعم وإنعاش وتعافي القطاع النَّفطي أهميَّة بالغة، باعتباره مِن أهمِّ مصادر النَّقد الأجنبي، لمساهمته بقوَّة في تحسين المؤشِّرات والموازين الاقتصاديَّة الكلِّيَّة، بما في ذلك الاحتياطيَّات الخارجيَّة مِن النَّقد الأجنبي، وتوفير سيولة في الموازنة العامة، والجهاز المصرفي، والحدِّ مِن تصاعد أزمة سعر الصَّرف.

إنَّ الحفاظ على هذا المورد المهم هو مِن اختصاص وزارة النَّفط والمعادن بدرجة أساسيَّة، وهي مَن يقع على عاتقها تنميته، والبحث عن اكتشافات نفطية جديدة فيه. فاليمن لا يزال دولة المستقبل بالنِّسبة للصِّناعة النَّفطيَّة، لكنَّه في أمسِّ الحاجة إلى صياغة حديثة لهذا القطاع؛ يرافق ذلك الاهتمام بتوسيع وتطوير أعمال التَّنقيب عن النَّفط والغاز على المدى الطَّويل في إطار خطط منهجيَّة وعلميَّة، لا في مناطق شبوة ومأرب والمسيلة فقط، بل في المساحات الأخرى وفي المياه الإقليميَّة، وهذا بحدِّ ذاته طريق طويل، وعمليَّة ذات جوانب عديدة ومتكاملة، لأنَّ التَّنقيب هو الوسيلة لكشف الموارد وزيادة المعارف التي بدورها تقود إلى نجاحات متلاحقة.


مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى